رغم التصعيد الدبلوماسي.. ماذا يمنع الأردن من قطع التعاون الأمني مع إسرائيل؟

يحصل الأردن من إسرائيل على أكثر من مئة مليون متر مكعب من المياه سنويا
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتخذ الأردن عدة خطوات دبلوماسية "قد تشير إلى أن علاقته مع إسرائيل تمر بأزمة"، لكنه على الرغم من ذلك ما يزال يتعاون بشكل كبير معها.
واستند المجلس الأطلسي الأميركي في الخلاصة الأولى إلى عدة إجراءات أردنية من بينها الانسحاب من اتفاقية لتبادل المياه بالطاقة مع الإمارات وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وكذلك استدعاء سفيره من تل أبيب، والتصويت على طرد السفير الإسرائيلي من عمّان في مايو/أيار 2024، والدعوة إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
ومنذ انهيار وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في يناير/كانون الثاني 2025 ولمدة شهرين، أدلى مسؤولون أردنيون، مثل الملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي، بعدة تصريحات حادة ضد تل أبيب ورفضوا أي مقترحات لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة.
واستدرك "المجلس الأطلسي" بأنه، مع ذلك، فإن التعاون لا يزال مزدهرا بين الطرفين على الصعيدين العسكري والاستخباراتي.
وفي أبريل/نيسان 2024، ساعد الأردن، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، في إسقاط أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة أطلقتها إيران ووكلاؤها على أهداف في إسرائيل. كما اعترضت مقاتلات فرنسية من طراز "رافال" بعض تلك الأسلحة بطلب من عمّان.
وقد جاء هذا الدعم في ظل تقارير من وكالة أنباء مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني أفادت بأن إيران هدّدت الأردن بأنه سيصبح هدفا إذا تعاون مجددا مع إسرائيل.
وبعد ذلك بشهرين، شارك الأردن -إلى جانب مسؤولين من البحرين والإمارات والسعودية ومصر- في اجتماع عُقد في المنامة مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي حينها، هرتسي هاليفي، وقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل إريك كوريلا، لبحث التعاون الأمني الإقليمي.
وقد واصل المسؤولون الأردنيون والإسرائيليون عقد اجتماعات سرّية لمناقشة الهواجس الأمنية المشتركة، بما في ذلك تداعيات الإطاحة برئيس النظام السوري السابق بشار الأسد والحملة العسكرية الإسرائيلية التي أعقبتها هناك، وفق المجلس الأطلسي.

“ضرورة استمرار التعاون”
وقال: "ترى عمّان أن الخطوات الدبلوماسية، مثل الانسحاب من اتفاق الماء مقابل الطاقة، تساعد في تهدئة الرأي العام المحلي -حيث يشكّل الفلسطينيون أكثر من 50 بالمئة من السكان- من دون أن تُحدث تغييرا جذريا في الترتيبات الأمنية طويلة الأمد مع إسرائيل".
وتعود العلاقات الإسرائيلية-الأردنية إلى ما قبل توقيع معاهدة السلام بين الطرفين عام 1994، لكنها تطورت بشكل ملحوظ بعد التطبيع الرسمي، وشملت تبادلا استخباراتيا، وتعاونا أمنيا.
بل وشملت تسليم بعض الأسلحة، مثل نقل إسرائيل في عام 2015، ست عشرة مروحية هجومية من طراز كوبرا خرجت من الخدمة إلى الأردن، بهدف تعزيز قدراته في محاربة تنظيم الدولة والمسلحين القادمين من العراق وسوريا.
كما تشمل العلاقة جوانب غير عسكرية، إذ يحصل الأردن من إسرائيل على أكثر من مئة مليون متر مكعب من المياه سنويا، إضافة إلى كميات كبيرة من الغاز الطبيعي.
ويُنظر أيضا إلى هذا التعاون كعامل مهم يدفع الولايات المتحدة لتقديم مساعدات سنوية لهذا البلد العربي الصغير بقيمة 1.45 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه، تُعدّ علاقة الأردن بإسرائيل ضرورية في جهوده لاحتواء النفوذ الإيراني المتصاعد داخل المملكة، والذي ازداد خلال العام ونصف الماضيين، وفق المجلس.
فقد انتهكت المليشيات المدعومة من إيران في العراق واليمن المجال الجوي الأردني مرارا لتنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة على إسرائيل، كما أحبطت السلطات الأردنية والأميركية عدة محاولات إيرانية لتهريب أسلحة إلى داخل الأردن.
وتضمنت هذه الشحنات ألغاما من نوع كلايمور، ومتفجرات C4 وSemtex، وبنادق كلاشنيكوف، وصواريخ كاتيوشا من عيار 107 ملم، وكانت بعض هذه الأسلحة في طريقها إلى الضفة الغربية، وفقا لتقارير من مصادر أردنية.
وقد أصبح تهريب السلاح والمخدرات المتكرر مصدر قلق بالغ للحكومة الإسرائيلية، ما دفعها في مايو/أيار إلى إقرار خطة تمتد لخمس سنوات بتكلفة 1.4 مليار دولار لتعزيز أمن الحدود مع الأردن.
وتتضمن الخطة زيادة وجود الجيش الإسرائيلي في المنطقة، وبناء سياج حدودي متطور بطول 425 كيلومترا. وذكرت إسرائيل أن الخطة تأتي ردا على تزايد محاولات التسلل وتهريب الأسلحة عبر الحدود.
ووفق المجلس، ربما تتفاقم مسألة الوجود الإيراني في الأردن قريبا، فقد ترى طهران في قرار الحكومة الأردنية الأخير حظر جماعة الإخوان المسلمين -بل وحتى الترويج لأيديولوجيتها- فرصةً ذهبيةً لتوسيع موطئ قدمها في البلاد.
وقال: "على الرغم من هذه التهديدات، تدرك القيادة الأردنية أن اندلاع اضطرابات داخلية واسعة بسبب عدّ عمّان مفرطة في دعمها لإسرائيل قد يشعل سخطا شعبيا، هو قائم بالفعل بسبب تدهور الاقتصاد الأردني، وعدد من السياسات الاجتماعية والاقتصادية، ما قد يؤدي إلى انتفاضة".
"وتزداد هذه المخاوف حدة في ظل الاتهامات التي ظهرت عام 2021، وتحدثت عن تورط الأمير حمزة بن الحسين، الأخ الأصغر غير الشقيق للملك عبد الله الثاني وولي العهد السابق ذي الشعبية، في محاولة محتملة للإطاحة بالنظام".
وأضاف المجلس: "يعلم الملك أنه لا بد من الموازنة بين الدعم الأمني والاقتصادي المهم الذي يتلقاه من تل أبيب، والضغوط الداخلية المتزايدة التي تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل".
واستدرك "لكن الحفاظ على هذه الشراكة سيزداد صعوبة إذا طال أمد الحرب في غزة وتصاعدت، وهو سيناريو يبدو مرجحا بعدما أقرّ المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي، في 5 مايو 2025، خطة شاملة جديدة لتكثيف الهجوم على حركة (المقاومة الإسلامية) حماس واحتلال غزة".

أبرز التوصيات
ووضع المجلس عدة توصيات لصناع القرار، قائلا: "للحفاظ على الشراكة بين إسرائيل والأردن وتعزيزها في هذا السياق المتقلب، ينبغي على الطرفين السعي إلى تعزيز التعاون بعيدا عن الأنظار، مع ضمان أن يُحقق قيمة إستراتيجية حقيقية".
على سبيل المثال، بينما ينتظر الأردن منذ فترة تزويده بمنظومات صواريخ باتريوت من الولايات المتحدة، يمكن لإسرائيل أن تعزز دفاعاته الجوية بهدوء، من خلال نشر منظومة "القبة الحديدية" أو حتى "آرو 3" بالقرب من الحدود بين الجانبين، وفق قوله.
ويرى المجلس أن هذه الخطوة ستوفر تغطية دفاعية حاسمة ضد التهديدات الجوية من الطائرات المسيّرة والصواريخ المدعومة من إيران في الأجواء المشتركة بين إسرائيل والأردن، من دون أن تثير ردود فعل غاضبة في الداخل الأردني، كما قد يحدث إذا نُشرت هذه الأنظمة داخل أراضي المملكة.
ثانيا، ينبغي على الطرفين إضفاء طابع رسمي على التنسيق الاستخباراتي في مجالات مكافحة التهريب، والدفاع السيبراني، وقدرات الإنذار المبكر، بحسب المجلس.
ويمكن أن يتجسد هذا التعاون "من خلال إنشاء خلايا استخباراتية مشتركة أو منصات لتبادل البيانات، تتيح للمسؤولين الإسرائيليين والأردنيين والأميركيين تبادل المعلومات والرؤى آنيا، بما يساعد على استباق التهديدات الأمنية والتعامل معها بشكل أكثر فاعلية".
ثالثا، يُوصي المجلس بأن يبني الجانبان على الدور الذي يلعبه الأردن في مشروع "الجسر البري" القائم بين إسرائيل والخليج.
وهو ممر بري يربط موانئ إسرائيل بدول الخليج ويهدف إلى تصدير البضائع من آسيا إلى أوروبا عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويمكن تحقيق ذلك عبر توسيع البنية التحتية وتعزيز التنسيق التنظيمي.
ولمواجهة الانتقادات المحتملة لمثل هذه المشاريع، نظرا لطبيعتها العلنية وحساسيتها السياسية، يقترح المجلس دمجها ضمن مبادرات متعددة الأطراف مثل "ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الاقتصادي" (IMEC) أو شبكة السكك الحديدية الإقليمية.
فمن شأن هذه المشاريع -وفق المجلس- أن تُعزز الاقتصاد الأردني المتعثر، مما يمنح الحكومة أدوات أفضل لاحتواء الضغوط الداخلية، ويزيد من متانة شراكاتها في المنطقة.
أخيرا، يمكن أن يعمل الطرفان على إحياء اتفاق "الماء مقابل الطاقة" بين إسرائيل والأردن والإمارات، من خلال إشراك أطراف أخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة أو البنك الدولي.
ويرى المجلس أن "إدخال جهات متعددة الأطراف في هذا المشروع قد يُسهم في تخفيف الانطباع العام حول ضلوع إسرائيلي مباشر، وهو ما من شأنه أن يُخفف من الحساسية السياسية الداخلية في عمّان ويُعزز فرص تنفيذ الاتفاق".
ويزعم أن هذه الخطوات لن تُعزز الاستقرار الإقليمي وتقوي العلاقة القائمة بين إسرائيل والأردن فحسب، بل ستساعد أيضا الملك الأردني على التعامل مع حالة الاستياء الداخلي المتصاعدة، والضغوط الاقتصادية، والتهديدات الأمنية الإقليمية في ظل مشهد شرق أوسطي يزداد اضطرابا، وفق تقديره.