أذربيجان تمنع تفاقم التوتر الإسرائيلي التركي في سوريا.. إلى ماذا توصلتا؟

"أذربيجان نجحت بتفعيل ترتيبات استخباراتية بين أنقرة وتل أبيب بشأن سوريا"
تلعب التفاهمات الإسرائيلية التركية لمنع الاحتكاك في سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد دورا كبيرا في تراجع حدة القصف الإسرائيلي على هذا البلد في الأسابيع الأخيرة.
فمنذ 9 أبريل/نيسان 2025، دخلت أذربيجان التي تربطها علاقة قوية بكل من أنقرة وتل أبيب، على خط استضافة محادثات تركية إسرائيلية لتفادي وقوع حوادث غير مرغوب فيها في سوريا حيث ينشط جيشا الجانبين.

تفاهمات بشأن سوريا
وقد احتضنت العاصمة الأذربيجانية باكو محادثات فنية بين تركيا وإسرائيل لتجنب صدامات بينهما، وآخرها انعقاد لقاء جديد بينهما في 22 مايو/أيار 2025.
وقالت مصادر في وزارة الدفاع التركية في 22 مايو: إن أنقرة منخرطة في محادثات مع تل أبيب لإنشاء آلية لمنع الصراع في سوريا.
لكنها لم تؤكد التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي زعمت أن الجانبين اتفقا على إنشاء خط ساخن لمنع أي مواجهة عسكرية في جارهما المشترك، حسبما ذكرت صحيفة "ديلي صباح" التركية.
بدوره، قال مصدر إسرائيلي رسمي لصحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية، في 21 مايو، إن تل أبيب وأنقرة توصلتا إلى تفاهمات بشأن تنسيق أنشطتهما العسكرية في سوريا لمنع الاحتكاك بين القوات من الجانبين.
وأكد المصدر أن تل أبيب تمسكت بموقفها بأن جنوب سوريا الذي يضم ثلاث محافظات (درعا - القنيطرة - السويداء)، سيبقى منزوع السلاح.
وشدد مسؤولون إسرائيليون سابقا على أنه "من المهم تعزيز آلية بين أنقرة وتل أبيب من شأنها منع الصراع الذي لا يريده أي من الطرفين"، وفق ما نقلت صحيفة "معاريف" العبرية في 16 أبريل 2025.
وأضاف المسؤولون حينها أنه "رغم الخطاب العلني للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحذر فيه إسرائيل من مواصلة نشاطها العسكري في سوريا، فإن الأتراك ينقلون في الغرف المغلقة رسالة مفادها أنهم غير مهتمين بالمواجهة مع تل أبيب"
ومع مطلع مايو 2025 توقف القصف الإسرائيلي على الأراضي السورية الذي كان يستهدف منذ اليوم الأول لسقوط نظام بشار الأسد مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات عسكرية سورية.
وقد أعطى توقف القصف الإسرائيلي على سوريا في ظل لقاءات بين تركيا وإسرائيل في أذربيجان مؤشرات على تقدم إيجابي للتفاهمات الجديدة.
وجاء ذلك تزامنا مع تطمينات من قبل دمشق بمنع أي تهديد عبر الحدود الجنوبية.
وقد نقلت قناة "العربية الحدث" السعودية في 23 مايو 2025 عن مسؤول إسرائيلي لم تسمه، قوله، "لقد توافقنا مع تركيا على معظم الأمور حول سوريا وبقي بعض التفاصيل"، مضيفا أن "واشنطن عملت لإنجاح اتفاقنا مع أنقرة وطلبت عدم تجاوز مناطق تمركزنا".
وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن “اللقاءات مع ممثلي الإدارة الجديدة في سوريا برعاية تركيا كانت إيجابية”، لافتا إلى أن "الإدارة السورية الجديدة قدمت بوادر حسن نية سنقابلها بالمثل".
وفي البداية رأت تل أبيب أن محاولات أنقرة مساعدة دمشق على النهوض مجددا، تهدف إلى "جعل سوريا محمية تركية"، وفق ما قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في 3 أبريل 2025.

"تفعيل الخط الساخن"
وضمن هذا السياق يرى رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد أن “جهود أذربيجان في منع الاحتكاك العسكري الإسرائيلي التركي في سوريا نجحت”.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، أرجع ذلك إلى "لعب باكو عقب سقوط الأسد دور حلقة الوصل بين تركيا وإسرائيل وتفعيلها ترتيبات استخباراتية بشأن سوريا".
وأضاف الأسعد أن “العلاقة الأذربيجانية الإسرائيلية التي ارتفع زخمها خلال السنوات الأخيرة أسهمت في لعب دور كبير”.
وخاصة أنه عقب لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف في "منتدى أنطاليا الدبلوماسي الدولي" بتركيا في 11 أبريل 2025، أكد الأخير العمل على تحقيق تعاون في المجال الاقتصادي بين البلدين.
وهو الأمر الذي يتطلب استقرارا أمنيا طالب به حتى الأوروبيون وحثوا إسرائيل على عدم تهديد استقرار سوريا الجديدة، وفق الأسعد
وأشار الأسعد إلى أن أذربيجان فعّلت الخط الساخن بين تركيا وإسرائيل، ضمن إنجاز يمنع الاحتكاك العسكري".
وكانت وزارة الجيش الإسرائيلي قالت خلال بيان لها في 19 مايو 2025: إن “وزير الدفاع يسرائيل كاتس التقى نظيره الأذربيجاني الجنرال ذاكر حسنوف، في إطار تعزيز العلاقة الإستراتيجية الأمنية”.
وأكد الوزيران خلال اللقاء "على العلاقة الوثيقة والفريدة بين إسرائيل وأذربيجان، وهي علاقة قائمة على الثقة والمصالح المشتركة والتحالف الإستراتيجي العميق بين الشعبين"، وفق البيان.
وقالت الوزارة في البيان إن كاتس شكر نظيره حسنوف على جهود الوساطة التي بذلها بين إسرائيل وتركيا، في إشارة واضحة على حدوث تفاهمات عالية بشأن سوريا.
ولهذا ينظر إلى أذربيجان من قبل الأطراف الثلاثة على أنها "وسيط مقبول"، للتوصل إلى تفاهمات بشأن سوريا في هذه المرحلة الحساسة من إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد وتحسين واقع المواطن السوري.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 6 مارس/آذار 2025، أن بلاده منخرطة في مناقشات مع الولايات المتحدة “لإقامة أساس قوي للتعاون الثلاثي بين تل أبيب وباكو وواشنطن”، وفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية.

"لغة الدبلوماسية"
وتخشى إسرائيل من احتمال سماح الحكومة السورية الجديدة لتركيا بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها.
وقد عقد نتنياهو في 23 مارس 2025 مشاورات أمنية مع قادة الأجهزة الأمنية تتعلق ببحث مسألة حدوث "صدام محتمل" مع الجيش التركي على الأراضي السورية.
وعقب سقوط الأسد ألغت إسرائيل اتفاقية "فض الاشتباك"، المُوقعة مع نظام حافظ الأسد (الأب) عام 1974، وبدأت في مهاجمة وقصف وتدمير القدرات العسكرية السورية كافة، عبر غارات جوية مكثفة وتوغلات برية.
كما احتلت إسرائيل جبل الشيخ وأراضي وقرى بعمق يزيد عن 25 كم داخل سوريا، لتضاف إلى هضبة الجولان المُحتلة منذ عام 1967.
وجبل الشيخ أو "حرمون" هو جبل يقع بين سوريا ولبنان يطل على الجولان المحتل ويمكن رؤيته من الأردن.
وكانت تركيا من الدول التي ركزت على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها حديثا بعد سقوط نظام الأسد.
وقال أردوغان، في 23 ديسمبر 2024: إن "إسرائيل ستضطر للانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها"، مضيفا "يبدو أن السبب وراء العدوان الإسرائيلي المتزايد هو التعتيم على الثورة في سوريا وخنق آمال شعبها".
كما جددت وزارة الخارجية التركية في 4 مايو 2025 دعوتها لإسرائيل للانسحاب من الأراضي السورية، و"الكف عن عرقلة جهود إرساء الاستقرار هناك".
لكن أنقرة بدت أكثر ميلا إلى الحلول الدبلوماسية مع إسرائيل، وفق كثير من المراقبين، وإن كان ذلك عبر دول وسيطة.
إذ أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في 9 أبريل 2025 أن محادثات فنية تجرى في أذربيجان، مشددا على أن مثل هذه الآليات ضرورية لمنع حدوث أي سوء تفاهم بين الجانبين.
وأضاف فيدان حينها لـ "سي إن إن تُرك" أن المحادثات تشبه آليات تجنب الصدامات التي توصلت إليها تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا.
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن وقف القصف الإسرائيلي على سوريا مرتبط بأن "حدوث اشتباك بين تركيا وإسرائيل على الأراضي السورية لم يكن أمرا مطروحا، لكون تل أبيب وأنقرة حليفتين لواشنطن".
وأضاف جوناي قائلا: "عوضا عن أن تركيا هي ضمن دول حلف شمال الأطلسي الذي يضم الولايات المتحدة كذلك، إضافة لتمتع كل من أنقرة وتل أبيب بإمكانات عسكرية قوية مما يعني أن أي احتكاك سيؤدي إلى خسائر كبيرة ولن يكون هناك أي مصلحة من اندلاع حرب".
ولفت إلى أن "الخطاب التركي تجاه القصف الإسرائيلي على سوريا كان دبلوماسيا ويسير في هذا الجانب دون إطلاق تهديدات عسكرية، مما يعني أن لغة التفاهمات كانت هي الأقرب وهذا ما يجري التوصل إليه في أذربيجان".
ورأى جوناي، أن "القصف الإسرائيلي عموما كان مرتبطا بمحاولة تل أبيب تقليم أظافر الدولة السورية الجديدة كليا كي لا تشكل خطرا على أمنها القومي".
واستدرك "ولهذا فإن تل أبيب لن تتوانى في الرد حال حدوث تهديد من الجانب السوري لها مستقبلا، حتى لو كانت هناك تفاهمات مع تركيا بوساطة أذربيجان".
وكان الشرع كشف من باريس خلال زيارته لفرنسا في 7 مايو 2025 أن بلاده تجري "مفاوضات غير مباشرة" مع إسرائيل لتهدئة الأوضاع.