"الماستر مقابل المال".. قضية رأي عام تكشف عمق الفساد التعليمي في المغرب

" أزمة تهدد مصداقية النظام التعليمي برمّته وتُضعف الثقة المجتمعية في الكفاءات"
فضيحة "الماستر مقابل المال" في جامعة مغربية كشفت عن خلل عميق في منظومة التعليم بالمملكة بشكل عام والأكاديمي بشكل خاص، بعدما تحوّلت إلى قضية رأي عام هزت المجتمع.
وأصدرت محكمة الاستئناف بمدينة مراكش قرارا بإيداع أستاذ بجامعة ابن زهر في مدينة أغادير السجن المحلي، في إطار تحقيقات متعلقة بشبهة فساد داخل الجامعة.
وأوضحت المحكمة عبر بيان في 14 مايو/ أيار 2025، أن "هذا القرار اتخذ بعد استنطاق الأستاذ (أ.ق) من قبل قاضي التحقيق، الذي قرر متابعته في حالة اعتقال احتياطي".
كما تقرر وضع ستة أشخاص آخرين تحت المراقبة القضائية، ويتعلق الأمر بزوجته التي تشتغل محامية، ورئيس مصلحة كتابة الضبط بآسفي، ونجل هذا الأخير، وهو محامٍ متمرن، بالإضافة إلى محامين آخرين وأستاذ بالكلية نفسها.
وما أسفرت عنه الأبحاث، هو ضبط مبلغ يقدر بحوالي 8 مليارات سنتيم (80 مليون دولار) في حساب زوجة الأستاذ الجامعي؛ حيث تحوم شبهة تحصيل هذه الأموال من بيع وشراء الشهادات العليا والسمسرة في التوظيفات.
وأثار هذا القرار تساؤلات حول مدى تأثير هذه القضايا على سمعة المؤسسات التعليمية في المغرب.

فشل ذريع
وأكد رئيس "المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين"، محمد الدرويش، أن "هذه الأحداث والأفعال مسيئة لمهنة الأستاذية ومسيئة إلى صورة المملكة على المستوى الإقليمي والجهوي والدولي".
ورأى الدرويش لموقع "مدار21" المحلي في 15 مايو أن "الأمر مؤلم جدا بسبب تصرفات طائشة للبعض القليل من الإداريين أو الأساتذة"، مستدركا: "لكن فعلتهم هذه تغطي على الأغلبية المطلقة للأساتذة التي تشتغل بأخلاق عالية خدمة للرسالة النبيلة للتعليم العالي ببلادنا".
ولفت رئيس المرصد (أهلي) إلى أن "هذه الانحرافات تؤثر على صورة الجامعة وتتسبب في انهيار أخلاقي بين مكونات التعليم العالي والمجتمع، وأن التزوير في الشهادات له آثار وخيمة على مهن أخرى بمجرد اعتمادها في التوظيف الجديد أو الترقية في الوظائف، ويشكل خطرا حقيقيا على هذه المهن".
ورأى أن "الأمر يدعو استعجالا لأن يتحمل المسؤولية كاملة القطاع الوصي والجامعات والنقابات ومكونات المجتمع المدني المختصة والنيابة العامة قبل فوات الأوان، فالتعليم العالي واجهة من الواجهات الدبلوماسية للمملكة، والأستاذ الباحث صورة من الصور المشرقة للمغرب المعاصر والحديث".
من جانبه، قال الكاتب مصطفى الفن: إن "اعتقال أستاذ جامعي، وفي (جيب) زوجته ثمانية ملايين سنتيم، هذا ليس خبرا عاديا..".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 15 مايو أنه "خبر بمفعول الزلزال ويضع دولة البلد وحكومة البلد وبرلمان البلد وجامعات البلد في قفص الاتهام..".
وتابع: "أقول هذا إذا ما صح أن الأستاذ الجامعي المعني جمع هذه الملايين من أعمال السمسرة والتلاعب والتزوير في الديبلومات والشهادات الجامعية.. إن الأمر بهذه الخطورة وبهذه الأبعاد المأساوية لأن القضية فيها تعليم البلد وسمعة النخبة رقم واحد في البلد..".
واستطرد الفن: "ظني أنه حتى تجارة الكوكايين والمخدرات لا يمكن ربما أن تعود على أصحابها بهذه الملايين التي ينطح بعضها بعضا.. ورأيي أن جميع مؤسسات الدولة ومسؤولي الدولة معنيون بهذا الخطر الذي يهدد بنيان الدولة نفسها..".
وشدد على أن "الخطب جلل وربما يفرض أن يتم الاستماع إلى جميع وزراء التعليم وجميع رؤساء الحكومات وجميع رؤساء الجامعات لعلنا نجيب عن هذا السؤال المحير والمربك".
وتساءل: “لماذا وصلت الجامعة المغربية والتعليم العالي إلى الدرك الأسفل من القبح ومن هذا الفشل الذريع حتى إن جميع جامعاتنا غير مقبولة وغير مصنفة ربما في أي تصنيف دولي؟”
وتابع: “فما الحل إذن لهذه الأعطاب المزمنة التي اخترقت الجامعة المغربية وأتت على ما تبقى من قيمها وأخلاقها وأعرافها وتقاليدها؟..”
وأجاب الفن: "ليس هناك ربما أي حل يلوح في الأفق ونحن نرى كيف أسندت الأمور ومناصب المسؤولية إلى غير أهلها..".
وأضاف: "حصل هذا حتى أننا رأينا وزراء تعليم، في هذه الحكومة، غير قادرين حتى على أن (يتهجوا) بضع كلمات مكتوبة بالدارجة المغربية وبالحرف اللاتيني وليس حتى بالحرف العربي.".
غابة الفساد
فيما يرى نورالدين اجوهراتن أنه "وسط هذا السخط العام، يجب أن نطرح سؤالا أعمق: هل قليش حالة شاذة وفردية؟ أم أنه مجرد تجسيد لمشكلة أوسع وأخطر؟
وأضاف اجوهراتن في تدوينة عبر فيسبوك في 18 مايو مجيبا "الحقيقة التي باتت تفرض نفسها هي أن قليش ليس سوى الشجرة التي تخفي غابة الفساد في الجامعة المغربية".
ولفت إلى أنه “على مدى سنوات، ظهرت دلائل ومؤشرات عن وجود ممارسات غير قانونية داخل الجامعات تتراوح بين المحسوبية والزبونية في التسجيل بالماسترات والدكتوراه، مرورا بتدخلات حزبية ونقابية في الانتقاء والتوظيف، وصولا إلى فضائح التحرش والمال مقابل النجاح”.
ورأى اجوهراتن أن "كل هذه الظواهر تعكس انحرافا خطيرا في أداء المؤسسة الجامعية، وتحولها من فضاء للعلم والمعرفة إلى ساحة للابتزاز والمصالح الضيقة".
وشدد على أن "محاولة اختزال الفضيحة في شخص أحمد قليش فقط، مهما كانت درجة تورطه، يعد تبسيطا مخلا للواقع".
وأكّد أن "الفساد في الجامعة المغربية له جذور عميقة، تبدأ من غياب آليات الشفافية في ولوج الماستر، مرورا بضعف مراقبة الأداء الأكاديمي، وانعدام المحاسبة الفعلية، وانتهاء بتكريس ممارسات لا أخلاقية أصبحت شبه مألوفة في بعض الكليات".
وأشار إلى أن “الأدهى من ذلك، أن أغلب ملفات الفساد الجامعي التي طُرحت سابقا انتهت إما بالتستر أو بالإفلات من العقاب.. وهذا ما يفتح الباب أمام تكرارها، بل وتوسعها”.
وختم اجوهراتن مشددا: "لقد آن الأوان لعد الجامعة شأنا وطنيا لا يخص فقط الطلبة والأساتذة، بل يمس مستقبل المغرب كله.. لأن بلدا بدون تعليم نزيه، هو بلد محكوم عليه بالانحدار".

محاسبة حقيقية
من جانبه، قال السياسي المغربي، محمد يتيم: “أن يصل الفساد ويخترق حصون الجامعة ويصبح الحصول على الشهادات الجامعية موضوع ابتزاز ورشوة ومحسوبية .. فإن ذلك مؤشر لمنحدر خطير واستشراء متزايد لظاهرة الفساد .. إلى درجة أنه اخترق مؤسسات الجامعة ….”.
وأضاف في مقال نشره عبر موقع "العدالة والتنمية في 24 مايو: "ويعلم الله إلى أين سيصل مع تزايد الهشاشة الدينية والأخلاقية تجاه زحف الفساد واختراقه لفئات كانت تعد نموذجا في الاستقامة والنزاهة وتعد قدوات اجتماعية".
واستدرك: "دون شك فإنه يجب عدم الحديث بلغة التعميم.. لكن هذه الحادثة وأمثالها تدق ناقوس الخطر.. كما تعكس من جهة أخرى اتساع القابلية للاختراق من آفة الفساد في مختلف المستويات الاجتماعية …. ويعلم الله وحده ماذا يحدث في الخفاء مما لم ينكشف أمره وتزكم رائحته الأنوف!!".
فيما قال الأكاديمي وليد بوكرين: إن "أزمة (الماستر مقابل المال) أو ظاهرة منح الشهادات العلمية دون استحقاق علمي مقابل المال، تمثل أزمة متعددة الأبعاد، أخطرها أنها تهدد مصداقية النظام التعليمي برمّته وتُضعف الثقة المجتمعية في الكفاءات".
وأكد بوكرين لـ"الاستقلال" أن "غياب آليات رقابة صارمة ومحاسبة حقيقية يسهل اختراق النظام التعليمي، ما يُفقد الشهادات قيمتها ويقوض هيبة المؤسسات التربوية، وهذا خلل أخلاقي عميق داخل بعض المؤسسات التعليمية".
وأضاف "بطبيعة الحال حين تصبح هذه الشهادات قابلة للشراء، فإن ذلك يعني تهميش الكفاءات الحقيقية وإتاحة الفرص لغير المؤهلين".
وتابع: "من انعكاسات ذلك السلبية تأثيره على جودة الخدمات المقدمة في قطاعات حساسة كالتعليم، والصحة، والإدارة العامة، وطبعا من أخطر تبعات انتشار الشهادات المزوّرة هو فقدان الثقة في المؤسسات التعليمية، وفي الشهادات التي تمنحها".
رغم فداحة الفضيحة، فإن رد وزارة التعليم العالي جاء باهتا ومحدودا، إذ لم يتجاوز بيانا مقتضبا أعلنت فيه عن نِيّتها فتح تحقيق داخلي، دون أن تتخذ إجراءات عاجلة لاحتواء تداعيات القضية.
هذا الرد المتردد قوبل بموجة من الانتقادات؛ حيث رأى عدد من المتابعين أن الوزارة كان ينبغي أن تتخذ خطوات جريئة، مثل إرسال لجنة افتحاص موسعة إلى الجامعة المعنية، وتعليق الاعتماد الأكاديمي لمسالك الماستر المشتبه فيها، إلى جانب إصدار تقرير شفاف يفضح ممارسات الغش والتربح غير المشروع داخل بعض الكليات.