هل تنجح محاولات الرئيس في إعادة "نداء تونس" إلى الصدارة؟

7 سنوات مرت على الاجتماع الشعبي الذي خاطب فيه الباجي قائد السبسي جموعا من أنصاره وأعلن عن نيته العودة إلى الحياة السياسية على خلاف ما وعد به عام 2011.
عودة السبسي حملت معها تأسيسا لحزب "حركة نداء تونس" الذي جمع في طياته تشكيلة متنوعة من المعارضين لحكومة الترويكا التي تقودها حركة النهضة منذ انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011.
الحزب الجديد استطاع أن يغير معطيات الخارطة السياسية في تونس ويصل إلى سدّة الحكم بعد الفوز بالانتخابات الرئاسية والتشريعية في العام 2014، قبل أن تتفجر موجة من الصراعات والخلافات داخل الحزب دفعت عددا من قياداته ومؤسسيه إلى الانشقاق وتأسيس تنظيمات سياسية جديد.
رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد كان على رأس المنشقين عن "حركة نداء تونس" ويعلن تأسيس حركة "تحيا تونس"، بعد أن احتدم الصراع بينه وبين حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الذي توجه له الاتهامات بالسيطرة على الحزب والاستقواء بأبيه والاستبداد بالقرار.
انسحابات وخلافات
الأيام الأخيرة التي سبقت مؤتمر حركة نداء تونس (يومي 6 و7 أبريل/نيسان الجاري) شهدت صراعا في داخله، بدأ بإعلان أعضاء المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الحر وكتلته النيابية إلغاء الاندماج مع الحركة، وعودة حزبهم إلى سالف نشاطه بشكل مستقل، كما أعلن رئيس لجنة الإعداد للمؤتمر النائب ورجل الأعمال رضا شرف الدين استقالته من رئاستها ومن كتلة الحزب في البرلمان.
بعدها بأيام أعلن عضو المكتب التنفيذي منذر بالحاج علي أن عددا من أعضاء المكتب التنفيذي أقاموا دعوى عاجلة لوقف المؤتمر احتجاجا على ما اعتبروه مخالفة صريحة للقانون، وبعد رفض المحكمة لطلبهم لم يشاركوا في أشغال المؤتمر رغم وجود عدد من الشخصيات الاعتبارية المؤسسة للحزب رفقة قائد السبسي.
هذه الانسحابات والخلافات ألقت بظلالها على كلمة الرئيس الباجي قائد السبسي الذي حضر افتتاح المؤتمر، ووجه رسائل إلى أطراف متعددة داخل الحزب وخارجه.
رسائل السبسي
رغم أنّ الدستور التونسي يلزم رئيس الجمهورية بالاستقالة من الحزب الذي ينتمي إليه ووقوفه على الحياد بين جميع التونسيين على اختلاف توجهاتهم، إلا أن الباجي قائد السبسي يختار بين الفينة والأخرى أن يمارس عكس ذلك فيتحوّل إلى رئيس للندائيين فقط، وهو ما جعله يشارك في افتتاح المؤتمر الذي تم بثه مباشرة على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.
السبسي الذي احتفل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بذكرى مولده 93، أعلن في كلمته خلال افتتاح المؤتمر الانتخابي الأول لحركة نداء تونس، إنه "لا رغبة لديه للترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة رغم أن الدستور يسمح له بالترشح لمدة ثانية"، مضيفًا أن "تونس تستحق التغيير وأن الشباب يجب أن يجد مكانه".
وفي خطوة مفاجأة، طلب السبسي من المؤتمرين في نداء تونس إيقاف تجميد رئيس الحكومة يوسف الشاهد من الحزب، مبينًا أن هذا الأخير هو "ابن نداء تونس وأنه حرّ سواء أراد العودة إلى النداء أو التوجه للحزب الذي تقع تهيئته"، (في إشارة إلى حركة تحيا تونس)، وأكّد أن هذه الخطوة هي "خير لتونس وخير لنداء تونس".
وفي رسالة للمؤتمرين، أشار السبسي إلى أن "الأوضاع في تونس كانت أصعب مما كان يعتقد"، مشيرًا أن "ما تبقى من نداء تونس كاف لكي يستعيد الحزب دوره ويقوم بتجميع القوى الوسطية كاملة لمواجهة التيارات التي ينبغي أن يواجهها".
وأضاف: "على الجميع، من الحاضرين والغائبين والمنشقين، أن يعلموا أنه بعد هذا المؤتمر، المطلوب من نداء تونس هو ألّا يكون مجرّد حزب من الأحزاب الـ216 الموجودة في البلاد، بل أن يكون له دور ريادي وأن يقوم بتجميع العائلة الوسطية، ويتحمل مسؤوليته الوطنية والقومية في إخراج البلاد من الوضع المتردي الذي تعيشه".
لعبة الكراسي
ورغم التوجيهات والدعوات التي أطال الباجي قائد السبسي في توجيهها لمؤتمري الحزب وقياداته إلا أنّ صراع المواقع والكراسي داخل الحزب تفجّر من جديد، مما أدّى إلى إسقاط عدد من الأسماء من مركب النداء الذي لا يعلم على مرفأ من سيرسو بعد انتخاب اللجنة المركزية للحزب.
إثر هذه الانتخابات نشرت عضو مجلس نواب الشعب أسماء أبو الهناء يوم الثلاثاء 9 أبريل/نيسان 2019 استقالتها من النداء، واتهمت في تدوينة نشرتها على صفحتها الرسمية بـ"فيسبوك" رئيس الكتلة سفيان طوبال بطردها من الحزب.
كما أعلنت النائبة عن كتلة نداء تونس فاطمة المسدي رفقة زميلتها سماح دمق أنّها ستكشف عما أسمته "تجاوزات في مؤتمر نداء تونس واستهداف لصفاقس" باعتبار أن النائبتين تمثلان جهة صفاقس؛ وقد خسرتا موقعهما في اللجنة المركزية للحزب رغم دفاعهما المستميت عن نداء تونس وتوجهاته.
النائبة قدمت طعنا إلى رئيس لجنة مؤتمر الحزب بسبب ما قالت إنه "خطأ في قائمة المترشحين"، معلنة أنه "لم يتم النظر في الطعن الذي تقدمت به".
نحو المحكمة الإدارية
في تصريح لإذاعة "إكسبراس إف إم" الأربعاء 10 أبريل/نيسان 2019، أكّد الناطق الرسمي باسم نداء تونس منجي الحرباوي أن هناك عدة خروقات قانونية شابت انتخاب المكتب السياسي للحزب المكون من 32 عضوا، مشيرا إلى أن هذه الخروقات تتمثل في عدم الامتثال لشروط الترشح، وتجاوز الفصل الـ26 والقاضي بانتخاب اللجنة الوطنية لإعداد المؤتمر رئيسا لها ونائبين في أول اجتماع لها.
كما بين الحرباوي أنه تم فتح باب الطعون لإسقاط هذه القائمة التي لم تتوفر فيها الشروط القانونية وفق تعبيره، مشيرا إلى أنه هناك من سيتوجه إلى القضاء الإداري.
وهو ما أكّدته كذلك هدى نقض عضو اللجنة المركزية للحزب وأرملة لطفي نقض (توفي إثر مواجهات بين أنصار نداء تونس وأنصار حركة النهضة في ولاية تطاوين جنوب تونس عام 2013)، والتي عبّرت عن عدم رضاها عن القائمة التوافقية مؤكدة وجود رفض واسع لها.
نقض قالت لـصحيفة "الشارع المغاربي" إن "العديد هددوا بالاستقالة وسيلجأون إلى الطعن بالمحاكم لإبطال المؤتمر" واصفة إياه بـ"غير الديمقراطي والمسرحية"، مشددة على ضرورة أن تكون الهيئة السياسية منتخبة وليست توافقية.
وأكدت نقض أن العديد من المؤتمرين "رفضوا مغادرة النزل وتمسكوا بضرورة إجراء انتخابات"، كما أعلن القيادي في الحزب وعضو المكتب السياسي الجديد ناجي جلول استقالته منه "نظرا لكثرة الطعون وحفاظا على وحدة الحزب"، وفق ما نشره على حسابه بـ"فيسبوك".
القيادة الجديدة
القيادات الجديدة للحزب التي لم تفرزها صناديق الاقتراع، إنما جاءت عبر قائمة متفق عليها بين قيادات الحزب وتمّ التصويت عليها برفع الأيدي، قوبلت برفض واسع، وطغى عليها الانتماء السابق للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي)، وهو ما كسر القاعدة التي كانت تردد في النداء بأنّه يضم روافد متعدّدة دستورية ونقابية ويسارية ومستقلين.
الهيئة السياسية للحزب ضمت 3 مستشارين من القصر الرئاسي، و3 أعضاء بالحكومة والتي يدّعي النداء أنه غير ممثل بها وأنه غادرها إلى صفوف المعارضة، كما ضمت 15 نائبا يقودهم رئيس الكتلة سفيان طوبال.
كما ضمت بقية القائمة حافظ قائد السبسي نجل الرئيس، وأنيس الرياحي وهو رجل أعمال التحق حديثا بالنداء إثر الانصهار مع حزب "الاتحاد الوطني الحر"، وصالح حاج عمر طبيب "تجمعي" سابق، ومنير البلطي عضو سابق باللجنة المركزية للتجمع المنحل ونائب سابق لرئيس النادي الأفريقي، وفوزي اللومي "تجمعي" ومن القيادات المؤسسة للحزب.
وضمت القائمة أيضا رؤوف الرقيق رئيس المكتب الجهوي للنداء بنابل وزوج سلمى اللومي المستشارة لدى رئيس الجمهورية، وعبد الرؤوف الخماسي رجل الأعمال التجمعي والذي يشرف منذ تأسيس الحزب على هياكله في الخارج، وحسام البري أحد القيادات الشبابية لحزب بن علي ورئيس سابق لجمعية "مكارم المهدية" الرياضية، وهيثم لحمر "تجمعي سابق" يعيش في ألمانيا، ومحمد أحمد الدلهومي المنسق الجهوي بالقصرين ومسؤول سابق بالمحليات.
طبخة السبسي
التركيبة الجديدة قد توحي بتغيير في النداء وتقليص لدور نجل الرئيس الذي لم يظهر في الكادر خلال المؤتمر إلا أن مصدر خاص (مفضلا عدم ذكر اسمه) قال لـ "الاستقلال": إن "القائمة التوافقية تمت هندستها من قبل الباجي قائد السبسي واعتمدت على ثنائيّة الشخصيات المقربة منه والقيادات الجهوية القادرة على تحريك الماكينة الانتخابية للنداء في الجهات".
وأضاف المصدر "السبسي اليوم يعلم أنّ ابنه حافط غير قادر على تصدّر المشهد في النداء، فحافظ على وجوده في مكان متقدّم من قيادة الحزب دون أن يكون متصدّرا، ويبدو أنّ التوجه لديه يسير نحو اختيار سلمى اللومي في منصب الأمين العام للحزب".
وبعد أن لملم المؤتمر الانتخابي الأول للحزب أوراقه، بقي التساؤل الذي قد تجيب عنه الأيام المقبلة، هل سيحافظ نداء تونس على تماسكه أم سيتلاشى؟
المصادر
- السبسي يعلن عدم رغبته في الترشح للرئاسة مجددا
- الباجي قائد السبسي أرفعوا التجميد عن الشاهد وأعيدوه الى الندّاء
- عضو باللجنة القانونية لـ"النداء" ترفع قضية لإبطال نتائج المؤتمر ونواب صفاقس يتقدمون بعدد من الطعون
- منجي الحرباوي: خروقات في مؤتمر النداء ..ونحو الطعن لاسقاط القائمة المعلنة
- قيادة النداء الجديدة تجمّعية خالصة : نصفها نواب .. 3 من الحكومة و3 من الرئاسة
- اتّهمت طوبال بطردها : النائبة أسماء أبو الهناء تستقيل من النداء
- ناجي جلول ينسحب من المكتب السياسي الجديد لنداء تونس