موسم 2025.. كيف ارتفعت مؤشرات انتعاش القطاع السياحي في سوريا الجديدة؟

"سوريا تتمتع بإرث حضاري غني وإمكانيات سياحية متنوعة وجاذبة"
تركز الحكومة السورية الجديدة جهودها على الاستثمارات في القطاع السياحي لموسم عام 2025 وتحقيق عائدات لخزينة الدولة الباحثة عن موارد متنوعة للمساهمة في إعادة تنشيط الاقتصاد من جديد.
فعقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعطت عودة المواطنين العرب لزيارة سوريا مؤشرات على تفضيل هذا البلد كوجهة سياحية كما كان الوضع قبل 2011، عام اندلاع الثورة.

السياحة بسوريا
وقد رأت وزارة السياحة السورية أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا يشكل نقطة تحول مهمة تفتح آفاقا جديدة أمام استعادة عملية الاستثمار في القطاع السياحي.
وفاجأ ترامب العالم بإعلانه من العاصمة السعودية، رفع كل العقوبات المفروضة من بلاده على سوريا التي تتلمس إعادة الإعمار وتنشيط اقتصادها بعد سقوط نظام الأسد.
وقال ترامب خلال كلمة له في الرياض بحضور الأمير محمد بن سلمان في 13 مايو 2025: "سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سوريا من أجل توفير فرصة لهم" للنمو.
وأوضحت الوزارة في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" في 14 مايو/أيار 2025 أن هذا التطور يمهد الطريق لعودة النشاط السياحي إلى سوريا، البلد الذي يتمتع بإرث حضاري غني وإمكانيات سياحية متنوعة تؤهله لاستقطاب المستثمرين والزوار من مختلف أنحاء العالم.
وشددت على أن القطاع السياحي يلعب دورا حيويا في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال خلق فرص العمل والمساهمة في عملية إعادة الإعمار، مقدرة أن المرحلة الحالية تمثل انطلاقة حقيقية لبناء مستقبل مزدهر للبلاد.
وفي خطوة تصب في صالح تحسين جودة الخدمات السياحية بشكل متفاعل لكسب موسم 2025، بحث وزير السياحة السوري مازن الصالحاني مع وزير النقل يعرب بدر في منتصف مايو 2025 عددا من المشاريع التنموية المشتركة بين القطاعين.
وجرى خلال الاجتماع الذي عُقِد في وزارة السياحة مناقشة مشروع "إليكترو تاكسي" الذي يهدف إلى إدخال سيارات أجرة كهربائية فاخرة (مصنعة عام 2025)، لتعزيز النقل الآمن وخفض الانبعاثات الكربونية، ودعم السياحة عبر تحسين المظهر الحضاري.
كما وقعت وزارة السياحة مع ائتلاف شركات سعودية- قطرية، مذكرة تفاهم في 7 مايو 2025 لتطوير بعض المنشآت والمواقع السياحية في سوريا.
وتهدف المذكرة التي جرى توقيعها بمبنى الوزارة في دمشق إلى إشادة (طلب رخصة) وتوظيف عدد من المواقع والمنشآت السياحية بالمستوى المطلوب، بما يحقّق الجدوى الاقتصادية، وزيادة العائدات المالية لصالح الخزينة العامة للدولة، حتى يتم الاستفادة من الخبرات والإمكانيات التي تملكها هذه الشركات لتطوير واستثمار المواقع.
وتتضمن كذلك العمل على تطوير وإشادة (ترخيص) المنشآت والمواقع السياحية للإسهام بتحقيق التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياحية المستدامة، وتأمين فرص عمل للشباب السوري خلال فترة العمل على تشغيلها.
وفي خطوة أخرى، أعلن وزير السياحة السوري مازن الصالحاني، في أبريل 2025 عن خطة للإسراع بترميم مجمع التكية السليمانية، أحد أبرز المعالم التاريخية والدينية بدمشق، بالتعاون مع الخبرات التركية في هذا المجال، تمهيدا لافتتاح المجمع أمام الزوار.

تأهيل المواقع السياحية
كذلك عملت محافظة دمشق على خطة شاملة لإعادة تأهيل جبل قاسيون المطل على دمشق وباشرت فيها على الفور منذ أبريل 2025.
ويتوقع القائمون على العمل أن يكون جزء من الخدمات الضرورية هناك قد أصبح فعالا قبيل حلول عيد الأضحى 2025.
لا سيما أن الخطة تشمل إنشاء أماكن شعبية مجانية تتلاءم مع حاجة المجتمع وإقامة أماكن ترفيهية وخدمات عالية ومرآب خاص للسيارات.
ومنذ سقوط الأسد تشهد الطريق المؤدية إلى جبل قاسيون الذي يوفر إطلالة استثنائية على دمشق، يوميا زحمة سير، خصوصا في ساعات المساء وعطلة نهاية الأسبوع.
وتتقدم السيارات ببطء في طابور طويل صعودا إلى الجبل، حيث تحول شارع بأكمله إلى متنزه تنيره أضواء ملونة ليلا يكتظ برواده وبأكشاك صغيرة تقدم الشاي والقهوة أو عرانيس الذرة والحلويات.
وكان وزير السياحة مازن الصالحاني بحث في أبريل 2025 مع المديرين المركزيين دراسة المقترحات الخاصة بتطوير الهيكل التنظيمي للوزارة بما يتواءم مع المتغيرات الحديثة لتعزيز كفاءة الأداء وتحقيق الأهداف التنموية للقطاع السياحي.
وفي خطوة جديدة لدعم قطاع السياحة، افتتح الصالحاني فندق رويال سميراميس بالعاصمة دمشق، في 22 أبريل 2025 بعد استكمال أعمال إعادة تأهيله وفق أحدث معايير الضيافة العالمية.
ويعد فندق رويال سميراميس من المنشآت الفندقية الفاخرة ذات الخمس نجوم، حيث يضم 108 غرفات فندقية، و10 أجنحة راقية، و4 مطاعم، بطاقة استيعابية تصل إلى 132 سريرا فندقيا.
ويوجد في سوريا عدد من الفنادق الفخمة الخاصة أبرزها فندق فور سيزون بدمشق، بينما هناك عدد من الفنادق العائدة بملكيتها لوزارة السياحة وهي “داما روز – شيراتون دمشق – شهبا حلب – منتجع لاميرا”.
ويؤكد الخبراء أن تفعيل السياحة من جديد في سوريا من شأنه أن يسهم في تقوية الليرة السورية واستقرار سعر صرفها.
وفقدت الليرة تدريجيا نحو 90 بالمئة من قيمتها منذ عام 2011 بعدما كان سعر صرف الدولار الواحد يناهز 50 ليرة سورية قبل 2011، ليتراوح حاليا بين 10 آلاف و12 ألف ليرة.
وقد شهدت سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد، عودة مواطني دول الخليج والدول المجاورة للسياحة، في إحياء لمواسم الأعوام التي سبقت عام 2011.
إذ تتمتع سوريا بطبيعة خلابة تتنوع فيها الأماكن السياحية من سواحل البحر الأبيض المتوسط والغابات والإطلالات الجبلية الواسعة، مرورا بالأماكن الأثرية والحضارية مثل تدمر، تلك المدينة الإغريقية الرومانية وسط البادية السورية، وقلاع تعود لحقبة الغزوات الصليبية مثل قلعة الحصن بريف حمص.
كما أن هناك الكثير من المواقع الأثرية المدرجة على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي بعموم الأراضي السورية والتي يقصدها السياح.
علاوة على أن سوريا كانت قبل عام 2011 موطنا ملائما للتخييم والصيد وما يعرف في الخليج بموسم "الكنيص" في البادية السورية.
وكانت السياحة قبل عام 2011 تسهم بما يقرب من 14 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي لسوريا.
وبحسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في 2021.
وقد بلغ عدد القادمين العرب والأجانب إلى سوريا عام 2022 ما يقارب 1.8 مليون قادم بنسبة نمو 141 بالمئة عن عام 2021، وذلك على الرغم من المخاوف الأمنية التي كانت سائدة قبل سقوط الأسد.

مؤشرات جديدة
وحاليا تبدو جهود دمشق برئاسة الرئيس أحمد الشرع أكثر تسارعا في محاولة السعي لإعادة سوريا للخارطة السياحية الدولية، وتنشيط هذا القطاع المهم لمساعدة البلاد على النهوض مجددا بعد 14 عاما من الحرب.
وضمن هذا السياق، أكد محمد مطر وهو صاحب شركة سياحية في دمشق أن من مؤشرات تحقيق القطاع السياحي خلال عام 2025 تحسنا تدريجيا ملحوظا مقارنة بالأعوام السابقة، "هو عودة رؤية المواطنين العرب يرتادون الأماكن السياحية في سوريا عقب سقوط نظام الأسد".
ولفت مطر لـ"الاستقلال" إلى أن "عجلة السياحة في سوريا مرتبطة بشكل أو بآخر بمدى تسارع علاقة القيادة الحالية مع الدول العربية والأوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة، خاصة عقب لقاء الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب".
ونوه إلى أن "الشركات السياحية جهزت برامج مهمة لجذب واستقطاب السياح العرب والأوروبيين إلى سوريا والاستفادة من القدرة على تحسين الخدمات اللوجستية من سيارات وتراخيص حكومية ميسرة ومعالجة الصعوبات التي يعاني منها أصحاب المكاتب".
ولفت إلى أن "تفعيل المنصة الإلكترونية لتشجيع القدوم السياحي إلى سوريا، وإعادة النظر في منح تأشيرات دخول الأجانب القادمين إلى البلاد أمر مهم في دفع عجلة السياحة إلى الأمام وتأمين كل الخدمات الممكنة وتحسينها، وضمان جودة ما يقدم للسائح في المنشآت السياحية أو المعابر الحدودية".
وأوضح أنه "جرى رصد إجراء عدد من مندوبي شركات سياحية أجنبية، منذ فبراير/شباط 2025، رحلات تقييم أمني لسوريا استمرت لعشرة أيام وذلك من أجل البدء بإطلاق جولات كما كان في السابق".
ورأى أن "الترويج للسياحة في سوريا أصبح غير مسبوق هذا العام بفضل عودة السوريين إلى بلدهم وزيارة الأماكن السياحية ونشر المحتوى على منصات التواصل بشكل كثيف”.
وأشار مطر إلى أن "السياحة العلاجية والطبية في سوريا بدأت تشهد حركة نشطة، وقد لمسنا استفسارات من الخارج بشأن كثير من التخصصات".
وختم بالقول "كثير من الشركات السياحية بدأت في التحضير للمشاركة في المعارض السياحية الإقليمية للترويج السياحي في سوريا".
وعادت حركة السياحة المحلية للسوريين للظهور في سوريا عقب سقوط الأسد بعد إزالة الحواجز الأمنية وسهولة التنقل وفتح كثير من الأماكن التي تحولت في السنوات الأخيرة لمواقع شبه عسكرية.
كذلك، تنفس السوريون الصعداء في المقاهي والمطاعم، وباتوا يتكلمون بحرية من دون خوف من عيون المُخبرين وآذانهم، بعدما سقط حُكم آل الأسد ومعه عقود طويلة من الرعب.
إذ بات لأي زائر إلى أي مقهى يتلمس ولادة مناخ سياسي جديد في سوريا، بعد أن كان أصحاب المقاهي يشهدون مرارا اقتياد عناصر الأمن التابعين لنظام الأسد المخلوع، رجالا وشبانا من رواد المقهى بشكل بوليسي.
المصادر
- السياحة تبحث مع وزارة النقل عدداً من المشاريع التنموية المشتركة بين القطاعين
- السياحة: رفع العقوبات ينعش الاستثمار ويعيد إطلاق النشاط السياحي في سوريا
- السوريون يتخيلون كيف سيبدو جبل قاسيون بعد إعادة التأهيل(صور)
- “السياحة السورية” ترفد خزينة الدولة بـ 11 مليار ليرة خلال 2021
- مذكرة تفاهم لإشادة وتطوير منشآت ومواقع سياحية في سوريا