بعد تصدع مجموعة "إيكواس".. ما مستقبل منطقة غرب إفريقيا؟

أعلنت حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر انسحابها بشكل مشترك من إيكواس
تعيش منطقة غرب إفريقيا واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا منذ عقود، في ظل تصاعد الانقسامات السياسية والأمنية بين دولها وتشكيل تحالفات جديدة.
وقد بلغ هذا التصدع ذروته مع إعلان كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو انسحابها رسميا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وتوجهها نحو تشكيل تحالف إقليمي جديد.
وهو ما يهدد بإعادة رسم خريطة التحالفات في القارة، ويدفع المنطقة نحو مزيد من العزلة والصدام، وفق ما تقول صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية.

لحظة حاسمة
وقالت الصحيفة: إن الجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن، الذي تولى رئاسة النيجر بعد انقلاب 26 يوليو/تموز 2023، لم يتردد، في أكثر من مناسبة، بإظهار معارضته للمؤسسات القائمة في غرب إفريقيا، على غرار إيكواس.
وفي إحدى هذه المناسبات، قال تشياني: "لقد أدارت شعوبنا ظهرها نهائيا لهذه المجموعة، والآن، يقع على عاتقنا أن نجعل من كونفدرالية دول الساحل بديلا عن أي تجمع إقليمي زائف، وبناء مجتمع ذي سيادة يمثل شعوبنا، ومجتمع متحرر من هيمنة القوى الأجنبية".
وفي 28 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر انسحابها بشكل مشترك من إيكواس، المنظمة التي كانوا من الأعضاء المؤسسين لها.
وتوترت العلاقات بين "إيكواس" والدول الثلاث بعدما طالب التكتل بالعودة إلى الحكم المدني إثر انقلابات عسكرية في مالي عام 2020، وبوركينا فاسو في 2022، والنيجر 2023.
وفي سبتمبر/ أيلول 2023 وقعت الدول الثلاث "ميثاق ليبتاكو ـ غورما"، المؤسس لتحالف دول الساحل الثلاث، ويهدف إلى إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة (الاقتصادية) المتبادلة".
ويمثل هذا الخروج لحظة حاسمة، سواء بالنسبة للدول الثلاث المتضررة أو بالنسبة لهيكل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا نفسها ودولها الأعضاء.
ويضع هذا الحدث مستقبل التكامل الإقليمي في غرب إفريقيا على المحك، ولا يقتصر الأمر على هذا الحد، إذ يؤدي، بشكل أساسي، إلى إعادة تشكيل التوازن الجيوسياسي داخل المنطقة.
وقد ينتج عن انسحاب الدول الثلاث إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنظمة، وحصرها في الدول الساحلية في غرب إفريقيا، وفق الصحيفة الإسبانية.

“ليبتاكو غورما”
وأوضحت أن الأساس القانوني لكونفدرالية دول الساحل يرتكز على ما يسمى بميثاق ليبتاكو-غورما، الذي اعتمد في 16 سبتمبر/أيلول 2023.
وفي الديباجة، تؤكد حكومات بوركينا فاسو ومالي والنيجر "التزامها بالقانون الدولي والإقليمي، المنصوص عليه على وجه الخصوص في ميثاق الأمم المتحدة، والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، والمعاهدة المعدلة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا".
كما تؤكد على ولائها "لأهداف ومبادئ هيئة التنمية المتكاملة "ليبتاكو-غورما". وينص الأساس القانوني للكوندرالية أيضا على "حق الدول في الدفاع عن النفس بشكل فردي أو جماعي".
وعلاوة على ذلك، تعلن الدول الثلاث عن "اقتناعها بضرورة مواصلة النضالات البطولية التي خاضتها شعوب ودول إفريقيا من أجل الاستقلال السياسي والكرامة الإنسانية والتحرر الاقتصادي".
وأيضا "التزامها بتعزيز الروابط التي تعود إلى قرون مضت بين شعوبها؛ وإصرارها على ممارسة ودعم السيادة الوطنية والدولية بشكل كامل؛ وتصميمها على الدفاع عن الوحدة الوطنية وسلامة دولها".
ومن خلال إنشاء كونفدرالية دول الساحل، أكد الزعماء الجدد لبوركينا فاسو ومالي والنيجر تطلعاتهم إلى تحقيق قدر أكبر من السيادة والالتزام المتجدد بالوحدة الإفريقية.
ونوهت الصحيفة إلى أن في المسألة المحورية في هذا الميثاق تتمثل قبل كل شيء في التأكيد على ضرورة إنشاء إطار أمني مشترك للدول الثلاث.
وتنص المادة الثانية على أن الهدف المنشود هو إنشاء "هيكل للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة للأطراف المتعاقدة". وبالتالي، فإن كونفدرالية دول الساحل هي في الأصل اتفاقية دفاع متبادل.
وتتعهد الأطراف بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ضمن المنطقة المشتركة للتحالف (المادة 4).
وتكتسب المادة الخامسة من النص أهمية خاصة، لأنها تنص على أنهم سيعملون أيضا على "منع وإدارة وحل أي تمرد مسلح أو أي تهديد آخر لسلامة أراضي وسيادة كل من الدول الأعضاء في التحالف"، واللجوء إلى القوة إذا لزم الأمر.
وهو مبدأ أساسي، لأنه يسمح للدول الثلاث في منطقة الساحل بالابتعاد عن النهج الرسمي الذي يركز على جعل مكافحة الإرهاب المحرك الرئيس لسياساتها الأمنية، في حين عدت الأنظمة المتعاقبة، وخاصة في مالي، دائما مكافحة الحركات الاستقلالية أولوية قصوى.
وفي مالي، كان القتال ضد الحركات السياسية والعسكرية في شمال البلاد التي تطالب بالحكم الذاتي أو حتى استقلال أزواد، دائما، الشغل الشاغل للنخب الحاكمة، بما في ذلك المدنيين.
والأزواد مجموعة إثنية متعددة الثقافات أغلبهم من الطوارق تعيش في إقليم يحمل نفس الاسم على الحدود بين الجزائر ومالي، تبلغ مساحته حوالي 822 ألف كيلومتر مربع.
ويتوزع هؤلاء على مناطق تمثل قرابة 66 بالمئة من مساحة مالي ويطالبون منذ سنوات بانفصال الإقليم أو التمتع بحكم ذاتي.
وبموجب ميثاق ليبتاكو-غورما، فإن أي هجوم على سيادة وسلامة أراضي أحد الأطراف المتعاقدة يعد عدوانا على الأطراف الأخرى.
ويفترض واجب تقديم المساعدة والإغاثة، بشكل فردي أو جماعي، بما في ذلك من خلال استخدام القوة المسلحة، لإعادة إرساء وضمان الأمن في المنطقة التي يغطيها التحالف.
وبالمثل، تتعهد الدول الثلاث بعدم اللجوء إلى التهديد باستخدام القوة أو استخدامها أو العدوان ضد سلامة أراضي أي منها أو استقلالها السياسي، وعدم السماح للمجموعات أو القوات المسلحة غير النظامية أو المرتزقة بشن هجمات من أراضي أحد الأطراف.

نحو التوسع؟
وأشارت الصحيفة إلى أن قرار انسحاب هذه الدول الثلاث يعكس الرغبة في الاستجابة لتطلعات الرأي العام في منطقة الساحل.
ولفتت إلى أن الرأي العام هناك أصبح قوميا بشكل متزايد ومعاديا للتأثيرات الثنائية والمتعددة الأطراف التقليدية، والتي يُنظر إليها على أنها غير فعالة في أحسن الأحوال وضارة في أسوأ الأحوال.
وأعلنت الدول الثلاث أيضا نيتها الراسخة في التخلي عن منطقة الفرنك الإفريقي، التي وصفتها بأنها عملة استعمارية عبودية أعاقت تنميتها الاقتصادية.
ولهذا السبب، فقد أشاروا إلى نيتهم في نهاية المطاف في إنشاء عملة مشتركة، يمكن تسميتها بالساحل.
وأوردت الصحيفة أن العمليات المشتركة التي قادتها البلدان الثلاثة حفزت الدول في غرب ووسط إفريقيا في الانضمام إلى الكونفدرالية.
وتنص المادة 11 من ميثاق ليباتكو-غورما المنشئ للتحالف على أنه "يرحب بأي دولة أخرى تشترك معه في نفس الظروف الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتقبل أهدافه. وتُقبل طلبات العضوية بالإجماع من الدول الأعضاء".
وبعيدا عن كونها مبادرة جديدة لاتحاد الأنظمة العسكرية في البلدان الثلاثة في منطقة الساحل الأوسط، يبدو أن الساحل الإفريقي هو امتداد آخر للفضاء الذي شكل دائما منطقة الحدود الثلاثة.
وفي وسط إفريقيا، يبدو من المرجح أيضا أن تنضم تشاد إلى المنظمة على المدى الطويل، نظرا لقربها من الزعماء الحاليين لدول كونفدرالية دول الساحل.
وأيضا نظرا لقرار الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، الذي جاء إلى السلطة من خلال تعيين لجنة عسكرية على رأس الدولة، بقطع الشراكة العسكرية التي ربطت البلاد بفرنسا لعقود من الزمن بشكل نهائي.
وفي هذا الصدد، من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في مايو/أيار 2024، نظمت جيوش النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد وتوغو مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق، وفق الصحيفة.