محادثات متقدمة مع الإمارات وألمانيا.. هل تظهر عملة سوريا الجديدة قريبا؟

مصعب المجبل | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن طباعة عملة جديدة في سوريا ليست بالمهمة السهلة في هذه المرحلة لتقديرات تتعلق ببنية الاقتصاد المتهالك وضعف قيمة الليرة، إلا أن دمشق عازمة على المضي قدما في هذه الخطوة.

إذ بدأت الحكومة السورية الجديدة فتح ملف طباعة عملة جديدة واستبدال القديمة وذلك بمساعدة عدد من الدول، كون دمشق تتلمس كل الخطوات التي من شأنها دفع الاقتصاد السوري نحو الاستقرار.

عملة جديدة

وأكد وزير المالية السوري محمد يسر برنيه، في تصريحات تلفزيونية، في 15 مايو/ أيار 2025 وجود توجه لدى الدولة السورية لإصدار عملة سورية جديدة في الوقت المناسب. 

وأشار برنيه إلى أن إعادة النظر في العملة السورية الحالية أصبح أمرا مطروحا على الطاولة.

وبشأن تلك الجهود، نقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر قولها في 16 مايو 2025: إن سوريا تخطط لطباعة عملة جديدة في الإمارات وألمانيا بدلا من روسيا حليفة نظام بشار الأسد المخلوع.

وبدأت السلطات السورية استكشاف إمكانية طباعة العملة في ألمانيا والإمارات في وقت سابق من عام 2025 واكتسبت هذه الجهود زخما بعد أن رفع الاتحاد الأوروبي بعض عقوباته على دمشق في فبراير/شباط من العام المذكور.

وستزيل إعادة التصميم صورة بشار الأسد من إحدى فئات الليرة السورية ذات اللون الأورجواني التي لا تزال متداولة.

ويحاول حكام سوريا الجدد التحرك بسرعة لتعزيز اقتصادهم المنهار على مدى 14 عاما، وواجهوا أخيرا المزيد من العراقيل بسبب نقص الأوراق النقدية.

وتولت روسيا، أحد الداعمين الرئيسين للأسد، مهمة طباعة العملة السورية خلال العقد الأخير، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أدت إلى إنهاء عقد مع شركة أوروبية.

وحافظ الحكام الجدد في دمشق على علاقاتهم مع موسكو حتى بعد فرار الأسد إلى روسيا في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

إذ تلقوا عدة شحنات من أوراق نقدية في الأشهر القليلة الماضية بالإضافة إلى الوقود والقمح، بينما تسعى موسكو إلى الاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في منطقة الساحل السوري.

وأثار ذلك انزعاج الدول الأوروبية التي تسعى إلى الحد من نفوذ روسيا في خضم الحرب في أوكرانيا.

وفي فبراير/شباط 2025، علق الاتحاد الأوروبي عقوبات على القطاع المالي السوري مما سمح تحديدا بطباعة العملة.

وذكر مصدران ماليان سوريان أن السلطات الجديدة تجري محادثات متقدمة بشأن صفقة طباعة عملة مع شركة (عملات للطباعة الأمنية) الإماراتية، التي زارها حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية ووزير المالية محمد برنيه خلال زيارة إلى الإمارات في مايو 2025.

وقال مصدر سوري ومسؤول أوروبي: إن شركة (بوندسدروكيراي) الألمانية المدعومة من الدولة وشركة (جيسيك بلس ديفرينت) الخاصة أبدتا اهتمامهما، لكن لم يتضح بعد أيهما قد تطبع العملة.

وأشار متحدث باسم "بوندسدروكيراي" أن الشركة لا تجري محادثات مع سوريا بشأن اتفاقية لطباعة عملة.

وفي إشارة أخرى إلى تعميق العلاقات بين حكام سوريا الجدد والإمارات، وقعت دمشق في 15 مايو صفقة أولية قيمتها 800 مليون دولار مع شركة دي بي ورلد الإماراتية لتطوير ميناء طرطوس على البحر المتوسط.

وهي أول صفقة من نوعها منذ إعلان الرئيس دونالد ترامب المفاجئ رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.

والليرة السورية فقدت تدريجيا نحو 90 بالمئة من قيمتها منذ عام 2011، وبعدما كان سعر صرف الدولار الواحد يناهز 50 ليرة سورية قبل 2011، يراوح حاليا بين 10 آلاف و12 ألف ليرة.

وكان أعلن مصرف سوريا المركزي في 14 فبراير 2025 عن وصول مبلغ 300 مليار ليرة سورية قادمة من روسيا عبر مطار دمشق الدولي.

وقبل اللجوء إلى روسيا، كانت سوريا تطبع النقود في النمسا عبر شركة تابعة للبنك المركزي النمساوي.

"تحديات عديدة"

ويتوقع كذلك أن تنعكس عودة التعاملات المالية مع الخارج، إيجابا على الليرة السورية عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 13 مايو رفع العقوبات عن سوريا.

وقد أعلن البنك الدولي في 16 مايو أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

إلا أن طباعة عملة جديدة في هذه المرحلة، ينظر إليها كثير من الخبراء على أنها ليست بالسهلة لكثير من التقديرات.

علاوة على أن البحث في شكل وتصميم العملة المطبوعة الجديدة يعد أمرا بالغ الأهمية عقب انتصار الثورة السورية والتي يطالب السوريون بأن تكون تعكس حضارة البلاد وهويتها وليس الشخوص كما فعل نظام الأسد المخلوع.

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، إن موضوع طباعة عملة جديدة ليس بالأمر السهل، حيث يتطلب معرفة حجم الاحتياطيات في البنك المركزي والكتلة النقدية في السوق.

وأضاف لـ"الاستقلال": "لأن الحكومة الحالية لم تتمكن من ضبط هذه المسألة كون أمر طباعة العملة زمن حكم نظام الأسد البائد كان يصدر من القصر الجمهوري وليس من البنك المركزي".

وتابع: "فينبغي معرفة الهدف هل هو تغيير شكل العملة من أجل التغيير؟ دون تحسين قيمة العملة، خاصة أن تحسين قيمة العملة أمر مكلف راهنا من ناحية جودة ورق العملة بحيث يصعب تزويرها علاوة على أن تكلفة الطباعة عالية وهذا مرتبط بحجم الاحتياطيات".

وأشار شعبو إلى أنه "قبل طباعة العملة السورية ينبغي ضبط الوضع الاقتصادي وتثبيت سعر الصرف لليرة السورية، من خلال الاحتياطات والناتج المحلي الإجمالي ووجود مؤسسات مالية فعالة من البنك المركزي وباقي المصارف والبنك ولا سيما أن في سوريا اليوم أكبر مصرف في سوريا رأس ماله 10 ملايين دولار والباقي رأس مالها لا يتجاوز مليون دولار".

وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة بسوريا، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.

وبحسب مصادر لرويترز فإن المصرف المركزي السوري يملك احتياطيات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل عام 2011.

ولدى المصرف المركزي ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.

وقالت الحكومة السورية الجديدة: إنها تتوقع استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.

ورأى شعبو أن "الحكومة السورية يبدو أنها تضع خطة متوسطة الأجل لعام أو عامين لكي يتم طباعة العملة، خاصة في ظل متطلبات فنية معقدة مرتبطة بوجود العملة بيد المواطنين واكتنازها خاصة من قبل المضاربين الذين يلعبون بالسوق اليوم والذين يخشى في هذه الحالة أن يضخ العملة القيمة في السوق ويحصل عوضا عنها ما يقابلها من الدولار".

وألمح إلى أن "طباعة عملة جديدة في سوريا بظل عدم تمكن الحكومة الحالية من بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية تعد عملية صعبة".

وما يزال ثلث الأراضي السورية تحت نفوذ قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة.

وتعرف العملة بأنها أحد رموز الدولة، وعادة لا يتم التخلي عنها أو استبدالها إلا لأسباب قاهرة مثل حل اختلالات نقدية عميقة، أو التغلب على مشاكل تقنية عالية، أو الدخول في مرحلة انتقالية لعموم البلاد.

"فوائد مستقبلية"

وأمام هذه التحديات الأساسية التي تلازم طباعة عملة جديدة في سوريا، فإن بعض الخبراء يرونها ضرورة مرحلة في ظل التغيير السياسي والاقتصادي الحاصل في البلاد.

إذ ما تزال الليرة السورية بأوراقها النقدية الحالية تشكل مصدر سيولة للشبكات ورجال الأعمال المرتبطين بحقبة الفساد زمن نظام الأسد البائد والذين يمارسون تلاعبا بالسوق، ويعرقلون محاولات تثبيت سعر صرف الليرة، عبر التحكم بالسوق السوداء من خلال عمليات حبس السيولة وإخفائها.

وفي الحالة السورية يمكن أن يحل تبديل العملة مشكلة نقص السيولة الموجود لدى الحكومة، كما يمكن أن يسهم التغيير بإلغاء العملات التي تحتوي على صور الأسد، وكذلك إحصاء الكتلة النقدية والسيطرة عليها.

كما أن الخبراء يؤكدون أن إصدار فئات من العملة تحمل أرقاما عالية ستساعد على تقليل كمية الأموال التي يجب حملها من أجل دفع المستحقات في التداول اليومي.

كما يسهم تبديل العملة في التحول للنظام الرقمي، وفرض التداول الإلكتروني، والدفع والقبض عن طريق الحسابات البنكية ومنتجات البنوك.

وكذلك، كشف ومصادرة جزء من الأموال المسروقة وتجنب استثمارها في تمويل الأعمال السوداء.

وضمن هذه الجزئية، يؤكد لـ"الاستقلال" الباحث السوري يونس الكريم، أن "ما يدفع الحكومة السورية لطباعة عملة جديدة في هذه المرحلة، يعود إلى "تأمين السيولة للسوق السورية التي تعاني منها وعدم قدرة البنك المركزي تلبية متطلبات السوق خاصة مع تطبيق سياسة تحرير الاقتصاد".

 وكذلك وجود “العملة السورية هي رمز سيادي وأحد محددات الاستقلال السياسي والدستور وحامٍ للحريات كذلك ولهذا فإن هناك هدفا في إزالة صور الأسد من العملة”، بحسب الكريم.

وأيضا "قطع العلاقة مع الشركات التي تقوم بعملية الطباعة من قبل روسيا وإيران مما يؤكد على تحرير سوريا".

وكذلك "قطع اليد التي تتلاعب بالعملة التي تهدف إلى إرباك الاقتصاد عبر خلق حالة من التذبذب في السيولة مما يجعل الناس تفقد جزءا من ثرواتها وذلك بهدف النقمة على الحكومة الحالية وجعل الناس ينقمون عليها"، وفق الكريم.

وأشار الكريم إلى أن "طباعة عملة جديدة تحرم شبكات ورجال الأعمال المرتبطين بحقبة الفساد زمن نظام الأسد البائد من التلاعب بالسوق الذين تمكنوا من نقل كميات كبيرة من الأموال إلى الخارج".

 ويتفق الكريم مع كثير من المحللين بأنه في "الوقت الراهن لا يوجد طباعة عملة لعدم معرفة قيمة العملة وشكلها ونمطها وقيمتها وشروطها الأمنية، مما يعني أن ما يجرى الحديث عنه هو وجود تفاهمات في المساعدة في إنشاء عملة جديدة بسوريا وقد تكون الإمارات لها دور في التوسط لجلب الماكينات لإعادة طباعة العملة". 

وأردف "قد تلجأ الحكومة السورية في المرحلة الأولى لطباعة عملة شبيهة بالحالية لكنها تخلو من صور الأسد؛ وذلك لتعذر تحديد قيمة العملة من قبل الحكومة، وبالتالي فإن الطباعة في سوريا سيقتصر استخدامها في التعاملات المحلية دون القبول فيها بالخارج، وهنا توجد إشكالية لدى المستثمرين". 

ولفت الكريم إلى أن "حجم الأموال المطبوعة في سوريا تقدر بنحو 60 ترليون ليرة، ولكن في السوق راهنا لا يوجد نصف هذا المبلغ، والسوق السورية تحتاج يوميا إلى 100 مليار ليرة كضخ سيولة من البنك المركزي والتجار كي تستمر العملية التجارية وهذا الرقم اليوم غير متوفر حيث لا يمكن للبنك المركزي ضخ سوى 10 مليارات ليرة يوميا في أحسن الأحوال".