معاداة روسيا أو عقوبات غربية.. كيف وضعت أميركا جورجيا أمام اختبار صعب؟

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

فرضت الأزمات الخارجية والتغيرات في التوجهات الداخلية، فرصة فريدة للسياسة الأميركية، لإعادة تقييم مصالحها في الحافة الشرقية لأوروبا بشكل جذري، بحسب موقع "تيليبوليس" الألماني.

في هذا الصدد، تبرز جورجيا، المركز الأوراسي في القوقاز، كنقطة اشتعال غير متوقعة في الصراع حول الرؤى المتنافسة في المنطقة.

ورأى الموقع في تقريره أن الولايات المتحدة تدفع جورجيا، من خلال إجراءاتها الأخيرة، للاختيار بين الشرق والغرب. 

وعلى عكس المأمول، حذر الموقع من أن القانون الجديد الذي أقرته واشنطن بخصوص جورجيا ويهدف إلى ضبط البلاد؛ قد يأتي بنتائج عكسية.

مواجهة صريحة

أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على أعضاء الحكومة الجورجية، الذين يشكلون تهديدا لاستقرار البلاد وأمنها وتطورها الديمقراطي.

ويذكر التقرير أن القانون هو عبارة عن "سلسلة من الإنذارات الموجهة إلى جورجيا"، التي وصفها بأنها تبدو كـ "قائمة بأبرز أفكار التفكير الأطلسي بعد الحرب الباردة".

وأضاف أن الهدف المعلن هو "التحقيق في اختراق عناصر المخابرات الروسية وأصولها في جورجيا، إضافة إلى ملحق يتعلق بالتحقيق في النفوذ الصيني والتفاعل المحتمل بين التعاون الروسي الصيني في جورجيا".

وأشار إلى أن "تحقيقا مدته 90 يوما تجريه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ولجان الكونجرس ذات الصلة، سيحدد من ستُنفذ عليه العقوبات، ويحدد كذلك ما إذا كانت جورجيا تستحق الحفاظ على علاقات سليمة مع الولايات المتحدة في المستقبل أم لا".

وادعى الموقع أن هذا القانون يعني بوضوح أنه "لكي تحافظ جورجيا على علاقتها بالغرب، أو بالأحرى لتجد طريقها مرة أخرى إلى الغرب، يجب على الحزب الحاكم؛ الحلم الجورجي، ليس فقط قطع جميع العلاقات مع روسيا، بل تبني موقفا مضادا صريحا". 

وهذا الموقف المضاد يتمثل -حسب التقرير- في "فرض العقوبات الغربية ضد موسكو، واتخاذ تدابير أخرى لمواجهة النفوذ الروسي، والتي ضُمّنت أيضا في مشروع القانون".

وذكر التقرير أن "القانون الأميركي ادعى أن هذا الموقف العدائي تجاه روسيا، هو الوحيد المتوافق مع طموحات الشعب الجورجي".

مشيرا إلى أن "القانون يفرض شروطا صارمة لمسار جورجيا نحو الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو، وكذلك لقدرتها على بناء علاقة بناءة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".

علاوة على ذلك، ذكر الموقع أن القانون "يطالب حزب (الحلم الجورجي) بتقديم سلسلة من التنازلات العاجلة استجابة للانتقادات الغربية بشأن سير الانتخابات البرلمانية الجورجية لعام 2024".

خيار كارثي

في المقابل، يرى السيناتور الأميركي راند بول أنه "لا يمكن النظر إلى القانون إلا بصفته تدخلا مباشرا في الشؤون السياسية الداخلية لجورجيا".

فهو أُقر تحت غطاء واهٍ يتمثل في تعزيز "مصالح الشعب"، بينما يسعى في الواقع لمعاقبة حكومة جورجية منتخبة، بسبب اتباعها مسارا جيوسياسيا لا ترضى عنه فئة داخل أوساط السياسة الخارجية الأميركية.

وهو ما عده السيناتور الجمهوري "أمرا إشكاليا، لأن القانون يتدخل باسم الدفاع عن الديمقراطية في العملية الديمقراطية داخل جورجيا، ويتلاعب بنتائجها لتتوافق مع ما يُنظر إليه على أنه مصالح أميركية".

من الناحية التقنية، أوضح الموقع أن المشكلة الثانية والأكثر خطورة تكمن في أن "مثل هذه الأساليب القائمة على الضغط تعيق الفهم الحقيقي لأولويات الولايات المتحدة في المنطقة".

وأكمل موضحا: "فإحدى عشر بالمائة من إجمالي حجم التجارة في جورجيا يأتي من روسيا، ولا تزال اقتصاديات البلدين مترابطة ارتباطا وثيقا منذ عام 2022".

ولذلك، يؤكد على أن "قطع هذا الارتباط سيدخل البلاد في دوامة من الفقر".

واستذكر الحرب التي خاضتها جورجيا مع روسيا في عام 2008 في عهد الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، من أجل السيطرة على مقاطعتين انفصاليتين في الشمال، وخسارة تبليسي تلك الحرب.

وهو ما يجعل جورجيا ترى أن "إحياء هذا الصراع مجددا بتكليف من القوى الغربية، خيارا كارثيا لها"، كما قال الموقع.

وأضاف: "إن مطالبة الجورجيين بالانتحار الاقتصادي، أو المجازفة بخوض حرب جديدة مع روسيا، أو الخضوع لسلسلة من العقوبات والقيود الغربية؛ ليست دعوة مغرية بأي حال من الأحوال".

وعزا ذلك إلى أن الغرب "لا يستطيع أن يقدم للشعب الجورجي شيئا يعادل مستوى القسوة واللا يقين الذي يُطلب منهم دفعه، كثمن للسير في الطريق الأوروبي الأطلسي".

مشيرا إلى أن "أزمة عام 2008 أظهرت أن الغرب ليس فقط غير مستعد، بل وغير راغب في خوض حرب مع روسيا من أجل جورجيا".

وحسب تقديره، "لم تغب عن مسؤولي حزب (الحلم الجورجي) تلك القسوة، ولا ذلك القدر المرتفع من التهكم الذي يتجلى في استعداد الغرب لطرح هذه المسألة للنقاش مجددا".

الاعتراف بالوقائع

من زاوية أخرى، لفت الموقع الألماني إلى أن "روسيا أوضحت وبصورة تزداد مصداقية منذ عام 2008، أنها ستستخدم كل الوسائل المتاحة لديها لمواجهة اندماج الدول ما بعد السوفيتية في الفضاء الأمني الغربي".

ودعا الموقع حزب "الحلم الجورجي" إلى الاعتراف بهذه الوقائع، وإعادة توجيه السياسة الخارجية الجورجية بناء على ذلك، حيث رأى أن "ذلك واجب الحزب تجاه الشعب".

ومن جانب آخر، حذر التقرير من أن هذا القانون "سيؤدي إلى فرض نتائج داخل جورجيا وفي المنطقة، تتناقض تماما مع الأهداف المقصودة منه".

ورأى أن "محاولة إجبار المسؤولين الجورجيين على تجاهل مصالح بلادهم الاقتصادية والأمنية لن تؤدي إلا إلى دفعهم نحو حماية أنفسهم بشكل أكبر من الضغوط الغربية، وذلك من خلال تعزيز علاقاتهم مع قوى أخرى، بما في ذلك جارتهم روسيا".

مشددا على أن "رد الفعل الأميركي المبالغ فيه تجاه براغماتية (الحلم الجورجي) المبررة تجاه موسكو، يؤدي إلى دفع تبليسي نحو موقف أكثر تصالحا مع روسيا".

وذلك "من خلال حرمان البلاد من شريك أميركي، تستطيع معه متابعة سياسة خارجية متعددة الاتجاهات بين الشرق والغرب".

ورجح "سعي جورجيا إلى التخفيف من وطأة الإجراءات العقابية الغربية عبر توسيع علاقاتها التجارية والاستثمارية، ليس فقط مع روسيا، بل أيضا مع الصين ما سيؤدي على المدى البعيد إلى مزيد من الابتعاد عن الولايات المتحدة وأوروبا".

وأشار إلى أن "التطبيع الدبلوماسي الكامل بين جورجيا وروسيا، والذي كان أمرا غير وارد في السابق بسبب الصراع الإقليمي في عام 2008؛ أصبح الآن ممكنا من الناحية السياسية".

ووفق تقديره، "قد يمهد ذلك الطريق أمام أشكال إضافية وأعمق من التعاون الروسي الجورجي، بما في ذلك المجالات الأمنية، مما يزيد من تباعد جورجيا عن الغرب".

مشكلة جوهرية

ورغم إقرار الموقع بوجود "تكتيكات مضللة" في القانون، إلا أنه أكد على أن "المشكلة الجوهرية تكمن في أن هذا القانون، وغيره من المبادرات المشابهة، ينطلق من رؤية متشددة للاندماج الأوروبي الأطلسي".

وهي رؤية "تجبر ليس فقط جورجيا، بل جميع الدول ما بعد السوفيتية، على الاختيار بين الغرب وروسيا، وهذا يضر بهذه البلدان ولا يخدم المصالح الأميركية الملموسة".

ودعا واشنطن إلى إدراك حقيقة أن "الولايات المتحدة لن تصبح أكثر رخاء أو أمانا من خلال تحويل جورجيا إلى قاعدة أمامية ضد روسيا، أو من خلال معاقبة الجورجيين الذين لا يشاطرونها هذه الرؤية".

واستطرد: "ليس للولايات المتحدة مصالح إستراتيجية جوهرية تبرر إطلاق أجندة مكلفة وخطيرة وذات نتائج عكسية، قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية محتملة مع روسيا، من أجل الحفاظ على شبكة من التحالفات الرسمية والتبعيات الواقعية، في هذا الجزء من أوراسيا".

وذكر أن جورجيا "تسعى مثل العديد من الدول ما بعد السوفيتية، لأسباب مفهومة، إلى إقامة علاقات قوية مع الغرب"، مع الحرص على "عدم تبني العداء مع روسيا؛ القوة الإقليمية المهيمنة". 

وانطلاقا من إدراك الولايات المتحدة لهذه الحقائق والسياقات، يمكنها أن تعمق علاقاتها مع جورجيا، بحسب الموقع.

وأشار إلى أن هذه المقاربة "منخفضة التكلفة وقليلة المخاطر، وتتيح استمرار الانخراط الأميركي في المنطقة، وتساعد في تفادي النزاعات الأمنية مع روسيا، مما يدعم الاستقرار الإقليمي".

وفي ظل الظروف الراهنة، أوصى الموقع الألماني بـ"تشجيع تبليسي بوضوح على انتهاج سياسة متعددة التوجهات بين الشرق والغرب، إذ إن هذا هو الخيار الأفضل لجميع الأطراف المعنية".

واستدرك: "لكن تحقيق ذلك يتطلب أن يتخلص جزء من المجتمع السياسي من عقلية (إما معنا أو ضدنا)، لصالح إستراتيجية تعترف بسيادة الأطراف المحلية، وتأخذ في الحسبان قدرتها على انتهاج سياسات دقيقة ومعقدة تتناسب مع طبيعة التحديات التي تواجهها".