متقلب المزاج تحركه الأيديولوجيا.. الجانب الخفي في حياة قائد جيش باكستان

وُلد منير في مدينة روالبندي الباكستانية عام 1968 لعائلة هندية مسلمة
يُعدّ رئيس أركان الجيش الباكستاني، عاصم منير، على نطاق واسع، الشخصية الأقوى في حكومة بلاده، وهو الآن في أوج مسيرته بعد المواجهة مع الهند في مايو/أيار 2025.
فقد عززت المواجهات التي أوشكت أن تدفع الخصمين المسلحين نوويا نحو حرب شاملة، من سمعته ومكانته، لا سيما أنها انتهت بعرض من واشنطن للتدخل في حلّ قضية كشمير، وهو ما أثار استياء صانعي القرار في نيودلهي.
وبعد جولة التصعيد، رُقّي منير إلى رتبة مشير، ليصبح بذلك رئيس أركان الجيش الوحيد في تاريخ باكستان الذي حصل على هذه الرتبة، وفق ما قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

أسلوب غير مسبوق
وسلّطت المجلة الضوء على القائد العسكري الباكستاني الحالي، مشيرة إلى أنه يتبنى نهجا يميّزه عن سابقيه من قادة الجيش، وأن أسلوبه غير المسبوق في التعامل مع الملفات السياسية عزّز من شعبيته بشكل لافت.
وقالت، في تقرير لها: إن ترقية منير جاءت تتويجا لتحول في صورته لدى الرأي العام الباكستاني.
وأوضحت أنه لم يكن جزءا من التيار الثقافي السائد في المؤسسة العسكرية، إذ تميّز بتدين واضح يُميّزه عن تقاليد الجيش الذي لطالما اتّسم بنزعة اجتماعية أكثر اعتدالا.
وأشارت إلى أن منير كان مرتبطا في نظر كثير من الباكستانيين بجملة من السياسات التي لم تحظ بقبول عام، مثل اعتقال رئيس الوزراء السابق عمران خان، وحملة القمع التي نالت أنصاره في "حركة الإنصاف"، والتي شملت محاكمة المتظاهرين أمام محاكم عسكرية بدلا من القضاء المدني.
وقالت: إن المواجهة الأخيرة مع الهند غيّرت كل ذلك. ففي أوائل مايو عندما شنت نيودلهي ضربات داخل عمق الأراضي الباكستانية، انتعشت حظوظ منير بين عشية وضحاها.
ورأى خبراء باكستانيون أن الدخول في صراع مسلح مع الهند كان بالضبط ما يحتاجه منير.
وقال الكاتب الباكستاني المقيم في نيويورك، رضا أحمد رومي: إن "منير أصبح فجأة الشخصية الأكثر شعبية وقبولا في باكستان".
ووفقا لاستطلاع رأي حديث، تحسنت شعبية الجيش الباكستاني لدى 93 بالمئة من المشاركين بعد جولة التصعيد. في المقابل، بلغت نسبة ثقة الحكومة المدنية في باكستان 73 بالمئة.
وأشارت المجلة إلى أن هذا التحول الكبير في صورة منير يأتي بعد فترة كان يُنظر إليه فيها كمهندس لحملة قمع واسعة ضد حكومة خان المدنية وأنصاره.
ففي 9 مايو 2023، وبعد توقيف خان بتهم فساد، اندلعت احتجاجات واسعة في أنحاء البلاد.
ولفتت المجلة إلى أن أنصار خان اتهموا منير، بصفته قائد الجيش، بتصفية حساب قديم يعود إلى عام 2019 حين أقاله رئيس الوزراء السابق من رئاسة جهاز الاستخبارات الباكستاني (ISI).
وأضاف أن المتظاهرين هاجموا منشآت عسكرية، من بينها مقر إقامة أحد كبار القادة، واقتحموا مقر القيادة العسكرية في مدينة روالبندي.
وقال خان بعد أسبوع من الاحتجاجات: "لا شك أن الجيش هو من يقف وراء اعتقالي". وأضاف: "باكستان تُدار الآن من قِبل قائد الجيش، وهو من يقود الحملة ضدنا"، في إشارة إلى منير.
وتابع: "الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية فوق القانون. يمكنهم اعتقال الناس، وإخفاؤهم قسرا، والتأثير على القضاة، وقمع الإعلام. لا توجد مساءلة لهذه المؤسسة".
وكانت هذه من المرات القليلة التي تحدى فيها الباكستانيون هيمنة الجيش علنا، وفق المجلة. أما منير، فقد عد ذلك خطا أحمر، وقال إنه "لا يمكن التساهل" مع من وصفهم بمخططي "اليوم الأسود".
وقد حُكم على خان بالسجن لمدة 14 عاما، وأُجبر عدد من أنصاره على الهروب والاختفاء. وفي تلك الأثناء، وُجّهت لمنير، الذي يُعد الرجل الأقوى في البلاد رغم الجدل المحيط به، اتهامات بشن حملة تطهير ضد أنصار رئيس الوزراء السابق، حتى أولئك الذين يعملون في الجيش.
وقال رومي في مكالمة هاتفية مع مجلة فورين بوليسي: "كثير من العسكريين المتقاعدين كانوا يعلنون دعمهم لخان".
من بين هؤلاء كان عادل راجا، الضابط السابق في الجيش الباكستاني والمقيم حاليا في المملكة المتحدة، والذي قال: "اقتحمت وكالة الاستخبارات منزل والدتي في روالبندي، ثم جُمّدت أصولي وسُحبت جنسيتي، وكل ذلك بأمر من عاصم منير".
وتساءل: "لماذا؟ لأنني انتقدت منير وحكم العسكر في باكستان على قناتي في يوتيوب، وعبّرت عن دعمي لخان".
وذكر راجا أنه حصل على قائمة رسمية بأسماء معارضين باكستانيين في الخارج، قال: إن منير يضايقهم.

نشأة دينية محافظة
وتابع راجا: "ليس كل من في الجيش يؤيدون طريقة منير في التعامل مع خان، كما أنه يُعد دخيلا على المؤسسة، وليس من أبناء العائلات العسكرية التقليدية".
وأوضح: "نشأته كانت دينية ومحافظة، وهو يحاول الآن تشكيل الجيش وفق رؤيته الأيديولوجية الخاصة".
وعلى عكس أسلافه، تخرّج منير في مدرسة تدريب الضباط، وليس الأكاديمية العسكرية الباكستانية المرموقة، وكان والده معلما، وينحدر من أسرة متدينة وبسيطة.
وأضافت المجلة أن منير يختلف أيضا عن أسلافه في جوانب أكثر جوهرية.
فبعد أن نفّذت الهند ضربات داخل الأراضي الباكستانية، وقالت حكومة إسلام أباد: إنها أسقطت خمس مقاتلات هندية، رأى البعض في هذا الموقف فرصة لباكستان كي تُعلن "النصر" أمام جمهورها الداخلي وتتجنب تصعيد الصراع، لكن منير بدا وكأنه ميّال للمواجهة.
وفي اليوم التالي للضربات الهندية، قال صحفي باكستاني يعمل في التلفزيون، وتتبع أداء العديد من قادة الجيش في البلاد، لمجلة "فورين بوليسي"، بشرط عدم الكشف عن اسمه: "نتوقع ردا شديدا من هذا القائد العسكري. إنه شديد العدوانية".
وتتفق هذه النظرة مع تقييم المبعوث الأميركي السابق إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي رأى أن منير "متقلب المزاج" إلى حد لا يؤهله للتحكم في الزر النووي.
ورغم أن منير عمل بشكل وثيق مع سلفه المباشر، قمر جاويد باجوا، فإن مواقفهما تجاه الهند كانت مختلفة.
فقد أعطى باجوا الأولوية للاستقرار الاقتصادي في باكستان، ولهذا تبنى نهجا متحفظا في التعامل مع النزاعات مع الهند.
ففي عام 2019، حين ردت الهند على هجوم استهدف قافلة عسكرية في بولواما تبنته جماعة "جيش محمد" المتمركزة في باكستان، اكتفى الجيش الباكستاني بالرد دون تصعيد شامل، بل ووافق على إعادة طيار هندي أُسر في تلك المواجهة كإشارة لحسن النية.
وأضاف رومي: "الإستراتيجية العسكرية لمنير تختلف كثيرا عن تلك التي تبناها باجوا، فقد كان الأخير يتحدث عن الجغرافيا الاقتصادية، وكان حريصا على استئناف الحوار والتجارة مع الهند".
وتابع: "أخبرني مسؤولون كبار في وزارة الخارجية أن باجوا طلب منهم بالفعل إيجاد سبل لإعادة إطلاق المحادثات والعلاقات التجارية".
ومن منظور هندي، لا يوجد قائد عسكري باكستاني جيد، إذ يُعتقد أن جميعهم يدعمون جماعات معادية للهند وأعمال العنف في كشمير، لكن بعضهم يعد أسوأ من غيره، ومنير في مقدمة هؤلاء.
وكتب الصحفي الهندي، شيخار غوبتا، أن الحديث عن كشمير يُعد "مادة إلزامية في المناهج الباكستانية"، لكن "لم يُدلِ أي قائد للجيش بتصريحات قوية عن كشمير منذ سنوات".
وصرّح منير سابقا بأن الهندوس والمسلمين مختلفون تماما، ليكشف بذلك عن الرؤية التي تقف في صلب النزاع بين الهند وباكستان بشأن كشمير.
وقال: "أدياننا وعاداتنا وتقاليدنا وأفكارنا وطموحاتنا مختلفة"، موضحا أن هذا هو السبب في أن التقسيم كان ضروريا.
ومع ذلك، أشار آخرون إلى أن دافع منير قد لا يكون الانقسام العقائدي والديني فقط، بل ربما تأثره بصدمة نفسية موروثة من جراح التقسيم، أو بخلفية ثقافية ترسخت في داخله دون وعي.
ووُلد منير في مدينة روالبندي الباكستانية عام 1968، لعائلة هندية مسلمة هاجرت من مدينة جالندهر في إقليم البنجاب الهندي إلى باكستان أثناء التقسيم.
وكتب مانفيندرا سينغ السياسي في "بهاراتيا جاناتا" الحزب الحاكم في الهند ورئيس لجنة رعاية شؤون الجنود في ولاية راجاستان، قائلا: "عدد كبير من البنجابيين في باكستان هم من المهاجرين الهنود، يحملون في ذاكرتهم أراضي فُقدت، وأملاكا تلاشت، وحيوات اقتُلعت من جذورها".
وقال الصحفي الهندي: إن منير "يحمل داخله الكثير من الأعباء"، ولذلك فإن وقف إطلاق النار القائم بين الجيش الباكستاني والهند قد لا يكون سوى "استراحة مؤقتة"، ما لم يُدعَّم بقرار سياسي.
في المقابل، يقضي خان حاليا حكما بالسجن لسنوات طويلة، بينما يواصل منير صعوده.
وخلال مثوله أمام محكمة داخل السجن، سخر خان خلال مايو، من منير عبر حسابه على منصة "إكس"، وكتب: "كان من الأفضل لو منح نفسه لقب ملك بدلا من مشير".