إعادة انتخاب تكالة رئيسا للمجلس الأعلى للدولة الليبي.. يحل أم يضاعف الأزمة؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أعادت انتخابات المجلس الأعلى للدولة الليبي، إحياء الأزمة القائمة بمؤسسات البلاد، خاصة بعد الطعن الذي تعرضت له العملية الانتخابية على مستوى شرعيتها.

الاستحقاق الذي تم يوم 26 يوليو/تموز 2025، أعيد خلاله انتخاب محمد تكالة رئيسا للمجلس لدورة ثالثة تستمر لعام واحد.

وأعلن المجلس خلال جلسة انتخاب مباشرة عبر القناة الوطنية "انتخاب محمد تكالة رئيسا للمجلس الأعلى للدولة بإجمالي 59 صوتا، مقابل 14 لعبد الله جوان، و13 صوتا لعلي السويح، و8 أصوات لناجي مختار، وصوت واحد لسليمان زوبي".

كما أجرى المجلس جولة لانتخاب نائبي الرئيس حيث تم انتخاب حسن حبيب نائبا أول لرئيس المجلس بـ49 صوتا، وانتخاب موسى فرج في جولة أخرى لمنصب النائب الثاني بـ 49 صوتا.

وفي 6 أغسطس/آب 2023، فاز تكالة للمرة الأولى برئاسة المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، إثر حصوله على 67 صوتا مقابل 62 صوتا لخالد المشري الرئيس السابق للمجلس.

فيما أعيد انتخاب تكالة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لدورة ثانية عقب حصوله على 55 صوتا، آنذاك.

وهذه هي الدورة العاشرة لانتخابات المجلس الأعلى للدولة، وتبلغ مدة ولاية أعضاء المكتب الرئاسي عاما واحدا، تبدأ من تاريخ انتخابهم.

البعثة الأممية

رحّبت البعثة الأممية للدعم في ليبيا بإعادة انتخاب محمد تكالة رئيسا للمجلس الأعلى للدولة.

جاء ذلك في بيان للبعثة فجر الثلاثاء 29 يوليو، تعقيبا على الجدل الحاصل بين أعضاء مجلس الدولة حول انتخاب رئيس جديد.

وفي تعقيبها على جلسة الأحد، قالت البعثة الأممية: إن "التصويت جرى في ظروف طبيعية وشفافة".

وأكّدت أن "حضور ثلثي أعضاء المجلس يعكس توافقا واسعا بين الأعضاء على تجاوز الانقسام الذي أعاق قدرة المجلس على الاضطلاع بمسؤولياته خلال عام 2024".

وأعربت عن تطلعاتها لـ"انخراط جميع أعضاء المجلس لكسر الجمود السياسي، والدفع قُدماً بالعملية السياسية".

كما حثّت البعثة "أعضاء المجلس على الوفاء بواجباتهم الوطنية، والارتقاء إلى مستوى توقعات الشعب الليبي، من خلال دعم عملية سياسية يقودها ويملك زمامها الليبيون بتيسير من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".

في المقابل، عبر الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة بليبيا خالد المشري عن استغرابه الشديد لبيان البعثة بشأن الجلسة التي عقدها عدد من الأعضاء يوم الأحد، والتي وصفتها البعثة بـ"التوافقية"، في توصيف يفتقر إلى الدقة ويجافي الحقيقة والواقع.

وذكر المشري في بيان نشره عبر حسابه على فيسبوك، 28 يوليو، أن الجلسة محل البيان لم تحظَ بشرعية قانونية أو توافق فعلي، في ظل مقاطعة أكثر من خمسة وأربعين عضوا لها، ومخالفتها الصريحة لأحكام النظام الداخلي للمجلس.

وعبّر المشري عن دهشته من هذا الموقف غير المتوازن، مؤكدا رفضه التام لتدخّل البعثة في نزاع قضائي لا يزال منظورًا أمام الجهات المختصة، وقد تم إخطارها رسميًا بذلك.

وعدّ ما صدر عنها في هذا السياق تجاوزا غير مبرّر، وتدخّلًا يمس باستقلالية القضاء الليبي، ويُعد انحيازًا غير مقبول لأطراف دون غيرها.

وذكر أن "هذا البيان لا يخرج عن كونه محاولة لقطع الطريق أمام مسار الحل الليبي–الليبي، والاستئثار بملف الحل السياسي في ليبيا، بطريقة تتنافى مع مبدأ الحياد والدعم الفعلي للإرادة الوطنية".

وشدَّد المشري أن "شرعية مؤسسات الدولة لا تُمنح عبر بيانات خارجية أو تدخلات دولية، بل تُبنى على احترام القانون، وسلامة الإجراءات، والإرادة الحرة للشعب الليبي".

ومن هذا المنطلق، طالب المشري "جميع الأطراف، محلية ودولية، بالالتزام الكامل باحترام السيادة الوطنية، وتجنب أي محاولات للتأثير على مسارات العدالة أو تجاوز الأطر القانونية".

كما أعلن المشري في تدوينة أخرى، الأحد، اعتراضه وطعنه في عدم اكتمال النصاب وعدم قانونية جلسة انتخاب رئاسة المجلس الأعلى.

ووصف المشري تلك الانتخابات بغير الشرعية، بعد عدم التوصل إلى النصاب القانوني لعقد الجلسة في الوقت المحدد لانعقادها، بواقع 91 عضوا فقط.

أزمة متعددة

وتعاني ليبيا منذ مارس/آذار 2022 من وجود حكومتين؛ إحداهما تحظى باعتراف دولي وأممي، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس، وتدير منها غرب البلاد بالكامل.

أما الحكومة الثانية فكلفها مجلس النواب، وهي برئاسة أسامة حماد، ومقرها في بنغازي، وتدير شرق البلاد بالكامل ومدنا في جنوب البلد الغني بالنفط.

وعمَّق وجود الحكومتين أزمة سياسية يأمل الليبيون حلها عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها منذ سنوات وتحول دون إجرائها خلافات بشأن قوانينها والجهة التنفيذية التي ستشرف عليها.

فيما تعود جذور الأزمة العميقة في مجلس الدولة إلى الانتخابات الرئاسية التي أجريت مطلع أغسطس من عام 2024، حين أسفرت عن فوز المشري بـ 69 صوتا مقابل 68 لتكالة.

لكن الجدل احتدم حول قانونية أحد الأصوات الممنوحة لتكالة بعد أن كُتب اسمه في غير المكان المخصص بورقة الاقتراع، ما عُدّ تزييفا في طريقة التصويت، ولجأ الطرفان إلى القضاء الليبي لحسم النزاع.

إلا أن المسار القضائي زاد الموقف تعقيدا بسبب تضارب الأحكام الصادرة من محاكم ليبية مختلفة، وانتهى حكم المحكمة العليا الذي يستند إليه المشري في تأكيد شرعيته، بينما يرى تكالة وفريقه أن هذا الحكم لا يسحب شرعيته هو الآخر، ضمن توجيه مضامين الأحكام القضائية لصالحهما طيلة الفترة الماضية.

قبل الوصول إلى الانتخاب الأخير، جرت خلال الأسابيع الماضية اتصالات مكثفة بين أعضاء المجلس للدفع نحو انتخابات رئاسية مبكّرة عن موعدها الدوري في أغسطس/آب من كل عام.

وتمخّضت هذه الاتصالات عن مبادرة من أربعة أعضاء بالمجلس حظيت بتأييد 102 عضو من أصل 142 لعقد جلسة انتخابية جديدة يوم 22 يوليو 2025، في محاولة جادة لطي صفحة الخلاف المستعصي بين المشري وتكالة.

وأوضح عضو المجلس مرعي رحيل، لموقع "العربي الجديد"، 27 يوليو 2025، أن وثيقة التأييد التي وقعها 102 عضو جاءت لدعم المبادرة التي تقدم بها أربعة أعضاء بهدف الدعوة إلى انتخابات مبكرة للرئاسة.

وشدَّد أن الدعوة لانتخابات مبكرة تهدف إلى استباق موعد الانتخابات الرئاسية السنوية المعتاد في مطلع أغسطس من كل عام.

كما أشار مرعي إلى أن من الأسباب المحورية الأخرى لتبكير انتخاب رئيس المجلس عن الموعد السنوي، أن جلسة الانتخاب السنوية تتطلب وجود رئيس يرأس الجلسة، وهو ما لن يتحقق مع استمرار النزاع الحاد بين المشري وتكالة حول شرعية الرئاسة، ما يهدّد باستمرار شلل المجلس.

واستبق المشري الإعلان عن المبادرة، في منتصف يوليو 2025، بإصدار بيان وقعه بصفته رئيس المجلس، نفى فيه قطعيا صحة ما وصفه بـ"الأنباء الزائفة" حول اتفاق على جلسة انتخاب رئاسية جديدة، وقال: إنها "عارية عن الصحة تماما ولا تستند إلى أي مصدر رسمي داخل المجلس".

وفي خطوة استباقية أخرى، عقد المشري لقاء مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في السابع من يوليو 2025 في مدينة الإسكندرية المصرية، بصفته رئيس مجلس الدولة، واتفقا على تدشين مسار تفاوضي بين مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة موحدة للبلاد.

وبعد اللقاء وجه صالح خطابا إلى عدد من المؤسّسات الليبية القضائية والمالية، أكد فيه اعترافه بشرعية المشري رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، وهو ما أثار ردة فعل فورية من تكالة الذي أصدر بيانا استنكر فيه ما وصفه بـ"تدخل مجلس النواب في الشأن الداخلي للمجلس الأعلى للدولة".

وعبّر تكالة عن استغرابه الشديد لما ورد في خطاب عقيلة بشأن منح صفة الرئاسة للمشري، ومخاطبة الجهات السيادية بهذه الصفة.

تفاعلا مع جدل شرعية انتخاب رئيس المجلس، قال عبدالرزاق العرادي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي: إن الانتخاب الذي تم هو "شهادة وفاة رسمية للمجلس الأعلى للدولة بشقَّيه الحكومي والمعارض".

واسترسل العرادي في منشور عبر فيسبوك، "وبهذا تكون الحكومة قد نجحت في دفن مسار الحل عبر المجلسين، وفتح المسار الأممي أملاً في أن تُحقق ما حققته سابقا في جنيف".

وتابع: "شهادة الوفاة أنهت المجلس الأعلى، بينما مجلس النواب باقٍ ويتمدد".

في المقابل، هنأ رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، محمد تكالة بمناسبة "نيله ثقة أعضاء المجلس الأعلى للدولة واختياره رئيسا للمجلس خلال الجلسة التوافقية التي عكست التزام الأعضاء بوحدة المجلس وإرادته".

وأكّد الدبيبة عبر فيسبوك، 27 يوليو 2025، دعمه "لكل ما من شأنه تعزيز الاستقرار السياسي"، داعيا إلى "مزيد من التفاهم والتكامل بين المؤسسات بما يحقق تطلعات شعبنا نحو الأمن والتنمية والازدهار ويترجم رغبته في الانتخابات المباشرة وإنهاء المراحل الانتقالية كافة".

تعميق الانقسام

في قراءته لما جرى، قال رئيس تجمع الأحزاب الليبية، فتحي عمر الشبلي: إن انتخاب محمد تكالة رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، "مجرد مسرحية سياسية لا قيمة لها".

وأردف الشبلي لـ "الاستقلال"، وذلك على تقدير أن المجلس هو جسم سياسي لا قيمة ولا وزن له في التأثير على الوضع السياسي المعقد في البلاد.

وحذر الفاعل السياسي من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات، بدل المضي قدما نحو حل سياسي شامل.

ورأى الشبلي أن "القول بأن تكالة حصل على عدد كبير من الأصوات غير دقيق، إذ لم ينل إلا أقل من نصف أصوات الحاضرين البالغ عددهم 95 عضوا، رغم أن النصاب القانوني تحقق".

لكن، يستدرك المتحدث ذاته، "غياب أكثر من 40 عضوا عن الجلسة له دلالة سياسية واضحة، ستنعكس لاحقا على تماسك المجلس".

في المقابل، أكّد النائب الثاني لرئيس المجلس المنتخب، موسى فرج، صحة نصاب الجلسة، موضحا أنها جاءت نتيجة تَشكلِ لجنة توافق داخل مجلس الدولة قبل أكثر من شهر.

وتابع فرج في تصريح للصحافة، هذه اللجنة أجرت مشاورات واسعة بين أعضاء المجلس، انتهت إلى الاتفاق على إجراء انتخابات مبكرة في جلسة معلنة.

وفيما أكد فرج أن هذا الاتفاق حصل على موافقة أكثر من 100 عضو في المجلس، أوضح أن الجلسة أُعلِن عنها مسبقا، وحضر فيها أزيد من 90 عضوا قبل أن يتكامل العدد إلى 95 عضوا قبيل انعقادها، في تنفيذ كامل للائحة الداخلية للمجلس.

ولفت فرج إلى أن بعض الأعضاء المشاركين في الجلسة لم يوقّعوا في سجل الحضور، وطُلب منهم التوقيع قبيل الجلسة، مشيرا إلى أن عدم توقيع بعض الأعضاء في سجل الحضور انتهزه المعارضون فرصة للقول بعدم اكتمال النصاب.

وفيما أشار فرج إلى أن الأعضاء الـ95 تمت المناداة عليهم بالاسم في جلسة منقولة على الهواء أمام الرأي العام، أكد أنه "لم يعد هناك مجال للتشكيك في نصابها وتوافقها مع اللائحة".

التوازن المؤسسي

من جانبه، قال عضو المجلس الأعلى للدولة، سعيد محمد ونيس، إن الجهود التي قادتها لجنة الحوار لأجل الوصول إلى انتخاب الرئيس جاءت بدافع وطني مستقل، لا يخضع لأي تقديرات سياسية أو اصطفافات داخلية.

وقال ونيس لموقع "ليبيا24"، 28 يوليو 2025: إن أعضاء لجنة الحوار "تنادوا من تلقاء أنفسهم، وبوازع وطني خالص، بهدف كسر الجمود الذي أصاب المسار التشريعي، ومحاولة تهيئة أرضية توافقية بين الأعضاء عقب توقف عمل اللجان الرسمية".

وأشار إلى أن "التحركات استهدفت خلق مناخ توافقي يحترم مبدأ الشفافية، ويضمن التمثيل المتوازن داخل المجلس.

وأوضح ونيس أن اللجنة باشرت عملها مطلع يوليو، وحددت في البداية يوم 9 يوليو لعقد الجلسة، قبل أن يتم تأجيل الموعد إلى 23، ثم إلى 27 يوليو، استجابة لمطالب بعض الأعضاء بإتاحة مزيد من الوقت للتشاور.

وتابع: "كنا مصرّين على عقد جلسة تتوفر فيها ضمانات أساسية، أبرزها حضور ثلثي الأعضاء، واختيار مكان محايد، ورئاسة محايدة للجلسة، إلى جانب الاتفاق على سجل انتخابي واضح، وضمان تمثيل متوازن للجميع".

وشدّد على أن تلك الشروط ليست للمناورة، وإنما لضمان منافسة نزيهة ومتساوية للجميع دون إقصاء.

وأكد ونيس أن اللجنة لم تكن على اتصال بالحكومة في طرابلس في أي مرحلة من مراحل الترتيب، مضيفا: "لم نطلب تدخلا من أحد، وإذا حاولت أي جهة سياسية استثمار ما حدث، فذلك خارج عن نطاق مسؤوليتنا".

وقال ونيس: إن اللجنة لم تتحيز لأي طرف أو مرشح، مشددا على أن "من قرر الغياب عن الجلسة يتحمل مسؤولية قراره"، في إشارة ضمنية إلى الأعضاء الرافضين لمسار الانتخاب الأخير.

واختتم عضو مجلس الدولة حديثه بالتشديد على أن المجلس يظل "أداة أساسية في العملية السياسية بموجب الاتفاق السياسي". ولا يمكن استمرار السلطة التشريعية أو استقرارها في غيابه.

وأشار إلى أن أي محاولات لتقويض دوره هي بمثابة إخلال بالتوازن المؤسسي القائم في البلاد.