رغم قيادتها "بريكس".. لماذا تسعى روسيا إلى جمع قادة العرب في اجتماع قمة؟

"يمكن لروسيا تشكيل نوع من المنافسة في المنطقة العربية بينها وبين الغرب"
في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب الروسية الأوكرانية وسط غموض يحيط بمحادثات السلام بينهما، طرحت موسكو مبادرة دبلوماسية مهمة تهدف إلى تعميق العلاقات مع العالم العربي الذي شهد أخيرا تغيرا جيوسياسيا كبيرا بسقوط نظام بشار الأسد.
وذكرت وكالات أنباء روسية نقلا عن بيان صادر عن الكرملين، في 17 مايو/أيار 2025 أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا جميع قادة الدول العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية إلى أول قمة روسية عربية في 15 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.

قمة روسية عربية
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن بوتين قوله في البيان: "أنا واثق من أن هذا الاجتماع سيسهم في تعزيز التعاون متعدد الأوجه والمتنوع بين بلداننا وسيساعد في إيجاد سبل لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وستجمع القمة التاريخية، التي تستضيفها روسيا، زعماء الدول الأعضاء الـ22 في جامعة الدول العربية وهي أقدم منظمة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تأسست في مارس/أذار 1945.
وينظر على نطاق واسع إلى دعوة بوتين لرؤساء الدول العربية، بصفتها جزءا من إستراتيجية روسيا الأوسع نطاقا لتوسيع حضورها الدبلوماسي ونفوذها في جميع أنحاء العالم العربي، ووضع نفسها كقوة موازنة للنفوذ الغربي في المنطقة، خاصة من جانب الولايات المتحدة.
وجاءت دعوة بوتين، بعد جولة قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منطقة الخليج واستغرقت أربعة أيام شملت السعودية وقطر والإمارات.
وغادر ترامب إلى واشنطن في 16 مايو/أيار 2025 بعد اجتماعات مقتضبة مع زعماء الخليج بهدف الحصول على التزامات مالية من الدول الثلاث الغنية المنتجة للطاقة والتي يمكنها أن تعزز الاقتصاد الأميركي وتوفر فرص عمل.
وقالت واشنطن: إنها أبرمت خلال الجولة الخليجية عدة صفقات، منها التزام السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة ومبيعات أسلحة بقيمة 142 مليار دولار للمملكة.
أما زيارة الرئيس الأميركي إلى الإمارات فقد أسفرت عن توقيع حزمة واسعة من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، بقيمة إجمالية تجاوزت 1.6 تريليون دولار وشراكة في مجال الذكاء الاصطناعي مع الإمارات.
وحسب مستند منشور على الموقع الرسمي للبيت الأبيض في 15 مايو/أيار 2025 فقد وقع ترامب اتفاقيةً مع قطر تُسهم في تعزيز التبادل الاقتصادي بينهما بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار.
ووفق خبراء، فإن انعقاد مثل هذا الحدث بين روسيا وقادة الدول العربية، سيكون استثنائيا في حال حدوثه، في ظل التحولات الجيوسياسية بالمنطقة العربية، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 والذي كان يعد أكبر حلفاء موسكو في الشرق الأوسط والذي وفر لها يوما موطئ قدم على البحر الأبيض المتوسط.
كما أن فرصة توقف الحرب الروسية الأوكرانية أصبحت مواتية، مع عودة المفاوضات بين موسكو وكييف؛ حيث شكلت تلك الحرب أكبر ضربة للاقتصاد الروسي بعد تعرضه لعقوبات أميركية وأوروبية، الأمر الذي دفع موسكو للتوجه نحو الدول الآسيوية والإفريقية والعربية لإقامة علاقات سياسية واقتصادية.
فخلال الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت عام 2022، بدا واضحا أن روسيا أعطت عددا من الدول العربية أدورا دبلوماسية عالية، تمثلت بوساطة كل من السعودية وقطر والإمارات في صفقات تبادل أسرى بين موسكو وكييف.
كما ارتفع سقف الخط الدبلوماسي، حينما احتضنت السعودية في 18 فبراير/شباط 2025 بالعاصمة الرياض أول لقاء مباشر بين مسؤولين روس وأميركيين عقب حرب أوكرانيا وتوتر العلاقة بين البلدين؛ حيث هدفت المفاوضات إلى التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب في أوكرانيا، واستعادة العلاقات الروسية - الأميركية، وذلك بعد اتصال هاتفي أجراه ترامب مع بوتين.
وحسب مراقبين، فإن محاولة روسيا توثيق العلاقة مع الدول العربية، ليست بالجديدة، حيث عملت موسكو في السنوات السابقة على تنشيط التفاعل بين مؤسسات الفكر والرأي في روسيا والدول العربية حول تشكيل أجندة موضوعية طويلة المدى للعلاقات الثنائية.
كما أن منتدى التعاون العربي الروسي يواصل عقد جولاته على مستوى وزراء الخارجية، وفقا لمذكرة التفاهم التي وقعتها جامعة الدول العربية وروسيا سنة 2009؛ حيث يبحث هذا المنتدى قضايا التعاون بين روسيا والعالم العربي.
كما أن المنتدى المذكور يختص بالمقاربة الروسية للأزمات العربية، والتي تقوم على تسويتها من خلال الوسائل السلمية والحوار الشامل في فلسطين وسوريا واليمن.
بالمقابل، تسعى الدول العربية لتنويع روابطها مع القوى الكبرى لا سيما تلك الساعية لاستعادة مكانتها على مسرح السياسة الدولية، وفي مقدمتها روسيا التي تمتلك حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي.
كما أن تعزيز الحوار السياسي بين روسيا والدول العربية، يهدف إلى تنسيق المواقف المشتركة في المحافل الدولية، في إطار احترام مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية.
إلا أن روسيا في الملف السوري أبدت انحيازا كاملا لنظام الأسد المخلوع وتدخلت عسكريا عام 2015 لقمع الثورة التي اندلعت عام 2011 وعملت على مساندة الأسد في تعطيل كل المفاوضات مع المعارضة وجعلها تدور في حلقة مفرغة إلى أن أطاحت المعارضة بنظام الأسد.
وعقب انهيار نظام الأسد تعرض النفوذ الروسي إلى الاهتزاز وبات مقيدا، الأمر الذي دفع موسكو للدخول في مفاوضات مع القيادة السورية الجديدة بشأن وجودها بسوريا.

"انفتاح وتعاون"
وضمن هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، لـ "الاستقلال" أن "مساعي روسيا للتقارب مع قادة الدول العربية يأتي من كون موسكو تريد أن تقدم نفسها إلى العالم العربي بأن لديها عددا هائلا من المسلمين الروس ويمكن أن يكون بينها والعالم العربي انفتاح وتعاون وتبادل للمصالح وأن تقدم نفسها كأحد شركاء العالم العربي".
وأضاف الهواس أن "حديث روسيا مع العالم العربي يبدأ من الحالة السورية إضافة إلى التماس المباشر بين روسيا والعالم العربي من خلال حيازتها ثروة هائلة من النفط والغاز كتلك الموجودة مع الدول العربية وهذا يؤشر إلى وجود رغبة روسية بعدم حدوث تصادم مع الدول العربية بل تريد أن تصل إلى تفاهمات تصب في مصالح الطرفين".
ورأى الهواس أن "الدول العربية لا تثق بشكل عام بروسيا؛ لأن التجارب مع الروس في سوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن كلها كانت فاشلة ولم تنعكس إيجابا على شعوب المنطقة العربية وكانوا داعمين للطغاة".
واستدرك "إضافة إلى ضعف التكنولوجيا الروسية والتي هي ليست دولة مغرية في التعامل معها على عكس الدول الغربية".
وأشار الهواس إلى أن التحولات الجيوسياسية في المنطقة العربية مرتبط بالتوجهات الروسية الجديدة خاصة أن النفوذ الروسي الحقيقي في المنطقة كان في سوريا.
ومضى الهواس يقول: "إن انتصار الثورة السورية ورفع العقوبات الأميركية عن سوريا وقبول الغرب بالقيادة السورية الجديدة مع تدفق استثمارات إلى سوريا، يوحي بأن النفوذ الروسي في سوريا في تقلص وربما في انتهاء في ظل عدم رغبة الحكومة السورية بتجديد أي عقود مع روسيا لذلك موسكو في الوقت الراهن تبحث في أمرين الأول هو العمل على تفاهم مع القيادة السورية حتى لا تخسر المكانة في هذه البقعة الجغرافية المهمة وبالتالي يمكن أن تتحدث روسيا عن مغريات يمكن أن تقدمها لسوريا".
وعلى مدى العقد الماضي، زادت روسيا بشكل كبير من مشاركتها في شؤون الشرق الأوسط، وعززت العلاقات الوثيقة مع إيران، وعززت التعاون الاقتصادي مع دول مثل مصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة.
ومن المؤشرات الواضحة على التعاون المتزايد بين موسكو والدول العربية، المنتدى الاقتصادي الدولي الـ26 الذي انعقد في سان بطرسبورغ يومي 14 و17 يونيو/حزيران 2023، الذي حضره رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الجزائر عبد المجيد تبون، والقمة الروسية الإفريقية الثانية يومي 27 و28 يوليو/تموز 2023، بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ورئيس اتحاد جزر القمر غزالي عثماني.

"خلق المنافسة"
بالفعل بدأ سفراء روسيا في الدول العربية تسليم القادة العرب الدعوات لحضور القمة الروسية العربية المزمع عقدها في غضون أشهر قليلة.
وأمام ذلك، يتوقع الخبراء أن تلعب بعض الدول العربية دورا في صياغة جدول الأعمال الذي سيركز على التعاون في مجال الأمن الغذائي والطاقة، والتجارة والاستثمار في النفط والتعدين والطاقة والنقل، لا سيما في البنية التحتية والدفاع.
ويرى هؤلاء أن القمة قد تؤدي إلى تعاون عسكري تقني أوثق بين روسيا ودول عربية مختارة، مع استبعاد أن يتجاوز التعاون العربي مع روسيا ما هو قائم مع المعسكر الغربي.
وسبق للباحث بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية إيغور ماتفييف أن قال في يناير/كانون الثاني 2024 في مقال نشره موقع "نادي فالداي" الروسي، إن روسيا “تهدف إلى تشكيل نموذج جديد لعلاقات (روسيا والعالم العربي) -رغم معارضة الغرب- تتمثل ميزاته الرئيسة في تعامل روسيا والدول العربية مع الانتقال من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب”.
وضمن هذه الجزئية يشير الهواس إلى أن "السعي للانتقال من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب غير وارد حاليا وهذا يحتاج لحروب كي تبرز معادلات جديدة".
وأشار الهواس إلى "أن تكتل دول البريكس لم يستطع أن يؤثر على النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وهي الدولة الوحيدة العظمى في العالم بينما بقية الدول هي دول كبرى مثل روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا ودول صاعدة مثل الهند".
وتأسس تكتل دول البريكس عام 2006 في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي، ويضم 10 دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ومصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات.
وذهب الهواس للقول: "لهذا فإنه يمكن بعد وقف الحرب الروسية الأوكرانية، أن تسمح الولايات المتحدة لروسيا بأن تلعب دورا على ألا يكون معارضا للتوجهات الأميركية".
بدوره يرى المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف، أن "مستوى العلاقة بين روسيا والدول العربية وصل لمستوى عقد قمة بين بوتين والزعماء لمناقشة القضايا العالقة, خاصة أن موسكو ترى أن الجامعة العربية لها الدور الأكبر في حل قضايا المنطقة".
وأضاف أونتيكوف في تصريحات تلفزيونية أنه "رغم قوة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن البديل الأول هو روسيا والبديل الثاني هو الصين".
وراح أونتيكوف يقول “الاقتراب الروسي من الدول العربية على حساب الدول الأخرى يكمن في تشكيل نوع من المنافسة بين روسيا والدول الغربية وتقليل النفوذ التخريبي للغرب في المنطقة العربية”.
وختم بالقول" خاصة أن النقطة القوية في الرؤية الروسية هي بناء العلاقات طبقا للمصالح المشتركة بعكس دول الغرب التي تفرض رؤيتها على المنطقة"، وفق تعبيره.