تقرير الحالة العربية: يونيو/حزيران 2021

قسم البحوث | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

العراق

الأردن

الإمارات

لبنان

المحور الثاني: الحالة السياسية

فلسطين (القضية الفلسطينية في مرحلة ما بعد التهدئة)

مصر (تطورات قضية سد النهضة – التقارب المصري التركي – دلالات أحكام الإعدام الأخيرة)

لبنان (آثار استمرار أزمة تشكيل الحكومة)

ليبيا (مؤتمر برلين 2)

الجزائر (آثار ضعف المشاركة بالانتخابات التشريعية)

تونس (استمرار الأزمة بين الرئيس والبرلمان - الدعوة لحوار وطني)

المحور الثالث: الاقتصاد العربي

تخفيض ديون السودان

أزمة عجز الموارد البشرية تنعكس على الإحصاء السكاني للإمارات

توقعات النمو الاقتصادي بتونس

المحور الرابع: الحالة الفكرية

الخطاب التجديدي للمفكر الإسلامي راشد الغنوشي ونهضة الأمة

أزمة السلفية المصرية مع سلطة الاستبداد (تأميم الفضاء الديني)


مقدمة

شهدت الساحة السياسية العربية أحداثا عديدة خلال شهر يونيو/حزيران 2021، حيث بدأت تداعيات مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي على غزة (10-21 مايو/أيار) في الظهور.

نرصد في هذا العدد من الحالة العربية هذه التداعيات، في محاولة لاستشراف مستقبل القضية الفلسطينية. كما نرصد في الشأن المصري مستجدات قضية سد النهضة بالتزامن مع بدء الملء الثاني له، بالإضافة إلى التطورات الجارية على ساحة العلاقات المصرية-التركية.

كما أن أزمة تشكيل الحكومات في بعض البلدان ما زالت مستمرة. ففي لبنان، تستمر الأطراف السياسية على مواقفها دون تغيير، الأمر الذي ما زال يعطل تشكيل الحكومة. 

أما في تونس، فما زال هناك رفض من الرئاسة لاعتماد التعديلات الوزارية. وفي الجزائر، نلقي الضوء على نتائج الانتخابات التشريعية ونسبة المشاركة فيها. أما في ليبيا، فنرصد لكم ما يتعلق بمؤتمر برلين الثاني.

وفي المحور الاقتصادي، هناك خطوات عملية لإسقاط شريحة كبيرة من ديون السودان الخارجية، كما أصدرت الإمارات بياناتها الإحصائية عن وضعها السكاني، والتي عكست أزمة عجز الموارد البشرية بهذه الدولة، كذلك هناك توقعات النمو الاقتصادي في تونس دون المتوقع في 2021. ونحاول في هذا المحور رصد أسباب وتداعيات كل قضية من هذه القضايا.

وعلى الجانب الفكري، فنكتب لكم عن الخطاب التجديدي للمفكر الإسلامي راشد الغنوشي، في ذكرى مولده، كما نتحدث عن أزمة السلفية المصرية مع سلطة الاستبداد، في ظل الضجة الكبيرة التي صاحبت شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب أمام القضاء.


المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

بعد مرور ما يزيد على 18 شهرا منذ ظهور "COVID-19" المعروف باسم فيروس كورونا، ضربت الجائحة معظم دول العالم، وبلغ عدد الإصابات المكتشفة ما يقرب من 181 مليون حالة حول العالم منذ بداية الأزمة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، حتى نهاية يونيو/ حزيران 2021.

ولا شك أن السباق الذي يجري حاليا حول العالم يتعلق بالتلقيح، خاصة بعد تصاعد موجات ثالثة من الفيروس وسلالات جديدة في بلاد عديدة، وإعادة صورة الخطر الذي بدأ مع بداية الجائحة.

تأتي الدول العربية في حالة متوسطة من حيث الأخطار وعدد الحالات المصابة مقارنة بباقي دول العالم. ويعد العراق الدولة الأكثر من حيث عدد الإصابات في الوطن العربي، وهي في المرتبة الرابعة والعشرين عالمياً، يليه الأردن في المرتبة الرابعة والثلاثين، إلا أنه بلا شك تختلف كفاءة الدول في مواجهة الوباء والتعاطي مع المستجدات. 

نتناول في الحالة العربية الخاصة بشهر يونيو/حزيران، الدول العربية الأكثر إصابة بفيروس كورونا وهي العراق والأردن والإمارات العربية المتحدة ولبنان.

العراق

في فبراير/شباط 2021، أعلنت وزارة الصحة العراقية تفشي "سلالة جديدة" لكورونا في البلاد، وأكدت انتشارها بشكل كبير بين صفوف الأطفال والشباب، بعد أن كانت الإصابات منتشرة طيلة عام بين كبار السن فقط، وقد انتشرت السلالة الجديدة بشكل بالغ، حيث زادت الإصابات خلال شهرين ونصف أكثر من 600 ألف حالة جديدة.  

ويحتل العراق المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد الإصابات، وقد تجاوزت حاجز المليون مؤخراً، كما شهد هذا الشهر يونيو/ حزيران، زيادة في أعداد الإصابات بما يعادل 150 ألف حالة جديدة، حيث بلغ العدد الإجمالي 1332046 حالة.

في حين تعتبر حالات الوفاة ضئيلة مقارنة بهذا العدد من الإصابات، فقد بلغت 17120 حالة وفاة مؤخراً خلال شهر يونيو/ حزيران، ما يعني أن عددها زاد بما يقرب من الألف حالة خلال الشهر الأخير.

ووفقاً لآخر الإحصائيات تعد الحالات الفعالة التي تخضع للعلاج حالياً، ما يقارب 79 ألف حالة، وهي نسبة زيادة ضئيلة عن شهر مايو/أيار، حيث كانت وصلت إلى 70 ألف حالة بنهاية الشهر الماضي، وفي العموم يتجه العراق نحو زيادة المتعافين بنسبة جيدة، حيث بلغ العدد الإجمالي للمتعافين ما يقارب 1236000 حالة.

لكن يقترب العراق من خطر انتشار الوباء مرة أخرى بشكل واسع بسبب الإعراض الكبير عن تلقي اللقاحات، وبسبب انتشار الإصابات بوتيرة مرتفعة وإهمال التدابير الوقائية، حيث أعربت وزارة الصحة أن عدد الملقحين بلغ ما يعادل 699 ألف، من عدد سكان يبلغ 40 مليون نسمة. 

وحتى الآن، هناك نحو 4 بالمئة فقط من العراقيين ممن تلقوا اللقاح بجرعتيهِ، وفق أرقام موقع Covidvax المختص بتسجيل بيانات متلقي اللقاح في العالم. 

استمرار التعرض للإصابات لوقت طويل، وكثرة أعداد المصابين وعدم تلقي الأغلبية للقاح، قد يؤدي بالعراق لأن يصبح بؤرة جديدة لانتشار الفيروس، مثلما تفاقمت الأوضاع مؤخرا في الهند بسبب الفطر الأسود الذي انتشر وأدى إلى زيادة هائلة في أعداد الوفيات هناك. 

وحذرت وزارة الصحة العراقية في بيان لها 24 يونيو/ حزيران، من موجة ثالثة قد تكون أشد من الموجتين السابقتين، وأن التحورات لا تزال مستمرة في السلالات ما يهدد المجتمع الدولي بأجمعه، حيث بدأت الموجة الثالثة هناك وفي البلدان المجاورة ودول العالم بالرغم من النسب المتقدمة التي حققتها البلدان في تلقيح مواطنيها. 

وهذا الأمر لا يخلو بلا شك من إلقاء المسؤولية على الحكومة العراقية، خاصة أن الشعب العراقي يعاني من سوء الخدمات الصحية منذ بداية الجائحة، ما جعل الكثيرين منهم يفضلون التداوي في المنازل بدلا عن المستشفيات نتيجة عدم سيطرة الحكومة على تنظيم الأوضاع.

وكانت آخر آثار الإهمال الحكومي استقالة وزير الصحة العراقي حسن التميمي، وذلك على خلفية حادثة مستشفى ابن الخطيب، التي راح ضحيتها أكثر من 80 قتيلا على إثر نشوب حريق، في نهاية إبريل/ نيسان 2021، ما نتج عنها حالة من الغضب ودعوات لاستقالة جميع المتسببين عن الحادث. 

الخطر الذي يتهدد العراق بسبب توقع موجة ثالثة، أوجد مطالب من جهات صحية بإعادة فرض الحظر الصحي، بجانب تصريحات لوزارة الصحة تفيد أنهم على استعداد لتلقي الموجة الثالثة، وَيتعين خلال المرحلة القادمة أن تجري الحكومة عملية تنظيم شاملة للقاحات والعلاج.

الأردن

يحتل الأردن المرتبة الثانية عربياً من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، حيث بلغ إجمالي الإصابات بنهاية يونيو/حزيران ما يعادل 750389، وفقا للإحصائيات الرسمية، ما يعني زيادة أعداد الإصابات خلال الشهر الأخير بما يقرب من 18 ألف حالة جديدة.

وهذا يدل على أن انخفاض منحنى الإصابات يسير بشكل أكثر انتظاما هذا الشهر، حيث بلغ العدد الإجمالي للمتعافين 734140، بينما بلغت أعداد الوفيات بنهاية يونيو/حزيران 9737 حالة وفاة.

ويُذكر أن الأردن بدأ في 13 يناير/كانون الثاني 2021، حملة التطعيم، ومنح "تراخيص طارئة" لخمسة لقاحات هي: "سينوفارم" و"فايزر/بيونتيك" و"أسترازينكيا" و"جونسون آند جونسون" و"سبوتنيك-في". 

وأعلنت الحكومة في الأردن مطلع يونيو/ حزيران، أنها ستتسلم الشحنة الأخيرة من الحصة الأولى من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا من مرفق "كوفاكس"، والتي تحوي 146400 جرعة من لقاح "أسترازينيكا". 

وأشار مكتب منظمة الصحة العالمية في الأردن إلى أنه بوصول الشحنة الأخيرة من الحصة الأولى يكون الأردن قد استلم 436800 جرعة من لقاح أسترازينيكا عبر "كوفاكس" وبتمويل من الاتحاد الأوروبي من خلال الصندوق الاستئماني الإقليمي للاتحاد. 

كما قدم الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 8 ملايين يورو، لدعم شراء وزارة الصحة للقاحات كورونا من خلال المرفق "وبرنامج الصحة الأردني للاجئين السوريين والأردنيين الأكثر ضعفاً"، والذي تنفذه منظمة الصحة العالمية.

من جهتها، أكدت المؤسسة العامة للغذاء والدواء في الأردن، اعتماد عدد من اللقاحات المضادة لكورونا في المملكة، وهي "سبوتنيك – V" الروسي، و"سينوفارم" الصيني، و"أسترازينيكا" البريطاني، ولقاح "جونسون آند جونسون" الأميركي، وكذلك لقاح "فايزر – بيونتيك" الأميركي الألماني المشترك.

ونظراً لأن الحالة الوبائية في الأردن تسير بشكل منتظم في الآونة الأخيرة، فقد أعلنت الحكومة في منتصف يونيو/ حزيران 2021 عددا من القرارات التي تتعلق بتخفيف الحظر وتنظيم عملية اللقاحات. 

كانت الحكومة قد أعلنت في 28 أبريل/نيسان 2021، عن وقف الحظر الشامل أيام الجمعة من كل أسبوع، والسماح بأداء صلوات العشاء والتراويح والعيد في ساحات المساجد الخارجية.

ووفق القرارات الأخيرة فقد سمحت بإعادة تقديم الأراجيل (الشيشة) في الساحات الخارجية للمطاعم والمقاهي، بشرط تلقي العاملين في المنشأة اللقاح الخاص بفيروس كورونا وأن يمر 21 يوما على تلقيهم الجرعة الأولى. 

كما سيسمح لسائقي النقل العام بالعمل في ساعات الحظر الجزئي الليلي، شريطة أن يكون قد مضى 21 يوماً على تلقي السائق الجرعة الأولى من اللقاح، وإلغاء تصاريح الحركة الإلكترونية خلال ساعات الحظر الجزئي الليلي لغير المسجلين على منصة التطعيم ضد كورونا vaccine.jo ممن ليس لديهم موانع تطعيم. 

ووفقا للقرارات، سيسمح لمن مضى أكثر من 21 يوما على تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لفيروس كورونا بالحركة أثناء ساعات حظر التجول، كما تتضمن الإجراءات بدء منع دخول الشاحنات إلى منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، إلا بعد تلقي سائقيها الجرعة الأولى من التطعيم. 

الإمارات

تأتي الإمارات العربية المتحدة في المركز الثالث على مستوى الدول العربية خلال هذا الشهر، حيث بلغ إجمالي عدد الإصابات 628976 إصابة، بما يعني زيادة الإصابات خلال يونيو/حزيران بنحو 70 ألف إصابة، وهذا يسجل تصاعدا في معدل زيادة الإصابات مقارنة بالشهر السابق، فيما بلغت حالات الوفاة 1802 حالة وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعدد الإصابات. 

وتعد الإمارات من الدول المتقدمة في تنظيم عملية اللقاحات، حيث بلغ مجموع جرعات اللقاح ما يزيد عن 15 مليون و111 ألف، ما يعني زيادة عدد الجرعات خلال الشهر الأخير فقط بما يقارب 2700000 جرعة، وتبلغ نسبة السكان الملقحين بالكامل ما يعادل 39 بالمئة، وهذه تعد نسبة جيدة جدا مقارنة بباقي الدول العربية. 

وتحتل الإمارات المرتبة الثانية على قائمة الدول العربية، بعد البحرين، في عدد اللقاحات التي تستخدمها للوقاية من "كوفيد-19"، إذ تستخدم كلا من "فايزر- بيونتيك"، و"أسترازينيكا"، و"سينوفارم"، بالإضافة إلى "سبوتنيك".

وفي مايو/ أيار 2021، قررت الإمارات ضمن إستراتيجية الدولة الاستباقية لتوفير الحماية القصوى للمجتمع، تقديم الجرعة الثالثة من لقاح "سينوفارم" الصيني لمواطنيها، بعد ستة أشهر على الأقل من أخذ الجرعة الثانية. وستكون الأولوية في البداية لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. 

ومؤخرا أعلنت أبو ظبي عاصمة الإمارات أنها تقدم لقاحات COVID-19 مجانية للسائحين، حيث كانت مقتصرة في السابق على مواطني البلاد وحاملي تأشيرات الإقامة.

وبناء على ذلك يمكن للزوار الذين يحملون تأشيرات صادرة عن أبوظبي وحاملي جوازات السفر المؤهلين للحصول على تأشيرات سياحية عند وصولهم إلى دولة الإمارات حجز لقاحات مجانية. 

ومن غير المعلوم حتى الآن ما إذا كانت هذه القرارات ستُطبق على صعيد دبي وباقي الإمارات الخمس التي تتكون منها الدولة.

وفي العموم، أعلنت الإمارات هذا الشهر أن ما يقرب من 85 بالمئة من السكان المؤهلين تلقوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. 

لبنان 

تراجع عدد الإصابات بفيروس كورونا في لبنان إلى مستويات قياسية خلال الأسابيع الماضية، على ضوء حملات التلقيح المتواصلة، وسط ارتفاع المؤشرات الإيجابية على صعيد تراجع أعداد الإصابات.

تأتي لبنان في المرتبة الرابعة عربيا من حيث عدد الإصابات، حيث بلغ العدد الإجمالي للإصابات بنهاية شهر يونيو/ حزيران 544520، بزيادة تبلغ نحو خمسة آلاف حالة خلال هذا الشهر، وهذا يعني انخفاضا في معدل الإصابات عنه في السابق بنسبة كبيرة.

تشهد أعداد الوفيات كذلك تراجعا ملحوظا، حيث بلغ العدد الإجمالي بنهاية هذا الشهر 7845 حالة وفاة، بزيادة تبلغ نحو 150 حالة جديدة خلال شهر يونيو/ حزيران.

على الصعيد الآخر، بلغ إجمالي عدد حالات الشفاء في لبنان 532287 حالة، بنسبة مرتفعة جدا تبلغ 97.7 بالمئة، بزيادة نحو عشرين ألف حالة شفاء خلال الشهر الأخير، فيما وصلت أعداد الحالات المستقرة إلى 4400 حالة بنهاية هذا الشهر. 

وينظر المسؤولون في لبنان إلى هذا التراجع في تسجيل الإصابات وتراجع أعداد الوفيات مقارنة بارتفاع أعداد متلقي اللقاح، بشكل إيجابي، حيث يتيح لهم تغطية أعداد إضافية من الملقحين لتحقيق مناعة مجتمعية خلال الأشهر القادمة.  


المحور الثاني: الحالة السياسية

يتناول المحور السياسي أبرز مستجدات الساحة السياسية في الوطن العربي، فبعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة (10-21 مايو/أيار) بإعلان هدنة برعاية مصرية، استمرت الاعتداءات على القطاع خلال يونيو/حزيران وسط مساعٍ لتفعيل التهدئة، إضافة إلى زيارات متعددة نفذها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية إلى عدة أقطار لحشد الرأي العام الرسمي والشعبي خلف القضية. 

وعلى مستوى الشأن المصري نتناول المساعي المصرية الإقليمية والعالمية في إطار حل سلمي لملف سد النهضة مع اقتراب موعد الملء الثاني في بداية يوليو/ تموز، دون تراجع من جانب إثيوبيا. 

كما نرصد أبرز مستجدات التقارب المصري التركي، وردود الفعل التي صاحبت الحكم بإعدام 12 قيادياً في جماعة الإخوان المسلمين على خلفية مجزرة فض اعتصام رابعة. 

كذلك نرصد أزمة لبنان بين الرئيس الميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري التي طالت دون الوصول إلى حل حول تشكيل الحكومة، في ظل وضع منهار اقتصادياً، وتوقعات بموجة غضب شعبية مرتقبة على خلفية هذا الركود السياسي. 

وصولا إلى ليبيا ومؤتمر "برلين 2" الذي عقد خلال يونيو/حزيران، والتحديات التي تواجه الحكومة المنتخبة في إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وإتمام إجراء الانتخابات المرتقبة في نهاية العام. 

وفي الشأن الجزائري نرصد الانتخابات التشريعية التي تمت بنسبة مشاركة ضئيلة جدا وتزايد دعوات المقاطعة، والتي لم تثمر شيئا في تغيير خارطة القوى السياسية في الجزائر. 

ووقوفا عند تونس واستمرار الأزمة بين الرئيس قيس سعيد والحكومة والبرلمان، على خلفية رفض الأخير التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي في يناير/كانون الثاني، وجدوى إجراء الحوار الوطني وسط مخاوف من "انقلاب دستوري". 

فلسطين 

تمر القضية الفلسطينية الآن بمرحلة هامة في تاريخها بعد انتهاء معركة سيف القدس التي راح فيها أعداد كبيرة من الضحايا والشهداء في غزة وحي الشيخ جراح بالقدس، والتي شهدت كذلك انتصارا واحتفالا بقدرة المقاومة على ردع العدوان بصورة أبهرت كل الأطراف الدولية بما فيها الكيان الإسرائيلي.

منذ الدخول في مرحلة التهدئة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية ودعم أميركي، بدأت الجهود العالمية والإقليمية تتجه للقضية الفلسطينية للوصول إلى حل للأزمة بعدما شهد الجميع العدوان وما نتج عنه من آثار، كما اتخذت القضية الفلسطينية شكلاً جديداً في التعاطي معها. 

دوليا، الولايات المتحدة الأميركية شهدت تحولا عن المسار الذي كان يسلكه الرئيس السابق، دونالد ترامب، ففي حين أمضى الأخير فترة رئاسته متفاخراً بما أنجزه من حملات تطبيع، ودعم لإسرائيل ونقل للسفارة الأميركية إلى القدس، إلا أنه سريعاً ما جرت الأحداث بتغيير الرئيس الأميركي والحكومة الإسرائيلية في وقت متقارب مروراً بمعركة سيف القدس، وهو ما غير مسار الأحداث. 

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال المعركة الأخيرة، أبطأ في المطالبة بوقف إطلاق النار، كما منعت الولايات المتحدة مرارا إصدار قرار من مجلس الأمن حيال الاعتداءات الأخيرة والمطالبة بالتهدئة، ولكن الأداء العسكري من فصائل المقاومة دفع بايدن في النهاية للاتصال بمصر للتوسط. 

سعت مصر كذلك من خلال رعايتها لاتفاق الهدنة، إلى إتمام بعض الإجراءات المتعلقة بإعادة الإعمار وتفعيل التهدئة والوصول إلى اتفاق بين الفصائل الفلسطينية والسلطة في رام الله، وكانت بدايتها الزيارة التي أجراها رئيس المخابرات المصري عباس كامل إلى قطاع غزة بعد أسبوع من وقف العدوان. 

كانت زيارة كامل إلى غزة مسبوقة بزيارة تل أبيب ولقاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ثم انتهاء بغزة للاجتماع بالفصائل المختلفة والحديث عن تفعيل التهدئة وملف تبادل الأسرى، وإعادة الإعمار، والسعي لوحدة صف الفلسطينيين.

 ويظهر من ذلك رغبة مصر في احتواء حركة حماس بالتحديد وإدراجها ضمن خطة عمل في إطار الدور الإقليمي لها تجاه قضية فلسطين، وخاصة بعدما وجدت القاهرة أن دورها في هذه القضية بوابة لتفعيل دور إقليمي وعالمي مؤثر، خاصة أنها تعيد رسم خريطة جديدة لِتحالفها العربي والدولي على أرضية العدوان على غزة. 

ولكن وفقا لمجريات الأحداث خلال يونيو/حزيران، فقد مارست إسرائيل عددا من الانتهاكات المتفرقة في الأراضي الفلسطينية، ما يعني أن وساطة عباس كامل المدعومة دوليا لم تفلح في نتائجها الأولية في الوصول إلى هدنة حقيقية يمكن أن يكون لها ما بعدها. 

وفي الإطار نفسه تأتي تصريحات رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار التي أشار فيها إلى التعنت الإسرائيلي وأنها ما زالت تستمر في سياساتها ضد الشعب والأسرى.

 ولا يوجد بوادر تُشير إلى حل الأزمة الإنسانية بغزة، كما أن قوات الاحتلال تحاول مقايضة المقاومة الفلسطينية لتخفيف الحصار.

 كما أكد السنوار أن الوضع الحالي يتطلب ممارسة المقاومة الشعبية بشكل واضح، للضغط على الاحتلال من جديد، وذلك بعد وصف لقائه مع منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط "تور وينسلاند"، في مقر مكتبه بمدينة غزة، بأنه "لم يكن إيجابياً بالمطلق".

زيارات إسماعيل هنية إلى عدة أقطار عربية وإسلامية بعد معركة سيف القدس، كانت ذات دلالة كذلك، حيث التقى خلالها مسؤولين رسميين وأحزابا ونخبا سياسية ومجتمعية. 

كانت هذه الجولات التي أجراها وفد حماس، بمثابة حراك لدعم القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع، وخاصة أنها كانت على أشدها قبل شهور قليلة وهو ما شكل خطرا على مستقبل القضية وتخوفات من محاولات للقضاء عليها. 

 أبرز هذه الجولات كانت زيارة هنية إلى المغرب والتي استمرت خمسة أيام، والتي جاءت بعد استئناف الرباط علاقتها مع إسرائيل في ديسمبر/كانون أول 2020. 

وكان الهدف هو عودة تبني المغرب للقضية الفلسطينية والسعي لحشد المواقف لدعم القضية الفلسطينية، كما صرح بذلك إسماعيل هنية بعد لقائه رئيس الوزراء سعد الدين العثماني. 

زيارة وفد حركة حماس إلى موريتانيا كذلك قوبلت باستقبال رسمي وشعبي على أعلى مستوى، وقد أكد الرئيس الموريتاني ولد الغزواني بعد لقائه هنية، أن القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة الموريتانية، كما عرض عليه وفد الحركة مسألة إعادة إعمار غزة ضمن إطار الزيارة.

حظيت المقاومة الفلسطينية بشرعية كبيرة في الآونة الأخيرة، حيث كان للاتصالات الإقليمية والدولية الرسمية التي استمرت مع هنية دلالة على أهمية وحضور القضية.

مصر

  • تطورات قضية سد النهضة 

مع اقتراب موعد الملء الثاني لسد النهضة في بداية يوليو/ تموز 2021، كما أعلنت إثيوبيا، تصبح المساعي الدبلوماسية المصرية أمام تحدٍّ حقيقي في جدواه وفعاليته، مع اقتراب الخطر الذي يهدد أمن مصر المائي.

وقد استمرت الجهود المصرية خلال السنوات الماضية في محاولات تدويل الأزمة عبر استدعاء أطراف دولية على غرار الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، وصولا إلى التلويح بإمكانية اللجوء إلى عمل عسكري باعتباره ورقة ضغط أخيرة، في مقابل تسويف إثيوبي. 

في المقابل لم تنجح أي من هذه المحاولات في الوصول إلى اتفاق حول القضية، التي سرعان ما تعود إلى الاتحاد الإفريقي في كل مرة، دون جدوى من التدخلات الخارجية، حيث تستند إثيوبيا إلى إعلان المبادئ كسند قانوني في كل مرة للخروج من قبضة المجتمع الدولي. 

شهدت الأيام الماضية محطتين في تحركات الدبلوماسية المصرية فيما يخص قضية سد النهضة، حيث استضافت قطر اجتماعا وزاريا عربيا في الخامس عشر من يونيو/ حزيران، لبحث قضية سد النهضة بناء على طلب من مصر والسودان، حيث تم الاتفاق على دعم القضية في الأمم المتحدة من خلال التنسيق مع مجموعة العمل الدولية. 

وقبل ذلك توجه وزير الخارجية سامح شكري بخطاب إلى مجلس الأمن في 12 يونيو/ حزيران، مطالبا إياها بالتدخل على وجه السرعة لتدارك القضية في ظل التعنت الإثيوبي والإصرار على الملء دون التوصل إلى اتفاق حول مسألة التشغيل. 

وأضاف أن مصر اختارت إحالة هذه المسألة لمجلس الأمن الدولي بعد أن بحثت واستنفدت كل سبيل للتوصل إلى حل ودي لهذا الوضع عبر إبرام اتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي يحفظ ويعزز حقوق ومصالح الدول الثلاث المُشاطئة للنيل الأزرق. 

وأُتبعت هذه الخطوة بأخرى مماثلة من السودان، إذ توجهت بخطاب إلى مجلس الأمن بضرورة عقد جلسة في أقرب وقت لبحث تطورات الخلاف بشأن السد وأثره في سلامة وأمن الملايين الذين يعيشون على ضفاف النيل. 

وبدأت مصر بالفعل بمطالبة مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة لبحث الأمر، ولفت سامح شكري في تصريحاته 27 يونيو/ حزيران 2021 أن مصر تبحث على أعلى مستويات عقد الجلسة بعد أن فشلت رعاية الاتحاد الإفريقي في التوصل إلى نتائج بعد أعوام من العمل.

ويتوقع أن تكون مطالب مصر أمام مجلس الأمن محددة وأبرزها اضطلاع المجلس بدوره في توقف الملء الأحادي من جانب إثيوبيا، ومحاولة التوصل إلى اتفاق رسمي شامل في الوقت المناسب، ليجنب المنطقة مخاطر جسيمة حال عدم التوصل إلى حل. 

وحول جدوى الضغط الدولي والتحرك القانوني لإخراج مصر من أزمة السد، أشار الدبلوماسي السابق عبد الله الأشعل أنه وارد باستمرار، لكنه يحتاج إلى إرادة موازية على المستوى السياسي، وهي ليست متوفرة لدى النظام المصري الحالي. 

وأضاف الأشعل أنه بعد ما يزيد على عشر سنوات من المفاوضات، لا توجد مذكرة واضحة وصريحة تشرح الموقف المصري، الذي ما يزال يتحسس موقعه أمام نظيره الإثيوبي، ما شجع أديس أبابا على المضي قدما في تعنتها أمام المخاوف المصرية.  

وفي تحرك مقابل، توجهت إثيوبيا بخطاب إلى مجلس الأمن حملت فيه اتهاما لمصر والسودان على أنهما تنفذان عملية منظمة من أجل تقويض عمل الاتحاد الإفريقي في نهاية المطاف، وأنهما تقفان عائقا دون محاولات الوصول إلى حل من خلال السعي الدائم لتدويل القضية وإضفاء الطابع الأمني عليها.

وتمسكت إثيوبيا في رسالتها بأنها ستدير عملية ملء السنة الثانية لسد النهضة في موسم الأمطار القادم الذي يبدأ في يوليو/تموز وفقا للجدول الزمني والقواعد التي تم التوصل إلى تفاهم بشأنها في العملية الثلاثية.

ومن الواضح استناد إثيوبيا إلى دعم غربي في عملية ملء وتشغيل السد، وربما لن يكون من المجدي أن تتجه مصر والسودان إلى استهلاك مزيد من الوقت في عمليات التفاوض في حين تسعى إثيوبيا إلى الملء جنبا إلى جنب مع عملية التفاوض دون انتظار التوصل إلى اتفاق.

من جانبه، رأى الباحث المتخصص في النزاعات الدولية والعلاقات الاقتصادية إبراهيم نوار، أن الموقف المصري يتسم بالتردد في الفترة الأخيرة، فيما يتعلق بمدى الضرر، مشيرا إلى تناقضات في التصريحات الرسمية حول تداعيات السد على حصة مصر المائية. 

كما اعتبر أن الطرح المصري يختلف عن نظيره السوداني الذي ينطلق بمنطق الحيطة والحذر المبنية على مخاطر ملء وتشغيل السد وجريان النيل، وتداعيات ذلك على سدوده الصغيرة واحتمال الإضرار بقرى ومدن سودانية على امتداد النهر. 

في النهاية، من المستبعد أن تنفذ القاهرة أي عمل عسكري لتدمير السد، وذلك بناء على توجهات السياسة المصرية الرسمية التي لا تفكر مطلقا في الحرب. وإضافة لذلك حشد الجامعة العربية أو بعض الدول ليس سوى عمل معنوي أكثر منه ذي نتائج ملموسة على الأرض. 

الأمم المتحدة كذلك تدخلت من قبل ولم تقدم في القضية سوى الدعم الفني دون الضغط على أحد الأطراف، وربما في الأيام القادمة تتباين مواقف كل من مصر والسودان حول السد وخاصة بعد استمالة إثيوبيا للخرطوم عبر تصريحات في الآونة الأخيرة، ولم يتبق للقاهرة سوى المساعي الجادة التي يجب أن تصحبها قرائن واضحة على أحقيتها في المياه.

  • التقارب المصري التركي

يُعد التقارب المصري التركي من أبرز الملفات التي ظهرت على الساحة في الآونة الأخيرة، حيث يعتبر تحولا كبيرا في مسار العلاقات السياسية الجامدة منذ وقوع انقلاب 2013 في مصر. 

وقد اشتبكت الدولتان في عدد من الملفات خلال الفترة الماضية أبرزها الملف الليبي، ورسم الحدود البحرية المشتركة بينهما مع دول أخرى مثل ليبيا واليونان، إضافة إلى ملف الغاز، كما شهدت الفترة الأخيرة تصريحات سياسية من أنقرة تدعو إلى فتح باب سياسي للحوار مع مصر حول بعض القضايا وبحث مسألة التقارب بينهما. 

خلال الفترة الماضية كانت كلتا الدولتين قد اتخذتا إجراءات لإثبات حسن النية، من تصريحات رسمية متبادلة بين أنقرة والقاهرة، إضافة إلى اتخاذ تركيا خطوات بشأن الإعلام المصري المعارض على أرضها، تمهيدا لفتح باب للحوار لتطبيع العلاقات بشكل كامل فيما بعد. 

خلال شهر مايو/ أيار، كانت زيارة الوفد الدبلوماسي التركي إلى القاهرة هي أول اللقاءات التي جرى عقدها على المستوى الرسمي بين البلدين، لاستطلاع وجهات النظر في القضايا المشتركة، وتمهيدا لعقد سلسلة من اللقاءات.

تركيا أشارت من خلال عدة تصريحات رسمية إلى تبنيها موقفا إيجابيا إزاء المباحثات مع مصر، كما أكد المتحدث باسم العدالة والتنمية عمر جليك وجود علاقات متجذرة بين أنقرة والقاهرة، كذلك صرح وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، أنه من المتوقع تبادل السفارات خلال الفترة المقبلة. 

التفاهمات بين البلدين تتعلق بقضايا إقليمية أهمها القضية الليبية ومستقبلها، والبحر المتوسط ومسألة الغاز، ورغم التصريحات التي تدعو للتفاؤل من الجانب التركي، فالموقف المصري في المتوسط مرتبط بتحالف يوناني إسرائيلي، من جانب، ومن ناحية أخرى هناك تعقيدات في الملف الليبي.

وانتقدت وسائل الإعلام المقربة من النظام في مصر، إرسال تركيا وفدا رفيع المستوى بشكل مفاجئ إلى ليبيا مؤخرا، ما عبرت عنه بأشد العبارات منتقدةً مدى التدخل غير المبرر في الشأن الليبي، إضافة إلى تصريحات القاهرة الدائمة بوجوب خروج القوات الأجنبية من ليبيا. 

إذ جددت مصر موقفها قبل بدء مؤتمر برلين 2 بأيام مطالبة على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري بإخراج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة دون تحديد هويتها، دون مماطلة أو تسويف كما عبر المسؤول وفيه إشارة إلى القوات التركية.

في هذا السياق أشار، الدبلوماسي المصري السابق عبد الله الأشعل، إلى وجود أطراف وعلى رأسها إسرائيل تريد أن تبقي مصر بعيدة عن تركيا وترى مصلحتها في عزل كل منهما عن الأخرى، مضيفا أن القاهرة تبدو متمنعة بشأن التقارب مع أنقرة لأن الخلافات الأساسية لم تُحل كما لم يُتفق على آلية لتسويتها. 

وفيما يتعلق بموقف تركيا من جماعة الإخوان المسلمين، وأذرع الإعلام المعارضة من داخل البلد فقد تعاملت أنقرة بشكل متزن مع هذا الملف، وطلبت من مصر إجراءات مماثلة لإتمام الجلسات بين الطرفين. 

فحول الموقف من الإخوان، أكد تشاووش أوغلو، أن الإخوان حركة سياسية تسعى إلى السلطة ولا يمكن اعتبارها جماعة إرهابية، وهنا تشير الدلالات إلى أن تركيا وإن كانت تسعى للتقارب مع مصر بخطوات تهدئة مع الجماعة على أرضها إلا أنه من المرفوض في سياستها الإخلال بالوضع القانوني الخاص بهم. 

تحدث كذلك مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، ياسين أقطاي، عن هذا الملف بما أسماه "مستحيلات تركيا" في إطار حديثه عن تطور العلاقات بين البلدين وتطلعه إلى تطورها، مشيراً إلى أنه لا يجب سوء فهم أنقرة ولا يلزمها أن تتخلى عن أخلاقها أو مبادئها وموقفها الإنساني الذي حافظت عَليه لسنوات. 

كما أشار أقطاي، إلى مسألة خروج القوات التركية من ليبيا، مبينا أن المطالبة بانسحاب تركيا من هناك هي رغبة من مصر بهدف هيمنة اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من القاهرة.

وتابع أنهم يقدمون بالفعل الدعم اللوجستي والعسكري إلى حفتر زعيم الانقلاب المتمركز في الشرق، والعقبة الوحيدة التي تقف أمام اللواء للهيمنة على ليبيا هي الوجود التركي.

ومؤخراً اتخذت تركيا خطوات أخرى موازية تلبية لرغبة مصر في تخفيف حدة الخطاب الإعلامي المصري المعارض من داخلها.

وكانت تركيا قد أبلغت من قبل هذه القنوات بشكل رسمي بتخفيف لغة الخطاب ضد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، والحكومة المصرية، ولكن استمر النشاط الإعلامي خلال الشهور السابقة دون توقف.

لكن مؤخرا طالبت سلطات تركيا بشكل رسمي بعض الإعلاميين البارزين المصريين في البلاد أبرزهم محمد ناصر ومعتز مطر بوقف نشاطهم الإعلامي بشكل كامل من داخل البلاد.

وبالطبع سيتلقى النظام المصري هذه الخطوة بنوع من الإيجابية، وإن كانت هناك بعض الملفات الإقليمية الهامة التي لم يتفق فيها الطرفان، ولكن من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة جولة جديدة من المباحثات بين الجانبين.     

  • أحكام الإعدام الأخيرة في مصر

أيدت محكمة النقض المصرية، في الرابع عشر من يونيو/ حزيران، حكما بإعدام 12 قياديا من جماعة الإخوان المسلمين، في إطار قضية "فض اعتصام رابعة العدوية"، وتعود أحكام القضية إلى 2018 عندما حكمت محكمة الجنايات بإعدام 75 شخصاً من رافضي الانقلاب في مصر على خلفية مجزرة رابعة التي راح فيها المئات من الضحايا من أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي. 

كما شملت أحكام المحكمة السجن 15 عاما لـ 374 معتقلاً، والسجن 10 سنوات لمعتقل واحد هو أسامة مرسي، ابن الرئيس السابق والسجن 5 سنوات لـ215 معتقلاً. 

والغريب أن أحكام الإعدام التي صدرت شملت أشخاصا جرى القبض عليهم قبل فض الاعتصام. لذا بدت الأحكام أقرب إلى الانتقام السياسي أكثر منه إلى العدالة القانونية حيث إن المقتولين في رابعة هم من أنصار الرئيس مرسي، وأبرزهم أسماء البلتاجي ابنة الدكتور محمد أحد المحكوم عليهم بالإعدام. 

وفي الأصل، فإن وقائع تلك القضية تعود إلى فض اعتصام ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، والذي استخدمت فيه قوات الأمن الذخيرة الحية صوب المعتصمين، مما أدى لسقوط أكثر من 100 قتيل. 

وبدلا من محاسبة الجناة الحقيقيين عن جريمة القتل الجماعي للمتظاهرين، وجهت النيابة لأكثر من 700 شخص من الناجين اتهامات بـ"استعراض القوة، والقتل والشروع في القتل، واحتجاز مواطنين، ومقاومة السلطات وتخريب مبان ومرافق حكومية". وفي محاكمة جماعية تفتقر لضمانات العدالة. 

وسبق وأدانت منظمات حقوقية حكم محكمة جنايات القاهرة الصادر في سبتمبر/أيلول 2018 بإعدام 75 شخصا والسجن المؤبد لآخرين في هذه القضية، مشيرة إلى ما شاب المحاكمة من خروقات قانونية، وعدم مراعاة الحد الأدنى من ضمانات المحاكمات العادلة. ثم جاءت محكمة النقض تؤيد هذا الحكم في انتقام واضح من خصوم النظام الحالي السياسيين.

وأصدرت بعض المنظمات الحقوقية بيانا تطالب فيه بتخفيف العقوبات، أبرزها هيومن رايتس ووتش، كما طالبت بعض الشخصيات العامة بوقف تنفيذ الأحكام، كرئيس الشؤون الدينية السابق في تركيا محمد غورماز في رسالة إلى الأزهر.

ودعا غورماز إلى عدم الصمت على هذه الأحكام، إضافة إلى مطالبات بعض الشخصيات الرئيس الأميركي جو بايدن للتدخل لوقف تنفيذ الأحكام.

الحقيقة أن المناشدات التي تصدر مع كل حكم يصدر بالإعدام في مصر، أصبحت لا تجدي مع النظام، إلا إذا أفلحت في تحريض دولة عظمى على التدخل، حينها يمكن أن تستمع إليه الحكومة المصرية، وإلا فإنه رغم الانتهاكات الواضحة فإن الحكومة ترفض نعت قضائها بالمسيس وتدعي أنه مستقل.

وحول المسار القانوني لهذه القضية فإنها قد استنفدت كل المراحل القضائية، وتنتظر تنفيذ الأحكام، إلا إذا صدر عفو أو تخفيف من قبل رئيس الجمهورية خلال 14 يوما، وهو ما يُستبعد بشكل مطلق، وقد أوشكت المهلة على الانتهاء، كما يُستبعد كذلك قبول التماس لدى النائب العام لإعادة النظر في القضية.

 وفي حال جرى تنفيذ هذه الأحكام، رغم أنها ليست الحالة الأولى، فقد نفذت مصر أحكام الإعدام في أكثر من قضية من قبل، إلا إنه مع تزايد وتيرة الإعدامات ومع الاقتراب من شخصيات جماهيرية كانت من أبرز رموز ثورة يناير، فإن ذلك لا يزيد الانقسام في المجتمع المصري سوى اتساعا ولا يبشر بالتحام أو تصالح سياسي في المستقبل المنظور. 

لبنان

  •  استمرار أزمة تشكيل الحكومة 

منذ تكليف الرئيس ميشال عون، سعد الحريري بتشكيل الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، والنزاع القائم بين الرجلين حول تشكيلها لم ينته إلى الآن، في حالة لم تعد تحتمل تأخرا بسبب هذا الفراغ السياسي الذي تشهده الدولة. 

وفي حال الإصرار على عدم تشكيل حكومة، وفي ضوء الانحلال المتسارع في بنية المؤسسات، وامتناع الحكومة المستقيلة عن القيام بواجباتها في تصريف الأعمال بما تقتضيه المرحلة وأبسطها حلّ مشكلات الترابة والنفايات والمواد الأساسية، فإن الأزمة توشك أن تتحول إلى انهيار داخلي يخشاه الجميع.

يأتي ذلك بعد أكثر من تسعة أشهر على تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، تخللها طرح مبادرات عدة منها المبادرة الفرنسية التي تنص على تشكيل حكومة من 18 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين، ثم تدخل البطريرك الماروني بشارة الراعي، وأخيرا مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري، التي تنص على تشكيل حكومة من 24 وزيرا بدون الثلث المعطل. 

وجه الحريري اتهاما للرئيس عون بأنه يحاول من خلال صهره، جبران باسيل، الإصرار على الثلث المعطل، وتسمية الوزراء المسيحيين، وهو ما يعده الحريري تدخلاً في صلاحياته وتعدياً على الدستور، إضافة إلى الاتهام الموجه لباسيل بالقيام بدور رئيس الظل والتفاوض بدلاً من الرئيس. 

الانقسامات السياسية، والخلاف على الحصص، هو الذي يقف دون الاتفاق على تشكيل الحكومة حيث يتبادل الحريري مع رئيس الجمهورية وحزبه السياسي منذ أشهر الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة يريدها رئيس الحكومة المكلف من الاختصاصيين، بينما يريد "التيار الوطني الحر" أن تكون ممثلة لِميزان القوى السياسي، علماً أن تيار عون لديه أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب.

وإضافة إلى عدد الحقب الوزارية، فثمة خلاف يعود إلى تسمية بعض الوزراء أهمها الداخلية والدفاع، واللتين يتمسك الحريري بهما باعتبار ذلك حقاً دستورياً، رافضا خيار ترشيح بعض الأسماء ليختار الرئيس أحدها. فيما رفض الرئيس عون وشريكه باسيل بشكل قاطع تفرد الحريري بتسمية الوزراء وخاصة المسيحيين. 

وفيما يصر جبران باسيل على شروطه في تسمية الوزراء المسيحيين من جانب رئيس الجمهورية، وحصوله على الثلث المعطل فيها، يتمسك الحريري بصلاحياته بتشكيل حكومة من 24 وزيرا، وفق مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري.

بينما تتلخص رؤية نبيه بري بأخرى مقاربة للحريري، في ضرورة تشكيل حكومة مختصين تحظى بثقة البرلمان، والتي أعلنها رئيس البرلمان منذ العام 2020، حيث دار الحديث حولها مرة أخرى باعتبارها المخرج في ظل الفراغ الحكومي الذي يهدد لبنان يوما بعد آخر. 

رؤية رئيس البرلمان يبدو أنها تواجه كذلك تحديا جديدا بعد خلافه مع رئيس الجمهورية، رغم محاولاته إحداث اختراق على مستوى تشكيل الحكومة، وذلك بعد اتهام بري لميشال عون بأنه الوحيد الذي يقف أمام تسهيل تشكيل الحكومة على حد تصريحه. 

قابل ذلك رد من رئاسة الجمهورية، في بيان أصدره عون أشار فيه بالمقابل إلى أن التعنت يأتي من قبل الحريري والأطراف المعاونة له، مشيرا كذلك إلى خطوات بري على أنها زخم مصطنع، ومعتبرا أنه لا يلتزم التقيد بالدستور.

وأضاف عون: "ثمة معطيات برزت خلال الأيام الماضية تجاوزت القواعد الدستورية والأصول المعمول بها، والمرجعيات والجهات التي تتطوّع مشكورة للمساعدة في تأليف الحكومة، مدعوّة إلى الاستناد إلى الدستور والتقيّد بأحكامه وعدم التوسّع في تفسيره لتكريس أعراف جديدة ووضع قواعد لا تأتلف معه. 

وإضافة إلى بيان الرئيس، أعرب باسيل عن رفضه مبادرة رئيس مجلس النواب القاضية بمنح المسيحيين (المتمثلين بالرئيس ميشال عون وصهره باسيل) الحق في تعيين ثمانية وزراء في الحكومة، مقابل 16 وزيرا من بري نفسه ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري.

وشدد باسيل من هجومه على بري مضيفاً أن مبادرة الأخير "مثالثة ومرفوضة"، مبديا قناعته بأن المناصفة الفعلية تكمن في منح كل من المسيحيين والمسلمين الحق في تعيين 12 وزيراً، ومتهما مؤيدي مبادرة بري بأنهم لا يريدون سوى إخراجهم من المشهد.

  • آثار استمرار الأزمة

هذه الحالة السياسية الجامدة التي يشهدها لبنان لم تعد تحتمل خلافا سياسيا، بما آلت إليه الأوضاع من إهمال في شتى المجالات منذ بداية الأزمة وتعطيل الحكومة، وخاصة الوضع الاقتصادي المأساوي بعد تجاوز قيمة الدولار 10 آلاف ليرة. 

ومنذ تفجر الأزمة الاقتصادية في لبنان، يصب اللبنانيون غضبهم على الطبقة السياسية، التي يقولون إنها تعيش حالة انفصال عن الناس، وتبدو منهمكة طوال الوقت في العمل من أجل مصالحها الطائفية الضيقة.

وقد حذر البنك الدولي، من أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حل يخرجه من واقع مترد يتفاقمهُ شلل سياسي. 

وتوقع البنك الدولي في تقرير جديد أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان، الذي يعاني من "كساد اقتصادي حاد ومزمن"، بنسبة 9.5 بالمئة في العام 2021، مشيرا إلى أنه لا تلوح في الأفق أي نقطة تحول واضحة في ظل غياب السلطة التنفيذية وعدم القيام بواجبها في الإنقاذ. 

ويرى مراقبون أن أكثر السيناريوهات تفاؤلا هو أن تتشكل حكومة قادرة على استعادة الثقة على الصعيدين المحلي والدولي وتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها المقرضون الدوليون مثل إصلاح قطاع الكهرباء الذي يعاني من الهدر والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي وإعادة هيكلة القطاع العام المتضخم.

الأسابيع المقبلة ستكون مفصلية، على الرغم من أن معظم الأطراف يفضلون الاستمرار في حالة المراوحة حتى موعد الانتخابات النيابية شهر مايو/أيار من العام 2022، حيث من المفترض أن تظهر إمكانيّة نجاح المشاورات في الوصول إلى اتّفاق يرضي مختلف الأطراف، تحت طائلة الذهاب إلى انفجار كبير على مستوى الشارع. 

المخاوف الداخلية من ​انفجار​ الشارع كذلك ليست بعيدة عن تلك الموجودة في بعض الأوساط الدوليّة، بدليل الحرص القائم على دعم المؤسسات الأمنية والعسكريّة للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، بالتزامن مع البحث في كيفيّة تأمين ​مساعدات​، لا تمرّ عبر مؤسّسات الدولة، تساعد اللبنانيين على مواجهة الظروف الصعبة المنتظرة.

المماطلة والتأخير في تشكيل الحكومة، إضافة إلى هذه العواقب، ربما تضطر الجميع في النهاية إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، للعودة إلى الوراء رغم أن الظرف الاقتصادي والسياسي لا يحتمل ذلك الهدر الإضافي للوقت في ظل الحاجة إلى سرعة التعاطي مع الواقع والإنقاذ. 

ليبيا

  • مؤتمر برلين 2 

عقدت أعمال مؤتمر "برلين 2" حول ليبيا، بمشاركة 15 دولة  إضافة إلى 4 منظمات دولية. وتضم قائمة الدول المشاركة كلا من ليبيا وتركيا والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة، كما تشمل قائمة المشاركين تونس والجزائر والمغرب ومصر والإمارات. 

ومنذ أشهر، تشهد ليبيا انفراجا سياسيا، ففي 16 مارس/ آذار 2021، تسلمت سلطة انتقالية منتخبة تضم حكومة وحدة ومجلسا رئاسيا، مهمته قيادة البلاد إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 ديسمبر/ كانون الأول من ذات العام. 

يعقد هذا المؤتمر بهدف التحقق من الاستقرار في ليبيا وإرساء خطوات على طريق إتمام المؤسسات وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في موعدها، ومحاولة حل الأزمات التي قد تواجهها ليبيا في هذه الانتخابات كالأساس الدستوري الذي يجري خلاف عليه، إضافة إلى بحث خروج القوات الأجنبية من البلاد. 

وانتقد البعض عدم وجود آليات واضحة لخروج القوات الأجنبية من ليبيا، كما تحدث آخرون عن عدم الخلط بين القوات التي قدّمتها تركيا بطلب من الحكومة الشرعيّة والتي لولاها لتمكّن حفتر من الاستيلاء على طرابلس، وبين القوات التابعة لشركة فاغنر الروسية ومليشيا الجنجويد السودانيين وحركات التمرد التشادية والسودانية التي تقاتل لحساب اللواء الانقلابي. 

لم تظهر روسيا وتركيا لحد الآن استعدادات عملية لِسحب قواتهما من المرتزقة، ومن بين الفرضيات أنهما قد تقبلان بمقايضة الحضور العسكري أو على الأقل تقليصه، بمصالح اقتصادية في ليبيا ضمن خطط إعادة البناء أو عقود الطاقة. 

كما يوجد خيار أمام الدول المجتمعة في فرض عقوبات على الدول غير المشاركة في ملف سحب القوات الأجنبية والمرتزقة، ولكن يظل هذا الخيار مهددا بالفشل داخل مجلس الأمن حال عارضته روسيا بحق الفيتو، وهناك شكوك حول فرص نجاحه في ضوء تجارب لم ينجح فيها خيار العقوبات في زحزحة روسيا في أوكرانيا ولا تركيا بين أرمينيا وأذربيجان.

كما تتحدث مصادر بريطانية عن الإعداد لمؤتمر آخر في لندن بعد برلين يركز على ملف المرتزقة. وسيكون المؤتمر غربيا بالأساس، بحيث يكون هدفه الأساسي ممارسة ضغط ميداني وخطط عسكرية لإخراج المرتزقة، ولكن تبقى هناك صعوبات أمام تحقيق ذلك.

يقع التحدي الأكبر على عاتق الحكومة الليبية المنتخبة، بإحكام سيطرتها على كامل البلاد وإجراء توافق حقيقي، لتنفيذ مخرجات أي مؤتمر، وإنهاء المسائل المتعلقة بالقوات الأجنبية، وتهيئة البلاد للانتخابات الكلية المقررة في نهاية العام دون تأخر.

الجزائر

  • الانتخابات التشريعية في الجزائر 

بدأت في الجزائر منذ 20 مايو/أيار 2021 وعلى مدار 3 أسابيع، حملة الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 12 يونيو/حزيران من ذات العام، في أول انتخابات برلمانية تشهدها البلاد منذ اندلاع الحراك الشعبي الذي أنهى الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة. 

كان الرئيس عبد المجيد تبون قد أعلن في فبراير/ شباط 2021 عن حل المجلس الوطني، وحدد موعد 12 يونيو/ حزيران لهذه الانتخابات المبكرة، وذلك في إطار إصلاحات وعد بها بعد احتجاجات عامة أجبرت سلفه عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة في عام 2019 بعد أن قضى 20 عاما في سدة الحكم.

وفي مارس/آذار، أصدر الرئيس الجزائري أمرا يحدد بموجبه الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد المطلوب شغلها في انتخابات أعضاء المجلس الشعبي الوطـني أو الغرفة الأولى بالبرلمان الجزائري والتي يبلغ عددها 407، وأعضاء مجلس الأمة المنتخبين البالغ عددهم 116.

تعد أبرز الأحزاب المتنافسة خلال هذه الانتخابات هي جبهة التحرير والتي كانت تهيمن على الحياة السياسية في الجزائر منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم، ورغم تراجع شعبيته مؤخرا فقد حصل على المركز الأول في هذه الانتخابات، حيث حصل على 105 مقاعد من أصل 407.

وحزب التجمع الوطني الديمقراطي (حليف جبهة التحرير في الحكم) والذي تراجعت شعبيته في الآونة الأخيرة كذلك، حصل على المركز الثالث في هذه الانتخابات حيث حصد 57 مقعداً، وكانت نتيجة إيجابية بالنسبة لذلك الحزب حيث تبقيه بجانب الأحزاب السياسية الكبرى في الجزائر.

أما حركة مجتمع السلم، والتي تمثل أكبر حزب إسلامي بالجزائر، ويقودها عبد الرزاق مقري، فقد حصلت على أكبر كتلة برلمانية للمعارضة في انتخابات 2017، وحصدت في هذه الانتخابات 64 مقعداً.

كان هذا التقدم بالنسبة لحركة مجتمع السلم متوقعا حيث تعد من أبرز الأحزاب الإسلامية الأكثر تنظيما وحضورا في الشارع وتحظى بموافقة السلطة،  وقد مكنتها هذه الانتخابات من الحصول على المركز الثالث من حيث عدد الأصوات بعد جبهة التحرير، والمستقلين الذين حصدوا 78 مقعدا. 

وتعتبر هذه النتائج التي حصل عليها مجتمع السلم جيدة في ضوء التنافس الحالي في الجزائر، وإن كان لا يزال لا يمكنهم من الأغلبية التي كانت تطمح إليها الحركة لتشكيل الحكومة وتنفيذ وعودها التي أعلنتها من قبل، وفيما يخص تشكيل الحكومة الحالية أعلن مقري أنهم يدرسون المشاركة فيها كذلك. 

  • آثار ضعف المشاركة في الانتخابات 

نسبة المشاركة في هذه الانتخابات الأخيرة كانت ضئيلة جدا، حيث بلغت وفقا للأرقام الرسمية 23 بالمئة، وهو ما يعكس فشل رهان السلطة الحالية على الإقبال على هذه الانتخابات، وسوء تقديرها حيث أعلنت أنها تتوقع نسبة تبلغ فوق 50 بالمئة من المشاركة.

كانت دعوة الرئيس تبون للانتخابات بعد حل المجلس الوطني محاولة منه لتقليل وتيرة التظاهرات واحتواء الحراك والتخفيف من حدتها وإضعاف حماس المحتجين، في حين كانت مطالب الحراك إصلاح سياسي شامل مقابل رفض هذه الانتخابات وهو ما يعد تحديا كبيرا أمام السلطة.

وكان تبون كذلك بالتزامن مع إعلانه عن الانتخابات قد أعلن عن إجراء تعديل حكومي كبير عقبها لتلبية مطالب الحراك، ومع ذلك، لا يبدو أن الواقع السياسي في بلد كبير مثل الجزائر يبلغ تعداد سكانها قرابة 45 مليون نسمة، سوف يتغير، وهو ما تشير إليه الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط ماريا جوسوا. 

السلطة لم تفلح كذلك في استعمال ورقة "الإفراج عن المعتقلين" في التخفيف من الاحتقان أو زيادة نسبة المشاركة. وكانت وزارة العدل أعلنت في فبراير/ شباط 2021 أن عدد من تم إطلاق سراحهم من ناشطي الحراك بلغ 59 بموجب عفو رئاسي.

نسبة المقاطعة امتدت من دعوات شعبية فقط إلى إعلان بعض الأحزاب السياسية عدم المشاركة كحزبي العمال والتجمع من أجل الثقافة. وكانت نسبة المقاطعة الكبيرة في الشارع الجزائري التي تأكدت بالفعل بعد إعلان النتائج، لا تزال تؤكد على معضلة عجز الحكومة على تعزيز الثقة والشرعية.

الهيكل الذي تشكل منه المجلس وفقاً للنتائج سيسفر عن برلمان يمضي قدماً في النهج القديم، كما أشار المختص في الدراسات الشرق أوسطية رشيد عيسى. 

وسيكون هذا البرلمان في الوقت نفسه غير كفء ويفتقد للخبرة السياسية وستظل السلطة في أيدي قلة ولن يؤدي المجلس المهام الرقابية المنوطة به. 

كذلك أثارت تصريحات تبون بشأن المقاطعة جدلاً داخل الشارع الجزائري، حيث أشار إلى كون المقاطعة لا تهم، والأهم هو من سيحوز "الشرعية الشعبية" التي تمكنه من ممارسة السلطة، والتي اعتبرها الشارع إهمالاً لرأي المواطن في مقابل انتخابات "شكلية". 

ويبقى تحدي الحراك وتلبية مطالب الشعب مشكلة قائمة لم تعالجها هذه الانتخابات. ففي الوقت الذي تعتبر فيه السلطة الجزائرية أن هذه الانتخابات تمثل محطة مهمة، ضمن خارطتها الانتخابية، وأنها ستسهم في ترسيخ الديمقراطية في البلاد، يرى مُقاطعوها، أنها ليست سوى مطية للسلطة، من أجل تثبيت الوضع القائم. 

تونس

  •  استمرار الأزمة بين الرئيس والبرلمان 

لا تزال الأزمة التونسية مستمرة بين السلطة التنفيذية من جهة والأغلبية البرلمانية والحكومة من جهة أخرى، وخاصة بعد رفض الرئيس قيس سعيد التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء هشام المشيشي في يناير/كانون الثاني بسبب الخلاف مع بعض الأسماء المقترحة في الحكومة، رغم تصديق البرلمان.

التوتر القائم بين السلطات التونسية يزداد مع مرور الوقت في حال عدم التوصل إلى حل سلمي دستوري، وخاصة مع انطلاق دعوات حول تعديل الدستور، كَمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، والتي تمت دعوة قيس سعيد من خلالها إلى تعديل الدستور والتحول إلى نظام رئاسي، وهو ما يمكن أن يشكل صراعاً سياسياً حاداً في البلاد باعتباره شكلا من أشكال الانقلاب الناعم. 

انطلقت دعوات كذلك في بداية العام إلى انتخابات برلمانية مبكرة، كما جاء على لسان رئيس الوزراء الأسبق يوسف الشاهد، في رؤيته أنها الطريقة الأمثل للخروج من الأزمة، وذلك على الرغم من أن الانتخابات الأخيرة جاءت كسابقتها بأغلبية نسبية لحركة النهضة.

 وهو ما يمكن أن يتكرر للمرة الثالثة وبالتالي يصبح الأمر غير واقعي، وخاصة أن هدف تلك الدعوات التخلص من عقبة حركة النهضة. 

  •  الحديث عن الاغتيالات السياسية ومآلاته 

وخلال الأشهر الماضية لم تتوصل السلطات في تونس إلى حل سياسي لتجاوز عقبة الحكومة التي تعكس خلافاً بين عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، في حين زادت تعقيداً خاصة بعد الدخول في دائرة الحديث عن اغتيالات سياسية لرئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس الجمهورية قيس سعيد. 

ففي 10 يونيو/ حزيران 2021، جاء على لسان رياض الشعبي المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة أن الداخلية أبلغت الغنوشي رسمياً بوجود تهديد باغتياله، وهو ما يشكل محاولة لعرقلة المسيرة السياسية السلمية في تونس. 

أعقب ذلك بأيام قليلة إعلان وزارة العدل فتح تحقيقات في محاولة اغتيال قيس سعيد، وذلك عقب يومين من تلميحه في اجتماعه برؤساء الحكومات السابقة في بلاده إلى جهات داخلية تصنع تحالفات مستهدفةً التخلص من شخصه ولو بالاغتيال.

تسببت هذه الأحداث في إثارة لغط كبير وزادت من الاستقطاب السياسي في البلاد، وأصبح الحل السياسي هو السبيل المتاح حتى الآن، خاصة وأن المحكمة الدستورية في تونس لم تتشكل حتى الآن بعد مصادقة البرلمان عليها في 4 مايو/أيار وذلك بعد قراءة ثانية نظراً لرد القانون من طرف الرئاسة في المصادقة الأولى.

غياب المحكمة الدستورية في تونس يسبب انسدادا في الأفق القانوني للحل للخروج من المأزق الحالي، حيث تعتبر هي الجهة التي تُعنى بتأويل الدستور والنصوص القانونية، والفصل في النزاع بين السلطات.

  • الدعوة لحوار وطني 

ومؤخراً دعا الرئيس قيس سعيد إلى حوار وطني يقود إلى نظام سياسي جديد، يشمل تعديلاً لدستور 2014، حتى لا يكون هناك تداخل بين صلاحيات كل من الرئيس ورئيس الوزراء، والتي يعيد العيب فيها إلى الدستور، والذي وصفه بأنه "كله أقفال". 

هذه الدعوات وإن كانت تنال التأييد الكبير في مسألة الحوار الوطني، إلا أنه تبرز مسألة تعديل النظام السياسي في الدستور كعامل مثير للقلق في حالة رغبة الرئيس الحالي بالعودة إلى الوراء والانفراد بالسلطة كما كان عهد كل من الرؤساء الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، والذي تم تعديله في الدستور الأخير. 

من جانبه، أشار الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، إلى هذه المسألة باعتبارها رغبة قيس سعيد في تجاوز عقبة الدستور والعودة إلى دستور 1959 الذي تم بمقتضاه إلغاء الملكية واعتماد النظام الجمهوري.

وقوبلت دعوة سعيد من قبل حركة النهضة بتأييد كامل من حيث المبدأ على الالتقاء في إطار حوار وطني لبحث الأزمة، كما استجاب الغنوشي لوساطة الوزير السابق لطفي زيتون بعد عقد الأخير اجتماعاً مع الرئيس ثم مع رئيس البرلمان بهدف إتمام حوار وطني مؤكداً أنه لا سبيل سوى الحوار الوطني. 

كما نجحت هذه الوساطة بالفعل في عقد لقاء مؤخراً بين الغنوشي وقيس سعيد، في 24 يونيو/حزيران 2021، بعد قطيعة استمرت لمدة 6 أشهر بين رئيس الجمهورية والبرلمان، وُصف بأنه لقاء إيجابي دون الإفصاح عن تفاصيله من جانب الرئاسة أو حركة النهضة.

ورغم التباين الكبير بين الغنوشي وقيس سعيد، يمكن تفهم هذه الاستجابة من قبل الأول في إطار سعي النهضة وحرصها على دعم الحفاظ على المؤسسات وعلى الدستور. 

كما أبدت حركة النهضة كذلك، على لسان متحدثها فتحي العيادي، تأييدها للانتخابات المبكرة، في حال فشل الحوار الوطني، كحل أخير وهو العودة إلى الشعب، في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تشهدها تونس.

خلال الأيام القادمة سيتبين ما إذا تم الاتفاق على آلية سياسية للحوار الوطني والخروج من الأزمة، في ظل مخاوف من محاولة "انقلاب دستوري"، ومخاوف كذلك في ظل عدم وجود محكمة دستورية عليا في البلاد حالياً، وهو ما يتطلب النسبة الأكبر من الرشد السياسي خلال المرحلة المقبلة.


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

بينما يتقدم السودان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي وثمة خطوات عملية لإسقاط شريحة كبيرة من ديونه الخارجية، خلال فترة تمتد نحو 39 شهراً، نجد الأوضاع في لبنان تزداد سوءا، على الصعيد الاقتصادي، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة فيها.

وشهد شهر يونيو/حزيران العديد من الأحداث الاقتصادية المهمة والبارزة على صعيد الدول العربية، منها: حصلت مصر خلاله على الشريحة الأخيرة من قرضها مع صندوق النقد الدولي، والمبرم منتصف 2020 لدعم اقتصادها في مواجهة كورونا، وبلغت قيمة الشريحة الأخيرة التي حصلت عليها 1.6 مليار دولار، لتبلغ قيمة القروض التي تلقتها من الصندوق خلال السنوات الخمس الماضية نحو 20 مليار دولار.

وعلى جانب آخر ارتفعت أسعار النفط في السوق الدولية، لتتجاوز سقف الـ 70 دولارا للبرميل، ووصلت بالفعل لنحو 75 دولار، قبل أن تنخفض بهامش طفيف جداً عن هذا المعدل مؤخرا، وهو ما يسمح بتحسن مرتقب في الوضع المالي للدول النفطية والعربية، وبخاصة دول الخليج، وإن كان الأداء المالي لدول الخليج يشير إلى أن الأوضاع المالية، وعجز موازناتها سيستمر على الأقل خلال الأجل المتوسط، نظرا للسياسات المالية التوسعية في إطار الديون المحلية والخارجية، وكذلك الدور السياسي الإقليمي الذي تؤديه بعض دول الخليج، ويلزمها بإنفاق واسع في هذا الإطار، وبخاصة كل من السعودية والإمارات وقطر.

كما أصدرت دولة الإمارات خلال الشهر، بياناتها الإحصائية عن وضعها السكاني. ومن خلال الاطلاع عليها، تبين أنها تعكس أزمة عجز الموارد البشرية بهذه الدولة، حيث تعد هذه السمة، واحدة من المشكلات المؤرقة لدول الخليج بشكل عام، ومن بينها دولة الإمارات.

ويعالج التقرير هذا الشهر أبرز القضايا السابقة، ومنها قضية تخفيض الديون الخارجية للسودان، وكذلك أزمة عجز الموارد البشرية في الإمارات.  

تخفيض ديون السودان 

في الوقت الذي يعاني فيه السودان من مشكلات عدم الاستقرار السياسي، وكذلك أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، تنقل وسائل الإعلام عن صندوق النقد الدولي، أنه من المحتمل أن يتم تخفيض الديون الخارجية للبلد إلى نحو 6 مليارات دولار، بعد أن وصلت إلى نحو 56 مليار دولار، ولكن هذا التخفيض لن يتم في الوقت الحالي، ولكن بعد فترة لا تقل عن ثلاث سنوات.

جاءت هذه الخطوة التي أشار إليها مسؤول بصندوق النقد الدولي، بعد أن نجحت الجهود المبذولة، بسداد التزامات السودان المتأخرة تجاه البنك والصندوق الدوليين وكذلك صندوق التنمية الإفريقي بنحو 1.4 مليار دولار.

وجرى تدبير هذا المبلغ من قبل مجموعة من الدول، وهو دين جديد على السودان، وإن كان يفتح له الباب للاستفادة من مبادرة سداد ديون الدول الأشد فقرا، التي يشرف عليها كل من البنك والصندوق الدوليين.

وتهدف خطوة التخفيف من التزامات السودان الخاصة بديونه الخارجية، إلى الوصول إلى حجم من الديون يستطيع سداده، عند نحو 6 مليارات دولار، ولكن هل سيكون بمقدور الخرطوم بعد نحو 39 شهرا من الالتزامات الاقتصادية القاسية، أن يعاود سداد القروض المستحقة عليه، أم أن البلد سيدخل في دوامة تدوير الديون، أي اللجوء لديون جديدة، لسداد أعباء الديون القديمة من (فوائد + أقساط)؟ وهو أمر إن حدث، فلن تجدي معه المبادرة الحالية لتخفيف ديونه.

والجديد الذي أشارت إليها وكالة رويترز مؤخرا، وحسب تصريح مسؤول بصندوق النقد الدولي فإن "السودان وصل إلى نقطة القرار لبدء تخفيف الديون بموجب برنامج الدول الفقيرة المثقلة بالدين".

وقد تأهل السودان لهذه الخطوة من خلال مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي، واتخاذ مجموعة من القرارات والسياسات الاقتصادية البارزة، والتي كان لها آثار اقتصادية واجتماعية شديدة السلبية على المجتمع السوداني، مثل رفع الدعم عن الوقود، وتحرير سعر صرف العملة المحلية، وتحرير الدولار الجمركي، وهو ما أدى إلى رفع معدل التضخم لما يزيد عن 300 بالمئة.

وثمة تقديرات أخرى بأن صندوق النقد الدولي خفض ديون السودان من 56 إلى 28 مليار دولار، وأن مجلس المديرين وافق على تسهيل ائتماني للسودان بنحو 2.4 مليار دولار يمتد لفترة 39 شهرا. 

وكعادتها، لا تنشر المؤسسات الدولية والحكومات التي تتوصل لاتفاقيات معها كل التفاصيل. فالأخبار السابق ذكرها، هي بلا شك مبشرة، إذا ما توقفنا على مجرد سردها وعناوينها، ولكن ماذا وراء التسهيل الائتماني الذي سيمتد لنحو 39 شهرا؟ ما هي السياسات التي سيلتزم بها السودان في ظل ظروفه الاقتصادية المتفاقمة، ووضع الفقر والبطالة والتضخم هناك؟ 

هل المواطن السوداني بإمكانه أن يتحمل المزيد من تحرير الأسعار وإلغاء الدعم، وتقليص دور الدولة الاقتصادي، وإعطاء مساحات للقطاع الخاص على حساب القطاع العام؟

وماذا إذا لم يوفق السودان في ظل أجواء سياسية مضطربة، في أن يوفي بشروط المؤسسات الدولية؟

التعهدات التي تتحدث عنها المؤسسات الدولية من قبل ما يزيد عن 100 دولة، باستعدادهم لتقديم العون للسودان لسداد ديونه، من خلال تدبير قرض بنحو 1.4 مليار دولار، كالتزام واجب السداد لاستفادة الخرطوم من مبادرة إعفاء الديون للدول منخفضة الدخل، تحتاج إلى تفاصيل حول التزامها تجاه هذه المساعدات، وهل هي مساعدات مشروطة؟

السودان يعاني من مشكلة فساد كبيرة، ويصنف على مدار سنوات، على مؤشر الشفافية الدولية، أنه من ضمن أفسد 10 دول على مستوى العالم، ولا ينتظر في ظل الأجل القصير والمتوسط، أن تتخلص الخرطوم من الفساد، بالشكل الذي يساعد على تطبيق اتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي، بأقل آثار سلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

 فلا تزال الحكومة السودانية تفتقد إلى التأييد الشعبي، حيث أنها إتت بالتعيين، وترفض الحكومة الحالية الدعوات المتكررة باللجوء لانتخابات برلمانية، تأتي بحكومة منتخبة.

والأجواء التي يعيشها السودان حالياً، من غياب الاستقرار السياسي والأمني، قد تجعل احتمال نجاحه في تطبيق الالتزامات الجديدة للمؤسسات الدولية، قليلا للغاية، وبخاصة أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تعول عليها كل من الحكومة وأجندة المؤسسات الدولية، من الصعوبة بمكان أن تأتي في ظل هذه الأجواء المضطربة.

فضلاً عن أنه في حالة تنفيذ إثيوبيا لسد النهضة بالكامل، وفي ظل غياب الوصول لاتفاق مع كل من مصر والسودان، فمن شأن هذا الأمر أن يغير من التصورات الموجودة عن السودان، من وفرة المياه، والأراضي الزراعية الخصبة. 

أزمة عجز الموارد البشرية تنعكس على الإحصاء السكاني للإمارات

شهد العقد الماضي دورا ملحوظا لدولة الإمارات على الصعيد الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بتوظيف المال السياسي في المنطقة العربية ومحاربة ثورات الربيع العربي، وهي دولة نفطية بالدرجة الأولى، وإن حاولت أن تغير من هيكل أدائها الاقتصادي خلال السنوات الماضية.

 لكن الأزمات العالمية التي أثرت على أسعار النفط في السوق الدولية، والتي كان آخرها أزمة جائحة كورونا خلال عام 2020، كشفت عن ضعف الجهود المبذولة من قبل الإمارات للوصول إلى تنوع اقتصادي يمكنها من عدم الاعتماد على أسعار النفط.

وتعاني دولة الإمارات مما تتعرض له باقي دول الخليج من عجز سكاني ملحوظ، وهو ما يضطرها بشكل عام إلى إصدار بيانات إحصائية عن السكان تتضمن الوافدين.

ومؤخراً أصدر المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء في دولة الإمارات، البيانات الخاصة بالسكان في الدولة عن عام 2020، حيث بين أن عدد السكان بلغ 9.2 مليون نسمة، وأن نسبة الذكور تبلغ 69.7 بالمئة من إجمالي عدد السكان، بينما نسبة الإناث تبلغ 30.3..

وتأتي عدة جنسيات أجنبية على رأس الوافدين إلى الإمارات، فالهنود يأتون في المرتبة الأولى حيث يمثلون 27.8 بالمئة من إجمالي الوافدين، وفي المرتبة الثانية الأوروبيون بنسبة 15.1 بالمئة، ثم الباكستانيون 10.2 بالمئة، ثم البنغلاديشيون بنسبة 9.5 بالمئة . 

وهذه الأرقام المنشورة تعكس الخلل البين في هذه النسب من خلال الفارق الكبير بين نسبة الذكور والإناث من عدد السكان، فمن غير المقبول في خصائص السكان في أي دولة، أن تصل نسبة الذكور لضعف عدد الإناث.

 ولكن يرجع هذا الأمر إلى اعتماد الإحصاء السكاني لدولة الإمارات على اعتبار كل المقيمين على أراضيها ضمن عدد السكان، وبذلك يتم تصدير أرقام لا تعكس حقيقة عجز الموارد البشرية بدولة الإمارات.

فعدد سكان الإمارات من المواطنين بحدود 2.7 مليون نسمة، بينما يمثل الوافدون 6.5 مليون نسمة. ومن الطبيعي في ظل تضمين عدد سكان الدولة للوافدين، أن ترتفع نسبة الذكور عن الإناث، لأن نسبة معتبرة من الوافدين، يقيمون هناك دون اصطحاب أسرهم، أو كونهم من العزاب، الذين لم يكونوا أسرا بعد.

لا يتوقف الأمر عند هذه الملاحظة، ولكن ثمة مؤشرات أخرى، تتحدث عنها وسائل الإعلام حول خصائص السكان في الإمارات، مثل العمر الوسيط عند 32 عاماً، وهو ما يعني أن البلد يتمتع بهرم سكاني فتي، يمكنه من المساهمة الكبيرة لقوة العمل في النشاط الاقتصادي. 

ولكن الحقيقة أن هذه السمة تعود أيضاً إلى خصائص الوافدين المقيمين في دولة الإمارات، حيث إنهم في العادة ما يكونون من الشباب القادر على العمل، وبخاصة أولئك الذين يعملون في القطاعات التي تعتمد على المجهود العضلي، مثل العاملين في قطاع التشييد، أو البناء، أو الخدمات المنزلية، أو سائقي الأجرة، أو السائقين لدى الأسر.

والمهم هنا هو العبء النفسي على الإمارات ومحاولة إظهار نفسها على أنها دولة لديها بعض الموارد، التي تؤهلها لدور إقليمي، وهو نوع من الخداع.

 فثمة كثير من الوظائف المهمة والتي تتعلق بالأمن القومي، تعتمد على المقيمين، مثل الجيش والشرطة، فضلاً عن أن المقيمين لا يزالون يمثلون ورقة ضغط على الإمارات من خلال أدائهم لبعض الأعمال الخدمية، والتي إن تخلى عنها الوافدون، أصيبت الحياة في الدولة بالشلل.  

توقعات النمو الاقتصادي بتونس 

كشأن كافة اقتصاديات العالم، تأثر الاقتصاد التونسي بسبب الآثار السلبية لفيروس كورونا، فقد كانت الحكومة التونسية تتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 3.9 بالمئة خلال 2021، بينما البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ذهب إلى أن النمو المتوقع في البلاد خلال العام سيكون أقل مما توقعته الحكومة في بداية العام.

 وتأتي توقعات البنك الأوروبي للنمو باقتصاد تونس عند 2.7 بالمئة فقط. وكان الاقتصاد التونسي قد انكمش في 2020 عند معدل نمو سالب بنحو 8.8 بالمئة.

وتأثر الاقتصاد التونسي بشكل كبير بسبب كورونا، من خلال التأثر الكبير لقطاع السياحة، والذي خلف آثارا سلبية كبيرة، تركت آثارها على القطاع والعاملين به بشكل مباشر، كما أثر على باقي القطاعات التي ترتبط في عملها بقطاع السياحة، مثل قطاعات الزراعة والصناعات الغذائية، والنقل، وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وفي الوقت الذي تذهب فيه التوقعات نحو معدل نمو اقتصادي متواضع في تونس، نجد أن الحياة السياسية هناك، تشهد تقلبات سلبية، قد تزيد من أزمة الاقتصاد التونسي، مثل تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد، عن عدم ملائمة دستور 2014، أو استمرار توتر العلاقة بين الأحزاب السياسية، أو الخلافات بين البرلمان ومؤسسة الرئاسة.

ولا يزال الاقتصاد التونسي يعاني أزمة تمويلية، تدفعه إلى الدخول في برامج مستمرة مع صندوق النقد الدولي.

وثمة مفاوضات مستمرة بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بنحو 4 مليارات دولار على مدار ثلاث سنوات، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين بعد. 

وتتناقل وسائل الإعلام معلومات عن خطة الحكومة التونسية الحصول على قرض الصندوق من خلال إجراءات اقتصادية تقشفية، مثل تخفيض قيمة الأجور بالميزانية العامة للدولة لتكون عند نسبة 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، في حين كانت هذه النسبة في 2020 بحدود 17 بالمئة. كما تتضمن المعلومات المنشورة عن خطة الحكومة إلغاء الدعم بالكلية من الموازنة خلال فترة تمتد إلى عام 2024.

وكذلك تتضمن خطة الحكومة عمليات تسريح للعاملين بالحكومة والقطاع العام، بحيث يحصل من يستقيل طواعية على 25 من الراتب، بينما من يستمرون في العمل يحصلون على 50 بالمئة من الأجر نظير حضور بعض الأيام خلال الأسبوع. 

ومن شأن هذه الإجراءات أن تؤجج الشارع التونسي، وتعمل على وجود حالة من المزايدة السياسية على الحكومة من قبل الأحزاب المعارضة، وبخاصة في ظل استمرار وطأة الآثار السلبية لجائحة أزمة كورونا.

ولوحظ أن الحكومة التونسية حاولت التوجه إلى بعض البلدان العربية للحصول على مساعدة في التمويل، من خلال زيارات للرئيس التونسي، وكذلك رئيس الحكومة إلى قطر.

ويلاحظ أن تونس ومنذ ثورتها في أكتوبر/تشرين الأول 2021، دخلت في عدة مفاوضات مع صندوق النقد، وحصلت بموجب هذه الاتفاقيات على عدة قروض، ولديها رصيد من الديون، بلغ 116 بالمئة من ناتجها المحلي. 

وتوجه الحكومة التونسية احتياجاتها المالية لهذا العام بنحو 6 مليارات دولار، منها 4.2 مليارات كالتزامات خارجية، وهو ما يعني أنها لن تجد مخرجا من أزمتها إلا من خلال اللجوء لصندوق النقد الدولي، حتى يمكنها الحصول على تمويل من جهات أخرى.

ومما يؤكد على أزمة العلاقات العربية العربية، أنه في الوقت الذي تعاني فيه  تونس من أزمة تمويل، تهرول الإمارات نحو ضخ المزيد من الاستثمارات لدى الكيان الإسرائيلي.


المحور الرابع: الحالة الفكرية

يتناول المحور الفكري لشهر يونيو/حزيران موضوعين؛ هما، أولاً: الخطاب التجديدي للمفكر الإسلامي راشد الغنوشي ونهضة الأمة.

يوافق شهر يونيو/حزيران مولد المفكر الإسلامي والسياسي التونسي راشد الغنوشي، وهو صاحب رؤية تجديدية في علاقة الإسلام بالآخر، وله موقف من بعض القضايا الشائكة.

كان للفترة التي قضاها الغنوشي في الغرب (21 سنة) دور في تكوين هذه الرؤية التجديدية في نظرته للمجتمع وموقفه من الدول الغربية ونظرته للعلمانية، وعلاقة الإسلام بالديمقراطية والحرية والمرأة وقضايا أخرى. والرجل ليس صاحب رؤية على مستوى التنظير فحسب، إنما أصبح يؤدي دورا أساسيا في المنظومة السياسية لبلده بعد الثورة التونسية. 

ثانياً: أزمة السلفية المصرية مع سلطة الاستبداد (تأميم الفضاء الديني)/ أحدثت شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب أمام القضاء ضجة كبيرة، وانقسم الناس ما بين مدافع ومعارض، وأياً ما كان الأمر، فالذي يجب لفت الانتباه إليه هنا أن النظام الاستبدادي في مصر أراد أن يوصل رسالة للجميع بأنه هو المسؤول عن دين الشعب، وأن الرموز الإسلامية مهما كانت متقاربة مع السلطة في وقت من الأوقات، فإن استمرارها في أداء دورها يشجع على التعاطف مع تيار الإصلاح الذي يتبناه الإخوان المسلمون.

لهذا فلن يسمح النظام "المستبد" لأي فكرة إسلامية أن تحلق بعيدا عن هيمنته المباشرة، ليضمن السيطرة على الفضاء الديني لصالحه.

الخطاب التجديدي للمفكر الإسلامي راشد الغنوشي ونهضة الأمة

ولد المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي في "الحامة" بتاريخ 22 يونيو/حزيران 1941، وهو سياسي ورجل دولة وحقوقي ومفكر إسلامي، زعيم حركة النهضة التونسية، ورئيس مجلس نواب الشعب. 

ونحن حين نتناول شخصية كهذه نهدف إلى الاستفادة من رؤيته واجتهاداته المعاصرة على مستوى الفكرة الإسلامية وتشابكها مع التيارات الفكرية والسياسية على الساحة، وهو – لا شك – قدَّم آراءً ربما غير مسبوقة، تحتاجها الأمة العربية والإسلامية للمساعدة في الخروج من مأزقها، في ظل التحديات الإقليمية والعالمية.

وللغنوشي عدد من المؤلفات والمحاضرات التي تطورت فيها نظرته ورؤيته الإسلامية، منذ مسيرته السياسية في عام 1969 وترؤسه حركة النهضة عام 1991، مرورا بالتجربة الخصبة التي عاشها في لندن لمدة 21 سنة، ابتداء من 1989، حتى عودته إلى بلده تونس ومشاركة حزبه في العملية السياسية بعد نجاح الثورة التونسية عام 2011.

والغنوشي يعتبر من أهم المفكرين المعاصرين في أوساط الإسلام السياسي، ومجددا في مواضيع: الحريات، والعلاقة بين الديمقراطية والإسلام، وله باع طويل في الكتابات الفكرية، حيث نشر أكثر من 20 كتابا وألقى الكثير من المحاضرات في دول مختلفة على مستوى العالم.

قام راشد الغنوشي بدور محوري في فترة الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة.

ويهمنا هنا آراء الغنوشي الفكرية الإسلامية التجديدية وتشابكها مع الآراء الأخرى غير الإسلامية في إدارة العملية السياسية؛ أما الجانب السياسي فله أدواته ورجاله.

وعلى الرغم من تحفظات البعض على آرائه التجديدية، فإن الرجل يمتلك العديد من الأطروحات التي تتميز بدرجة ما عن الخطاب التقليدي للإسلاميين. ولعل الفترة الزمنية التي قضاها الغنوشي في الغرب، والتي تجاوزت العشرين عاما يكون لها الأثر في ذلك، نظرا لعيشه في جو من الحرية، واحتكاكه بتيارات وأفكار في شتى المجالات.

في كتاب :"الحركة الإسلامية ومسألة التغيير(2000)"، يسرد العوائق التي تعطل المشروع الإسلامي، وهي ليست بالقليلة، يذكر منها تلك العوامل التي تنبعث من داخل الصف الإسلامي:

استمرار حالة الجمود الفكري، أي قلة التجدد والتقليد للقديم، فيما يشبه عبادة الأموات، في شكل مذاهب وآراء قديمة لم تعد تناسب المتغيرات الزمانية والمكانية.

القومية فُرضت على العالم الإسلامي، فدخلت عقولنا وقلوبنا، وأصبحنا نتمايز حتى داخل الحركة الإسلامية، بحيث أصبحت حدود كل حركة حدود قوميتها. والمطلوب تليين هذا العنصر القومي لصالح الإسمنت الإسلامي، حتى تصبح قضايا المسلمين كلها تتنزل ضمن منظور إسلامي واحد، ومحل اهتمام من قبل كل الإسلاميين، ذلك هو منطق الإسلام، وأساس تعامل الغرب معنا {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}.

ترسيخ القبول بالتعدد الفكري والثقافي، فالقرآن الكريم تعددت تفاسيره وقراءاته، فالإسلام قائم - في الأصل - على التعددية في إطار الوحدة.

 ونظرا لأن معنى التعددية لم يترسَّخ في فكرنا فقد استحدث بعض الإسلاميين مشاكل وهمية، مثل العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، على الرغم من أن الأولى كأسلوب هي أحسن أداة، بل أفضل هدية قدمها العصر، لتطبيق مفهوم الشورى.

لا تزال هناك صعوبة أخرى تتمثل في تعامل الحركة الإسلامية مع قضية المرأة.

وأشير أخيرا إلى عائق يتمثل في تعامل الحركة الإسلامية مع الفن، أي مع مظاهر الجمال في الكون، وذلك نظرا لأن الفنون تلوثت إلى حد كبير بمظاهر الفساد الغربي، فجفاها المسلمون.

تطوره الفكري وموقفه من القضايا ذات الأهمية بالنسبة للإسلاميين والغرب:

  • الموقف من العلمانية والعلمانيين

يتساءل "هل العلاقة بين الإسلام والعلمانية هي علاقة تضارب وتخارج أم هي علاقة تداخل؟ دوافع هذا السؤال هي العلاقة بين الإسلام والحكم، والإسلام والقانون، وكل هذه الإشكاليات" .

ثم يبين أن العلمانية ليست واحدة، فكما أنه يوجد أكثر من فهم للإسلام، فكذلك العلمانية.

يقول "يبدو أننا عندما نتحدث عن العلمانية والإسلام، نحن لسنا إزاء علمانية واحدة بل إزاء علمانيات، وكذا الإسلام أيضا بحكم ماهو مطروح في الساحة، نحن إزاء أكثر من إسلام واحد، أي أكثر من فهم له".

وهو يطرح فهما جديدا يبتعد بالعلمانية عن مصادمة الدين الإسلامي وأن العلمانية طرحت في الغرب كحلول إجرائية، للإشكالات التي ظهرت نتيجة للصراعات الدينية الكنسية. 

ويضيف: "تبدو العلمانية وكأنها فلسفة، أو ثمرة تأملات فلسفية جاءت لمناقضة ومحاربة التصورات المثالية والدينية، غير أن الأمر ليس كذلك، إذ ظهرت العلمانية وتبلورت في الغرب كحلول إجرائية، وليست فلسفة أو نظرية في الوجود بقدر ماهي ترتيبات إجرائية لحل إشكالات طرحت في الوسط الأوروبي".

أهم هذه الإشكاليات ظهرت بفعل الانشقاق البروتستانتي في الغرب، الذي مزق الاجتماع الذي كان يدور في إطار الكنيسة الكاثوليكية بما فرض من الحروب الدينية في القرن السادس عشر والسابع عشر، هكذا بدأت العِلمانية (أو العَلمانية)". 

يقول: "العلمانية ليست بالفلسفة الإلحادية، وإنما هي إجراءات وترتيبات لضمان حرية المعتقد والفكر". ويشير إلى أن العلمانية العربية" التونسية" أكثر تأثرا بعلمانية فرنسا؛ حيث يُقصَى الدين في المجال العام وتعتبر الدولة نفسها حارسة الهوية.

ثم ينتهي إلى أن فكرة الإجراءات في العلمانية تعني حيادية الدولة، وهي أن الدولة يجب أن تكون حيادية إزاء الديانات ولا تتدخل في ضمائر الناس، الدولة مجالها "العام"، بينما الدين مجاله "الخاص". هذا ما انتهت إليه هذه الإجراءات رغم أنها اختلفت في علاقتها بالدين. 

والحقيقة أن جدلية الدين والدولة تظل هاجسا لدى الإسلاميين والعلمانيين، ولا بد من الاتفاق على أرضية مشتركة تكون منطلقا لعودة الحرية للشعوب، ومواجهة الاستبداد والديكتاتوريات في البلدان العربية.

ويقول: "إن وجها من وجوه الإشكالية عندنا هو كيف نحرر الدين من الدولة، ونمنعها من التسلط على الدين، وأن يظل هذا الأخير شأنا مجتمعيا متاحا لكل المسلمين بأن يقرؤوا القرآن ويفهموا ما شاؤوا. ولا بأس في التعدد الذي يفرض قدرا كبيرا من التسامح. أما إذا احتاج المسلمون إلى قانون، فالآلية الديمقراطية المعاصرة هي خير تجسيد لقيمة الشورى في الإسلام بحيث لا يكون الاجتهاد حينئذ فرديا بل جماعيا من قبل ممثلي الشعب".

ثم بعد ذلك ليختار الشعب الصيغة التي تناسبه في الحكم. فهل يعي العلمانيون العرب هذا الكلام أم يظل الصراع محتدما مع المشروع الإسلامي لصالح الأنظمة المستبدة؟! وفي ذلك خسارة ما بعدها خسارة فلن يحصل الشعب على حقه في الحرية، ولن تتحرر الأمة وتستقل في أخذ قرارها.

وكما يقول الغنوشي: "دون وحدة وطنية ومقاومة ضد الديكتاتورية فلن تتحقق الديمقراطية، وهناك حاجة لتحقيق مصالحة حقيقية بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين المسلمين وغير المسلمين، حيث إن الديكتاتورية تتغذى من المواجهة بين الأطراف كلها".

ثم يقول "الدين مداره الأساسي ليس أدوات الدولة وإنما القناعات الشخصية، أما الدولة فمهمتها تقديم الخدمة للناس قبل كل شيء كمواطن؛ الشغل والصحة والمدرسة الجيدة، أما قلوبهم وتدينهم فأمرها إلى الله، إذ إن أعظم قيمة في الإسلام هي قيمة الحرية". 

  • الموقف من المجتمع المدني

يرى الغنوشي أن مفهوم المجتمع الإسلامي المدني راسخ متين، لأنه متفرع عن طبيعة الإسلام التمدينية الحضارية، وتحقيق لرسالة الإسلام، ومقاصده التمدينية في الانتقال بأهله من حال البداوة، إلى حال المدن والحضارة. 

وفي حديثه عن تاريخ تطور المفهوم في الغرب بالمقارنة بالعالم الإسلامي يقول: "اتجه نضال الشعوب الغربية إلى تحرير الإنسان والمجتمع والدولة من هيمنة المقدَّس الساحق، في حين تتجه الشعوب الإسلامية في نضالها المعاصر إلى تحرير الإنسان والمجتمع والدين من هيمنة الدولة الحديثة التي سحقت المجتمع". 

وهو يرى أن مهمة الحركة الإسلامية الآن هي إقامة مجتمع أهلي إسلامي، عبر مبادرات أفراده بإقامة مؤسساته، وهو يثني على تجربة الرئيس السابق محمد خاتمي في إيران حين جعل مشروعه للحكم قائما على إقامة مجتمع مدني إسلامي في ظل سلطة القانون، أي سلطة الشريعة، وهو ما ينقل مركز الثقل من الحاكم إلى المحكوم، ومن الأمة إلى الدولة، كما يستشهد بما قاله الإمام محمد مهدي شمس الدين، من أن المقدَّس هو الأفراد والجماعات، ليس غيرهم .

  • الموقف من الغرب 

يميز الغنوشي بين النخب الغربية ولا يضعها في كفة واحدة، وإنما هم فريقان:  فمنهم العقلاء الذين يمكن التحالف والتعاون معهم، وهم الذين يفهمون السياق الدولي فهماً عادلاً وموضوعياً، مقابل فريق اليمين المتطرف الذي ينظر لهذا السياق - وبخاصة قضايا المسلمين فيه- نظرة أيديولوجية غير عادلة.

وهذه النظرة تنطلق من أن "الإسلام أمر واقع ومكون من مكونات الحقيقة الغربية، وليس من سبيل غير العمل على إدماجه، والإفادة مما يتوفر عليه من إمكانات خلقية اجتماعية يحتاجها الغرب".

وتبدو دعوته للتحالف بين القوى الإسلامية في الغرب، وبين الاتجاهات العقلانية والحقوقية هناك. ويلح الغنوشي في بعض ما كتب على ضرورة المصالحة بين الإسلام والقيم الحديثة؛ كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة. 

  • قالوا عنه:

يقول  الأكاديمي الفلسطيني عزام التميمي: "فكرة الشيخ راشد الرئيسة هي أن الحرية المطلب الأساسي، وما دونه يهون، وإذا تمكن الشعب من أن يختار بحرية فكل شيء قابل للتغيير والإصلاح".

ويقول عنه المفكر الفلسطيني منير شفيق: "يجب أن نسجل أن دور حركة النهضة وكتابات الشيخ راشد الغنوشي ومواقفه تجاوزا حدود تونس فأثرا تأثيرا إيجابيا بالغاً في فكر الحركات الإسلامية والقومية العربية كما في مجمل نهضة الأمة على مستوى عام. ولهذا حظيت حركة النهضة ورئيسها بمكانة خاصة من الاحترام والحب من قبل المثقفين والنخب على مستوى عربي وعالمي".

  • جوائزه:

اختارت مجلة جون أفريك JEUNE AFRIQUE الشيخ راشد الغنوشي ضمن قائمة أفضل أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم من بين 50 شخصية إفريقية أخرى.

اختارته فورين بوليسي، الأول في قائمة أفضل 100 مفكر في العالم بالتشارك مع آخرين . وحصل على عدد آخر من الجوائز الدولية.

أزمة السلفية المصرية مع سلطة الاستبداد (تأميم الفضاء الديني)

أثارت شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب أمام المحكمة ضجة كبيرة في الأوساط المصرية، ما بين معترض على ما قاله باعتباره رمزا إسلاميا كان الأجدر به أن يأخذ بالعزيمة في شهادته، ولا يترخص، وبين من وقف في صف الشيخ باعتبار أن القاضي والأسئلة التي وجهت لم تكن أسئلة من أجل الشهادة، إنما كان الهدف منها الإساءة لرمز ديني ما زال له حضوره وتأثيره – على الرغم مما حدث – في أوساط بعض فئات من الشعب المصري.

والحقيقة أن طرح الموضوع هنا لا يهدف إلى ترجيح أحد الفريقين على الآخر، إنما نروم من وراء الحديث بيان علاقة السلطة "المستبدة" مع كل ما هو ديني، حتى وإن كانت إحدى فصائل الاتجاه السلفي هي التي دعّمت الديكتاتور عبد الفتاح السيسي في الانقلاب على السلطة الشرعية، وكانت سببا في قتل حلم الحرية الذي ضحى من أجله شباب مصر وكثير من فئات الشعب، في موقف كان يجب عليها أن تدعم الشرعية ولا تسمح بالخروج على أول رئيس مدني منتخب، هو محمد مرسي.

فهل بقيت نظرة السلطة في مصر تجاه السلفية والفكر السلفي كما هي، أم أنه آن الأوان لتأميم الفضاء الديني، بعد أن أدت بعض فصائل السلفية الدور الذي كانت ترغب فيه السلطة؟!

وحتى لا يكون وضع الجميع تحت مظلة واحدة ظلما للمجموع، لا بد من الإشارة إلى أن السلفية المصرية ليست واحدة، وإنما هي سلفيات: السلفية الحركية( سلفية الإسكندرية- سلفية القاهرة – القطبيون - الجماعة الإسلامية)، والسلفية التقليدية (السلفية الدعوية العلمية - السلفية التنسكية- المستقلة – المدخلية). 

وعلى الرغم من أن الشيخين يعقوب ومحمد حسان، وغيرهما كانوا مصنفين ضمن السلفية التقليدية، وبقوا في منطقة محايدة على أمل الإبقاء على الحد الأدنى من عملهم الدعوي والتربوي، فإن سياسات النظام المصري كانت قد سارت وفق إستراتيجيات تأميم شامل للفضاء الديني مهما كان نوع خطابه .

وصار الحكم العسكري  يعتقد -حقا- أن التدين يمكن أن يقود بالتبعية إلى الانضمام لرؤية الإخوان المسلمين للإصلاح أو التعاطف مع فكرتهم، فكان الهدف هو ضرب الرموز الدينية، بعد ضرب التيار السياسي الديني. 

وبخاصة أن الكفيل السعودي تنازل الآن عن دعم التيار السلفي، بعدما أدى دوره، ويسعى إلى تصدير حالة في الدولة السعودية الجديدة تسيطر عليها الرؤية العلمانية. 

ولأنه لا يمكن القضاء على "ما هو ديني"، فقد صنعت كل سلطة مشايخ أو ما يمكن أن نطلق عليهم "شيوخ السلطان" ليُلبسوا آراء الحاكم الثوب الشرعي.

واختارت السلطة أن تُبقي على  نموذج واحد من الحالة الدينية السلفية، وهي ما يعرف بـــــ"المداخلة"، أو الجامية، التي لا ترى الخروج على الحاكم أو معارضة سياساته تحت أي ظرف، بل له أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء. 

وجدير بنا هنا التذكير أن وثائق مراكز الدراسات الغربية شددت على تعاون أجهزة الاستخبارات مع حاملي الفكر المدخلي، ودعمهم وفتح الباب أمامهم، لأنهم يؤدون نفس الدور الذي كانت تؤديه بعض الفرق الصوفية ويقفون حجر عثرة أمام الحركات الإسلامية برمتها، ويستصنمون منهجهم إلى درجة التقديس، ويقلدون بعض رموزهم تقليدا أعمى؛ ولا مكانة لديهم لباقي العلماء لأنهم بالنسبة لهم ضالون مبتدعون مارقون.

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نحرر الدين من سلطة الدولة المستبدة، ونمنعها من التسلط على الدين بدعوى أنها المسؤولة عن دين الشعب؟

وحتى يعلم جميع العاملين لخدمة الإسلام – بما فيهم شيوخ السلطان – أن الأنظمة المستبدة لا تفرق بين تيار وتيار، إنما المسألة عملية مراحل، وكل مرحلة لها الطريقة المناسبة في التعامل مع التيار الإسلامي صاحب الزخم في الشارع.
كما أن تلك الأنظمة تستعين ببعض التيارات الإسلامية على بعضها حتى تستطيع أن تسيطر على زمام السلطة وتوجيه الدين الوجهة التي تخدم أغراضها في الانفراد بالسلطة والحكم المطلق للشعب بلا رقيب ولا حسيب، أي الحكم الدكتاتوري { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} . 

فهل تعي الحركات الإسلامية والعاملون للإسلام ذلك الأمر، فيتم تصحيح المسار ورأب الصدع والتعاون على إسقاط هذه الأنظمة المتسلطة على رقاب الشعوب؟


خاتمة

تختلف أوضاع الدول العربية ما بين دول يسيطر عليها المستبدون بقبضة حديدية كمصر، التي يمعن فيها النظام في التنكيل بالمعارضة، وأخرى تحاول الوصول إلى حالة من الإصلاح يرتضيها الشعب كالجزائر.

إلا أن هناك دولا أخرى، تتأزم فيها الحياة السياسية بشكل متصاعد بسبب المحاصصة وتغليب المصلحة الخاصة كلبنان. بينما هناك خطر على الديمقراطية التونسية، بسبب خفوت ثقافة الحوار التي تميزت بها طيلة سنوات.

وبين هذا وذاك، يظل المواطن العربي يطمح إلى الأفضل، وأن يعيش في دول تضمن له كرامته ويحقق فيها ذاته.