مناورة سياسية.. هل تؤدي صراعات "الشعب الجمهوري" إلى انتخابات مبكرة؟

“قد تطال خسائر سياسية بدلا من أن تعزز موقعه”
يجرى الحديث في كواليس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في تركيا، عن تحركات سياسية قد تغيّر خارطة المشهد السياسي في الأشهر القادمة.
ونشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالا للكاتب، عبد القدير سيلفي، سلط فيه الضوء على احتمال إجراء انتخابات فرعية في حال استقالة 23 برلمانيا، مما قد يؤدي إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.

محاكاة انتخابية
وقال الكاتب التركي: إن “قيادة حزب الشعب الجمهوري تعمل على إعداد خطة تهدف إلى دفع البلاد نحو انتخابات فرعية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، مستخدمة بذلك ورقة المدن التي يتمتع فيها الحزب بقوة انتخابية واضحة”.
وذكر أن "المصادر تشير إلى أن الحزب يُجري محاكاة انتخابية تشمل مدنا مثل كوجالي وبورصة والمنطقة الأولى من أنقرة، وهي مناطق حصل فيها الحزب على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات في الانتخابات المحلية الأخيرة".
وأوضح سيلفي أن "الهدف من هذه المحاكاة هو اختبار السيناريوهات الممكنة للانتخابات الفرعية، والتأثير السياسي المحتمل الذي قد يحققه الحزب من خلالها".
وأردف بأن "الحزب يخطط لاستثمار أي نتائج قوية في الانتخابات الفرعية بمناطق موالية له، بهدف الدفع نحو انتخابات عامة مبكرة، حيث تعتمد هذه الإستراتيجية على التقديرات الدستورية التي تفرض إجراء انتخابات فرعية في حال شغور 5 بالمئة من المقاعد البرلمانية".
وأوضح أن "الحسابات تشير إلى وجود 7 مقاعد شاغرة حاليا في البرلمان، وفي حال تقديم 23 نائبا من حزب الشعب الجمهوري استقالتهم، سيصل العدد إلى 30 أي نسبة 5 بالمئة من مقاعد البرلمان (600 نائب)".
ووفقا لقانون انتخاب النواب رقم 2839 فإن بلوغ هذه النسبة يفرض على البرلمان اتخاذ قرار بإجراء انتخابات فرعية خلال ثلاثة أشهر.
وشدد سيلفي على أن "الأمر ليس بهذه السهولة، إذ تعترض هذه الخطة عقبة دستورية مهمة، إذ إن المادة 84 من الدستور تنص على أن استقالة أي نائب لا تُعد نافذة إلا بعد تثبيتها من قبل هيئة رئاسة البرلمان وموافقة البرلمان عليها".
واستطرد: "بذلك فإن هذا يفتح الباب أمام رفض البرلمان لهذه الاستقالات أو تأجيل البتّ فيها، مما قد ينسف الخطة بأكملها".
وفي هذا السياق، يطرح مراقبون عدة تساؤلات، منها ماذا لو رفض البرلمان قبول استقالات النواب؟، وماذا لو تغيّرت الظروف السياسية، خصوصا في ظل تطورات محتملة في القضايا القضائية المثارة ضد شخصيات بارزة مثل رئيس بلدية إسطنبول (المحبوس بقرار قضائي)، أكرم إمام أوغلو؟
وهل يملك الحزب رفاهية المغامرة بفقدان نوابه في وقت قد لا تأتي فيه الرياح كما تشتهي السفن؟
وقد شبّه الكاتب هذه المناورة السياسية "بصاروخٍ فائق السرعة"، ولكن يجب توخي الحذر فقد يصيب أهدافا غير متوقعة.
وأكد أنه "إذا لم تُحسب الخطوات بدقة، فإن الخسائر السياسية قد تطال الحزب نفسه بدلا من أن تعزز موقعه".
محاولات تهميش
وقال سيلفي: "رغم تصدّره استطلاعات الرأي لا يزال يُنظر إلى رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، كخيار احتياطي لإمام أوغلو في سباق رئاسة الجمهورية".
ويرى أن "هذا التصور تعزز بعد تصريح رئيس الحزب، أوزغور أوزيل، حول احتمال تولي يافاش رئاسة الجمهورية وإمام أوغلو رئاسة الوزراء، في حال العودة إلى النظام البرلماني".
واستدرك: "لكن سرعان ما تراجع أوزيل وأعلن أن الحزب يتجه بشكل نهائي إلى ترشيح إمام أوغلو فقط".
وأشار الكاتب إلى أن "غياب أي رد من يافاش على هذه التصريحات كان خطوة ذكية، جنبته الوقوع في تناقض محرج".
واستدرك: “مع ذلك، لا يمكن تجاهل السؤال الذي يطرحه كثيرون: هل هو فعلا مرشح مستقل قادر على قيادة البلاد، أم مجرد احتياطي ينتظر الفرصة في ظل سيطرة إمام أوغلو على الأضواء؟”
ولفت إلى أنه “منذ تصريحات أوزيل المثيرة للجدل حول تقسيم الأدوار بعد الانتخابات، والتي قال فيها إن النظام البرلماني سيُطبق، وإذا فاز إمام أوغلو سيصبح يافاش رئيسا للجمهورية ويكتفي إمام أوغلو بدور رئيس الوزراء، بدا أن هناك تقليصا لدور يافاش”.
وقال سيلفي: إن "هذه التصريحات تُظهر أن يافاش يُعامل كبديل لإمام أوغلو، لا كمرشح مستقل له رؤيته الخاصة".
تساؤلات محورية
وفي هذا السياق تتبادر إلى الأذهان ثلاثة تساؤلات محورية، وفق الكاتب التركي.
أولها هل يافاش مجرد بديل؟ فرغم المحاولات المتكررة من أوزيل للإبقاء على يافاش ضمن المعادلة، إلا أن التصريحات المتناقضة تعكس تهميشه كمرشح رئيسي، بدلا من أن يُعامل كقائد حقيقي، ويبدو أنه يُنظر إليه كاحتياطي في حال فشل إمام أوغلو.
ثانيا، هل تنازل يافاش عن الصلاحيات هو إهانة للناخبين؟ بالطبع، فإن خوضه للانتخابات وحصوله على ملايين أصوات الناخبين، ثمّ تسليمه صلاحياته لإمام أوغلو هو إهانة لأولئك الملايين الذين قاموا بالتصويت له، وبذلك سيكون يافاش قد تجاهل إرادة الناخبين الذين وضعوا ثقتهم به.
ثالثا، رغم تفوقه في الاستطلاعات لماذا يظل يافاش في الظل؟ فرغم تصدره للعديد من استطلاعات الرأي، يعامل يافاش كأنه مجرد بديل لإمام أوغلو. وهذا التناقض بين مكانته في الاستطلاعات وبين المعاملة السياسية التي يتلقاها يطرح تساؤلات حول حقيقته كقائد مستقل.
وأشار الكاتب التركي إلى أن "تأنّي يافاش وعدم رده على التصريحات الأولى لأوزيل لم يكن إلا دليلا على ذكائه السياسي".
وتابع: “فهو يدرك تماما اللعبة التي تُحاك حوله، ويدرك أن هناك من يحاول استبعاده أو تقليص دوره”.
واستطرد: “إن كانت تركيا تشهد صراعا سياسيا بين عدد من الأسماء الكبرى، فمن المؤكد أن يافاش ليس شخصا غافلا عن هذه اللعبة، بل هو حريص على حماية مستقبله السياسي ومكانته بين الشعب”.
وختم الكاتب قائلا: إن "رئاسة الجمهورية التركية ليست منصبا شكليا.. لذا، من غير المنطقي أن يُطلب من شخصية منتخبة بقاعدة جماهيرية واسعة أن تكتفي بدور محدود التأثير".