بين مرحب ومتخوف.. لماذا تنقسم إيران تجاه حل حزب العمال الكردستاني؟

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أثار إعلان حزب العمال الكردستاني عن وقف العمل المسلح وحلّ نفسه في 12 مايو/أيار 2025 ردودَ فعلٍ واسعة، لا سيما في إيران، التي رأت في هذا القرار خطوة إيجابية نحو إنهاء عقود من العنف والاضطراب الإقليمي. 

فقد رحّبت وزارة الخارجية الإيرانية، عبر متحدثها الرسمي إسماعيل بقائي، بالخطوة عادّة إياها تطورا مهما على طريق استعادة الأمن والاستقرار، ليس فقط في تركيا، بل في المنطقة بأسرها.

وقال مركز الدراسات الإيراني "إيرام" ومقره أنقرة: إن إتمام هذا المسار قد يشكّل منعطفا حاسما في ملفات الأمن الإقليمي، خصوصا في ظل تداخل العمليات العسكرية التركية في كل من العراق وسوريا مع وجود حزب العمال الكردستاني. 

وقد سبق لبقائي أن أبدى موقفا مشابها عقب دعوة زعيم الحزب، عبد الله أوجلان إلى التخلي عن السلاح في فبراير/شباط 2025.

اهتمام رسمي

وقال الكاتب التركي "رحيم فرزام": إن الاهتمام الإيراني الرسمي ترافق مع تغطية إعلامية موسعة؛ حيث نشرت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا" تقريرا حول القرار بعنوان: "نهاية أربعين عاماً من الصراع وعدم الاستقرار؛ حلّ حزب العمال الكردستاني يخلق موجة أمل". 

وقدمت الوكالة تحليلا شاملا تناول مسيرة الحزب، وتحولاته الأيديولوجية والتنظيمية، وانتقدت في الوقت ذاته ازدواجية مواقف الغرب، الذي يصنّف الحزب منظمة إرهابية، بينما يتيح لقياداته التحرك بحرية في بعض الدول الأوروبية.

ووفقا للتحليل فإن قرار الحل يمثّل مؤشراً على إمكانية تراجع التوترات المسلحة في المنطقة، ويدفع نحو تساؤلات بشأن مشروعية التدخلات العسكرية التركية في شمال العراق وسوريا، التي لطالما استندت إلى وجود خطر من حزب العمال الكردستاني، وفق الوكالة.

من جهتها، وصفت وكالة الأنباء شبه الرسمية "إسنا" القرار بـ"التطور التاريخي"، معتبرة أنه قد يكون نقطة تحول في العلاقات بين أنقرة والمجتمع الكردي. 

وذهبت بعض التحليلات إلى ما هو أبعد من ذلك، معتبرة أن القرار قد يُلهم الجماعات الكردية المسلحة الأخرى، خاصة تلك المتمركزة في شمال العراق والتي تنشط ضد إيران، لاعتماد نهج سياسي بديل عن العمل المسلح.

وأردف الكاتب: في أوساط الإعلام المحافظ برزت قراءة تؤكد على رمزية القرار بصفته إعلانا لنهاية "مرحلة حروب العصابات". 

فوكالة "تسنيم"، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، رأت أن عدم وجود أي إشارات إلى مفاوضات أو اتفاقات بين الحزب والدولة التركية يدل على تفوّق أنقرة السياسي، وترى أن الحكومة التركية كانت الطرف الأقوى في إنهاء الصراع.

وفي السياق ذاته، رأى موقع "تابناك" الإيراني أن القضية الكردية باتت أداة في التنافس الإقليمي بين طهران وأنقرة.

وحذَّر من أن أي مصالحة نهائية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني ستعزز نفوذ تركيا في المناطق الكردية على حساب التوازنات الإقليمية. 

وذهب التحليل أيضا إلى تشبيه هذا التحوّل التاريخي باصطفاف الأمراء الأكراد إلى جانب العثمانيين في معركة جالديران عام 1514 والتي جرى خلالها دخول تبريز عاصمة الدولة الصفوية وقتها.

أما موقع "خبر أونلاين" فقد سلّط الضوء على الضبابية التي تكتنف المرحلة المقبلة، متسائلا عن مدى قدرة الحزب على التحوّل من تنظيم مسلح إلى كيان ديمقراطي ذي طابع مجتمعي كما يدّعي.

بينما شددت صحيفة "فرهيختگان" على أن حلّ التنظيم لا يعني انتهاء الخطر الأمني الذي يمثله، وأن الأيديولوجيا والشبكات التي شكّلها الحزب خلال عقود من الصراع لا تختفي بقرار سياسي.

رأي الإصلاحيين

واستدرك الكاتب التركي: على الضفة الأخرى، أبدت الصحافة الإصلاحية تفاعلا حذرا مع القرار.

 فرغم أنّ بعض الجهات الرسمية الإيرانية رأت في القرار خطوة إيجابية نحو إنهاء العنف وتعزيز الأمن الإقليمي، فإن هذا التفاؤل الرسمي يخفي خلفه الكثير من التساؤلات التي لا يمكن تجاوزها بسهولة.

 وطرحت صحيفة "اعتماد" تساؤلا أساسيا: هل نحن أمام نهاية صراع دموي امتد لعقود، أم مجرد خطوة تكتيكية في سياق ضغوط سياسية؟ 

ورغم الترحيب بالقرار كتحول مهم، فقد أكدت أن غياب آليات واضحة، مثل كيفية جمع السلاح وضمانات التنفيذ، يُبقي الباب مفتوحاً على احتمالات متعددة.

من جهة أخرى وصفت صحيفة "شرق" القرار بـ"نقطة تحول تاريخية"، لكنها شددت على أن القضية الكردية في تركيا أعمق من مجرد وجود حزب العمال، فهي متجذرة في سياسات التهميش والتمييز الثقافي، وهو ما يعني أن الصراع قد يتخذ أشكالا جديدة.

أما صحيفة "سازندگي" المعتدلة فقد ربطت حلّ الحزب بالتحولات الإقليمية، معتبرة أن القرار جاء نتيجة شبكة تحالفات جديدة تشمل تركيا والولايات المتحدة وسوري؛ إذ تسعى أنقرة إلى دفع الجماعات الكردية نحو التنسيق مع دمشق، في إطار صفقة إقليمية غير معلنة.

في حين رأت منصة "الدبلوماسية الإيرانية" أن القضية أكبر من مجرد خلاف بين تركيا وتنظيم مسلح، بل هي ملف متعدد الأبعاد يطال السياسات الداخلية والإقليمية والدولية. 

وأكدت أن القضية الكردية تحولت من مطالب حقوقية إلى عنصر فاعل في توازنات الشرق الأوسط.

وعلق الكاتب: خلاصة التفاعلات الإعلامية الإيرانية تُظهر حالة من الانقسام بين من يرى في حلّ الحزب فرصة تاريخية لإعادة ضبط السياسات الكردية في المنطقة، ومن يخشى أن تكون هذه الخطوة مجرّد استراحة تكتيكية في مسار طويل من الصراع.

ومع أن القرار يحمل في طياته إمكانات تهدئة في منطقة مثقلة بالنزاعات، فإن هشاشة الأرضية السياسية، وغياب الثقة المتبادلة، ووجود جماعات كردية مسلحة أخرى في الإقليم، تُبقي المشهد مفتوحاً على تطورات غير محسومة.

إرباك للحسابات الإيرانية

وأردف الكاتب: لم يكن إعلان حزب العمال الكردستاني عن حلّ نفسه والتخلي عن الكفاح المسلح مجرد تطور محلي تركي.

بل هزّ أركان التوازنات الإقليمية وفرض على الفاعلين الإقليميين، وفي مقدمتهم إيران، إعادة النظر في إستراتيجياتهم حيال الملف الكردي. 

ورغم أن الإعلام الإيراني خاصة الرسمي تعامل مع القرار بترحيب حذر، معتبراً إياه خطوة إيجابية نحو تعزيز الأمن والاستقرار، فإن الأمر ظل محاطا بكثير من الغموض والتحفظ.

في عمق القرار لا يخفي بعض المحللين الإيرانيين قلقهم من أن يكون هذا التطور الإستراتيجي في صالح تركيا.

ولا سيما إذا تُرجم إلى تمدد تركي أوسع بالشرق الأوسط، على حساب النفوذ الإيراني التقليدي في المناطق ذات الأغلبية الكردية بالعراق وسوريا. 

فاختفاء حزب العمال الكردستاني من المعادلة قد يعني زوال أحد موازين الردع غير المباشرة، التي لطالما استخدمتها طهران بذكاء في لعبة توازنات القوى مع أنقرة، وفق الكاتب.

وتساءل الكاتب هنا: هل يشكّل مسار "تركيا بلا إرهاب" فرصة إقليمية لاستقرار أوسع، أم مقدمة لاختلال جديد في موازين النفوذ؟

من جهة يمكن لهذا المسار أن يفتح نافذة لتقارب تركي-إيراني في ملفات معقدة كأمن الحدود، ووضع الأكراد في سوريا والعراق. 

ومن جهة أخرى، ثمة مخاوف حقيقية من أن تستثمر أنقرة هذه اللحظة لتوسيع هامش نفوذها على حساب طهران، خاصة إذا ما رافق ذلك تفاهمات أميركية-تركية تعيد رسم خريطة التحالفات في شمال سوريا.

ولفت إلى أن الكرة الآن في الملعب الإيراني، "فمقدار ما ستربحه طهران أو تخسره في هذه المرحلة يعتمد على مدى قدرتها على تطوير مقاربة جديدة للملف الكردي، بحيث تتجاوز البعد الأمني التقليدي إلى أفق سياسي أوسع". 

فهل تنجح طهران في تحويل التحدي إلى فرصة؟ أم ستظل تتعامل مع الملف من زاوية الخطر والتوجس؟

الإجابة على هذا السؤال سترسم ملامح العلاقة التركية-الإيرانية في السنوات القادمة، وتحدد ما إذا كان قرار حزب العمال الكردستاني بداية لنهاية توتر مزمن أم بداية لمرحلة جديدة من الصراع الخفي، يخلص الكاتب.