“حرك قواته إلى سرت”.. هل يستغل حفتر الاضطرابات ويسيطر على غرب ليبيا؟

"الكثير من الأوضاع بطرابلس سوف تعتمد على كيفية رد فعل مصراتة على الأزمة المتفاقمة"
شهدت العاصمة الليبية طرابلس، ليلة 12 مايو/ أيار 2025، اشتباكات مسلحة بين عناصر من فصائل مسلحة مختلفة، مدمجة ضمن نظام إدارة القوى الأمنية اللامركزي تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
وبحسب صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، تركزت الأحداث الرئيسة في منطقة أبو سليم وقرب مطار طرابلس الدولي، وهما ضمن نطاق سيطرة ومسؤولية ما يُعرف بجهاز دعم الاستقرار والأمن.
وهو هيكل شكلي أنشئ بهدف دمج الفصائل المسلحة في المدينة ضمن إطار وزارة الداخلية، مع الحفاظ على استقلاليتها الداخلية وإدارتها الذاتية.
وهذه الاشتباكات لم تكن عشوائية أو متفرقة، بل كانت عملية عسكرية وأمنية مخططا لها بعناية، تهدف إلى السيطرة على منشآت بنية تحتية إستراتيجية، واعتقال ضباط وقادة، ونزع سلاح فصائل الجهاز، وإخضاع مواردها البشرية والمادية لقوى أخرى موالية لحكومة الوحدة الوطنية.
على الجانب الآخر، وفي خضم الاشتباكات، رصدت الصحيفة "نشاطا ملحوظا" في معسكر الشرق الليبي الذي يسيطر عليه الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.
حيث "يُشاع أن الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر وأبنائه، بدأ في نقل قواته باتجاه طرابلس، مما أثار الشكوك حول استعداد الجيش الوطني الليبي لشن هجوم على العاصمة، والقيام بـ (انقلاب) لإسقاط حكومة الدبيبة".
وتناولت الصحيفة كذلك موقف القوى الإقليمية والدولية من التحركات المحتملة لحفتر نحو طرابلس، لا سيما روسيا التي قدرت أن موقفها من حفتر "تغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة".

علاقة معقدة
وبدأ هذا التصعيد العسكري إثر "مقتل غامض للقائد الميداني عبد الغني الككلي، المعروف بلقب (غنيوة)".
ووفق الصحيفة الروسية، "كانت وفاة الككلي بمثابة الإشارة لبدء العمليات العسكرية بين أنصاره وأتباعه في طرابلس، مما أضعف أو شلّ بالكامل عمليات اتخاذ القرار والإدارة في الهياكل والتشكيلات التابعة له".
وادعت أن عملية مقتله "شابها الغموض، فبحسب المعلومات الواردة كان مقتل الككلي عنيفا ومفاجئا ووقع في اللحظة التي وصل فيها، بدعوة من قيادة وزارة الداخلية، إلى مقر لواء 444 للمشاركة في اجتماع رسمي".
وبالرغم من أن الككلي كان يشغل منصب رئيس جهاز الأمن التابع للمجلس الرئاسي، وفي الوقت ذاته كان يترأس الهياكل القيادية لجهاز دعم الاستقرار والأمن، لكن الصحيفة أشارت إلى أن "علاقاته مع قيادة وزارة الداخلية وأقرب المقربين من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة ظلت معقدة وملتبسة للغاية".
لافتة إلى أن "جهاز دعم الاستقرار والأمن كان بمثابة جيشه الخاص، الموالي له بشكل حصري، والذي يخدم مصالحه السياسية والاقتصادية ومصالح شركائه".
وأضافت: "امتدت هذه المصالح إلى ما هو أبعد من المستويات المحلية والبلدية، ولم تقتصر على قطاع الاقتصاد الرمادي والأنشطة الإجرامية".
وأردفت: "حيث وفرت الفصائل المسلحة التابعة للككلي الدعم الأمني وحماية ممثليه وأنصاره داخل البيروقراطية الحكومية والأجهزة الأمنية، وكذلك في إدارة البنك المركزي الليبي وإدارة المؤسسة الوطنية للنفط".
وأشارت إلى أن "هذه الفصائل المسلحة، التي تضم أبناء منطقة أبو سليم ومناطق أخرى في طرابلس، كان يُنظر إليها من قبل العديد من النخب السياسية في العاصمة كأداة فعالة لمقاومة (تمصير) البيروقراطية الحكومية، وهي ظاهرة تصاعدت منذ تولي عبد الحميد الدبيبة، ابن مدينة مصراتة، منصب رئيس الوزراء وحكومة الوحدة الوطنية في عام 2021".
وحسب التقرير: "بعد انتهاء المرحلة النشطة من الحرب الأهلية الثانية (2015-2020)، شهدت طرابلس مرات عديدة اشتباكات مسلحة بين فصائل مليشيات مختلفة؛ كان هدفها الرئيس والمستمر هو السيطرة على الموارد المالية والبنية التحتية القادرة على تلبية احتياجاتها الاقتصادية وتكديس رأس المال بهدف الإثراء".
لافتا إلى أن "الفصائل المسلحة، غير المهتمة بإعادة احتكار الدولة لاستخدام العنف، أسهمت بنجاح في عرقلة عملية تنظيم وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر/ كانون الأول 2021".
وتابع: "وفي عام 2022، حاولت هذه الفصائل تقويض عمل حكومة الوحدة الوطنية، والضغط على أعضائها للاستقالة، وتسهيل تشكيل حكومة بديلة تكون أكثر استعدادا لمراعاة مصالح وقادة الميليشيات، وهم رجال أعمال (اقتصاد زمن الحرب) والمستفيدون الرئيسون من الفوضى والدمار المستمرين في البلاد".
وأكملت: "خلال عامي 2023 و2024، عمل عبد الغني الككلي، من جهة، على تقويض الجهود المبذولة لإنشاء نظام موحد للتبعية والخضوع داخل وزارتي الداخلية والدفاع التابعتين لحكومة الوحدة الوطنية، ومن جهة أخرى، شارك بنشاط في الصراع بين القيادات القديمة والجديدة للبنك المركزي على خلفية التدقيق الذي أطلقه رئيس الوزراء".
نتيجة لذلك، أشارت الصحيفة إلى أن "الدبيبة أسهم في تعيين عماد الطرابلسي وزيرا للداخلية، وهو من (أصول مليشياوية)، ليكون المنفذ لسياسة حكومة الوحدة الوطنية الرامية إلى مركزة إدارة الأجهزة الأمنية، التي كانت حتى ذلك الحين مجمعة بشكل صوري تحت مظلة وزارة الداخلية لكنها كانت تتمتع باستقلالية هائلة".
ومن خلال استعادة السيطرة على المعابر الحدودية مع تونس، ذكرت الصحيفة أن "الدبيبة والطرابلسي حرما الجماعات المسلحة وقادتها من مصدر دخل ثابت كان يأتي من تهريب الوقود والأدوية والمواد الغذائية".
وتابعت: "مع ذلك، يشار إلى أن الإجراءات التي دعمتها إيطاليا والاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة غير القانونية لم تقلل الهجرة كثيرا، لكنها ساعدت في تحويل أرباح تنظيم الهجرة من الجماعات المناوئة لحكومة الوحدة الوطنية إلى الجماعات الموالية لها".

عملية مستمرة
ووفقا للوقائع على الأرض، رأت الصحيفة أن "السيطرة على جهاز دعم الاستقرار والأمن تمت بسرعة وسلاسة نسبيا، وذلك بفضل الخبرة المتراكمة لدى وزارة الداخلية".
علاوة على ذلك، كشفت أن "قادة الجهاز من المقربين من الككلي غادروا طرابلس؛ إما لعدم قدرتهم أو عدم رغبتهم في تقديم مقاومة منظمة، مما يجعل الحديث عن تصعيد إضافي غير وارد".
واستطردت: "الاشتباكات المحدودة في نطاقها وزمنها، وعدد الخسائر القليل نسبيا من الجانبين كما أفادت مصادر ليبية، تشير إلى أن المقاومة كانت ضئيلة وسيئة التنظيم".
وتوقعت أن "يشارك في تقاسم إرث الككلي بعض حلفائه ورفاقه السابقين الذين يقبلون بالقواعد الجديدة ويدعمون خطوات حكومة الوحدة الوطنية لفرض نظام جديد".
من جانبه، وصف الدبيبة الاشتباكات في طرابلس بأنها "خطوة حاسمة نحو إنهاء أنشطة المجموعات غير النظامية"، مؤكدا أنه "لن يكون هناك بعد الآن أي مجال للاعبين عسكريين غير حكوميين في ليبيا".
وبحسب الصحيفة، فقد "رأت مراكز الأبحاث الأميركية القريبة من مجتمع الاستخبارات أن تصريح رئيس الوزراء يعني أنه وحلفاءه وافقوا بشكل مباشر أو غير مباشر على قتل الككلي".
وفي ذات السياق، رجحت أن "تشهد الأشهر المقبلة في غرب ليبيا إجراءات مماثلة ضد قادة التشكيلات شبه العسكرية الأخرى التي تعمل إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، ولكنها في الوقت نفسه تتنافس مع بعضها البعض على الموارد والسلطة".
وبالتالي، خلصت الصحيفة إلى أن "تصفية عبد الغني الككلي وتقسيم منطقة نفوذه، بما في ذلك الأصول البشرية والمادية التي جمعها، تتسق بشكل عضوي مع السياسة المتسقة التي تنتهجها حكومة الوحدة الوطنية لتعزيز سلطتها في شمال غرب ليبيا".
وأوضحت: "على عكس المناطق الشرقية والجنوبية الأقل كثافة سكانية ولكنها أكثر اتساعا، والتي تقع تحت سيطرة خليفة حفتر، فإن عملية (جمع الأراضي) في الشمال الغربي، حيث يعيش أكثر من ثلاثة أرباع الليبيين، كانت مهمة شاقة وطويلة الأمد بالنسبة للدبيبة، لكنها تستمر بشكل منهجي".
وأرجعت اتخاذ حكومة الدبيبة هذه الخطوات إلى أن "الضعف المزمن للمؤسسات الحكومية والحرية غير المقيدة للفصائل المسلحة في شمال غرب ليبيا أدت إلى خلق ظروف مثالية ليس فقط لتفاقم الفساد وتدهور جودة الحياة ومستواها، وإضعاف الأمن العام وجاذبية الاستثمار؛ بل أيضا للتغلغل غير المنضبط للاعبين الأجانب على حساب مصالح الاقتصاد الليبي والأمن القومي".
فبينما راهنت الدول المغاربية المجاورة؛ الجزائر وتونس، على تعزيز السيطرة وحماية الحدود خوفا من تمدد التطرف والإرهاب والجريمة من منطقة عدم الاستقرار الليبية إلى أراضيها؛ نفذت إيطاليا وتركيا توسعا واسع النطاق في الإدارة الحكومية والاقتصاد وقطاع الأمن في ليبيا.
ومن خلال توظيف واستخدام مليشيات مختلفة للسيطرة على تدفقات المهاجرين غير الشرعيين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا، شجعت السلطات الإيطالية وأثارت شهية قادة هذه المليشيات، الذين حولوا تجارة البشر إلى أعمال تجارية فعالة ومربحة للغاية.
كما كان التغلغل التركي أكثر شمولية وتسلسلا، حيث نجحت أنقرة في ترسيخ مواقعها في مجالات مختلفة، مثل الاقتصاد والسياسة والأمن، بحسب الصحيفة.
من جهة، تتماشى سياسة الدبيبة مع مصالح اللاعبين الخارجيين، حيث تسهم في تعزيز الأمن وتقليل حالة عدم اليقين في ليبيا.
لكن من جهة أخرى، كلما قويت مواقف الحكومة الوطنية، قلّت حاجتها إلى الرعاية المفرطة من الأطراف الخارجية، التي غالبا ما تتزايد مطامعها بشكل مبالغ فيه.
لهذا، توقعت الصحيفة الروسية أن الفصائل المسلحة وقادتها، الذين يشكلون تهديدا وأداة فعالة لتعزيز المصالح في الوقت ذاته، لن يغيبوا تماما عن المشهد السياسي الليبي في القريب العاجل.

تحركات مريبة
في غضون ذلك، أفادت الصحيفة بأن "الأحداث في غرب ليبيا جذبت انتباه المنطقة المنافسة في الشرق (برقة)، التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي (حفتر)".
مشيرة إلى أن "مصدرا عسكريا ليبيا صرح في حديث لوكالة (ريا نوفوستي) الروسية أن بعض وحدات الجيش الوطني الليبي، بأمر من خليفة حفتر، بدأت التحرك من بنغازي، العاصمة غير الرسمية لبرقة، نحو سرت".
وبحسبها: "تُعد هذه المدينة الساحلية حلقة وصل إستراتيجية مهمة بين الشرق والغرب في ليبيا".
بدورها، ترى صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن "تركيز قوات حفتر في سرت، قد يعني أنه يخطط لمحاولة جديدة للتقدم نحو طرابلس، كما فعل في عام 2019".
ولفتت إلى أن "لحفتر علاقات في غرب ليبيا، وأن قواته المتمركزة في المنطقة الجنوبية ليست بعيدة عن طرابلس، مما يمكنها من دعم أي عملية هجومية".
وتستنتج "لوموند" أن حفتر وأبناءه "لا يمانعون من تكرار سيناريو الهجوم على طرابلس كما حدث في 2019".
أما عن موقف القوى الإقليمية والدولية بشأن تحركات حفتر المحتملة نحو طرابلس، رأت الصحيفة الروسية أن "ثمة متغيرات عديدة تحكم المشهد هذه المرة، مما يجعل التعاطي مع أي تحرك عسكري نحو العاصمة الليبية يختلف بشكل كبير عن هجوم 2019".
فقد رأت أنه "برغم اكتساب روسيا سمعة كحليف قوي لحفتر قبل ست سنوات، إلا أن الأمور تغيرت بشكل جذري في السنوات الأخيرة".
وأوضحت مقصدها قائلة: "يتمركز (الفيلق الإفريقي) الروسي في برقة، وفقا لمصادر وكالة (المبادرة الإفريقية) الروسية في وزارة الدفاع الروسية، أما في غرب ليبيا، فقد أُعيد فتح السفارة الروسية منذ أغسطس/ آب 2023".
"وقد وصف الإعلام الروسي الرسمي إعادة فتح البعثة الدبلوماسية في هذا الجزء من ليبيا بأنه (إعادة إطلاق العلاقات الروسية-الليبية من الصفر تقريبا)، وهو ما يُفترض أن يمنح موسكو (مرونة أكبر)"، وفق الصحيفة.
وقدّرت أنه "إذا كان حفتر يخطط فعلا لشن هجوم محتمل، فسيكون ذلك اختبارا صعبا للنهج المتعدد؛ ليس فقط لروسيا، بل ولغيرها من اللاعبين الدوليين الذين أعادوا توجيه اهتمامهم نحو المعسكرين الليبيين".
وبحسبها: "ينطبق هذا على الولايات المتحدة، التي تربطها علاقات وثيقة بكل من طرابلس وبنغازي. وكذلك على تركيا، التي دعمت حكومة غرب ليبيا لفترة طويلة بالمعدات العسكرية والتمويل والمدربين العسكريين".
واختتمت الصحيفة الروسية تقريرها قائلة: إن "الكثير من الأوضاع حول طرابلس سوف تعتمد، من بين أمور أخرى، على كيفية رد فعل مدينة مصراتة على الأزمة المتفاقمة".
وتعاني ليبيا بين حين وآخر مشكلات أمنية وسط انقسام سياسي متواصل منذ عام 2022 إذ تتصارع حكومتان على السلطة؛ الأولى حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، المعترف بها دوليا، ومقرها طرابلس وتدير منها غرب البلاد بالكامل.
والثانية حكومة أسامة حماد التي كلفها مجلس النواب ومقرها بمدينة بنغازي وتدير شرق البلاد بالكامل ومدنا في الجنوب.
وعلى مدى سنوات تعثرت جهود ترعاها الأمم المتحدة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يأمل الليبيون أن تقود إلى نقل السلطة لحكومة واحدة وإنهاء نزاع مسلح يعانيه منذ سنوات بلدهم الغني بالنفط.