"أغرتها المناصب".. هكذا فشلت المعارضة الموريتانية في أول اختبار حقيقي

رغم مرور أكثر من شهر على توقيع الحكومة والأحزاب في موريتانيا اتفاقا بتشكيل لجنة مستقلة للانتخابات قبل نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، لم يتم إلى الآن تنصيب هذه اللجنة، وسط حديث عن خلافات بين بعض أحزاب المعارضة على آلية الاختيار.
وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2022، وقعت الحكومة الموريتانية والأحزاب السياسية اتفاقا شاملا يحدد آليات ووسائل تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية بشكل توافقي يضمن شفافيتها.
وتضمن الاتفاق تقديم موعد الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية بأشهر، لتجرى في النصف الأول من عام 2023، بعد أن كان من المقرر تنظيمها في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته.
ويأتي هذا الاتفاق بعد أشهر من الحوار بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية الموالية والمعارضة.
وينص الاتفاق على التزام الحكومة بالحياد وتمكين اللجنة المستقلة للانتخابات من ممارسة صلاحياتها كاملة، واتخاذ إجراءات ردعية ضد شراء ذمم الناخبين والتأثير على تصويت العمال والموظفين.
إضافة إلى إلزام الإعلام العمومي بتغطية أنشطة كافة المترشحين بالتساوي.
كما تم الاتفاق على إحداث لائحة وطنية للشباب بالتناوب بين الجنسين، تتكـون من 11 مقعدا، على أن تتضمن مقعدين على الأقل لذوي الاحتياجات الخاصة.
وعدم احترام الأجل المتفق عليه لتسمية هذه اللجنة (قبل 31 أكتوبر) يؤكد حسب مواقع محلية وجود خلافات كبيرة بين أطراف المشهد حول أعضائها.
وذلك بعد أن أثير جدل كبير حول المواصفات التي تجب مراعاتها في الأعضاء، وهل يجب أن يكون العضو سياسيا بحتا أم فنيا بحتا أو كليهما معا.
وأمام ضعف وتشتت المعارضة يحذر مراقبون ونشطاء من دخول موريتانيا في حالة من الانفجار بسبب ضعف أداء حكومة الرئيس محمد ولد الغزواني الذي يقود البلاد منذ عام 2019 وانتشار الفساد بها، ناهيك عن أنشطة الجماعات المسلحة على الحدود.
"أصوات شاذة"
وأمام هذا التأخر الكبير في إخراج اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، نبه حزب التحالف الشعبي التقدمي (معارض) إلى ظهور "بعض الأصوات الشاذة" قبيل انقضاء أجل تشكيل اللجنة.
وفي 24 أكتوبر 2022، عد الحزب في بيان له، أن هذه "الأصوات الشاذة تهدف بوضوح، وإن لم تصرح بذلك، إلى إفشال التوافق السياسي الوحيد الذي تم التوصل إليه بالإجماع".
وقال الحزب، إنه "إذا كانت معايير اختيار أعضاء اللجنة، والتي حددها القانون ملزمة للجميع، فإن خيارات الأطراف السياسية هي وحدها التي يجب اعتمادها، معبرا عن رفضه بشكل بات لكل المقاربات المناقضة".
ودعا الحزب، المعارضة الحقيقية إلى تشكيل كتلة قوية ومتضامنة لحماية استقلالية اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وعد أن اللجنة هي الضمان الوحيد لقطع الطريق أمام كافة محاولات الغش والتحايل والتلاعب الهادفة إلى تدمير مصداقية الانتخابات وتجريدها من كل صفات الشفافية، مما يفقد كل أمل في التغيير.
وأمام هذه التطورات سارعت الحكومة الموريتانية للتأكيد على لسان الناطق باسمها الناني ولد اشروقة، على أن العمل "جار ومتقدم" بين الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية للاتفاق على أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وفي 26 أكتوبر 2022، ادعى ولد اشروقة، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي للتعليق على اجتماع مجلس الوزراء، أن تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات "توافقي".
وتتشكل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات من 11 عضوا، 6 منهم من الأغلبية و5 من المعارضة، وكانت عدة أحزاب معارضة قد طالبت بزيادة أعضاء لجنة الحكماء، لكن الأحزاب اتفقت على عدم زيادة الأعضاء.
نائب رئيس حزب "حوار" (الأغلبية الحكومية) محمد الأمين الداه، عد اختيار أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات يمر بآلية قانونية واضحة حيث تقترح أحزاب المعارضة والأغلبية أسماء لشغل عضوية اللجنة.
وفي 28 أكتوبر 2022، كشف الداه، في تصريح لقناة "الحرة"، أنه "حتى الساعة، اتفقت أحزاب الأغلبية على آلية تحكيم رئيس الجمهورية في اختيار المرشحين".
وأوضح أن "المشكلة التي نحن بصددها تتعلق بمشكل بنيوي في النظام الديمقراطي الموريتاني، وهي اختلاف طيف المعارضة وتشققها الدائم، مما يعيق إلى حد الساعة عملية اختيار اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات من قبل المعارضة".
وتابع: "نحن في انتظار اقتراحات أحزاب المعارضة"، مشددا في الوقت ذاته على أن هناك إرادة لدى الطيف السياسي على أن يكون هناك توافق لاختيار أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
اقتسام الكعكة
وفي الوقت الذي اتفقت فيه أحزاب الأغلبية الحكومية على تقديم اقتراحاتها للرئيس الغزواني لاختيار أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة الذين يمثلون أحزاب الأغلبية، اختلفت أحزاب المعارضة بخصوص اقتراح أسماء لعضوية لجنة الانتخابات.
وتعليقا على ذلك، رأى مدير صحيفة "النهار" المحلية، محمد المختار ولد محمد فال، أن هذا الاختلاف العميق بين أحزاب المعارضة هو حول "كعكة" عضوية اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن عدد أعضاء اللجنة قليل (11 عضوا)، بينما يصل عدد الأحزاب إلى 24 حزبا، مبينا أن الخلاف هو حول من يظفر بمقعد داخل هذه اللجنة التي مدتها 5 سنوات ويتلقى أعضاؤها رواتب مغرية.
وأشار الإعلامي الموريتاني، إلى أن مواقف بعض أحزاب المعارضة بخصوص اختيار أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات فيها خروج عن النص القانوني المنظم لهذه اللجنة، بينما يتمسك آخرون بضرورة التطبيق الحرفي للنص القانوني.
وتتركز خلافات أحزاب المعارضة، على اتجاهين، أحدهما يدعو لتطبيق حرفي لقانون اللجنة المستقلة للانتخابات القاضي باختيار أعضاء لم يشغلوا مؤخرا مناصب في أحزابهم، والثاني يدعو لتسمية شخصيات من الأحزاب دون الالتزام بالقانون.
وتتمسك أحزاب التحالف الشعبي التقدمي والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" أقوى أحزاب المعارضة في البرلمان، وحزب الصواب بنص قانون اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وفي المقابل، تطالب أحزاب "تكتل القوى الديمقراطية" و"اتحاد قوى التقدم" بتقديم كل حزب لثلاثة أسماء على أن يتولى قادة الأحزاب اختيار ممثلي المعارضة من بينها.
وتعتقد الأحزاب الداعية للخيار الثاني أن "الاتفاق الذي تمخض عنه التشاور السياسي بين الأحزاب ووزارة الداخلية مؤخرا يتيح للأحزاب الحرية في تعيين ممثليها في اللجنة المستقلة للانتخابات".
هشاشة المعارضة
وفي الوقت الذي وصفت فيه بعض أحزاب المعارضة التباينات الحاصلة بينها بخصوص اختيار أعضاء اللجنة المستقلة للانتخابات، بأنها تباينات عابرة، أكد ولد محمد فال أن "هذا الخلاف العميق بين أحزاب المعارضة يعكس هشاشة المعارضة أمام الإغراءات".
وأضاف أن أساس الاختيار في منصب بهذا الحجم هو الكفاءة والاستقلالية ولا شيء آخر.
وأشار في الوقت ذاته إلى أن بعض المتتبعين يرون أنه من الأحسن تعيين أعضاء مستقلين عن كل الأطراف، غير أن الاتفاق كان حول اختيار ممثلين عن الموالاة والمعارضة لعضوية لجنة الانتخابات.
وأكد أن ما رشح مؤخرا من مستجدات بخصوص اقتراحات المعارضة، هو أن أحزابها لم تستطع الاتفاق على أسماء محددة، فأرسل كل حزب اقتراحاته لوزارة الداخلية، وهي ستختار من بينهم 5 ممثلين لها.
وأمام هذا التأخر في تنصيب أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، يتساءل مراقبون عن قدرة الأحزاب السياسية على تنزيل الالتزامات الوارد في اتفاقها مع الحكومة، ما دام أنها أخفقت في أول اختبار وهو اختيار أعضاء لجنة الانتخابات قبل 31 أكتوبر 2022؟