هاكان فيدان.. كيف يعيد "رجل أردوغان” رسم خريطة تركيا في إفريقيا؟

داود علي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في واحدة من أكثر التحولات هدوءا وفاعلية في السياسة الخارجية التركية، يقود قائد الدبلوماسية في أنقرة هاكان فيدان توسعا إستراتيجيا لبلاده في إفريقيا.

وذلك من خلال فريق دبلوماسي مدروس، يجمع بين عناصر استخباراتية سابقة، ودبلوماسيين محترفين وقيادات حزبية وفنية مرتبطة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ومن أنقرة إلى مقديشو ومن داكار إلى نيامي، يتحرك وزير الخارجية التركي فيدان بخطة دقيقة لإحكام السيطرة على ملفات القارة المتشعبة، واضعا نصب عينيه ترسيخ نفوذ بلاده في سياقات سياسية واقتصادية وأمنية.

دبلوماسية نشطة

وفي تحركاته بهذه الفترة، يستفيد فيدان من تراجع الحضور الغربي لا سيما فرنسا التي جرى طردها من أغلب دول القارة، واشتداد المنافسة الخليجية في مناطق نفوذ تقليدية.

وقالت مجلة "أفريكا إنتليجنس" الفرنسية، في 16 مايو/أيار 2025: إن فيدان شكل شبكة دبلوماسية مركزة تضم وجوها جديدة وأخرى مخضرمة، تسعى جميعها لترسيخ الحضور التركي على امتداد القارة.

وعرف فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات التركي السابق (2010–2023)، بأنه "ظل أردوغان" و"مدبر الملفات السرية"، قبل أن يعين وزيرا للخارجية في يونيو/ حزيران 2023، خلفا لمولود جاويش أوغلو. 

ورغم افتقاره لخبرة مباشرة في إفريقيا، بحسب المجلة الفرنسية، لكنه شكل الآن هيكلا جديدا للوزارة يعيد ترتيب الملف الإفريقي كأولوية إستراتيجية للدولة التركية.

ومنذ توليه المنصب، لم يكتفِ فيدان بالإشراف الإداري، بل أصبح الوجه الرئيس للدبلوماسية التركية في القارة.

كما أجرى زيارات تفاوضية مباشرة، ووقع اتفاقيات أمنية وتجارية، وأعاد ترتيب هيكل الوزارة ليعكس التوسع التركي في القارة السمراء.

ظهر هذا بوضوح خلال المنتدى الدبلوماسي الذي انعقد بأنطاليا في 12 أبريل/ نيسان 2025، حيث استضافت المدينة الساحلية الساحرة، أكثر من 40 وفدا إفريقيا، في مشهد يعكس حجم التطلعات التي تعقدها أنقرة على شراكاتها بالقارة. 

وكان فيدان وفريقه في صدارة المشهد، يترأس اللقاءات، ويعيد وضع إفريقيا على أجندة السياسة الخارجية كأولوية لا تقل أهمية عن الملفات السورية أو الأوروبية.

قادة الفريق

ولتنفيذ هذه السياسة متعددة الأذرع، أعاد فيدان ترتيب هيكل وزارته، من خلال تشكيلة مخضرمة، ومن أبرز الوجوه في فريقه، برهان الدين دوران، نائب الوزير المكلف حصريا بإفريقيا.

وهو أستاذ جامعي سابق ومفكر محسوب على التيار الإسلامي المحافظ، كان يشغل منصب مدير مؤسسة "سيتا" للأبحاث، وهي مركز دراسات تابع لحزب العدالة والتنمية، وفي عام 2024، عيّن نائبا لوزير الخارجية ومكلفا حصريا بالملف الإفريقي.

ورغم أنه جديد على الساحة الإفريقية، استطاع دوران في فترة وجيزة ترك بصمة واضحة، حيث تولى ملف الوساطة بين إثيوبيا والصومال بخصوص نزاع أرض الصومال.

كما سافر إلى أبو ظبي في أبريل 2025؛ لبحث الملف الأمني للقرن الإفريقي مع وزير الدولة الإماراتي شخبوط بن نهيان.

واختيار دوران لا يأتي فقط بسبب قربه من الحزب الحاكم، بل أيضا بسبب رغبة فيدان في الدفع  بوجوه فكرية لديها قدرة على التفاوض السياسي وإدارة التعقيدات الدبلوماسية ذات البعد الأيديولوجي.

ويحضر هنا أيضا رقيب علي أونانير مدير إدارة شمال وشرق إفريقيا، وهو دبلوماسي مخضرم يتحدث الفرنسية بطلاقة، وكان سابقا سفير تركيا لدى فرنسا وتونس. 

في 2024، تولى إدارة الملف الشمالي والشرقي لإفريقيا، وهي منطقة محورية لأنقرة؛ حيث تتركز الاستثمارات والوجود العسكري التركي، خاصة في الصومال والسودان.

ويحمل أونانير خلفية تعليمية نخبوية؛ إذ تخرج في المدرسة الفرنسية بأنقرة، وتابع دراسته في المدرسة الوطنية للإدارة بفرنسا (ENA)؛ حيث كان زميلا للرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون. 

عرف أونانير بقدرته على التفاوض في ملفات حساسة، ولعب دورا محوريا في التوصل إلى "إعلان أنقرة" لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في ديسمبر/ كانون الأول 2024.

كما يتولى مراقبة مشروعات البنية التحتية الكبرى التي تنفذها شركات تركية داخل إفريقيا، مثل Yapi Merkezi، خاصة مشاريع السكك الحديدية في تنزانيا وأوغندا، ومتابعة الصعوبات القانونية التي تواجه الشركة في إثيوبيا.

أعضاء الفريق

وتأتي بقية التشكيلة الدبلوماسية، ومنها فولكان إيشيكجي – مدير جنوب إفريقيا والمنصات المتعددة الأطراف.

وكان إيشيكجي سفيرا سابقا لدى الكاميرون، وأصبح الآن مسؤولا عن دول جنوب القارة والمنظمات الإقليمية الإفريقية، في هيكلية جديدة أطلقها فيدان لدعم التخصص الإقليمي. 

يتابع إيشيكجي العلاقات مع مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي (SADC) ويتعامل مع ملفات تجارية وعسكرية ناشئة، خصوصا في زامبيا وجنوب إفريقيا وموزمبيق.

ثم شيبنيم جينك مديرة غرب ووسط إفريقيا، وهي دبلوماسية تتحدث الفرنسية وأقامت سابقا في غينيا الاستوائية. 

جرى تعيينها على رأس ملف غرب ووسط إفريقيا، وتعد صلة الوصل الأساسية بين أنقرة وسفاراتها في منطقة الساحل.

 تتابع عن قرب التطورات السياسية والأمنية في النيجر، مالي، بوركينا فاسو، وتشرف على إعادة تشكيل النفوذ التركي في ظل انسحاب القوى الفرنسية من الإقليم.

وأيضا نور ساجمان، سفيرة تركيا في السنغال والمسؤولة التنفيذية عن العلاقات في غرب إفريقيا، وتعد من أبرز العناصر الميدانية في فريق فيدان. 

كانت تشغل سابقا منصب مسؤولة مكتب إفريقيا في رئاسة الجمهورية، وهي اليوم تقيم في داكار وتدير الملفات المتعلقة بالسنغال والرأس الأخضر، وتسعى لتقوية التحالف التركي مع الرئيس السنغالي باسيرو فاي.

وأسست ساجمان قاعدة اقتصادية لأنقرة في غرب إفريقيا من خلال تعزيز دور شركة Summa التركية للبناء، كما تشرف على برنامج بيع طائرات TB2 المسيرة، وتنسق مشاريع ثقافية وتجارية بالتوازي مع الملفات الأمنية.

وأخيرا يأتي  ألب آي الممثل الخاص للمفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال. وكان السفير السابق لدى أنغولا، وتم تعيينه في منصب حساس لقيادة المفاوضات بين الحكومة الصومالية وسلطات أرض الصومال. 

ويتابع ألب آي الملف في توقيت حرج، مع تصاعد التوترات الإقليمية واحتمالات تدخل أميركي محتمل لصالح استقلال أرض الصومال بدعم من إدارة الرئيس دونالد ترامب.

ويتلقى ألب آي تعليماته مباشرة من فيدان دون وسيط، ويعد موفده الخاص في القرن الإفريقي.

مذاق أمني وتجاري

ولا تقتصر مهام الفريق على الملفات السياسية، بل تشمل أيضا تجارة الأسلحة والمقاولات والبنية التحتية. 

فبجانب التعاون مع وزارة الدفاع، وسع فيدان صلاحيات وزارة الخارجية لتشمل الترويج لصادرات الأسلحة، بالتعاون مع وزير الدفاع التركي يشار غولر، الذي يزور إفريقيا باستمرار لتوقيع اتفاقيات عسكرية.

كما وسع تعاونه مع هالوك غورغون، رئيس هيئة الصناعات الدفاعية، المكلف بالتسويق الدولي للسلاح التركي.

ويترافق الثلاثة أحيانا في جولات دبلوماسية وأمنية مشتركة داخل القارة الإفريقية كما حدث في النيجر منتصف يوليو/تموز 2024.

ولضمان استمرار الولاء السياسي للنفوذ التركي، يستخدم فيدان خطوط اتصال من خلال فريقه مع الأحزاب الحاكمة في الدول الإفريقية. 

وفي عام 2024، أرسل أردوغان نائبه في الحزب ظافر سيراكايا لتوقيع اتفاقيات مع حزب الرخاء الإثيوبي، وحزب المؤتمر الوطني الصومالي، وحزب الرخاء في جيبوتي، وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا.

ومن أبرز الملفات التي يعمل عليها فيدان وفريقه حاليا، ترتيب استعداد أنقرة لتنظيم قمة تركية إفريقية جديدة في ليبيا عام 2026، حيث تراهن على مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية DEIK وجمعية MÜSİAD لتعزيز النفوذ التجاري.

وعلقت "أفريكا إنتيليجنس"، على هذه الإستراتيجية التركية، قائلة: "ما يصنعه هاكان فيدان ليس مجرد سياسة خارجية جديدة، بل إعادة تصميم كاملة لأدوار أنقرة في القارة الإفريقية".

وتابعت: "فكل شخصية في فريقه تم اختيارها بعناية، وكل مهمة تدار بإحكام، ومع دخول تركيا عقدا جديدا من الطموح العالمي، يبدو أن إفريقيا لن تكون مجرد شريك اقتصادي لأنقرة، بل ساحة خلفية لمشروع أردوغان الجيوسياسي، بأدوات فيدان وبتوقيع استخباراتي".