في ظل تصاعد اللهجة الأوروبية.. لماذا تتجنب ميلوني انتقاد نتنياهو؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

وصفت صحيفة إيطالية موقف رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني من الحرب على غزة بـ"الغامض"، في وقت يطلق فيه قادة أوروبيون آخرون تصريحات غاضبة من الجرائم الإسرائيلية.

وقالت صحيفة "إيل بوست": إن خطاب ميلوني ظل مترددا وموزعا بين دعم حذر لإسرائيل وتعبير إنساني غير صريح عن القلق تجاه المدنيين الفلسطينيين، دون إدانة مباشرة للانتهاكات أو دعوة جادة لوقف إطلاق النار. 

ويُعزى هذا التردد إلى توازنات التحالف اليميني الحاكم في إيطاليا وضغوط داخلية وخارجية، تجعل رئيسة الوزراء تسير على خيط رفيع بين إرضاء حلفائها وداعميها، والحفاظ على صورة إيطاليا في الساحة الدولية، وفق الصحيفة.

توازن صعب

وفي صباح 28 مايو/ أيار 2025، كان من المقرر أن يدلي وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، بكلمة في مجلس الشيوخ لعرض موقف الحكومة من الحرب في غزة والأزمة الإنسانية هناك. 

وقبل الجلسة، عبر بعض نواب حزب "فورزا إيطاليا" -حزب تاجاني نفسه- عن عدم توقعهم شيئا ملموسا، معتبرين أنه "سيتحدث كثيرا دون أن يقول شيئا عمليا".

وبالفعل، تبرز الصحيفة أن كلمته التي ألقاها في غرفتي البرلمان، جاءت لتؤكد نهج الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني في التريث والحذر إزاء أزمة الشرق الأوسط.

ولكن رغم ذلك، استخدم تاجاني لهجة نقدية نادرة تجاه حكومة إسرائيل، مشيرا إلى الجهود الإنسانية التي تبذلها بلاده لدعم سكان غزة، وإلى العلاقات الإيجابية مع السلطة الفلسطينية، ومكررا دعم إيطاليا لخطة السلام التي طرحتها مصر لإعادة إعمار القطاع. 

لكن من الجدير بالإشارة هنا أن خطابه خلا من أي إشارة إلى مبادرات دبلوماسية إيطالية أو مقارنة لموقف بلاده بمواقف الحلفاء الأوروبيين، كما أنه تجنب ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أو تقييم أفعاله.

ومن جانبه، وصف النائب بالحزب الديمقراطي بيبي بروفينتسانو، هذا الموقف بأنه "جمود غير مقبول وعجز من الحكومة تجاه المجازر الجارية بغزة".

وفي هذا السياق، تقول الصحيفة: إنه "على الرغم من انسجام موقف إيطاليا مع توجهات الاتحاد الأوروبي، تجد ميلوني صعوبة في اتخاذ موقف واضح".

وتعزو ذلك إلى "تاريخها السياسي ومحاولاتها المستمرة لبناء علاقات مع الجالية اليهودية، فضلا عن الحسابات الانتخابية واستطلاعات الرأي".

ولكن هذا التوازن بات صعبا، بحسب الصحيفة، حيث بدأ الاتحاد الأوروبي بانتقاد إسرائيل كما تزايد نفور الرأي العام حتى في أوساط اليمين، من نتنياهو. 

علاوة على ذلك، تنوه إلى أن "إيطاليا امتنعت في أكثر من مناسبة أممية عن التصويت على قرارات تتعلق بوقف إطلاق النار أو الاعتراف بفلسطين، خلافا لمواقف أكثر حسما من دول مثل فرنسا وإسبانيا".

تغير ملحوظ 

أما داخليا، فتشير "إيل بوست" إلى أن "ميلوني نجحت في عدم الظهور كعدوة للقضية الفلسطينية، مع تأكيدها على مبدأ دولتين لشعبين، الذي لطالما كان من ثوابت الدبلوماسية الإيطالية، لكنها فعلت ذلك وهي تحافظ على توازن دقيق".

ففي البرلمان، عارض حزب "فراتيلي ديتاليا" الاعتراف الرمزي بدولة فلسطين، لكنه أيد الدعوات لوقف إطلاق النار ولإعادة إعمار غزة، بل وعبر أحيانا عن تقارب مع مقترحات الحزب الديمقراطي.

وتضيف الصحيفة كذلك أن "الحزب عبر في عدة مناسبات عن رفضه بعض تصريحات وعمليات نتنياهو العسكرية، لكنه فعل ذلك بطريقة حذرة، دون التشكيك بالعلاقة الوثيقة والصداقة التي تربط الحكومة الإيطالية بنظيرتها الإسرائيلية".

وتوضح أن "هذا الموقف -الغامض أحيانا- أنتج تباينات داخل أحزاب الحكومة نفسها، التي كثيرا ما تختلف فيما بينها حول السياسة الخارجية".

فعلى سبيل المثال، عبر وزير الدفاع غيدو كروزيطو، وأحيانا تاجاني نفسه، عن انتقادات أكثر وضوحا لنتنياهو، بينما جدد ماتيو سالفيني مرارا دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي.

لكن في الأسابيع الأخيرة، وكما أكدت الصحيفة سابقا، أصبح من الصعب الحفاظ على التوازن الذي التزمت به الحكومة الإيطالية حتى الآن.

فعلى المستوى الدولي، بدأت أوروبا تأخذ مسافة من إسرائيل، ولو من خلال خطوات رمزية فقط. 

إذ أصدر قادة فرنسا وكندا والمملكة المتحدة، في 15 مايو/ أيار 2025، بيانا مشتركا أدانوا فيه بشدة "استئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية". 

وفي 16 مايو 2025، وبمبادرة من رئيسة الدبلوماسية الأوروبية كايا كالاس، أعلن وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي عن مراجعة اتفاق الشراكة السياسية والتجارية مع إسرائيل، الساري منذ عام 2000.

وهنا، تنوه الصحيفة إلى أن إيطاليا كانت من بين سبعة بلدان صوتت ضد هذا القرار، إلى جانب ألمانيا والمجر، فيما أيده 20 بلدا.

وبعد أيام قليلة، صرح المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، بأنه لم يعد يفهم ما يفعله نتنياهو في غزة، وهو موقف محسوب لكنه مثير للانتباه، خاصة أن ألمانيا، نظرا لذكريات الهولوكوست، كانت دائما الدولة الأوروبية الأكثر دعما لإسرائيل. 

ولذلك، وفي إطار هذا المشهد، يمكن القول إنه "حتى الحكومات التي كانت حتى وقت قريب تتبنى حذرا مشابها لحذر إيطاليا بدأت في اتخاذ مواقف أكثر وضوحا".

اللعب مع الجميع

ومن جهة أخرى، تبرز "إيل بوست" وجود بعد انتخابي واضح في موقف الحكومة الإيطالية من الحرب في غزة. 

إذ أظهر استطلاع رأي أجرته وكالة "ديموس" ونُشر في صحيفة "ريبوبليكا"، أن "نتنياهو يحظى بتأييد منخفض حتى بين ناخبي حزب فراتيلي ديتاليا الحاكم، حيث عبر فقط 28 بالمئة منهم عن آراء إيجابية تجاهه". 

وهذا الانخفاض في التأييد أثار قلقا داخل الحزب من أن يُنظر إلى الحكومة على أنها متساهلة مع نتنياهو، مما قد يؤدي إلى تراجع شعبيتها. 

ولهذا السبب، تبين الصحيفة أن "التصريحات شديدة الانحياز لإسرائيل، التي أطلقها السيناتور جوليو تيرتسي دي سانت أجاتا خلال جلسة البرلمان، لم تلق ترحيبا من بعض زملائه".

وفي المقابل، تشير إلى أن "النائب جيانجاكومو كالوفيني، رئيس لجنة الشؤون الخارجية عن فراتيلي ديتاليا، حاول الدفاع عن توازن الحكومة". 

إذ أكد أن "إيطاليا تسعى للسلام وتحافظ على الحوار مع إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن تتجاهل الصور المؤلمة من غزة".

كما دعا إلى "دعم مبادرة السلام العربية التي تنص على الاعتراف بفلسطين في حال إزاحة حكم (حركة المقاومة الإسلامية) حماس من القطاع".

وهنا، تعكس الصحيفة أن هذه المواقف "لا تقتصر على تقديرات سياسية آنية، بل ترتبط بإرث دبلوماسي طويل"، مبينة أنه "منذ النصف الثاني من القرن العشرين، اتبعت إيطاليا سياسة تجمع بين التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة والانفتاح على العالم العربي".

كما أنها "لعبت دور الوسيط بين الأطراف، حتى لو كلفها ذلك توترا مع واشنطن وتل أبيب". واليوم، تؤكد الصحيفة أن "إيطاليا تسعى جاهدة للحفاظ على هذا التوازن دون المساس بموقفها الواضح من إدانة حماس".

إرث تاريخي

ومن ناحية أخرى، تسلط الضوء على أن "جورجيا ميلوني تسعى جاهدة للحفاظ على العلاقات الإيجابية التي بنتها بصعوبة مع الجاليات اليهودية في إيطاليا والغرب". 

ويعود ذلك إلى الإرث التاريخي المعقد لليمين الإيطالي، خصوصا جناحه ما بعد الفاشي، الذي لطالما واجه شكوكا عميقة من المجتمع اليهودي بسبب القوانين العنصرية في عهد الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني.

كما أنه يعود إلى تعاونه مع النازية، إضافة إلى بقايا معاداة السامية التي استمرت لسنوات داخل "الحركة الاجتماعية الإيطالية"، السلف السياسي لـ "فراتيلي ديتاليا".

وفي هذا السياق، تذكر "إيل بوست" أنه "في عام 2003، اتخذ جانفرانكو فيني، (زعيم التحالف الوطني) آنذاك، خطوة مهمة نحو التهدئة بإدانته الصريحة للسياسات المعادية لليهود خلال زيارة لمتحف المحرقة في القدس، وهو النهج الذي واصلت ميلوني العمل عليه". 

ويتجلى ذلك في مواقفها العملية، مثل إلغاء زيارتها للحي اليهودي في روما عام 2021 بعد تصريحات معادية للسامية أدلى بها مرشح اليمين إنريكو ميكيتي، لتجنب الإحراج.

علاوة على ذلك، تظهر الصحيفة أن تسريبات "فانبيج" التي كشفت عن تعليقات معادية للسامية من أعضاء في منظمة "الشبيبة الوطنية"، أدت إلى استقالات سريعة، ما يعكس حرص قيادة الحزب على ضبط هذا الملف. 

وتولي ميلوني هذا الأمر اهتماما بالغا، إذ رشحت في 2022 الصحفية إيستر مييلي، المتحدثة السابقة باسم الجالية اليهودية في روما، عضوا في مجلس الشيوخ.

وفي بداية ولايتها، نظمت ميلوني لقاءات تؤكد دعمها للجالية اليهودية، منها استقبالها لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي ومشاركتها في إحياء ذكرى الصحفيين اليهود وكلمتها المؤثرة في المتحف اليهودي خلال احتفال "حانوكا". 

علاوة على ذلك، تضيف الصحيفة أن "رئيس مجلس الشيوخ إينياتسيو لا روسا، لعب دورا مهما في بناء العلاقة مع الجالية اليهودية في ميلانو".

وفي هذا الصدد، تذهب إلى أن "كل هذه المواقف تفسر حذر ميلوني الشديد في انتقاد الحكومة الإسرائيلية، وحرصها على حماية علاقاتها المتينة مع الجاليات اليهودية، بعيدا عن الحسابات السياسية الظرفية".

وفي النهاية، تتحدث عن البعد الدبلوماسي الذي لا يمكن تجاهله. إذ تجمع ميلوني بنتنياهو علاقة تقارب سياسي، ويُعد كلاهما من أبرز قادة اليمين المتطرف في الحكم، كما أن كلا منهما تجمعه صلات مختلفة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. 

وهنا، توضح الصحيفة أن موقف ترامب بات مصدرا للضبابية، فبعد سلسلة التصريحات الداعمة لنتنياهو، أظهر أخيرا استياء متكررا من بعض قراراته. 

وهذا التغير ينذر بإمكانية حدوث شرخ داخل معسكر اليمين السيادي العالمي، ما قد يدفع ميلوني إلى التعامل مع الملف الإسرائيلي-الفلسطيني بقدر أكبر من الحذر والتروي.