بعد عام ونصف العام من دعم الإبادة.. لماذا بدأ الغرب ينقلب على حكومة نتنياهو؟

بصورة لافتة يتضاءل الدعم الذي منحته الحكومات الغربية لنتنياهو لإبادة غزة
خلال الأيام الأخيرة، بدت عزلة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلية أكثر من أي وقت مضى على الساحة الغربية؛ خاصة أنه لم يعد من الممكن كبح جماحه في حرب الإبادة الجماعية على غزة.
وعلى رأس هذه الدول، نجد إسبانيا؛ حيث صادق البرلمان الإسباني أخيرا على حظر بيع الأسلحة للكيان الإسرائيلي بعد عام ونصف العام من الإبادة، بحسب صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية.
حكومة بربرية
وقالت الصحيفة: إن الهجوم البري الجديد على قطاع غزة المنهك بسبب الحرب والمصير غير المؤكد للسكان الذين خاضوا حوالي 20 شهرا من الحرب، وحرموا خلال الشهرين الأخيرين من إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية؛ كانت من الأسباب الرئيسة التي أسهمت في تسريع العزلة الدولية لنتنياهو وحكومته، الأكثر تطرفا في التاريخ.
وخلال الفترة الأخيرة، تضاءل الدعم الذي منحته الحكومات الغربية لنتنياهو والذي حظي به لمدة سنة ونصف السنة.
وجاءت هذه الخطوة بعد أن أنهكت الحرب المدمرة قطاع غزة، وحصدت أكثر من 53 ألف ضحية، إلى جانب 150 ألف جريح.
ويضاف إلى ذلك التداعيات الأمنية التي تترتب عن مواصلة الحرب، التي تغذي بدورها الغضب في الشارع العربي.
كما أن هناك شعورا متناميا، داخليا وخارجيا، بأنه ليست هناك إستراتيجية تحكم حرب نتنياهو، وأن استدامة العملية العسكرية لا تهدف إلا لضمان بقائه على قيد الحياة، سياسيا.
وضمان بقاء حكومته، المكونة من الجناح الأكثر تأييدا لاحتلال القطاع والتطهير العرقي والرفض القاطع لأي وصول للمساعدات الإنسانية.
ودون هوادة، أمطرت الإدانات ضد إسرائيل. إذ أكد الاتحاد الأوروبي، أن الاقتراح الذي قدمته هولندا لمراجعة اتفاقية الشراكة بين دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين وإسرائيل حظي بدعم كاف للموافقة عليه.
وأشارت كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في المؤسسة الأوروبية، إلى أنها ستطلب مراجعة، على الرغم من أن بروكسل تؤكد أن القرار قابل للتراجع وهو رهينة التقدم الذي يمكن إحرازه.
من جهتها، أكدت فرنسا دعمها لمراجعة اتفاقية الشراكة في ضوء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والمخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة.
وتجدر الإشارة إلى أنه في سنة 2022، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على استئناف الحوار السنوي مع إسرائيل من خلال مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والذي تم تعليقه منذ سنة 2012 بسبب التوترات السياسية.
وبالمثل، اتخذت المملكة المتحدة وفرنسا وكندا خطوات جدية في الغرض، وأصدرت بيانا مشتركا حذرت فيه من أنها ستتخذ "إجراءات ملموسة" إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة.

ترامب “مستاء”
وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن إصرار الحكومة الإسرائيلية على تصعيد الحرب في غزة مجددا تسبب في تصدع علاقة الكيان بإدارة ترامب، وسط جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بوساطة قطر ومصر والتي تم تعليقها مؤخرا.
واعترف رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني علنا بأن الفلسطينيين "لن يذهبوا إلى أي مكان آخر".
وقالت مصادر قطرية لصحيفة "الإندبندينتي": إنه لا يوجد أمل في تحقيق أي تقدم.
ووفقا لما جاء في موقع أكسيوس، عبّر ترامب عن إحباطه جراء الصراع المستمر في غزة والأزمة الإنسانية التي تسبب فيها، حيث أصبح مليونا شخص على شفا المجاعة ويعانون من النزوح القسري المستمر.
وبحسب مسؤولين أميركيين، حث ترامب مستشاريه على نقل رغبته في "إنهاء" الصراع إلى رئيس الوزراء، نتنياهو.
وقال مسؤول في البيت الأبيض: "يشعر الرئيس بالاستياء إزاء ما يحدث في غزة. إنه يريد انتهاء الحرب، ويريد عودة الرهائن إلى ديارهم، ويريد إرسال المساعدات، والبدء في إعادة إعمار غزة".
وبينت الصحيفة أن الإسرائيليين والأميركيين ينفون شائعات أن ترامب يفكر في سحب دعمه لإسرائيل.
إلا أن هذه الحقيقة لا تخفي الاختلافات في نهجيهما: حيث يسعى ترامب إلى حل الصراع، في حين يبدو نتنياهو مصرا على تصعيده.
وبعد زيارته إلى الشرق الأوسط، يعتقد ترامب أن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب أمر مرغوب فيه.
وتمارس الولايات المتحدة ضغوطا على إسرائيل وحماس لقبول اقتراح جديد قدمه مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف لتسوية قضية الرهائن ووقف إطلاق النار.
ويتحدث ويتكوف بشكل مباشر مع نتنياهو ومستشاره الكبير رون ديرمر ومع قادة حماس من خلال قناة سرية ييسرها رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي، بشارة بحبح.

حبر على ورق
ونقلت الصحيفة أن الصدع بين نتنياهو وترامب يتجلى على صعيد آخر: ويتمثل في المحادثات مع إيران.
وقد أجرى ترامب محادثات مع نتنياهو بشأن اتفاق نووي محتمل مع إيران، موضحا أنه يفضل الدبلوماسية ولكنه على استعداد للنظر في الحل العسكري إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وبالمثل، تجلى هذا التوتر الكامن في مثال آخر. وكان من المقرر أن يواصل نائب الرئيس الأميركي جيمس ديفيد فانس، الذي سافر إلى روما لحضور القداس الافتتاحي للبابا ليون الرابع عشر، رحلته إلى تل أبيب.
لكن أدى عدم تحقيق تقدم في المحادثات وقرار نتنياهو بمضاعفة الهجوم العسكري، إلى إبقاء الزيارة إلى الكيان مجرد حبر على ورق.
ويتجلى هذا التباعد في نقطة أخرى، اختزلها قرار ترامب بالتصرف بشكل أحادي الجانب لتأمين إطلاق سراح الرهينة الأميركي الإسرائيلي إيدان ألكسندر، بدلا من انتظار موافقة إسرائيل على اتفاق أوسع.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية، وافقت على دخول 100 شاحنة مساعدات إلى غزة، بعد أن واجهت انتقادات دولية بسبب السماح بدخول ست شاحنات فقط.
ولكن لم تصل أي من الشاحنات إلى وجهتها بسبب مشاكل لوجستية وأمنية، بحسب ما ذكرت الأمم المتحدة في تقريرها اليومي. وعلقت الشاحنات التي تحمل في الغالب أغذية الأطفال على الجانب الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم.
ومن واشنطن، فسّرت موافقة إسرائيل على زيادة عدد الشاحنات، على النقيض من رأي الوزراء الأكثر تشددا في الحكومة الإسرائيلية، على أنها تنازل أمام الضغوط الدولية المتزايدة.
وعلى الرغم من ذلك، يظل خطاب الحكومة الإسرائيلية مصمما على تحدي أي شخص يشكك في إستراتيجيتها.