لماذا يرجح بقاء الجيش الأميركي في العراق لفترة طويلة؟.. موقع ألماني يجيب

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تعتزم القوات الأميركية في العراق الانسحاب رسميا بحلول سبتمبر/أيلول 2025، وفقا لاتفاقيات توصل إليها في وقت سابق مع الحكومة العراقية، لكن هذا الانسحاب يظل مشروطا بعدة تقديرات سياسية وأمنية وإقليمية.

ويرى العديد من الخبراء، الذين تحدث إليهم موقع "تيليبوليس" الألماني، أن الأميركيين "لن ينسحبوا قريبا، وأنهم ينوون البقاء لمدة أطول".

خلاف كبير

تناول الموقع في مطلع حديثه القمة العربية الأخيرة في بغداد، وقال: "عندما حضر قادة الدول والحكومات العربية إلى قمة جامعة الدول العربية في العراق، استقبلتهم مدينة بدت مصممة على ترك انطباع قوي".

مشيرا إلى أنهم "في طريقهم من مطار بغداد الدولي إلى المدينة، مروا أمام التمثال الذي يمثل المكان الذي قتل فيه اللواء الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، والقائد العراقي لميليشيا كتائب حزب الله، أبو مهدي المهندس، في غارة جوية أميركية بطائرة بدون طيار في 3 يناير/ كانون الثاني 2020".

وأدى هذا الهجوم، الذي نُفذ على الأراضي العراقية دون موافقة الحكومة العراقية، إلى تكثيف الدعوات إلى انسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف. ولا تزال هذه المطالب تتردد أصداؤها حتى اليوم، في أروقة السلطة وفي شوارع العراق، وفق التقرير.

وبالرغم من تأخر المفاوضات لسنوات، أشار الموقع الألماني إلى أن "قوة المهام المشتركة (عملية العزم الصلب) -وهي قوة أُسست عام 2014 من 30 دولة لتنفيذ عمليات عسكرية ضد داعش في العراق وسوريا- وافقت أخيرا على إنهاء مهمتها وحل مقرها في سبتمبر/ أيلول 2025".

لكنه لفت إلى أن "هذا لا يعني نهاية أي وجود عسكري أجنبي في العراق".

موضحا: "حيث تتيح أحد البنود في الاتفاقية استمرار العمليات العسكرية في سوريا من موقع غير محدد حتى سبتمبر/ أيلول 2026".

وتابع: "كما تحدث بند آخر حول تفعيل (شراكات أمنية ثنائية) لدعم القوات العراقية، والحفاظ على الضغط ضد تنظيم داعش".

مشيرا إلى أن "هناك خلافا كبيرا داخل العراق بشأن هذين البندين؛ استمرار العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا من موقع غير محدد (على الأرجح في شمال العراق أو كردستان)، والشراكات الأمنية الثنائية في البلاد".

إذ تستمر بعض الفصائل السياسية والدينية الشيعية، فضلا عن القوات شبه العسكرية المدعومة من إيران، في الضغط من أجل الانسحاب الكامل والفوري، وفق التقرير.

في المقابل، "يرى آخرون أن الدعم العسكري الدولي أمر حيوي، خاصة في ظل التهديد المستمر الذي يشكله تنظيم داعش وعدم الاستقرار الإقليمي الذي نشأ في سوريا".

ونقل الموقع عن مسؤول كبير سابق تقييما صريحا للوضع الحالي، قال فيه: "بعض المعسكرات الشيعية تريد بقاء قوات التحالف في المستقبل المنظور".

وأضاف: "المليشيات الموالية لإيران في الحكومة تتبع كل الأوامر التي تصدرها طهران".

وتابع: "في الوقت الحالي، هم يتحفظون وينتظرون الموقف الإيراني بعد المحادثات مع الولايات المتحدة".

"في الوقت نفسه، يشعرون بقلق كبير من احتمالية اغتيالات إسرائيلية لقادتهم، ورئيس الوزراء يتحدث بلسانين"، وفق قوله.

واستطرد: "السنة والأكراد يريدون بقاء قوات التحالف، ليس بسبب الخوف من عودة داعش، بقدر ما أنهم يرغبون في موازنة النفوذ الإيراني".

مع ذلك، يرى الموقع أنه "بالنسبة للآخرين، فإن مجرد وجود القوات الأجنبية لا يعد قوة استقرار، بل يعد مصدرا لانعدام الأمن والتدخل الأجنبي".

من أمثال هؤلاء، ضياء الأسدي، وزير الدولة السابق والنائب السابق في البرلمان، والذي قاد سابقا كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، إذ يعتقد أن "وجود القوات العسكرية الأجنبية لم يكن يوما مصدر استقرار".

مضيفا: "وحتى لو كانت هناك تحديات وجودية لا تزال تهدد استقرار العراق، فإن معالجتها تتطلب الوحدة الوطنية والتعاون الإقليمي والدولي والتضامن، وليس انتهاك القانون الدولي وسيادة الدولة".

"ولهذه الأسباب ولأسباب أخرى، تصر معظم القوى الشيعية على ضرورة انسحاب القوات الأميركية في أقرب وقت ممكن"، حسب قوله.

حل تفاوضي 

من جانبه، يعتقد الموقع الألماني أن "المزاج السائد بين سكان العراق السنة متناقض في أغلب الأحيان، ويتراوح بين اللامبالاة والبراجماتية الحذرة".

وأوضح أن "العديد من العراقيين، من مختلف الطوائف والأطياف السياسية، يعربون عن رغبتهم في التوصل إلى حل تفاوضي أكثر إستراتيجية بدلا من الانسحاب المتسرع".

ورأى أن "هذه الآراء المعقدة والمتناقضة في كثير من الأحيان، تُظهر ثقل المستقبل غير المؤكد على أمة لا تزال تكافح من أجل التوصل إلى توافق في الآراء".

بدوره، بيّن الموقع أن الأسدي "يظل متشككا بشأن المفاوضات المطولة طالما بقيت القوات الأجنبية متمركزة على الأراضي العراقية".

ويقول: "حتى تنسحب جميع القوات الأجنبية بشكل كامل وغير مشروط من العراق، فإن جميع المفاوضات سوف تتأثر بوجودها".

مضيفا: "جميع الذرائع والحجج التي تُستعمل لتبرير وجودهم واهية".

وشدد: "ينبغي أن تكون نقطة البداية هي (المصلحة الوطنية العراقية) وحدها، من منظور عراقي خالص وحقيقي، لا من منظور طائفي أو عرقي أو حزبي".

وحصر الموقع "الحجج المحيطة بإنهاء وجود القوات الأجنبية في سؤالين: هل ستغادر القوات؟ وهل يجب على القوات أن تغادر؟".

وعقّب: "وكما هو الحال في أغلب الأحيان، فإن الإجابات مشروطة وغامضة".

وأرجع الأمر إلى الحكومة العراقية قائلا: "الأمر المؤكد هو أن قوات كافة البلدان سوف تغادر إذا أمر رئيس الوزراء بذلك، فقد أُرسلت هذه القوات إلى العراق في عام 2014، عندما كان الجيش العراقي قد أُضعف بسبب اجتياح داعش".

موضحا أن هذه التدخلات سُهلت عبر رسالة دعوة من وزير الخارجية العراقي آنذاك هوشيار زيباري، دعا فيها الدول الأجنبية لدعم العراق في مكافحة داعش.

ولفت الموقع إلى أن "رسالة الدعوة خلت من أي التزامات بموجب المعاهدة، كما لم يتم صياغة اتفاقية رسمية بشأن وضع القوات، كما حدث في عام 2009 إلى عام 2011".

"بدلا من ذلك، كانت الدعوة تدبيرا طارئا أسهم بشكل حاسم في عكس الوضع العسكري الذي كان يتدهور بسرعة"، يقول الموقع.

وتابع: "وبعد مرور أحد عشر عاما، لا أحد يستطيع أن يزعم أن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تهديدا وجوديا للعراق".

ففي عام 2017، أُعلنت هزيمته، وأصبحت قوات الأمن العراقية، التي أعاد التحالف تسليحها وإعادة بنائها، تتعامل بشكل رئيس مع العناصر القليلة المتبقية من "الفخاخ" و"الخلايا النائمة" في العراق.

وأردف: "يشير المنتقدون إلى أن الغرض من التحالف كان تقديم المشورة والمساعدة وتمكين القوات الشريكة، حتى تتمكن قوات الأمن العراقية من هزيمة داعش في العراق بشكل مستقل وتوفير التعاون الأمني ​​على المدى الطويل، وهو الهدف الذي تحقق قبل سنوات".

واستطرد: "بالنسبة للكثيرين، لم يعد التحالف ضروريا، وقد حان الوقت لسحب رسالة الدعوة وإنهاء وجود القوات الأجنبية".

واستدرك: "لكن، هل ينبغي لجميع القوات الأجنبية أن تغادر؟ لا يزال هناك حاجة لصالح تعاون أمني طويل الأمد، وهو ما يعنى في الأغلب دعما أجنبيا (على أرض الواقع)".

باب خلفي 

في هذا السياق، يشير الموقع إلى أن اتفاق الانسحاب "ينص على إنشاء لجنة عسكرية عليا لمناقشة هذه القضايا بشكل دوري، مما يوفر بابا خلفيا للاحتفاظ بالقوات أو إعادة إرسالها في المستقبل".

ومع ذلك، يرى ضياء الأسدي أن "هذا ليس ضروريا".

"ويرى أن جيشا وطنيا قويا يمكنه الدفاع عن البلاد دون الاعتماد على دعم خارجي، شريطة أن توفر الحكومة الموارد اللازمة للتدريب، والتجهيزات الحديثة، والدعم الاستخباراتي، والتحديثات التكنولوجية"، كما أشار الموقع.

وأكمل: "إن بناء قدرات الجيش العراقي وبنيته التحتية أفضل وأسهل بكثير من الاعتماد على قوات أجنبية". 

وحسب اعتقاده، فإن "النهج القائم على العمل بشكل مستقل، إلى جانب الدروس المريرة المستفادة من خمس سنوات من الحرب الوحشية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، هو الطريق الصحيح للمضي قدما".

في المقابل، يخالفه الرأي مسؤول كبير سابق، مشيرا إلى أن "الموقف العراقي المسؤول سيكون الإبقاء على وجود قوات التحالف على المستوى الفني والاستخباراتي، بالتعاون مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية، بدلا من الاحتفاظ بقوات قتالية في قواعد آمنة".

وقدّر هذا المسؤول أن "قوات الأمن العراقية قادرة على التعامل مع تمرد معتدل على جبهتين، لكنها ليست قادرة على مواجهة جيش إرهابي غازي كما حدث في عام 2014".

ولفت إلى أنه "في ذروته، كان لدى داعش حوالي 100 ألف مقاتل على الجبهة العراقية السورية، وأن قوات الأمن الداخلي لا تستطيع التعامل مع هذا الأمر".

من جانبه، يرى الموقع أنه "في كثير من النواحي، كلا الموقفين صحيح".

وتابع موضحا: "لقد انخفض التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، وأصبح هناك عدد قليل من التهديدات الوجودية التي تتطلب قوات أمنية ضخمة مسلحة ومدربة وفق معايير عالمية المستوى".

وأضاف: "حتى في حالته الراهنة، يحتل العراق المرتبة السادسة بين أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، وفقا لمؤشر جلوبال فاير باور المرموق، وهو أقوى من الإمارات والأردن وقطر وغيرها من القوى الدفاعية الحديثة في المنطقة".

فجوات ضخمة

ومع ذلك، تحدث عن الفجوات الكبيرة التي تعانيها قوات الأمن العراقية الحالية في القدرات نتيجة اعتمادها طويل الأمد على الدعم الخارجي. 

وأردف: "لا سيما النقص في أنظمة دفاع جوي فعالة، وطائرات قتالية ونقل كافية، وطائرات هليكوبتر".

بالإضافة إلى ذلك، أوضح الموقع أن قوات الأمن العراقية "تعتمد في المقام الأول على المعلومات الاستخباراتية التي يقدمها لها حلفاؤها".

وكما أشار الأسدي والمسؤول السابق، فإن الجيش العراقي "لا يزال في حاجة إلى النضوج، على الرغم من اختلافهما حول ما إذا كان ينبغي أن يحدث هذا بشكل داخلي أم بدعم خارجي".

وتوقع الموقع الألماني أن "قضية تطوير قوات الأمن العراقية واستمرار وجود القوات الأجنبية ستعود إلى صدارة النقاش الوطني، وذلك من منطلق الحديث عن السيادة والأمن والدور المتطور للعراق، في منطقة تتسم بالتحالفات المتغيرة والصراعات غير المحلولة".

وأكمل: "إن عدم الاستقرار هو النظام السائد اليوم في العراق، فهناك أزمة غزة التي تجتذب المليشيات العراقية التي لا تخضع للسيطرة السيادية".

واستطرد: "وهناك انتهاكات للمجال الجوي من قبل الإسرائيليين والأميركيين، وغارات جوية ضد أهداف إرهابية، وتهديد بالهزات الارتدادية في حال فشل المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران".

"ولهذه الأسباب، فإن العراق يحتاج إلى بنية أمنية كفؤة لضمان دفاعاته الخارجية والداخلية"، قال الموقع.

الكلمات المفتاحية