نزع سلاح "حزب الله".. فرصة تاريخية للبنان أم خدمة للاحتلال الإسرائيلي؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أعاد “حزب الله” ملف تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية إلى نقطة الصفر، معلنا الاحتفاظ به حتى انسحاب الكيان الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، رغم إبدائه في الفترة الأخيرة مرونة في هذا الملف.

وأعلن أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم، في كلمة متلفزة في 30 يوليو/ تموز 2025 أن حزبه "لن يسلم السلاح من أجل إسرائيل"، عادّا هذه القضية "شأنا لبنانيا داخليا".

وقال قاسم: "إذا ربط البعض بين سحب السلاح واتفاق وقف إطلاق النار، أقول له إن السلاح شأن لبناني داخلي ولا علاقة للعدو الإسرائيلي به".

وأضاف قاسم قائلا: "السلاح ليس أولوية الآن، بل الأولوية للإعمار ووقف العدوان".

ولفت قاسم إلى أن "العدوان مستمر ولم يتوقف والعدو يريد البقاء في النقاط الخمس التي يحتلها كمقدمة للتوسع".

ورأى قاسم، أن كل من يطالب حزبه في الوقت الراهن بتسليم سلاحه إنما "يخدم المشروع الإسرائيلي".

“جدول زمني”

اللافت أن قاسم اتهم الموفد الأميركي توماس باراك الذي زار لبنان أخيرا "بالتهويل والتهديد" بهدف "مساعدة إسرائيل"، مؤكدا أن "الولايات المتحدة لا تساعدنا بل تدمر بلدنا من أجل أن تساعد إسرائيل".

والمبعوث الأميركي توماس باراك سبق أن طالب بجدول زمني لتسليم سلاح حزب الله اللبناني على مراحل يمتد حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2025 كحد أقصى.

وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنّت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح.

وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن 262 قتيلا و563 جريحا. وفق بيانات رسمية.

وفي تحدّ لاتفاق وقف إطلاق النار، نفذ الجيش الإسرائيلي انسحابا جزئيا من جنوب لبنان، بينما يواصل احتلال 5 تلال لبنانية سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة.

ونص وقف إطلاق النار على انسحاب حزب الله من منطقة جنوب الليطاني وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة "يونيفيل".

إن تصريحات نعيم قاسم، تشكّل "انتكاسة" للحكومة اللبنانية التي قدمت تصوراتها الجديدة لإنقاذ لبنان عبر تأكيدها على بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية دون سواها، وحصر السلاح في قبضة القوى المسلحة (الجيش) وحدها، والتأكيد على مرجعية قرار الحرب والسلم لدى المؤسسات الدستورية.

لا سيما أن المبعوث الأميركي باراك، جدد في 27 يوليو 2025 من بيروت دعوته الدولة اللبنانية إلى "احتكار" السلاح في البلاد، في إشارة إلى سلاح "حزب الله".

ورأى باراك أن "مصداقية الحكومة اللبنانية تعتمد على قدرتها على التوفيق بين المبادئ والتطبيق (..) كما أكّد قادتها مرارا وتكرارا، أن من الضروري أن تحتكر الدولة السلاح".

وراح يقول: "ما دام حزب الله محتفظا بالسلاح، فلن تكفي الكلمات".

وأمام ذلك، فإن تأكيد حزب الله احتفاظه بالسلاح، دفع الرئيس اللبناني جوزيف عون للخروج والتأكيد التزام الدولة اللبنانية بسحب سلاح جميع القوى المسلّحة، ومن ضمنها حزب الله لتسليمه الى الجيش.

وفي كلمة ألقاها في وزارة الدفاع بمناسبة عيد الجيش، في 31 يوليو/ جدد عون التزام لبنان "بسط سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها كافة، وسحب سلاح جميع القوى المسلّحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني".

وقال عون: "واجبي وواجب الأطراف السياسية كافة (...) أن نقتنص الفرصة التاريخية، وندفع من دون تردّد، إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، دون سواها، وعلى الأراضي اللبنانية كافة، اليوم قبل غد، كي نستعيد ثقة العالمِ بنا، وبقدرة الدولة على الحفاظ على أمنها بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، التي لا تترك فرصة إلا وتنتهك فيها سيادتنا".

منحى تصاعدي

وضمن هذا السياق، يرى الباحث والمهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، أن "الدولة اللبنانية الآن مصرّة على نزع سلاح حزب الله وقد وضعت جدول أعمال زمني وتدريجي لذلك، ولهذا خرج نعيم قاسم لمحاولة وقف إدراج أي بنود حكومية تتعلق بسلاح الحزب". 

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "حزب الله يدرك أن الدولة اللبنانية غير قادرة على نزع سلاح الحزب من دون صدامات ولهذا هو يستغل عدم رغبة الرئيس جوزيف عون في اتخاذ منحى تصادمي مع الحزب لنزع سلاحه".

وتابع جلو أن "لبنان بتصريحات نعيم قاسم دخل مرحلة الضغوط الخارجية وربما ستلجأ إسرائيل لضربات جديدة لنزع سلاح حزب الله".

ورأى أن "حزب الله في هذه المرحلة غير قادر على التقوي بإيران لأسباب أبرزها حصار تمويل الحزب داخل لبنان وقطع شريان الإمداد الإستراتيجي عبر سوريا فضلا عن ملاحظة عدم تدخل حزب الله في المعركة التي اندلعت بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة". 

وأردف أن "التوجهات الإيرانية القادمة تقوم على الاعتماد على الذات واتباع عقيدة ردع مغايرة لما كانت في السابق عبر الأذرع ومنها حزب الله". 

وتابع جلو قائلا: "في ظل ذلك فإن غياب الثقل الإيراني سيؤثر على حزب الله وسلاحه ما يعني أن الحزب دخل مرحلة المناكفات السياسية الحقيقية لتحسين شروطه التفاوضية مع الدولة اللبنانية مقابل نزع سلاحه".

 وأردف أن "اليوم حزب الله بدون سلاح سيكون جناحا تابعا لنبيه بري قائد حركة أمل رئيس البرلمان الحالي".

وفي الوقت الراهن، تجري واشنطن وبيروت محادثات بشأن خارطة طريق أميركية لنزع سلاح حزب الله بالكامل مقابل إنهاء إسرائيل غاراتها وسحب قواتها من خمسة مواقع في جنوب لبنان.

وتضمن الاقتراح الأصلي شرطا بأن تصدر الحكومة اللبنانية قرارا وزاريا يتعهد بنزع سلاح حزب الله.

وقالت خمسة مصادر مطلعة لوكالة رويترز في 29 يوليو: إن واشنطن تكثّف الضغط على بيروت للإسراع بإصدار قرار رسمي من مجلس الوزراء يلزمه بنزع سلاح جماعة حزب الله قبل استئناف المحادثات بخصوص وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان.

وذكرت المصادر، وهم مسؤولان لبنانيان ودبلوماسيان ومصدر لبناني مطلع، أنه إذا لم يقدم الوزراء اللبنانيون التزاما علنيا فإن الولايات المتحدة لن ترسل مبعوثها إلى بيروت لإجراء مفاوضات مع المسؤولين اللبنانيين ولن تضغط على إسرائيل لوقف الغارات الجوية أو سحب قواتها من جنوب لبنان.

تصعيد محتمل

وأمام ذلك، لجأ حزب الله في الآونة الأخيرة إلى تحريك أذرعه المحلية لتوجيه انتقادات مباشرة للحكومة.

فقد أصدر المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان بيانا في 31 يوليو أقل ما يُقال فيه إنه تهديد للحكومة لمنعها من اتخاذ أي قرار يتعلّق بالسلاح.

وقال قبلان: "المطلوب من الحكومة اللبنانية القيام بما عليها من سياسات وبرامج إنقاذية للبنان لا عدّ الغارات الإسرائيلية وتوزيع الإشعارات الدولية، والحكومة بهذا المجال معدومة الثقل، والمطلوب عدم الخضوع والابتزاز، والتنازل المفرط ينهي لبنان، واللحظة لحماية البلد ومنع اللعبة الدولية من فتنة الخراب".

من جانبه، قال النائب في كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله، حسين جشي: "نزع السلاح لن يحصل إلا في حال وجود دولة قوية تستطيع أن تحمي هذا البلد، وتردع العدو وتمنعه من الاعتداء اليومي على أهلنا وشعبنا ومؤسساتنا، وإن أي عاقل في هذا العالم لا يتخلى عن إمكاناته وقوته في ظل هذا العالم المتوحش الذي لا يُقيم وزنا لأي مبادئ أو إنسانية".

وتشير التسريبات وفق موقع "جنوبية المحلي" إلى أن ما يبحث داخل الحكومة اللبنانية، هو إدراج موضوع سلاح حزب الله ضمن "إستراتيجية دفاعية"، تربط بين الانسحاب الإسرائيلي وتسليم السلاح، بما يشبه "صفقة سياسية تُرضي الجميع ولو مؤقتا".

ومع ذلك، فإن الوقائع الميدانية تشير إلى استعداد حزب الله اللبناني لأي احتمال بما في ذلك عودة التصعيد والحرب.

وكشفت مصادر خاصة لقناة "الحدث" السعودية المعادية لحزب الله، في 30 يوليو، أن الحزب بدأ أخيرا في توزيع معدات لوجستية وتقنية على عدد من القرى الشيعية في جنوب لبنان، في إطار رفع مستوى الجهوزية الميدانية تحسبا لاحتمال استئناف المواجهة العسكرية.

وأفادت المصادر نفسها بأن قيادة حزب الله عقدت اجتماعات مع رؤساء بلديات القرى الشيعية الجنوبية خلال الأيام الأخيرة، ناقشت خلالها سيناريوهات محتملة لاستئناف الحرب.

وقالت المصادر أيضا: إن “حزب الله طالب رؤساء بلديات بجنوب لبنان فتح المساجد وقاعات البلديات في حال استنئاف الحرب”.

ولا شك أن الضغوط على الحكومة اللبنانية لا تقتصر على مسألة السلاح فقط، بل يوازيها ضغوط اجتماعية واقتصادية باتت في وتيرة متصاعدة.

فالتعقيد الأكبر الذي يمر فيه لبنان بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على هذا البلد، هو الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ عام 2019.

ولا سيما أن الدول الغربية تربط حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية كشرط أساسي لحصول بيروت على مساعدة دولية في إعادة الإعمار.

إذ تقدّر احتياجات إعادة الإعمار والتعافي في لبنان بنحو 11 مليار دولار، وذلك وفقا لتقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان لعام 2025 (RDNA) الصادر عن البنك الدولي.

وهنا لا تستبعد أوساط نقابية عدة، نقل عنها موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، في 31 يوليو، أن “الأرض لن تبقى طويلا هادئة ومستكينة، فالطبقات الشعبية لم تعد تملك أي قدرة على الصمود، بظل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وانعدام الرقابة بشكل شبه تام".

وكذلك "ارتفاع كلفة المعيشة، والخدمات الضعيفة، وعدم انطلاق عجلة الكثير من مؤسسات الدولة والمصالح الرسمية، ما يكبّد المواطنين تكاليف باهظة لخدمات شبه معدومة أو متواضعة بالمقارنة مع الخدمة التي تُعطى لهم. وهذه المعاناة تنال كل الموظفين والعمال، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص”.