“على أنقاض الانهيار”.. هل تنجح سوريا في إعادة بناء قطاعها المصرفي؟

مصعب المجبل | منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

مع إزالة جملة من العقوبات الغربية والأميركية على سوريا، لم يعد إصلاح النظام المصرفي السوري خيارا بل ضرورة لإعادة بناء الاقتصاد الوطني.

وما تزال الآثار السلبية التي لحقت بالقطاع المالي والمصرفي جراء سياسات نظام بشار الأسد البائد، والعقوبات الدولية المفروضة على سوريا، حاضرة وتشكل عقبة كبيرة أمام تدوير عجلة الاقتصاد.

بنية جديدة

أمام ذلك، أطلقت الحكومة السورية الجديدة، جهودا كبيرة لإعادة القطاع المصرفي إلى السكة الصحيحة والحديثة وتجاوز الأخطاء السابقة، وتحسين الخدمات المصرفية واتباع أحدث التقنيات الرقمية المتبعة عالميا في هذا القطاع.

وفي خطوة جديدة، بحث مسؤولون سوريون مع ممثلين عن وزارة الخزانة والقطاع المصرفي في تركيا سبل التعاون في مجالات التمويل العام والتأمين والقطاع المصرفي، وذلك في إطار الجهود المشتركة لدعم إعادة الإعمار في سوريا.

وأكد وزير المالية السوري، محمد يسر برنيه، عقدت الاجتماعات بالعاصمة دمشق في 24 يوليو/ تموز 2025 بمشاركة وفود من وزارة الخزانة والمالية التركية، واتحاد البنوك في تركيا، واتحاد البنوك الإسلامية التركية.

وحضر الاجتماعات من الجانب السوري ممثلون عن وزارتي المالية والداخلية، إضافة إلى مسؤولين من مصرف سوريا المركزي.

وقال برنية: إن النقاشات ركزت على الاستفادة من الخبرة التركية في دعم إصلاحات المالية العامة في سوريا، خاصة في مجال تعزيز قدرات إدارة المال العام.

وأضاف "راجعنا فرص الاستفادة من الخبرة التركية في دعم جهود الإصلاح المالي في سوريا، لا سيما في تحسين كفاءة القطاع العام".

كما تناولت المباحثات تسريع تقديم خدمات المراسلة المصرفية بين البنوك التركية والبنوك السورية، إلى جانب تقييم فرص منح التراخيص للمصارف وشركات التأمين والخدمات المالية التركية للعمل داخل الأراضي السورية.

وأكد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، نهاية يونيو/ حزيران 2025 أن المصرف ماض في خططه لإعادة الاندماج المالي مع العالم، مع التشديد على الالتزام الكامل بالمعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وشدد الحصرية على أن استعادة الثقة في القطاع المصرفي تمثل أولوية قصوى في المرحلة الحالية، ويرى أن "هذه الثقة لا تتحقق إلا بتحرير القطاع من السياسات السابقة، وعودته للعب دوره في استقطاب الودائع وتمويل الأنشطة الاقتصادية".

وفي أبريل/ نيسان 2025 زار وفد تقني متخصص في القطاع المالي والنقدي من قبل البنك الدولي العاصمة دمشق لبحث تطوير وتحديث مجالات العمل المختلفة في المصارف السورية.

ديناميكية جديدة

وبدأت سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح النقدي والمصرفي، بالتوازي مع بدء تفكيك العزلة التي استمرت لعقود على القطاع المصرفي الذي يشهد للمرة الأولى منذ عام 2012 عودة التحويلات المالية المباشرة وغير المباشرة، بالتزامن مع استعادة الوصول إلى نظام "سويفت" العالمي.

وقد بدأت بالفعل فإن عملية إعادة دمج القطاع المصرفي السوري في النظام المالي العالمي، حيث يلي ذلك إقامة علاقات مع بنوك مراسلة، ومن ثم العمل على منح التراخيص لمؤسسات مالية جديدة.

كما تعمل الحكومة السورية الجديدة في الوقت الراهن على استحداث مؤسسة لضمان الودائع في البنوك السورية.

كذلك، يجري تعديل التشريعات الخاصة باستقلالية البنك المركزي السوري، بما يضمن الشفافية ويعزز الثقة لدى جميع الأطراف المعنية، ويرى أن ذلك جزء أساسي من الحفاظ على الاستقرارين المالي والنقدي.

وفي سوريا يعمل في قطاعه العام نحو مليون و250 ألف شخص بحسب السلطات، يُضطر الموظفون للوقوف ساعات في طوابير أمام فروع المصارف الحكومية أو أجهزة الصراف الآلي. 

ويأخذ بعض هؤلاء إجازة من عملهم لقضاء يوم كامل في محاولة لسحب جزء بسيط من رواتبهم، وينسحب ذلك على المودعين الراغبين في سحب بعض من مدّخراتهم بالليرة السورية.

وقد فرض المصرف المركزي في فبراير/ شباط 2025 قيودا على سحب الأموال النقدية من المصارف والصرافات الآلية، ما وضع السوريين أمام أزمة نقدية تضاف إلى سلسلة من المشكلات الاقتصادية التي يعانونها، موروثة في غالبها من حكم نظام الأسد.

وعمم البنك المركزي على المصارف الحكومية والخاصة الالتزام بسقف يومي بسحب 200 ألف ليرة (نحو 20 دولارا) للفرد، يمكن رفعها حين تتوفر السيولة.

ويؤكد المختصون أن وجود مؤسسات مالية ديناميكية، قادرة على توجيه الموارد نحو إعادة إعمار الاقتصاد السوري هي الأولوية في هذه المرحلة.

ويتألف القطاع المصرفي العام في سوريا من 6 مصارف مملوكة للدولة، أقدمها المصرف الزراعي التعاوني الذي أُسس عام 1888، إلى جانب 3 مصارف حديثة تجاري وصناعي وعقاري ومصرفين للإقراض والتسليف الشخصي.

يضاف إلى ذلك 11 مصرفا خاصا و4 مصارف إسلامية أُسست في المدة الواقعة بين عامي 2004-2023.

تحديث شامل

وفي هذا السياق، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو: إن "القطاع المصرفي قطاع متهالك ضعيف، وليس لديه القدرة أن يكون قطاعا رديفا لمرحلة إعادة الإعمار في البلاد لا من حيث الأدوات ولا من حيث الرساميل ولا من حيث الخبرة".

وأضاف شعبو لـ"الاستقلال"  أنه "من الطبيعي أن تستفيد سوريا من كل تجارب الدول الصديقة والأوروبية في المجال المصرفي، من ناحية المساعدة في تحديث قانون المصارف بما يتوافق مع المعايير الدولية, خاصة من ناحية تنظيم العمل المصرفي وتضمن حمايته"

ولفت إلى أن “مكافحة الفساد وغسيل الأموال والتهريب ومكافحة الإرهاب مهم للسير في ذلك لضمان المساعدة الدولية في القطاع المصرفي”.

وأردف بأن "إعادة هيكلة المصارف المتنوعة الصناعية والزراعية والادخار وغيرها وهي كلها غير منتجة وغير قادرة على المنافسة".

ويرى شعبو أن "سوريا ينبغي عليها الاستفادة من التجربة المصرفية لدول الخليج وحتى من المصارف الأردنية واللبنانية".

ولفت إلى أنه "ينبغي أن يكون هناك شمول مالي والذي يمكنها من توسيع قاعدة المتعاملين مع المصارف وتكون التداولات مصرفية وليست نقدية مما يحافظ على الأموال والسيولة داخل أروقة البنك المركزي".

يشار إلى أنه في الآونة الأخيرة تعرض عملاء القطاع المصرفي في سوريا لعمليات احتيال أدت إلى خسارة بعض من ودائعهم المصرفية، وذلك من قبل أشخاص يستغلون حاجة العملاء لتسييل أموالهم المودعة في المصارف.

وأقر البنك المركزي السوري وجود هذه الاحتيالات وحذر في بيان منتصف يوليو 2025 من أن عمليات الاحتيال المذكور تتم عبر "نشر إعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول ادعاء استقبال الأموال في الحسابات المصرفية العائدة لهم من خلال حوالات مصرفية".

ومن ثم تسليم قيمتها نقدا أو بحوالات داخلية مقابل ما يسمى عمولة محددة، وبعد إتمام عملية التحويل المصرفي يتم حظر العملاء من مواقع التواصل الاجتماعي دون تسليمهم أي أموال، وإرسال رابط إلكتروني للعميل. 

ولدى ولوج العميل إلى الرابط يتم الحصول على رقم حسابه وكلمة السر، وبعدها يجرون عمليات التحويل بأنفسهم من حساب العميل.

تشريعات جديدة

وأتاح عودة نظام "سويفت" العالمي للعمل في البنوك السورية المحلية، للمصارف المحلية إجراء التحويلات المصرفية دون الحاجة إلى بنوك وسيطة.

ومع ذلك، فإن الاستعادة التدريجية للثقة الدولية بالقطاع المصرفي السوري، تتطلب مشاريع قصيرة الأجل لتطوير البنية التحتية للقطاع المصرفي وتدريب وتأهيل كوادره.

وهنا يؤكد شعبو، أن "التكنولوجيا المالية معدومة في سوريا وهي التي تعد رائدة في قطاع المال والأعمال، ولهذا من المهم تدريب الكوادر على أحدث الأنظمة المصرفية".

وأردف "سوريا بحاجة لتشريعات وأنظمة مصرفية جديدة ويمكن التشاور مع عدد من الدول وهذا يتوازى مع فتح المجال للقطاع الخاص بحيث يمكن للمصارف أن تدخل في العملية الإنتاجية وتمويل بنى تحتية وتمويل طرق مع وجود منظومة رقابية مما يخلق حافزا للمستثمرين".

بحيث كذلك، وفق شعبو، "يمكن لكثير من المستثمرين الحصول على قروض لمشاريعهم من المصارف القادرة على الإقراض كون هذا المستثمر يكون لديه جزء من المال المرصود للاستثمار وهذا في نهاية المطاف يسرع عملية التعافي في سوريا وإعادة الإعمار".

وأردف "هناك حديث عن دخول مصارف تركية إلى سوريا إضافة إلى أخرى عربية وأجنبية، فعلى سبيل المثال يمكن الاستفادة من ملف ضبط التضخم في تركيا وما هي أدوات السياسة النقدية ودعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وخاصة في المناطق النائية".

وكان حاكم مصرف سوريا المركزي بحث مطلع يونيو 2025 مع البنك المركزي الفرنسي سبل تحديث أدوات السياسة النقدية، وتعزيز استقلالية البنك المركزي وأهميتها للاستقرار النقدي، بما يتناسب مع التحديات الراهنة.

وجرى وقتها وفق الحصرية مناقشة آفاق التعاون بين المؤسستين في مجالات السياسة النقدية، وبناء القدرات، وتطوير الكفاءات في القطاع المصرفي.

ولفت حاكم مصرف سوريا إلى أنه تمت مناقشة برامج التدريب والتأهيل، من خلال التعاون بين المعهد المصرفي في سوريا والمعهد الدولي للتمويل المصرفي التابع للبنك المركزي الفرنسي.

يشار إلى أنه عند فصل نظام "سويفت" عن سوريا عقب عام 2011 أثر بشكل سلبي على التجار الحقيقيين والمواطنين في البلاد؛ إذ أصبح إجراء التحويلات المالية أكثر كلفة وتتم بطرق غير رسمية، كما كانت تديرها شبكة من التجار الفاسدين لها ارتباطات وشراكة مع نظام الأسد المخلوع.

ولهذا فإن تمكن المصرف المركزي السوري من بدء التواصل مع البنك الدولي، أسهم في منع الهدر في الحوالات أو الأموال، وترخيص التحويلات المباشرة وتقليص الاعتماد على الشبكات غير الرسمية أو الخارجية. 

ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي، خلال تصريحات صحفية في 6 يوليو 2025 بأن المرحلة الحالية هي "لحظة تاريخية تعود فيها سوريا إلى نمط الاقتصاد الحر"، مؤكدا أن البلاد أمام فرصة غير مسبوقة لتحسين القطاع المالي وتحريره من الأعباء التي كبلته لعقود.