اتفاقية الشراكة بين إيران والهند.. ما علاقتها بصفقات السعودية وأميركا؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

في خضم جولة التصعيد الأخيرة بين الهند وباكستان، وحين بدت نيودلهي وكأنها خسرت المعركة؛ وقعت إيران بشكل مفاجئ اتفاقية تعاون إستراتيجي مع الهند.

وبحسب موقع "سوهو" الصيني، فإن "هذه الخطوة لم تثر السخرية فحسب، بل جعلت عبارة (إيران الحمقاء) موضوعا ساخنا للنقاش".

مع ذلك، رأى أن "هذه الخطوة (الغبية على ما يبدو) من إيران كشفت السبب وراء قرار السعودية، في ظل التوترات الحادة بين الولايات المتحدة والصين، وتفاقم أزمة الدين الأميركي، وتصاعد الاضطرابات العالمية؛ توقيع أكبر صفقة شراء أسلحة في التاريخ مع الولايات المتحدة".

وعزا كل تلك التطورات إلى "تعقيدات الشطرنج السياسي في الشرق الأوسط؛ حيث تتحرك جميع القطع بهدف البقاء على قيد الحياة، في ظل عاصفة جيوسياسية لا تزال في بدايتها".

"أقل الضررين" 

استهل الموقع تقريره بالإشارة إلى أن "اندلاع الصراع الهندي الباكستاني في عام 2025 يُعد أعنف مواجهة عسكرية شهدتها جنوب آسيا في السنوات الأخيرة".

لكن هذا الصراع ليس مجرد عنوان لتفوق سلاح الجو الباكستاني باستخدام مقاتلات (جيه إف-17 ثاندر) المحلية الصنع لتدمير مقاتلات الهند من طراز سو-30، ولا يقتصر على استخدام أسراب الطائرات المسيرة التي حولت الحدود الهندية إلى ما يشبه خلية نحل.

بل إنه امتداد دقيق للعلاقات بين الصين وأميركا، والصين وروسيا، والصين والهند، وحتى للتوازنات في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ثم انتقل الموقع للتركيز على العلاقات الإيرانية الهندية قائلا: "في اللحظات الأخيرة قبل هزيمة الهند، هزت الأوساط الدولية أنباء زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى نيودلهي".

حيث وقّعت إيران والهند "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين إيران والهند"، وتغطي هذه الاتفاقية مجالات الاقتصاد والثقافة والأمن.

ورأى أن "التوقيت الحرج لهذه الخطوة وأهمية الاتفاقية أثار التساؤلات حول (جنون إيران)".

ورد الموقع على منتقدي هذه الخطوة بالقول: إن من يفهم تعقيدات السياسة الجيوسياسية يدرك أن هذه الخطوة ليست (جنونا) ولا (حماقة)، بل خيار إستراتيجي اضطراري في ظروف بالغة الصعوبة.

وأضاف: "لم تتطور العلاقات بين إيران والهند بين عشية وضحاها. ففي ظل العقوبات الأميركية المستمرة على إيران، كانت الهند أكبر مستورد للنفط الإيراني".

فمنذ عام 2012، استوردت الهند أكثر من مليوني برميل يوميا من النفط الإيراني، وبالرغم من تجاوز الصين للهند في هذا المجال بعد عام 2018، إلا أن الهند ظلت واحدة من شرايين الحياة النفطية لإيران.

وقدَر أنه "في هذه اللحظة الحرجة، ومع تصاعد الصراع الهندي الباكستاني، تواجه إيران ثلاثة ضغوط رئيسة؛ حيث إن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي تعتمد عليه إيران للارتباط بالصين، مهدد بسبب الحرب".

وتابع: "ثانيا، تمثل التوترات الدينية هاجسا آخر، حيث تعد باكستان دولة سنية، بينما إيران قوة شيعية، مما يعقد العلاقات بينهما".

وأضاف: "وأخيرا، تخطط الولايات المتحدة لجولة جديدة من الحصار العسكري ضد إيران في الشرق الأوسط. وبمجرد عزل طهران فإن العواقب ستكون كارثية".

لذلك، رأى أنه "من أجل الحفاظ على الهند كمشترٍ رئيس للنفط، ومحاولة لعب دور (الوسيط) لتهدئة التوترات ومنع انهيار الوضع؛ اضطرت إيران للمراهنة على الهند"..

وأردف: "وحتى لو بدا هذا القرار للعالم الخارجي وكأنه (مراهنة خاطئة)، فإنه بالنسبة لإيران مجرد خيار يمثل (أقل الضررين)".

خيارات محدودة

في المقابل، يعتقد الموقع الصيني أنه "إذا كانت خطوة إيران محرجة، فإن تحركات السعودية تبدو محسوبة بعناية فائقة".

وفي مايو/ أيار 2025 زار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض، الرياض كأول وجهة في الشرق الأوسط، معلنا توقيع أكبر صفقة بيع أسلحة في التاريخ بين السعودية والولايات المتحدة، بقيمة 142 مليار دولار، تشمل أنظمة دفاع جوي، وتكنولوجيا صواريخ، ومنصات طائرات مسيرة، ومعدات حرب إلكترونية متطورة.

وأثارت هذه الصفقة حيرة الكثيرين، فالولايات المتحدة تعاني من تراجع المصداقية عالميا، بعد تنازلات في المفاوضات مع الصين وتخفيض التعريفات الجمركية، مما بدا للبعض كـ (استسلام).

كما أن هيمنة الدولار تواجه تحديات مع تسارع وتيرة (التخلص من الدولار) عالميا، ولم يعد الجيش الأميركي في الشرق الأوسط يتمتع بالهيبة التي كان عليها سابقا، فلماذا لم تبتعد السعودية عن أميركا، بل اقتربت منها وأنفقت هذا المبلغ الضخم؟

ويعتقد الموقع أن "الإجابة تكمن في ثلاث نقاط، تشير إلى أن الرياض أكثر وعيا من طهران". 

فأولا، تريد السعودية ضمان الحماية السياسية من أميركا؛ حيث إن السعودية هي الركيزة الأساسية لنظام الدولار النفطي. ومنذ تصميم كيسنجر لنظام (النفط مقابل الدولار)، تعتمد الولايات المتحدة على السعودية لتثبيت مكانة الدولار عالميا.

وحتى مع الميل الراهن للأوضاع نحو الشرق، لا تجرؤ السعودية على التخلي التام عن معسكر الدولار، وإلا فإنها ستدمر أسسها الخاصة.

وفي ظل الواقع الذي يتزايد فيه النشاط الإيراني، وتطلعات إسرائيل المتصاعدة، والاستفزازات المتكررة من  الحوثيين في اليمن؛ فإن أكبر مخاوف السعودية تتمثل في أن تفقد مركزيتها الإقليمية.

فشراء الأسلحة الأميركية لا يهدف فقط إلى تعزيز القوة العسكرية، بل هو وسيلة لربط الولايات المتحدة بأمن السعودية، فبمجرد قبول الأموال، تصبح الولايات المتحدة ملزمة بالتدخل.

علاوة على ذلك، فإن شراء الأسلحة هو أيضا شراء للنفوذ. ففي ظل التنافس بين الصين والولايات المتحدة، تسعى السعودية للحفاظ على مرونة موقفها بين الطرفين، وهي إستراتيجية تتطلب تعزيز الترسانة العسكرية وتقوية العلاقات مع القوى الكبرى لتتمكن من لعب دور فاعل في الصراع العالمي.

لذا، رأى الموقع أن "حماقة إيران تكمن في محدودية خياراتها، مما يجعل تحركاتها تبدو متسرعة، بينما يكمن (ذكاء) السعودية في ثروتها النفطية ومكانتها الإقليمية؛ حيث تنفق أموالا طائلة لتحصل على ضمانات أعلى للبقاء".

لعبة البقاء

وعزا الموقع هذين الحدثين إلى محرك واحد يحكم العلاقات الدولية فقال: "إن فهم دوافع إيران للتوقيع العاجل على الاتفاقية، وفهم أسباب إنفاق السعودية الضخم على الأسلحة، هو في الأساس فهم المنطق الحقيقي لسلوك الدول في هذا العصر المضطرب".

وأوضح مقصده: "ليس الأمر متعلقا بانحياز أي دولة إلى طرف معين، بل بمن يستطيع تجنب أن يكون مجرد أداة في يد الآخرين".

واستطرد: "إن الصراع الهندي الباكستاني قد يكون حربا محلية، لكنه أصبح شرارة لإعادة ترتيب القوى العالمية".

واسترسل: "في الخلفية، تستمر المواجهة الإستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة؛ حيث تسعى الأخيرة لتجميع حلفائها التقليديين، بينما توسع الصين نفوذها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا ودول الحزام والطريق".

ولذلك، يفسر الموقع خطوة إيران على أنها "محاولة لكسب مساحة للتنفس، مع أنها تبدو وكأنها تقطع الطريق على نفسها". 

وأردف: "وعلى نفس المنوال، لا تعني الصفقة العسكرية الضخمة بين السعودية والولايات المتحدة، والتي قد تثير شكوك الصين؛ الانحياز الكامل، بل هي إستراتيجية لربط مصيرها بالقوى الكبرى لضمان مكانتها في النظام العالمي الجديد القادم".

وفي النهاية، خلص التقرير إلى أن "كل هذه التحركات تدور حول كلمة واحدة: الأمن؛ حيث إن إيران تفتقر إلى الأمن، فتبدو (حمقاء)، بينما تستطيع السعودية شراء الأمن، فتبدو (مستقرة)".

"أما الولايات المتحدة، فتعتمد على بيع (الشعور بالأمان) للحفاظ على ما تبقى من هيمنتها"، حسبما ذكر الموقع.

وأردف: "في هذا المسرح الدولي المتغير بسرعة، حتى الدول الصغيرة أو الضعيفة يجب أن تتصرف كلاعب قوي؛ لأن الضعف يعني الهلاك".

وتساءل: “هل ستنجح رهانات إيران في تحقيق أمن طويل الأمد؟ وهل ستحصل السعودية على ضمانات حقيقية بأموالها، أم أن كل ذلك مجرد وهم؟”

"في هذه اللعبة الجيوسياسية المعقدة، تبدو اختيارات إيران والسعودية متباينة تماما، لكنها تعكس حقيقة أن البقاء هو الهدف الأول لأي دولة في بيئة دولية مضطربة"، يقول الموقع.

ورأى أن "حماقة إيران الظاهرية تخفي خلفها استجابة اضطرارية لتحديات الواقع وتعديلا إستراتيجيا، بينما يعكس إنفاق السعودية الباهظ محاولة ذكية لشراء الأمن والنفوذ".

مؤكدا أن "كلا الطرفين يسعى بطريقته لإيجاد موطئ قدم في إعادة تشكيل القوى العالمية".

ومع ذلك، أشار إلى أن "الوضع لا يزال غامضا، والعاصفة لم تبدأ بعد بالكامل، ومستقبل الشرق الأوسط، بل والنظام العالمي بأسره، سيستمر في التطور نتيجة هذه الصراعات".

وفي معرض إجابته على سؤال: "من سيتمكن من السيطرة على زمام المبادرة، ومن سيغرق في أمواج التاريخ؟"، أشار إلى أن "الإجابة لم تتضح بعد، لكن من المؤكد أن هذه ليست مجرد مواجهة بين (الحماقة) و(الذكاء)، بل هي صراع يتطلب الحكمة والصبر والرؤية البعيدة".

واختتم مؤكدا على أنه "في مواجهة الاضطرابات، لا ينجو إلا من يمتلك التخطيط العميق والقدرة على التكيف".