"إلغاء الاتحاد الأوروبي شراكته مع إسرائيل".. لماذا يصعب التنفيذ؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

في ظل تصاعد الانتهاكات بحق الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، تسلط صحيفة "دياريو دي نوتيسياس" البرتغالية الضوء على نقاش متزايد داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل العلاقات مع إسرائيل. 

ويأتي هذا الجدل في سياق اتفاقية الشراكة الموقعة عام 2000، والتي تنص على أن "احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية شرط أساسي لاستمرار التعاون". 

ومع تزايد الدعوات من عدد من الدول الأعضاء والمنظمات الحقوقية لمراجعة الاتفاقية أو تعليقها، تقول الصحيفة: إن الاتحاد الأوروبي يواجه لحظة حاسمة لاختبار التزامه بقيمه ومبادئه في السياسة الخارجية.

ولأول مرة منذ بداية العدوان على غزة، بدأت دول أوروبية بالتلويح بخيار فرض عقوبات على إسرائيل جراء توسيع "العملية العسكرية" في القطاع ومنع الغذاء منذ أكثر من شهرين.

وبدأ جيش الاحتلال منتصف مايو/أيار 2025، شن ضربات واسعة ونقل قوات للاستيلاء على مناطق داخل قطاع غزة وتوسيع دائرة نزوح السكان، ضمن ما سماها حملة "عربات جدعون".

وأمام هذا التصعيد الخطير الذي يهدف إلى احتلال كامل قطاع غزة وتهجير سكانه، تصاعدت حدة اللهجة الأوروبية وسط دعوات لدراسة خيارات بروكسل لوقف تل أبيب، مع التلويح بخيار العقوبات.

انتقاد مرفوض

وأشارت الصحيفة البرتغالية إلى أن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران 2000، يهدف إلى إقامة "إطار قانوني ومؤسسي مناسب للحوار السياسي والتعاون الاقتصادي بين الطرفين".

العنصر الأساسي في هذا الاتفاق هو البند الثاني، الذي ينص على أن "العلاقات بين الطرفين، وكذلك جميع أحكام الاتفاق نفسه، يجب أن تستند إلى احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية التي توجه سياستهما الداخلية والدولية". 

وهنا، تبرز الصحيفة أن "أي مراجعة من جانب بروكسل تستند إلى مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان تُعد إشارة دبلوماسية قوية إلى تل أبيب".

وفي هذا الإطار، توضح أن "البند الثاني بالتحديد كان هو ما دفع وزراء خارجية 17 من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، من بينها البرتغال، إلى الموافقة على مراجعة اتفاق الشراكة مع إسرائيل".

وفي هذا الصدد، أوضحت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، كايا كالاس، قائلة: "الوضع في غزة كارثي. المساعدات التي سمحت إسرائيل بدخولها مرحب بها بالطبع، لكنها لا تكاد تُذكر مقارنة بما هو مطلوب".

وأردفت أنه "يجب أن تتدفق المساعدات فورا دون عوائق وبشكل واسع النطاق، لأن هذا هو ما تقتضيه الحاجة".

وفي المقابل، رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية انتقادات كالاس، وترى أنها تعكس "سوء فهم تام للواقع المعقد الذي تواجهه إسرائيل"، وفق زعمها.

وأضافت وزارة خارجية الاحتلال أن "تجاهل هذه الوقائع وانتقاد إسرائيل فقط يؤدي إلى تشديد موقف (حركة المقاومة الإسلامية) حماس وتشجيعها على الاستمرار في موقفها".

الاتفاق يدعم الاحتلال

وفي هذا الإطار، تسلط الصحيفة الضوء على أن اتفاق الشراكة بصيغته الحالية، يعد ذا أهمية خاصة لإسرائيل.

إذ يعد الاتحاد الأوروبي شريكها التجاري الرئيس، حيث شكل 32 بالمئة من إجمالي تجارة السلع الإسرائيلية مع العالم عام 2024.

وبتفصيل أكبر، تذكر الصحيفة أن "34.2 بالمئة من واردات إسرائيل جاءت من الاتحاد الأوروبي خلال عام 2024، بينما ذهب 28.8 بالمئة من صادراتها إليه". 

ولكن في المقابل، تنوه إلى أن تل أبيب تعد الشريك رقم 31 للاتحاد، إذ تمثل 0.8 بالمئة من تجارته. وبلغ إجمالي تجارة السلع بين الطرفين في عام 2024 نحو 42.6 مليار يورو.

ووفقا لبيانات صادرة عن الاتحاد الأوروبي لعام 2024، بلغت وارداته من إسرائيل 15.9 مليار يورو، وكانت تتصدرها الآلات ومعدات النقل المنتجات الكيميائية ومنتجات مصنعة أخرى.

أما فيما يخص صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل، توضح الصحيفة أنها بلغت 26.7 مليار يورو، وهيمن عليها قطاع الآلات ومعدات النقل، تليه المنتجات الكيميائية، ثم المنتجات المصنعة الأخرى.

جدير بالإشارة هنا إلى أن السلع القادمة من المستوطنات الإسرائيلية لا تندرج ضمن هذا الاتفاق التجاري. ومن جهة أخرى، أفادت الصحيفة بأن الاتفاق يشمل دعما سياسيا وماليا لتل أبيب.

إلا أن وثائق صادرة عن بروكسل تنص على أنه "نظرا لمستوى التنمية الاقتصادية المتقدم في إسرائيل، فإن أموال الاتحاد الأوروبي تُستخدم بشكل أساسي في مشاريع التوأمة والإدارة العامة، بمجالات التعليم والاتصالات وإدارة الموارد المائية". ويعادل ذلك، حوالي 1.8 مليون يورو سنويا.

خطوة متأخرة

وفي إطار المشهد الحالي، تبرز أن "المسؤولية الآن تقع على عاتق المفوضية الأوروبية، بقيادة أورسولا فون دير لاين، لبدء مراجعة تهدف إلى تحديد ما إذا كانت تل أبيب قد انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب المادة الثانية من اتفاق الشراكة". 

وطالبت إسبانيا وإيرلندا قبل أكثر من عام المفوضية بإجراء هذه المراجعة، لكن دون جدوى. وهذا الإجراء "لا يعني تعليقا فوريا للتبادل التجاري أو الحوار السياسي بين الطرفين، لكنه يفتح الباب أمام احتمال حدوث ذلك، رغم أن حدوثه يعد مستبعدا إلى حد كبير"، وفق الصحيفة.

وتضيف أنه "بعد أن تعد المفوضية الأوروبية تقريرها بشأن مراجعة المادة الثانية، سيعود القرار إلى دول الاتحاد الأوروبي لتحديد ما إذا كانت ستعلق اتفاق الشراكة مع إسرائيل".

ويجب أن يتم ذلك إما بإجماع الدول الأعضاء، أو عبر أغلبية مؤهلة عندما يتعلق الأمر بالأحكام التجارية أو مشاركة تل أبيب في مشاريع أوروبية مثل برنامج "أفق أوروبا" للبحث والابتكار. 

ووفق ما ورد عن الصحيفة البرتغالية، فإن "الأغلبية المؤهلة تعني موافقة 55 بالمئة من الدول الأعضاء، أي 15 من أصل 27، بشرط أن تمثل هذه الدول على الأقل 65 بالمئة من إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي".

وهنا، تلفت إلى أن هذا يعني أن "ألمانيا، الدولة الأكثر سكانا في الاتحاد، بالتعاون مع الدول الأقرب لإسرائيل، قد تتمكن من تعطيل القرار".

ونوهت إلى أنه: "ليس شرطا أن جميع الدول الـ17 التي صوتت أخيرا لصالح مراجعة الاتفاق تؤيد بالضرورة تعليقه".

وفي هذا الصدد، يقول حسين بعومي، المسؤول عن السياسات الخارجية في منظمة العفو الدولية لدى الاتحاد الأوروبي: "إجراء مراجعة رسمية لامتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاق الشراكة يعد خطوة أولى ضرورية".

وأضاف أن "الدوافع القانونية والدبلوماسية والإستراتيجية تجعل من التعليق ليس فقط ضروريا، بل حتميا".

وهذا الرأي يتفق معه عدد من المحللين السياسيين، من بينهم ناتالي توتشي، مديرة مركز الفكر الإيطالي "Istituto Affari Internazionali".

وقالت توتشي: إن "الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يعلق اليوم اتفاق الشراكة مع إسرائيل؛ حيث كان ينبغي عليه أن يفعل ذلك منذ وقت طويل".

وأكملت: "كان عليه أن يفعل ذلك على الأقل منذ أن وثقت جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة بوضوح، وعدتها محكمة العدل الدولية أدلة كافية للمضي قدما في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل".

وأضافت الباحثة: "أن استمرار اتفاق شراكة يرفع من شأن حقوق الإنسان كعنصر أساسي فيه، قد جعل من الاتحاد الأوروبي وقيمه موضع سخرية".

ومن جانبها، قالت مديرة وحدة أبحاث الدفاع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "أميلي فري": "مثل هذه الخطوة ستسمح للاتحاد الأوروبي بالرد على الاتهامات بعدم التحرك واتباع سياسة الكيل بمكيالين، كما ستمثل خطوة نحو بروز أوروبا كوزن جيوسياسي أكثر نفوذا وتأثيرا".

وتابعت: "قبل كل شيء، ستتماشى هذه الخطوة مع فكرة أن أوروبا يمكنها ويجب عليها أن تقدم نموذجا ديمقراطيا بديلا على الساحة العالمية".