تصريحات ترامب بشأن مستقبل غزة قنابل دخان تغطي على الهدف الحقيقي.. كيف؟

"ترامب سيوهم العالم أنه تنازل عن خطة التهجير المصطنعة من أجل التطبيع"
بسبب عدم معقولية الخطط التي يطرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير فلسطينيي غزة لدول أخرى، وملكية بلاده للقطاع، شككت تقديرات غربية في أن يكون هذا مرادَه، مرجحين أن تكون تصريحاته أشبه بقنابل دخان للتغطية على أهداف أخرى.
الرأي ذاته، رجّحته صحف وسياسيون في إسرائيل، وشككوا جميعهم في أن يكون التهجير هو هدف ترامب الحقيقي؛ لأنه خيار غير قابل للتنفيذ أو القبول من فلسطينيي غزة أنفسهم.
وأشاروا إلى أن ضغوط ترامب بشأن التهجير، هي جزء من خطته للضغط للتوصل لتطبيع إسرائيلي سعودي دون التمسك بتأسيس دولة فلسطينية، والاكتفاء بإنجاز “بقاء الفلسطينيين على أرضهم”.
في المقابل أظهرت السعودية تصلبا غير معتاد في موقفها إزاء خطط ترامب للتهجير والتطبيع على السواء، لذا يكثف ترامب من الضغط ويواصل إطلاق تصريحات خيالية.
وحاول ترامب ونتنياهو في مؤتمرهما الصحفي 5 فبراير/شباط 2025 توريط السعودية بزعم أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية في المستقبل، أمر مفروغ منه و"سيحدث".
لكن السعودية أصدرت بيانا غير عادي في الفجر ولم تنتظر للصباح، أكدت فيه أن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية "راسخ وثابت ولا يتزعزع، وليس محل تفاوض أو مزايدات".
وشددت على أن "هذا الموقف الثابت، ليس محل تفاوض أو مزايدات، ما يعني رفضها خطط التهجير، وإفشال ضغوط ترامب عليها للقبول بالتطبيع مقابل وقف خطط التهجير.
التطبيع بالضغط
لم يختلف رأي اثنين من المحللين السياسيين الإسرائيليين في تفسير "هجوم تصريحات التهجير" الترامبية، مؤكدين أن هدفه هو الضغط بخطط التهجير؛ لدفع المملكة للقبول بالتطبيع.
فقد أكدت المحللة السياسية في القناة 12 الإسرائيلية، "دافنا ليئيل"، أن التقديرات في إسرائيل هي أن ترامب يوجه الأمور إلى مكان آخر بحديثه عن التهجير، وهو "التطبيع".
وأشارت إلى أن "ترامب يُصدر تهديدا دراماتيكيا، عبر طرحه مسألة تهجير فلسطينيي غزة، بحيث يتمكن من استخدام هذا التهديد في المفاوضات حول التطبيع".
وشرحت "ليئيل" أن ترامب يسعى لـ "اتفاقيات أبراهام 2"، وأقواله حول التهجير تذكر بما سبق "اتفاقيات أبراهام 1"، "عندما تحدث عن مخطط ضم الضفة، ثم أخرجه من المعادلة؛ من أجل إرضاء دول الخليج مقابل أن يُطبعوا مع إسرائيل.
وشددت المحللة الإسرائيلية على أن ترامب "يستخدم هذه المرة فكرة إفراغ غزة وتهجير سكانها كذريعة أخرى، وشيء ما يتمكن من المتاجرة به، خاصة إذا اتضح أن التطبيع (بين إسرائيل والسعودية) يصطدم بعقبات ومصاعب".
وأكدت أنهم في إسرائيل يعتقدون أن الحديث عن تهجير فلسطينيي غزة يهدف إلى صرف الأنظار عن الهدف الفعلي وهو التطبيع، وخاصة أنه بعد لقاء ترامب ونتنياهو، لا توجد تفاهمات واضحة حول تنفيذ المرحلة الثانية من تبادل الأسرى.
أيضا أشار المحلل السياسي في موقعي "واللا" الإسرائيلي، و"أكسيوس" الأميركي، باراك رافيد، في 5 فبراير 2025، إلى أن خطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة "جانب منها يتعلق بالضغط للتوصل لتطبيع إسرائيلي سعودي".
ونقل "رافيد" عن مصدر أميركي مقرب من الرئيس الأميركي، قوله "إن ترامب يتحدث في اجتماعات مغلقة عن تهجير الغزيين منذ شهرين على الأقل"، ويربطه بالتطبيع الإسرائيلي السعودي.
وقال خبير إسرائيلي لقناة i24 الإسرائيلية: إن "موضوع التهجير وهم مصطنع من ترامب من أجل التطبيع بين السعودية وإسرائيل".
وأوضح أن "ترامب سيوهم العالم أنه تنازل عن خطة التهجير المصطنعة من أجل التطبيع".

وتقول صحيفة "معاريف" 5 فبراير/شباط 2025: إن العديد من المعلقين يرون أن أحد الأسلحة الرئيسة التي يستخدمها الرئيس ترامب هي "إستراتيجية الفوضى"، والتي بموجبها يخرج من الفوضى منتصرا، وفق عقيدته.
وعلقت "فلور نحوم حسن"، المبعوثة الخاصة لوزارة الخارجية وكبيرة الباحثين في معهد مسغاف للأمن القومي، بقولها: إن "هذه ليست سياسة فوضى، بل إستراتيجية تفاوضية بارعة".
وأضافت: "الآن تحتاج الدول العربية إلى أن تُظهر لترامب ما يمكنها فعله لتكون جزءا من الحل، وليس جزءا من المشكلة".
أي تقبل بالتطبيع لتكون جزءا من حل مشكلة التهجير ووقفها، بدلا من أن تكون جزءا من المشكلة لو أصر ترامب على التهجير وأحرج هذه الأنظمة أمام شعوبها.
وتزعم "معاريف" أن إعلان ترامب عن التهجير أدي لإعلان السعودية استعدادها للتخلي عن مطلب إقامة الدولة الفلسطينية.
ويقول المحلل الإسرائيلي "أمير تيبون" في تحليل نشره بصحيفة "هآرتس" تحت عنوان “مصير قنبلة ترامب في غزة سيتقرر في السعودية”: إن الرئيس الأميركي يعتقد أن الدول العربية الغنية قادرة على تمويل فكرته بتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط.
ولكن بعد 90 دقيقة من تعليقاته، أصدرت المملكة العربية السعودية بيانا مطولا تنتقد فيه الخطة.
وأكد أنه "بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، كان الرأي السائد هو أن أولويته الرئيسة في الشرق الأوسط هي تأمين اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وأن هذا سوف يتقرر في غزة".
"وأنه ضغط لوقف القتال في غزة من أجل تهيئة المناخ السياسي الذي يسمح للسعوديين بإبرام الصفقة مع إسرائيل".
أيضا رجح بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل أن يكون ترامب "يوظف ملف تهجير فلسطينيي غزة كورقة ضغط لتخفيض سقف الطموح الفلسطيني، سواء في مفاوضات غزة أو مطالب تأسيس دولة فلسطينية".
وقال لوكالة "الأناضول" 5 فبراير/شباط 2025: بدلا من أن يكون شرط الدول العربية قيام دولة فلسطينية أولا ثم التطبيع، عدّله ترامب ليصبح بقاء الفلسطينيين وعدم تهجيرهم مسوغا للتطبيع".
هل تنجح خطته؟
فور زعم ترامب أن "السعودية لا تشترط قيام دولة فلسطينية للتطبيع"، ردت عليه الخارجية السعودية ببيان يؤكد بوضوح أنه "لا تطبيع بدون قيام الدولة الفلسطينية ولا تهجير للفلسطينيين من أرضهم".
وهو ما يعني رفض معادلة ترامب بالكامل بشأن التطبيع مقابل التهجير.
أيضا كان حديث السفير السعودي الأسبق إلى أميركا وبريطانيا، الأمير تركي الفيصل، مع مذيعة شبكة CNN، كريستيان أمانبور، 5 فبراير 2025 مؤشرا واضحا على رفض الرياض الربط بين التهجير والتطبيع.
أما سبب الموقف السعودي القوي، فيرجعه سفير مصري سابق- في تصريح لـ "الاستقلال"- إلى أنها "عرضت 600 مليار دولار استثمارات في أميركا، وترامب تمني زيادتها إلى ترليون، وهو كرئيس يتصرف كرجل أعمال ومقاول ومن ثم لن يصطدم بها ليحصل على الأموال".
وأوضح أن الأموال التي وعدت بها السعودية، ترامب، وعدها سياسيون خنوعا، ربما أعلنت عنها الرياض بأريحية، كـ "ورقة ضغط" في مواجهة مخططات ترامب التي كانت معروفة مسبقا.
وأنه يعتقد أن الأموال أهم بالنسبة لترامب من التطبيع، ولو رفضت السعودية التطبيع أو ربطها بالتهجير وتمسك بشكل من أشكال الدولة الفلسطينية، فقد لا يجد ترامب أمامه في نهاية المطاف سوى الصمت وقبول الأموال التي تعد أهم قيمة في سياسته الداخلية والخارجية.
ورد "الفيصل" على ما إذا كان يرى أن تطبيع السعودية العلاقات مع إسرائيل قد يحدث بعد خطة ترامب بشأن السيطرة على غزة و"ملكية طويلة الأجل"، بنفيه ذلك "على الإطلاق".
وقال: إن موقف بلاده قبل وبعد طوفان الأقصى هو أن طريق السلام هو دولة فلسطينية واضحة "ونحن لا نتحدث مع الإسرائيليين، بل نتحدث مع الأميركيين وكان هذا هو الموقف الذي تم الحفاظ عليه بقوة" وفق قوله
وأكد تركي الفيصل لـ CNN، وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية، أن "ما قاله ترامب غير قابل للاستيعاب، ومن الخيال أن نعتقد أن التطهير العرقي في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يتسامح معه مجتمع عالمي".
وشدد على أن المشكلة في فلسطين ليست الفلسطينيين، بل هي الاحتلال الإسرائيلي.
وتشير هذه المواقف السعودية الرسمية ليس فقط لرفض خطة ترامب "التهجير مقابل التطبيع"، ولكن رفض التطبيع أيضا ما لم يقترن بشكل من أشكال الدولة الفلسطينية، وأنها تستند في موقفها القوي لما ستدفعه لترامب.
ويؤيد هذه الفكرة ضمنا، المحلل الإسرائيلي زفي بارئيل، الذي كتب يقول في صحيفة "هآرتس" 4 فبراير/شباط 2025: إن "تطلعات ترامب ونتنياهو للتطبيع لها ثمن، والرياض هي التي ستحدده".
وقال: إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أمضى سنوات في إعادة تأهيل صورته من رجل قوي إقليميا إلى دبلوماسي حذر في الشرق الأوسط، لذا "يسعى إلى مكون فلسطيني مهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
وأشار إلى أنه حتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان يُنظر إلى التطبيع بين إسرائيل والسعودية بربطه بمطالب سعودية من أميركا، مثل تحالف دفاعي والحصول على تكنولوجيا نووية أميركية إلى الرياض، لكن الآن تغير الوضع.
لا مكافأة لإسرائيل
وقد أشارت تقارير مراكز أبحاث إلى أن ترامب سعى، من خلال طرحه خطط التطبيع، لمكافأة إسرائيل على توقيعها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكنها أوضحت أن حظوظ هذا التطبيع، الذي يأمل فيه ترامب، مشكوك فيها.
دراستان أعدتهما الدورية البحثية الأميركية "فورين أفيرز" 22 يناير 2025، و"المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق" في لبنان، مطلع يناير 2025، أكدتا أن التطبيع العربي مع "إسرائيل" سلام على ورق.
وأن اتفاقيات "أبراهام" كانت في الأصل مصممة كوسيلة لتجاوز القضية الفلسطينية.
لذا فإن حظوظ نجاح المحور الأميركي الإسرائيلي في إعادة تزخيم عملية التطبيع، وتوسيع نطاق "اتفاقيات أبراهام "وملحقاتها، بمحاولة ضم السعودية لها وربما قطر، تبدو متواضعة جدًا ولا يعول عليها، لأسباب متعددة.

مجلة "فورين أفيرز" شككت في أن تحصل إسرائيل على مكافأة التطبيع؛ لأن "التطبيع من دون الفلسطينيين لن يجلب الاستقرار إلى الشرق الأوسط".
وقالت: إن الادعاءات بأن الدول العربية يمكن أن تستفيد من علاقاتها الناشئة مع إسرائيل لتعزيز قضية الفلسطينيين أو قضية حل الدولتين، لم يتحقق أبدا.
فلم تبادر البحرين أو المغرب أو الإمارات للتدخل لدى إسرائيل ومنع هدم المنازل، أو إجلاء الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية، ولا حتى التصدي للتوسع الاستيطاني القياسي وعنف المستوطنين في جميع أنحاء الضفة الغربية.
ولم يستخدم المسؤولون الإماراتيون نفوذهم المفترض للتدخل فيما يتصل بالهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي أسفر بالفعل عن مقتل قرابة 50 ألف فلسطيني وتدمير معظم مباني غزة.
وشددت على أن تتعلم إدارة ترامب من فشل اتفاقيات أبراهام و"ألا تسعى لتكرار أوهامها مع السعودية".
بل وترجح دراسة "فورين أفيرز" أن "تمزق حرب غزة اتفاقيات أبراهام"، التي تم توقيعها عام 2020، أو وضعها في الجليد.
وأوضحت أن "السعوديين رفعوا ثمن التطبيع مع إسرائيل بشكل كبير منذ هجمات حماس والهجوم الإسرائيلي الذي أعقبه على غزة.
وأنه بعدما كان ولي العهد محمد بن سلمان، يسعى في السابق، إلى الحصول على "التزام خطابي" فقط من إسرائيل تجاه الدولة الفلسطينية، تطالب الرياض الآن بخطوات ملموسة نحو إقامة الدولة.