الحشد الشعبي يعلق.. كيف سيتعامل العراق مع تهديدات نتنياهو بضرب الفصائل؟

"خطط إسرائيل بشأن أي تصعيد من جهة العراق تبدأ من ضرب البنية التحتية والمنشآت ثم الانتقال إلى عمليات اغتيال مركزة"
أثارت تهديدات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باستهداف قادة المليشيات العراقية، تساؤلات عديدة عن الجديد في تصريحات الأخير وإلى أي مدى يشكل تهديدا حقيقيا أكثر من الاستهلاك الإعلامي، وكيف ستتعامل بغداد مع ذلك؟
وخلال كلمة له في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 سبتمبر/ أيلول 2025، قال نتنياهو: إن إسرائيل تمكنت من ردع المليشيات في العراق، وأنه إذا فعلوا غير ذلك فإنه سيقضي عليهم، وذلك في أول تهديد علني منذ أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
الحشد يهدد
على وقع تهديدات نتنياهو، اكتفى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بالتعليق خلال مؤتمر صحفي في نيويورك عقده اليوم نفسه، بالقول: إن هذه التصريحات مرفوضة وغير مقبولة والهجوم على أي عراقي هجوم على العراق.
وفي السياق ذاته، ردّ رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، خلال ندوة حوارية بمجلس محافظة نينوى العراقية بثها إعلام "الحشد" في 27 سبتمبر، إن "نتنياهو تجاوز كل الخطوط الحمراء والقانون الدولي، وأصبح يشكّل تحديا لدول المنطقة".
وأضاف: "لسنا تحت حكم نتنياهو أو أي شخصية أخرى، والعراق يمتلك وسائل ردّ وحلفاء وأصدقاء إذا ما تعرض لأي عدوان. لا نهرب من التهديدات والتلويح باستخدام القوة، وملزمون بالدفاع عن البلد".
بدوره، قال المتحدث باسم فصيل "النجباء"، حسين الموسوي: إن "خطاب نتنياهو كان يتحدث عما هو قادم، وهو تهديد فارغ للمقاومة"، مؤكدا: "خياراتنا مفتوحة وقد جربوا بأسنا عندما نالتهم صواريخنا ومسيراتنا في أكثر الأماكن حساسية"، حسبما نقلت وكالة "شفق نيوز" في 26 سبتمبر.
منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، توقفت الفصائل العراقية المنضوية ضمن ما يعرف بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، عن شن هجمات على الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعدما كانت تسجل نحو 25 هجوما في الأسبوع الواحد.

وكشف رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن إحباط حكومته 29 محاولة هجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل والقوات الأميركية في العراق، لافتا إلى أن حكومته أجرت اتصالات مع طهران لضبط النفس وتجنب التصعيد مع إسرائيل.
وقال السوداني خلال مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في 29 يوليو، إنه عمل على إبقاء بلاده على الحياد خلال تصاعد المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، وأنه استخدم مزيجا من الضغط السياسي والعسكري لمنع الفصائل المسلحة الموالية للأخيرة من التدخل في الصراع.
وأكد رئيس الحكومة العراقية، قائلا: "نعلم أن إسرائيل كانت ولا تزال لديها سياسة توسيع نطاق الحرب في المنطقة. لذلك، حرصنا على عدم إعطاء أي مبرر لأي طرف لاستهداف العراق".
وقبل ذلك، صرّح وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، بأن قادة الفصائل المسلحة تعهدوا لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعدم القيام بأي تحرك قد يتسبب في رد فعل قوي ضد العراق.
وأضاف حسين خلال مقابلة تلفزيونية بثها التلفزيون العراقي الرسمي في 18 مارس/آذار 2025، أن "الجانب الأميركي لعب دورا أساسيا في منع رد الفعل الإسرائيلي وشن ضربات على العراق".
وأشار إلى أن "الجانب الأميركي تحدث صراحةً بضرورة وقف التحركات والهجمات من داخل العراق لكي تستطيع واشنطن الضغط على الآخرين بعدم مهاجمة بلدنا، فاستمرار دعم الولايات المتحدة يعتمد على تحقيق الهدوء الأمني والعسكري في الداخل العراقي".
"الردع بالخوف"
وبخصوص الجديد في تهديدات نتنياهو، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري: إن "رئيس حكومة الاحتلال يسعى لتنفيذ هجمات في العراق، بمهاجمة الأطراف التي تمثل تهديدا لإسرائيل، خصوصا أنها جهات محسوبة على إيران، لكن التهديدات الحالية قد تكون للضغط ليس أكثر".
وأضاف المساري لـ"الاستقلال" أن "العراق لا يمتلك قوة مثل إيران التي ردت بصواريخ باليستية على ضربات إسرائيل، ورغم ذلك كانت سماء الأخيرة تحت السيطرة الإسرائيلية طيلة حرب الـ12 يوما بين الطرفين، فكيف بالعراق لا يملك سيادته أجوائه، وبلا سلاح قادر على قصف الأراضي المحتلة".
وشنَّت إسرائيل عدوانا ضد إيران في 13 يونيو/ حزيران 2025، أودى بحياة عشرات القادة العسكريين والعلماء النوويين، لترد طهران بهجمات صاروخية قاسية ضد تل أبيب، ثم استهدفت واشنطن مواقع نووية إيرانية، قبل أن تعلن وقفا شاملا للحرب بعد 12 يوما من اندلاعها.
ولفت المساري إلى أن "الحكومة العراقية لا تمتلك سوى الضغط على الفصائل بعدم إقدامهم على استهداف الأراضي المحتلة، خصوصا إذا نشبت حربا جديدة بين إسرائيل وإيران، والتي ربما يأتي تهديد نتنياهو في سياق التحذير من أن مشاركة أي طرف في حال تجددت هذه الحرب".
من جهته، قال الخبير الأمني العراقي سيف رعد، إن نتنياهو يسعى إلى ترهيب الفصائل بأن الاستهداف قد يحصل في أي وقت، لافتا إلى أن حديثه عن ردع تمكنه من ردع الأخيرة، يشير إلى إجراءات عسكرية إسرائيلية سابقة أدت إلى تقليص نشاطها مثل ضربات جوية أو استخباراتية ضد أهداف مرتبطة بها.
وأوضح رعد خلال تصريح نقلته منصة "الجبال" الإخبارية العراقية في 27 سبتمبر، أن "الردع هنا يعتمد على الخوف الذي يدعي نتنياهو أنه ألقاه في قادة هذه الفصائل مما جعلهم يترددون في شن هجمات جديدة على إسرائيل أو مصالحها".
من ناحية إقليمية، يرى الخبير الأمني، فإن تصريح نتنياهو يأتي وسط حملة إسرائيلية أوسع لتفكيك محور إيران بالمنطقة، وأن العراق هو بمثابة نقطة ارتكاز للأخيرة عبر فصائلها، لذلك فإن تحديد الفصائل العراقية في خطابه- معناه عسكريا- أنها تحت السيطرة والمراقبة والاستهداف في أي وقت.
أما دبلوماسيا، يضيف رعد، فإن التهديد يشير إلى الضغط المستمر عبر واشنطن التي صنفت هذه الفصائل على لوائح الإرهاب، مما يحد من دعمها المالي أو العسكري.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية خلال بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، في 16 سبتمبر، أنها أدرجت "المليشيات العراقية الموالية لإيران، وهي حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي، على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية".

"ضوء أخضر"
ومع تهديدات نتنياهو بضرب الفصائل العراقية واغتيال قادتها، زعمت إذاعة "مونت كارلو" الدولية في 27 سبتمبر، بأن الأخيرة بدأت فورا باتخاذ تدابير وقائية شملت إخلاء المواقع الرئيسة، كما تخلى قادتها عن هواتفهم النقالة.
وبحسب تقرير الإذاعة، فإن التدابير الاحترازية طالت أيضا قيادات سياسية مهمة في الإطار التنسيقي الشيعي، (أكبر جماعة سياسية في الحكومة العراقية)، بينها هادي العامري (زعيم منظمة بدر) ونوري المالكي (رئيس ائتلاف دولة القانون)، خشية أن تستهدفهم إسرائيل.
ولفتت إلى أن تقييم القنوات الأمنية والسياسية في بغداد لتهديدات نتنياهو خلص إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إما يحاول أخذ ضوء أخضر أميركي لبدء الهجمات على الفصائل العراقية واغتيال قادتها، أو أنه يريد التنسيق مع الأميركيين للقيام بذلك.
وفي 26 يوليو/ تموز 2024، حمل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، خريطتين اسمهما "خارطة النعمة"، و"خارطة اللعنة"، في منبر الأمم المتحدة، حيث ظهر العراق ضمن الأخيرة، التي ضمت إيران ولبنان وسوريا، وملونة باللون الأسود.
في 19 نوفمبر 2024، حمّل وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الحكومة العراقية مسؤولية "كل ما يحدث على أراضيها"، مشددا على أن لتل أبيب الحق في الدفاع عن النفس.
وقال الوزير الإسرائيلي في بيان: "لقد بعثت مساء اليوم برسالة إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طالبت فيها باتخاذ إجراءات فورية بشأن نشاط المليشيات الموالية لإيران في العراق، والتي تستخدم أراضيها لمهاجمة إسرائيل".
وأكدت أن "الحكومة العراقية مسؤولة عن كل ما يحدث على أراضيها وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، لحماية نفسها ومواطنيها".
وأضاف ساعر: "دعوت مجلس الأمن إلى التحرك بشكل عاجل للتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي ووقف هذه الهجمات على إسرائيل".

وفي الوقت نفسه، كشفت صحيفة "معاريف" العبرية، أن خطط إسرائيل بشأن أي تصعيد من جهة العراق تبدأ من ضرب البنية التحتية والمنشآت ثم الانتقال إلى عمليات اغتيال مركزة تنال شخصيات في الفصائل المسلحة.
وأضافت الصحيفة، نقلا عن مسؤولي استخبارات إسرائيليين وأميركيين (لم تكشف هويتهم)، أن "إيران قد تزيد من استخدام وكلائها في العراق ردا على عمليات الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة".
وأشارت "معاريف" إلى أن "هناك مخاوف من أن طهران قد هرّبت بالفعل صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى العراق ردا على الضربات الإسرائيلية في إيران".
وفي مطلع أكتوبر 2024، أعلن الاحتلال الإسرائيلي مقتل اثنين من جنوده وإصابة نحو 20 آخرين، وذلك بانفجار مسيّرة في هجوم نُفّذ من الأراضي العراقية على قاعدة إسرائيلية في الجولان السوري المحتل.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اليوم التالي، أن إسرائيل "تدافع عن نفسها على سبع جبهات" بينها جبهة "المليشيات الشيعية في العراق".
وفي 22 سبتمبر 2024، حذرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، السلطات الإسرائيلية من مَغبّة "تجاهل" التهديدات الصادرة من العراق، بحسب وصفها، داعية إياها إلى اتخاذ ما يلزم لتأمين إسرائيل.
وقالت الصحيفة: إن "العراق أصبح مصدر تهديد مستمر لإسرائيل منذ هجوم السابع من أكتوبر مع توسعة الفصائل العراقية لعمليات القصف التي تشنها باتجاه ميناء إيلات وبعض القواعد العسكرية".
وتوعدت إسرائيل، في 25 سبتمبر 2024، بغداد بالرد على الهجمات القادمة من الفصائل المسلحة؛ إذ قال المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري: "نراقب عن كثب التهديدات التي تأتينا من العراق ونجمع المعلومات.. سنفعل ما يلزم".
المصادر
- العراق يرفض التهديدات الإسرائيلية... وقرار فصائلي بعدم التصعيد
- بعد تهديد نتنياهو.. الفصائل العراقية تخلي مواقعها تحسبا لهجمات إسرائيلية
- الفياض يردّ على تهديدات نتنياهو للفصائل العراقية: تجاوز الخطوط الحمراء.. والعراق يمتلك وسائل الردّ
- ترامب يقصف إيران ويهدد الوكلاء.. أين الفصائل العراقية من المعركة؟
- إسرائيل تهدد والعراق يستنجد بأميركا.. ما إمكانية توجيه ضربات لبغداد؟
- لونها أسود وتضم العراق.. نتنياهو يلوّح بـ"خارطة اللعنة" أمام الأمم المتحدة
- تضامنت معها ضد إسرائيل.. هل تتوقف إيران عن "التمدد" بالدول العربية؟