رغم المجازر والضغوط.. لماذا ترفض غزة وضع سلاح المقاومة على طاولة التفاوض؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أصبح نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، أحد الشروط الإسرائيلية المعلنة لوقف العدوان على قطاع غزة، والتي تكرر ترديدها أخيرا في تل أبيب، وسط ضغوط ودعوات أميركية أوروبية بضرورة إنهاء الحرب.

وفي تصريح كرره خلال الفترة الأخيرة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت متأخر من 19 مايو/أيار: “الحرب يمكن أن تنتهي إذا تم إطلاق سراح الرهائن (58 ما بين أحياء وجثث محتجزون في غزة) وألقت (حركة المقاومة الإسلامية) حماس سلاحها وتم نفي قادتها وعزل القطاع”.

وصعدت إسرائيل من مجازرها ضد المدنيين في منتصف مايو، بعد إطلاق عملية "عربات جدعون" العسكرية؛ الهادفة لاحتلال كامل قطاع غزة، بعد أن أعلنت أن شرطها الأساسي؛ لوقف الحرب الدموية، هو نزع سلاح حماس وسائر الفصائل الفلسطينية.

وهو ما رفضته الحركة، وشريحة شعبية واسعة داخل الشارع الغزي، ترى أن التخلي عن السلاح هو مقدمة للإمعان في الإبادة والتهجير واحتلال قطاع غزة بالكامل، ما قد يعني نجاح إسرائيل في خططها الأساسية.

 وخيب موقف الفلسطينيين في غزة، الاحتلال الذي راهن منذ بداية الحرب على إخضاع الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية.

ويرى مراقبون أن الرفض الشعبي، يأتي لأن الفلسطينيين هم المقاومة، وأن الحفاظ على سلاحها حق مقدس، طالما وُجِد الاحتلال.

"فداء للمقاومة"

وعملت إسرائيل على تدفيع عموم المجتمع الغزي، ثمنا باهظا على دعمه التاريخي للمقاومة، من خلال المجازر البشعة التي تستهدف منازل المدنيين.

وذلك لثني المجتمع عن تأييده نهج الكفاح المسلح، وبناء عزلة مجتمعية على كل من يؤيد المقاومة من خلال قتله وعائلته ومن حوله.

ولكن ما وثقته عدسات الكاميرات لحديث مئات الناجين، والمصابين، فور خروجهم من تحت الأنقاض المنازل المدمرة، كان يعكس فشلا واضحا للسياسة الإسرائيلية الإجرامية؛ إذ يردد الناجون فور خروجهم من تحت الأنقاض ونجاتهم شعارات مثل "فداء للمقاومة وللقدس وفلسطين"، كما يتوعدون قادة الاحتلال بالانتقام الذي سيَكْبُر مع الأجيال القادمة، التي عاشت المذبحة والنزوح واليتم والتشرد.

على عكس ما راهن عليه الاحتلال، بعد وقف إطلاق النار الذي جرى في 19 يناير /كانون الثاني 2025، ثم اخترقته إسرائيل بعد شهرين واستأنفت الحرب، اكتست شوارع القطاع المدمر بالأعلام الفلسطينية وأعلام المقاومة.

 وخلال شهري الهدنة، شكلت مراسم تسليم الأسرى الإسرائيليين حالة من تجديد الشارع الغزي ثقته في المقاومة؛ حيث كانت تقابل المركبات التي تحمل المقاومين، بالهتافات المؤيدة لهم.

وهو ما أثبت فشل الحرب الدعائية والإعلامية التي شنتها إسرائيل وأدواتها، بالموازاة مع العدوان الدموي؛ حيث غزت تل أبيب مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمة أبواق عربية ومحلية تابعة للسلطة الفلسطينية، هدفها التأثير على الرأي العام في غزة.

وبعد حوالي 600 يوم من الحرب على قطاع غزة، واستشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني، لا يزال السكان متمسكين برفض المساس بسلاح المقاومة، أو التفاوض عليه.

وتطغى أحاديث المفاوضات وجهود إنهاء الحرب، على أي أمر آخر في قطاع غزة، وهو ما يرافقه استهجان لأي دعوة لنزع سلاح المقاومة، مستذكرين النتائج الوخيمة التي ستحل بالقطاع، في حال الموافقة على هذا الشرط.

وعبر الفلسطينيون عن رفضهم المساس بسلاح المقاومة من خلال مسيرات حاشدة جرت شمال القطاع المدمر، خلال منتصف أبريل/نيسان 2025.

فيما اكتست جدران القطاع بعبارات رافضة للتفاوض على السلاح؛ حيث كتب أحد المواطنين على جدار منزله "أبيع بيتي وأسلح المقاومة"، وكتب آخر: "سلاح المقاومة شرفنا والتنازل عنه خيانة".

آراء الغزيين 

"الاستقلال" استطلعت آراء النازحين في منطقة مواصي خان يونس، جنوب القطاع، ورصدت ردودهم على شرط إسرائيل نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، مقابل إنهاء الحرب.

وبدوره، قال الحاج أبو خالد جبر، إن سلاح المقاومة يمثل الضمانة الوحيدة للحفاظ على القضية الفلسطينية، وتسليمه يعني الرضوخ للاحتلال إلى الأبد، والتسليم بحقه بالوجود، وأنه لا يحق لنا الدفاع عن أنفسنا، مهما حصل.

وأضاف لـ “الاستقلال”: "نزع سلاح المقاومة لن يجلب السلام، بل سيستبدل دبابة الميركافاة بجيب عسكري كما يحدث في الضفة، يقتحم المدن والمخيمات في أي وقت يريده، دون أن يشعر بأي خوف، ويقتل ويعتقل من يشاء، فتسليمه لا يوقف الموت بل سيضيف إليه الذل والمهانة".

وشدد جبر على أن هناك إجماعا شعبيا شاملا على مسألة رفض تسليم السلاح، وأن الجميع يعلم عواقبه المريرة، وحتى لو كان هناك دعوات من أي مستوى لمثل هذه المطالب، فسيصطدم برفض سكان القطاع".

أما السيدة إيمان حسنات، فقالت: إن "الشعب الفلسطيني لم يرَ الكرامة إلا على يد المقاومة وبسلاحها، وبهذا تميز وعُرِف بين الشعوب بأنه فدائي وصانع للفدائيين، رافض الظلم والثائر على الغزاة، ولن يستطيع المجرم نتنياهو أن يحقق بالمفاوضات ما فشل فيه بالحرب".

وأضافت في حديث لـ “الاستقلال”: “في النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، لم يكن لدينا مقاومة ولهذا هُزِمنا ونُكِّل بنا".

وأردفت: "عندما انسحبت المقاومة من لبنان حدثت مجازر صبرا وشاتيلا، وجزء منها بالسلاح الأبيض، ونعلم فداحة ما حصل لهم”.

وبعد الحديث عن نزح سلاح المقاومة، استذكر الفلسطينيون مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي والقوات اللبنانية (الجناح العسكري لحزب الكتائب) ضد اللاجئين الفلسطينيين.

ووقعت المجزرة في مخيم صبرا وشاتيلا في لبنان، واستمرت بين 16 و18 سبتمبر/أيلول 1982، وذلك بعد أيام من خروج مقاتلي منظمة التحرير من بيروت تحت أعين العالم وبضمانات دولية لحماية المدنيين؛ حيث رُفعت الأعلام البيضاء، وسُلّم السلاح.

أما الشاب محمد محيسن فقال: إنه ودّع خلال الحرب أطفاله وزوجته، وكذلك شقيقه الوحيد؛ حيث ارتقوا شهداء في مجازر الاحتلال، وإنه يعد التفريط في السلاح خيانة لذويه الشهداء، وهذا حال كل من فقد عزيزا له في هذه الحرب. حسب وصفه.

وأضاف لـ “الاستقلال”: “استشهد أقرب الناس إليّ، معظم عائلتي باتت بين شهيد ومصاب، وأنا أيضا أنتظر نهاية الحرب لأتمكن من السفر للعلاج، بعد إصابتي في رقبتي وقدماي، وأيضا خسرت منزلي”.

وأردف: “بعد أن قدمنا هذه التضحيات والتي نحتسبها عند الله، لن نقبل أن يكون الثمن نزع سلاح المقاومة”.

وبدوره قال الشاب صهيب ماجد: إنه رغم أن شعبية حماس ليست في أفضل حالاتها، فإن المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام الجناح العسكري للحركة الأخيرة، وسلاحها خط أحمر بالنسبة لأطياف الشعب الفلسطيني كافة، ولا يمكن مناقشة نزعه.

 "وهذا الحديث ستسمعه في كل مكان؛ مخيمات النزوح والأسواق وطوابير المياه والطعام، بين النازحين، هناك إجماع على قدسية السلاح".

وأضاف لـ "الاستقلال": “نتنياهو وضع هذا الشرط لرغبته في استمرار الحرب؛ لأنه يعرف استحالة قبوله”.

عواقب وخيمة

وينبع الرفض الشعبي لمناقشة نزع السلاح من قناعة عامة لدى الفلسطينيين بأن التخلي عن المقاومة المسلحة يعني حرية مطلقة للاحتلال، للقتل والتنكيل متى شاء، دون أن يشعر بأدنى حد من التهديد.

ومن جانبه، قال الباحث السياسي والإستراتيجي سعيد زياد: إن جعل القضاء على أبسط أشكال الدفاع عن النفس شرطا أساسيا للسلام، يعني أن إسرائيل لا تسعى إلى المصالحة، بل إلى محو الوجود الفلسطيني في غزة تماما.

وأضاف في مقال نشر عبر “ميدل ايست آي”: "عادة ما تطرح مطالب نزع السلاح في المراحل الأخيرة من الصراع، عقب تحقيق نصر عسكري حاسم يجبر الخصم على الاستسلام والامتثال، إلا أن هذا السيناريو لم يتحقق في الحرب الدائرة على غزة."

 وأكد زياد أن مطلب إسرائيل بعيد عن كونه موقف قوة، هو في الواقع اعتراف ضمني بالفشل.

فبعد فشلها في تفكيك هيكل قيادة حماس وألويتها المسلحة بالوسائل العسكرية، تسعى الآن إلى تحقيق ذلك من خلال الضغط السياسي، وفق قوله.

وتابع أن “المقاومة المسلحة ليست حكرا على حماس، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي الأوسع للحياة الفلسطينية”.

وذكر أن "المقاومة ليست ترفا أيديولوجيا، بل ضرورة وجودية، متجذرة في تاريخ من التهجير والاحتلال، والوعود التي لم توف".

كما قال رئيس هيئة علماء فلسطين نواف تكروري، في 3 مايو 2025: إن الفلسطينيين في قطاع غزة لن يقبلوا بدعوات إلقاء السلاح والاستسلام.

وأشار تكروري خلال مؤتمر صحفي إلى أن “هذا لن يجلب العزة والكرامة، وقد جُرّب من قبل، وكان ثمنه فادحا، وهم يدركون ذلك جيدا”.

ولا يقتصر الأمر على الضغط الإسرائيلي والأمير على المقاومة لنزع سلاحها، بل تشارك دول عربية في جهود إنهائها وتجريد حماس والفصائل من وسائلها القتالية؛ إذ عرضت مصر خطتها لليوم التالي للحرب بغزة في منتصف أبريل/نيسان، وتضمنت نزع سلاح المقاومة الفلسطينية.

وقال قيادي بحماس لقناة الجزيرة: إن “وفدنا المفاوض فوجئ بأن المقترح (الأخير) الذي نقلته مصر يتضمن نصا صريحا بشأن نزع سلاح المقاومة”.

وكذلك اشترطت السعودية والإمارات نزع سلاح حركة حماس بالكامل، مقابل الدعم المالي لإعادة إعمار قطاع غزة، خلال اجتماع جمع قادة عرب خلال فبراير/شباط 2025، في الرياض، حسب ما نقلته صحيفة إسرائيل هيوم العبرية.

وتصطدم الجهود الإسرائيلية والأميركية والعربية بموقف موحد للشعب الفلسطيني، حول قدسية سلاح المقاومة وعدم قابلية التفاوض عليه.