مصير المقاتلين الأجانب عقب حل حزب العمال الكردستاني.. لماذا يقلق أوروبا؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

إعلان حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” أخيرا حل نفسه فتح الباب واسعا بشأن مصير مقاتليه الأجانب في تركيا، وسط خشية أوروبية من انتقال بعض قادته وعناصره إلى تلك القارة.

ويشكل فقدان "بي كا كا" السيطرة الإقليمية، دافعا لدى دول أوروبا لإنهاء حالة الهيمنة والنفوذ على الشتات الكردي التي بناها الحزب طوال عقود لجلب التمويل والتجنيد لصالحه في مناطق الصراع مثل تركيا والعراق وسوريا.

قرار الحل

وأعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو/أيار 2025 حل نفسه وإنهاء أكثر من أربعة عقود من التمرد المسلح ضد الدولة التركية خلّفت أكثر من 40 ألف قتيل.

ورأى الحزب في بيان نقلته وكالة فرات للأنباء المقربة منه، أنه أنجز "مهمته التاريخية" و"أوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عن طريق السياسة الديمقراطية".

وأكّد الحزب أن مؤتمره الثاني عشر الذي عُقد في جبال قنديل بشمال العراق بين الخامس والسابع من مايو/أيار 2025، "اتخذ قرارات بحل الهيكل التنظيمي لحزب العمال الكردستاني وإنهاء أسلوب الكفاح المسلح وإنهاء الأنشطة" التي كانت تمارس باسمه.

وقال عضو اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني دوران كالكان للمندوبين في تصريحات نقلتها وكالة فرات: "هذه ليست النهاية، بل هي بداية جديدة".

ورحب حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، بما عده "خطوة مهمة نحو جعل تركيا خالية من الإرهاب".

ويأتي الإعلان تلبية لدعوة أطلقها في 27 فبراير/شباط 2025 مؤسس الحزب عبدالله أوجلان المسجون في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول منذ عام 1999 حث فيها مقاتليه على نزع السلاح وحل الحزب.

وإثر ذلك، وفي الأول من مارس/أذار 2025، أعلن الحزب الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "منظمة إرهابية"، وقف إطلاق النار بأثر فوري.

وتأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978، وتعده تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة "إرهابية".

وكان الحزب قد أطلق تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة للأكراد الذين يشكّلون حوالي 20 بالمئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة.

وفي شمال العراق تقيم تركيا منذ 25 عاما قواعد عسكرية لمواجهة مقاتلي الحزب الذين يتمركزون في معسكرات في إقليم كردستان.

وحزب العمال الكردستاني محظور في ألمانيا منذ عام 1993، وقد صنفه الاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية منذ عام 2002، وكجزء من هذه الإجراءات، يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مثل تجميد الأصول المالية لحزب العمال الكردستاني وحظر الدعم المالي للجماعة.

واستغل حزب العمال الكردستاني الثغرات القانونية والسياسات المبهمة في أوروبا وتمكن من تجنيد المسلحين وتمويل أنشطته.

 وواجهت الدول الأوروبية انتقادات لتسامحها المفترض مع أنشطة حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك جهود الدعاية والتجنيد في فرنسا والنمسا وسويسرا وهولندا.

خشية أوروبية

وتشير مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، في تقرير نشرته 13 مايو/أيار 2025 إلى وجود قلق أوروبي إزاء مصير المقاتلين الأجانب عقب حل حزب العمال الكردستاني.

وفي ضوء قرار حزب العمال الكردستاني الأخير بإلقاء سلاحه، تساءل مسؤولو الأمن الأوروبيون عن مصير مقاتلي الحزب الأجانب.

وعقب إعلان حل الحزب، لا تزال هناك شكوك كثيرة لدى أجهزة الاستخبارات المحلية في العديد من الدول الأوروبية ذات الجاليات الكردية الكبيرة (ألمانيا، فرنسا، السويد) إزاء مقاتلي الحزب الذين هم محور المفاوضات بينه وبين أنقرة.

ووفقا للمؤشرات الأولى التي ظهرت من الاتفاقيات بين الطرفين، قد يسمح للمقاتلين المولودين في دول أوروبية (وكثير منهم كذلك) بالعودة إليها، لكنهم قد يشكلون خطرا على أمن "أوطانهم" خاصة أنهم اكتسبوا خبرة قتالية على مدار سنوات من الصراع، بحسب "إنتلجنس أونلاين".

ومع ذلك، قد يلجأ البعض من هؤلاء للاستقرار في كردستان العراق، التي تربطها علاقات جيدة مع أنقرة، وفق المجلة.

كما يتوقع أن ينضم مقاتلو حزب العمال الكردستاني من حاملي الجنسية العراقية إلى قوات حكومة إقليم كردستان، بينما سيتمكن المولودون في سوريا من العودة إلى منطقتهم الأصلية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية.

أما العامل المجهول الأكبر فيتعلق بالأكراد الإيرانيين المنتمين للحزب، حيث لا تميل قوى المعارضة الإيرانية إلى احتوائهم بين صفوفها.

ومع الترقب المحتمل لإصدار الحكومة التركية قرار عفو كجزء من المفاوضات، يتجه قادة الحزب حاليا إلى دول صديقة مثل السويد والنرويج وجنوب إفريقيا. 

أما فيما يتعلق بنزع السلاح، فيتوقع أن يسلم الحزب أسلحته إلى حكومة إقليم كردستان في عملية موازنة دقيقة بين الفرعين المتنافسين (الحزب الديمقراطي الكردستاني) وحزب طالباني (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني)، وقد تشرف بعثة تابعة للأمم المتحدة على هذه العملية.

وبعد مفاوضات استمرت عدة أشهر مع حزب العمال بقيادة عبدالله أوجلان، لم تفرج الحكومة التركية سوى عن بعض المعلومات عن المفاوضات وبشكل غير رسمي وعلى دفعات، فهي لا ترغب في إعطاء انطباع بأن اتفاقا جرى التفاوض عليه على قدم المساواة خشية إثارة أشد قطاعات البرلمان قومية ومعاداة للأكراد.

ومع ذلك، ​​أعلن حزب العمال الكردستاني أنه لن يوافق على نفي عناصره من تركيا في إطار أي محادثات سلام مستقبلية مع أنقرة.

وقال زاغروس هيوا، المتحدث باسم الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية في 20 مايو/أيار 2025: "السلام الحقيقي يتطلب الاندماج، وليس النفي"، مضيفا "إذا كانت الدولة التركية تريد السلام بصدق وجدية، فيتعين عليها إجراء التعديلات القانونية اللازمة لدمج أعضاء حزب العمال الكردستاني في مجتمع ديموقراطي".

إنهاء النفوذ

ووفق خبراء، فإن تاريخ نشاط حزب العمال الكردستاني في دول أوروبا تصل إلى حدود "الجريمة المنظمة"، واتخاذ القارة ساحة للتجنيد وجلب التمويل، ولهذا فإن الموقف الأوروبي بعد حل حزب العمال الكردستاني سينصب على منع أي محاولة للإبقاء على نفوذه هناك.

لذا فإن أوروبا تريد أن ينعكس حل حزب العمال الكردستاني كذلك على إنهاء نشاط أعضائه وخلاياه في دول الاتحاد الأوروبي في جمع الأموال والتجنيد والتدريب والدعاية.

ولهذا صرحت وزارة الخارجية الألمانية في بيان مكتوب أن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه ونزع سلاحه لا يؤثر على قرار ألمانيا بتصنيف الجماعة الكردية كمنظمة إرهابية.

فطول السنوات الماضية، كانت الاستخبارات الأوروبية تراقب نشاط حزب العمال الكردستاني على أراضيها وتجري عمليات اعتقال مكثفة لعناصره.

وحسب تقرير لوكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) نشر نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن منظمة حزب العمال الكردستاني متورطة في أنشطة إجرامية مثل الاتجار بالمخدرات وتهريب البشر في أوروبا، مما يجلب ملايين اليوروهات في التمويل.

ويعتقد أن معظم الأموال التي يتم جمعها لحزب العمال الكردستاني تأتي من أنشطة مشروعة على ما يبدو (التبرعات، والفعاليات، ورسوم العضوية، ومبيعات السلع والمنتجات الإعلامية وما إلى ذلك)، وكذلك من الأنشطة الإجرامية مثل الابتزاز والاحتيال وغسيل الأموال أو الاتجار بالمخدرات"، كما جاء في التقرير.

وأشار التقرير إلى أن الجماعة الإرهابية تجمع ملايين اليوروهات سنويا تحت غطاء "حملات" في مختلف أنحاء أوروبا، حيث تستخدم الأموال للدعاية والتجنيد.

لا سيما أن هناك أدلة على أن حزب العمال الكردستاني كان يختطف أفرادا لإرسالهم إلى مناطق الصراع مثل سوريا أو لاستخدامهم في خلايا إرهابية في الاتحاد الأوروبي.

ووفق التقرير، نفذت قوات إنفاذ القانون التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2023، 25 عملية اعتقال مرتبطة بالإرهاب الانفصالي، 9 منها استهدفت أعضاء حزب العمال الكردستاني.

وتشتهر منظمة حزب العمال الكردستاني بإستراتيجياتها في التجنيد والتي تستهدف على وجه التحديد اللاجئين الأكراد الشباب في سويسرا، حيث تسعى إلى تلقينهم أفكارها وإعدادهم للانتشار ضد الجيش التركي، وفق ما ذكر جهاز الاستخبارات الفيدرالي السويسري في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

كما نفذ مؤيدو حزب العمال الكردستاني سلسلة من الهجمات في أوروبا، من مهاجمة مسجد ومقهى إلى تخريب القنصليات التركية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا.

وهنا يرى الخبراء أن تلك الهجمات ما كانت لتتم لولا أن العديد من الدول الغربية كانت تشكل ملاذا آمنا لأنصار حزب العمال الكردستاني.

وسبق أن اتهم قاضي التحقيق المختص في قضايا مكافحة الإرهاب بفرنسا في 27 أبريل/نيسان 2025، سبعة أكراد بتمويلهم حزب العمال الكردستاني وذلك انطلاقا من العاصمة الفرنسية باريس.

وتتراوح أعمار هؤلاء الرجال بين الثلاثين والستّين عاما وفقا لمصدر مطّلع على القضية، وهم متهمون بتكوين عصابة إجرامية وتمويل الإرهاب والابتزاز، بحسب ما أفاد مكتب النيابة الوطنيّة الفرنسية لمكافحة الإرهاب وكالة الأنباء الفرنسية.

وفي السويد، انكشفت أنشطة حزب العمال الكردستاني عندما احتجز رجل كردي رجل أعمال من ستوكهولم تحت تهديد السلاح في مطعم، مطالبا إياه بتسليم أموال للمقاتلين.

وقال المحققون: إن "قياديا بارزا في حزب العمال الكردستاني" سافر شخصيا إلى ستوكهولم للتحضير لمحاولة الابتزاز.

و*حُكم على المسلح بالسجن لأكثر من أربع سنوات لدوره فيما وصفته محكمة سويدية بأنه "نشاط واسع النطاق لجمع التبرعات لحزب العمال الكردستاني في أوروبا"، في القضية التي تعود إلى عام 2023.

اللافت أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رأى في تصريحات صحفية في 22 مايو/أيار 2025 أن قرار جماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة حل نفسها يشمل جماعات في سوريا أيضا والأيام المقبلة "حاسمة".

وتزامن ذلك، مع تأكيد آلدار خليل عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب المهيمن في شمال شرق سوريا، لوكالة رويترز في 22 مايو/أيار 2025 بأن الأحزاب الكردية السورية سترسل وفدا إلى دمشق قريبا لإجراء محادثات حول المستقبل السياسي لمناطقهم.

وأشارت العديد من التقارير إلى أن بند إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا يشكل نقطة أساسية في موضوع دمج قوات "قسد" في هيكلية الجيش السوري الجديد، وتعزيز وحدة الأراضي السورية.

لا سيما أن قائد قسد مظلوم عبدي، أكد في تصريحات بأن انسحاب المقاتلين الأجانب كان من الشروط الأساسية لإتمام الاتفاق مع دمشق.