من "عدم الانحياز" إلى التواطؤ بإبادة غزة.. كيف انقلبت الهند على نفسها؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تشهد السياسة الخارجية الهندية التاريخية المناهضة للإمبريالية تحولا جذريا في عهد ناريندرا مودي؛ حيث تُقيم البلاد تحالفا إستراتيجيا وأيديولوجيا عميقا مع الكيان الإسرائيلي على حساب روابطها التاريخية مع دول الجنوب العالمي والعالم الإسلامي.

وفي مقال له نشره مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات، وصف البروفيسور محيي الدين أتامان، "الهند الجديدة" بأنها "الحليف غير الغربي الأبرز لإسرائيل".

تحول جذري

وقال أتامان -الذي يشغل حاليا منصب مدير دراسات السياسة الخارجية في مركز سيتا- إن الهند شهدت تحولا جذريا في توجه سياستها الخارجية، فقد كانت في السابق من قادة "حركة عدم الانحياز" وعالم ما بعد الاستعمار (العالم الثالث آنذاك، والآن الجنوب العالمي) طوال الحرب الباردة.

وتضامنا مع فلسطين، تجنبت إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل لعقود، وبصفتها أحد قادة التحالف المناهض للإمبريالية الصهيونية، عارضت الهند تقسيم فلسطين عام 1947، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية".

وبالتوازي مع رؤيتها العالمية التقليدية، دعمت الهند قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، وقد دعم الآباء المؤسسون للهند، المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو، النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي"

واستدرك: "لكن في ظل الحكومة الحالية بقيادة مودي اليميني المتطرف، لم تعد الهند من قادة دول الجنوب العالمي".

مودي، الذي أصبح أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل عام 2017، تربطه علاقات وثيقة للغاية بحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة في إسرائيل. 

وتعد إسرائيل، المشروع الإمبريالي الأكثر فعالية في العالم غير الغربي، أحد أهم مصادر إلهام الهند الآن، وفق تعبير أتامان.

وقال: "بالنسبة لحكومة الهند اليمينية المتطرفة، لا تُعدّ إسرائيل شريكا إستراتيجيا فحسب، بل تُعدّ أيضا دولةً نموذجية، منذ أن رسّخت إسرائيل الاحتلال ونظام الفصل العنصري".

واستطرد: "في عهد مودي، اتخذ التعاون الهندي-الإسرائيلي طابعا أيديولوجيا مميزا؛ حيث يتماهى "حزب بهاراتيا جاناتا"، بقيادة مودي، مع النزعة العرقية القومية في السياسات الإسرائيلية".

"فقد أصبحت الصهيونية، برؤيتها لوطن قومي لليهود في فلسطين، نموذجا يحتذى به لأيديولوجيا "الهندوتفا" (Hindutva)، التي تسعى إلى تأسيس دولة تقوم على تفوّق الهندوس في الهند".

وفي الوقت الحاضر، وبالمقارنة مع بعض الحكومات الغربية التي تواجه ضغوطا شعبية متزايدة لتعليق الدعم العسكري لإسرائيل، تُعدّ الهند الشريك الأكثر موثوقية واستقرارا لإسرائيل. بحسب المقال.

فقد استوردت الهند أسلحة إسرائيلية بقيمة حوالي 5 مليارات دولار خلال السنوات الـ 25 الماضية، كما تستورد الهند أنظمة مراقبة وأنظمة عسكرية من إسرائيل، تُستخدم كأدوات للضبط والسيطرة في الداخل الهندي.

في المقابل، تُعد الهند أيضا مورّدا للأسلحة إلى إسرائيل، عبر شركات مثل "أداني-إلبيت الهندية-الإسرائيلية المشتركة" (Adani-Elbit Advanced Systems India)، و"ميونشنز إنديا" الحكومية (Munitions India)، و"بريميير إكسبلوسيفز" (Premier Explosives)، التي تزود تل أبيب بالأسلحة والذخائر.

وقد صدّرت مجموعة “أداني” المالكة لحصة كبيرة من ميناء حيفا، طائرات "هيرميس 900" المسيّرة إلى إسرائيل، والتي استُخدمت في تدمير غزة وقتل المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، بحسب المقال.

وعلى المستوى السياسي والأمني، تتشابه الخطابات الرسمية في الهند وإسرائيل، ويشير العديد من المؤشرات إلى تقاطعات أيديولوجية بين البلدين، لا سيما في تعاملهما مع الأراضي المحتلة.

فالهند تحاول محاكاة السياسات الإسرائيلية في كشمير، على غرار ما تفعله إسرائيل في غزة، وقد ألغت الحكومة الهندوسية الحكم الذاتي المحدود للإقليم، وشجّعت المستوطنين الهندوس على الانتقال إليه.

وكما تفعل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منحت الحكومة الهندية آلاف المستوطنين من خارج كشمير تصاريح إقامة، في خطوة تحاكي سياسات التوطين الإسرائيلية.

ويستهدف الطرفان المناطق المدنية، مع الادعاء بمهاجمة "بُنى تحتية إرهابية"، وتستخدم كل من إسرائيل والهند الطائرات المسيّرة ضد المدنيين في غزة وكشمير على التوالي. وفق المقال.

وفي مشهد يعكس تشابه الممارسات القمعية، اعتقلت القوات الهندية آلاف الكشميريين، وهدمت منازلهم، كما تفعل إسرائيل بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

مواقف داعمة لإسرائيل

واستعرض "أتامان" في مقاله عددا من المؤشرات التي تعكس التحالف المتنامي بين الهند وإسرائيل خلال السنوات الأخيرة.

فقد رفضت نيودلهي الانضمام إلى إدانة منظمة شنغهاي للهجوم الإسرائيلي على إيران، رغم أن طهران عضو في المنظمة. 

وقد أكّدت دول المنظمة رفضها لأي اعتداء غير قانوني ضد أعضائها، لكن الهند خالفت هذا الإجماع، في خطوة تعكس متانة علاقاتها مع إسرائيل.

ومن بين المؤشرات الأخرى التي أوردها أتامان، التصعيد الأخير بين الهند وباكستان، فقد شنّت حكومة مودي اليمينية المتطرفة هجوما على باكستان عقب مقتل 26 سائحا في منطقة باهالغام في كشمير، يوم 22 أبريل/نيسان 2025.

وعلى الرغم من نفي المسؤولين الباكستانيين أي صلة بالحادث ودعوتهم إلى تحقيق دولي، حمّلت نيودلهي إسلام أباد المسؤولية، وردّت باستخدام طائرات مسيّرة إسرائيلية من طراز "هاروب" و"هيرون".

وبحسب تقارير إعلامية، استخدمت الهند أيضا منظومة "باراك-8" الدفاعية الإسرائيلية لاعتراض الضربات الباكستانية.

وأورد "أتامان" مؤشرين إضافيين يعززان دلالات التحالف الوثيق بين نيودلهي وتل أبيب، يتمثل أولهما في الدعم الاستخباري المباشر وغير المباشر الذي تقدمه الهند لإسرائيل في عدد من دول الشرق الأوسط.

فقد عملت الهند بشكل وثيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختراق الدولة الإيرانية باستخدام أدوات تكنولوجية متقدمة، بل وسهّلت تسلل ضباط استخبارات إسرائيليين إلى المؤسسات الإيرانية.

أما المؤشر الآخر، فيتجلى في الدعم المتواصل الذي تقدمه الهند لإسرائيل أثناء هجماتها ضد إيران، رغم كون طهران شريكا تقليديا للهند في عدة ملفات إستراتيجية.

فإيران تُعد الممر الأساسي للهند نحو آسيا الوسطى وأفغانستان، من خلال ميناء "تشابهار" الذي تستخدمه نيودلهي كبديل لميناء "جوادر" الباكستاني.

ومع ذلك، تبدي الحكومة الهندية استعدادا للتضحية بهذه العلاقة الحيوية مع إيران من أجل توثيق تحالفها مع إسرائيل، بل وتُعرض أمن الطاقة لديها للخطر، رغم اعتمادها الكبير على الموارد النفطية القادمة من الشرق الأوسط.

وبالنظر إلى التصريحات الباكستانية المؤيدة لإيران والمعادية لإسرائيل، فإن الهند تُجازف بخسارة إيران كشريك إقليمي موثوق، بحسب تقييم الأكاديمي التركي؛ إذ تشير المعطيات إلى أن السياسات الهندية المؤيدة لإسرائيل قد تعزز -بشكل غير مباشر- الأهمية الإستراتيجية لباكستان. ويبدو أن التقارب الهندي-الإسرائيلي، لا سيما في مجالي الدفاع والتكنولوجيا، سيؤدي في نهاية المطاف إلى نفور طهران من نيودلهي. وفق المقال.

كما تصاعد دعم الهند لإسرائيل خلال المجازر الجارية في غزة والهجمات الإسرائيلية المتكررة على إيران.

وتشير هذه التطورات -بحسب أتامان- إلى انحراف محتمل عن الخطوط التقليدية للسياسة الخارجية الهندية، والتي كانت تقاوم المشاريع الاستعمارية العالمية وتولي أهمية خاصة لعلاقاتها مع دول الجنوب العالمي.

وختم قائلا: "باختصار، فإن ارتماء الهند في أحضان التحالف مع إسرائيل يهدد علاقاتها ليس فقط مع العالم الإسلامي، بل أيضا مع معظم دول الجنوب العالمي".