والي بنك المغرب يحذر من انزلاق مقلق للاقتصاد.. أخنوش إلى أين؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في سنته الأخيرة على رأس الحكومة المغربية، وجد عزيز أخنوش نفسه في موقف لا يحسد عليه بعد تقرير رسمي للبنك المركزي، أكدت معطياته فشله في الوفاء بوعوده الانتخابية وبصعوبة الوضعية الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

حيث ذكر والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري أن "أزيد من مليون و600 ألف عاطل بين 20 و30 سنة وحوالي 2,5 مليون شاب (بين 15 و25 سنة) لا يفعلون شيئا في هذه الحياة .. لا دراسة ولا شغل".

وأوضح الجواهري في ندوة صحفية عقدها في 23 سبتمبر/أيلول 2025 بالرباط، أن الاقتصاد الوطني لم ينجح سوى في خلق 5000 منصب شغل جديد ما بين الربع الثاني من عام 2024 ونفس الفترة من 2025، بعدما كان قد فقد 82 ألف وظيفة خلال 2024.

وأشار أيضا إلى خروج نحو 32 ألف شخص من سوق البحث عن العمل، ما أدى إلى انخفاض معدل النشاط الاقتصادي بـ 0.8 نقطة ليستقر عند 43.4 بالمئة.

وفي بيانات أخيرة للمندوبية السامية للتخطيط، أكدت أن معدل البطالة في صفوف الشباب (15-24 سنة) بلغ 35.8 بالمئة على المستوى الوطني خلال الفصل الثاني من 2025، فيما ظل المعدل مرتفعا جدا في المدن عند 46.9 بالمئة، مقابل 21.3 بالمئة في القرى.

ولأن البلاد مقبلة على سنة انتخابية، حذر والي بنك المغرب، من أن أي انزلاق مالي أو تراجع في الانضباط خلال السنة الانتخابية قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على السياسة النقدية، ومعدلات التضخم، والقدرة الشرائية للمواطنين.

واسترسل، "فضلا عن تأثيره المحتمل على الاستقرار الاقتصادي الوطني ومصالح مختلف الأطراف المعنية بالاستحقاقات الانتخابية".

وأشار الجواهري إلى أن الملك محمد السادس وجه بمناسبة خطاب العرش الأخير بتاريخ 29 يوليو/تموز 2025 تعليمات لوزارة الداخلية بشأن التحضير للانتخابات المقبلة، مبرزا أن هذه المرحلة تفرض المزيد من الحذر المالي والانضباط في التسيير.

وأوضح أن من بين هذه الالتزامات الحفاظ على التوازنات الميزانياتية خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع العمل على خفض العجز المالي إلى ما بين 3.5 و4 في المئة، وتقليص نسبة المديونية العامة إلى أقل من 65 في المئة، رغم أن البلاد تمر بسنة انتخابية.

وشدد والي بنك المغرب على أن "الحفاظ على الانضباط المالي يشكل ضرورة ملحة لضمان الاستقرار الاقتصادي وحماية المصالح العليا للبلاد في ظل السياق الانتخابي المرتقب".

حكومة فاشلة

أرقام والي بنك المغرب خلقت نقاشا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بالمغرب، خاصة وأنها تأتي في السنة الأخيرة من عمر حكومة أخنوش، مما يؤشر بأنها شهادة فشل حكومي في تدبير الشأن العام الوطني خلال هذه المرحلة.

وفي هذا الصدد، رأى عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب السابق محمد خيي الخمليشي، أن "أرقام والي بنك المغرب المحينة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن إدراجها ضمن خطاب المعارضة السياسية لحكومة فاشلة، بل هي أرقام ومؤشرات تظهر جزءا من الحقيقة التي تفقأ العين".

وأضاف خيي الخمليشي في تدوينة عبر فيسبوك، في 24 سبتمبر 2025، "حقيقة أننا أمام حكومة لديها "كفاءة عالية" في تهديد السلم الاجتماعي في المغرب، وكل المؤشرات والأرقام غير المفبركة تقول إن الغليان الاجتماعي  المتنامي سببه المباشر ارتفاع غير مسبوق في البطالة، والتحاق أفواج جديدة من الشباب بعالم الضياع".

وزاد: "فضلا عن اقتصاد يرزح تحت وطأة المضاربة وتضارب المصالح وسطوة "الشناقة/الوسطاء" و"الفراقشية"، وارتفاع مؤشرات الفساد والرشوة، وتنامي مظاهر سوء التدبير، وغياب العدالة المجالية، وتكريس التفاوتات في مغرب يسير بسرعتين، في ظل أولويات معكوسة وهرم مقلوب للسياسات العمومية...".

بدوره، أكد الباحث الاقتصادي محمد أبو الحسن، أن والي بنك المغرب عرى حكومة أخنوش، بالأرقام وبعيدا عن لغة العواطف والمجاملات السياسية.

وذكر أبو الحسن في تدوينة عبر فيسبوك، في 25 سبتمبر 2025، أن الجواهري قدم حقائق شكلت صفعة قوية لخطاب الحكومة المتفائل، مركزا على ثلاث قضايا رئيسة تؤرق المواطنين وتثقل كاهل الاقتصاد الوطني، وهي: غلاء المعيشة، بطالة الشباب، وتأخر الإصلاحات الهيكلية الكبرى.

وأوضح، فالمعيشة ارتفعت كلفتها وما تزال ترتفع، فيما يؤدي الثمن المواطن العادي وذو الدخل المحدود، كما أن أرقام بطالة الشباب أصبحت جد مقلقة، وبلغت مستوى ينذر بالخطر.

وزاد، فضلا عن وجود تأخير حكومي في مباشرة إصلاحات هيكلية لا تقبل المزيد من التأجيل، خاصة إصلاح أنظمة التقاعد وصندوق المقاصة.

أما الناشط السياسي حسن بلخيضر، فرأى أن ما ورد في ندوة والي بنك المغرب هو تكذيب مباشر لتصريحات رئيس الحكومة.

وشدد بلخيضر في تدوينة عبر فيسبوك، في 24 سبتمبر 2025، أن أرقام بنك المغرب ستُغضب "باطرون" الحكومة كما أغضبته سابقا تقارير مؤسسات دستورية أخرى تم تغيير رؤسائها لاحقا، كالمندوبية السامية للتخطيط، ومجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

مكامن الضعف

بخلاف الإعلام الداعم لأخنوش، والذي ركز على بعض الزوايا المحايدة أو الإيجابية في ندوة والي بنك المغرب، رصدت مواقع محلية أخرى الأبعاد والدلالات السلبية التي تؤشر عليها تلك الأرقام بخصوص أداء الحكومة.

وفي هذا الصدد، قال موقع "صفرو بريس"، إن أرقام بنك المغرب تناقض ما سبق لرئيس الحكومة أن أعلنها وخاصة بشأن تشغيل الشباب ومعالجة البطالة.

وذكر الموقع في منشور بتاريخ 25 سبتمبر 2025، أن هذه الأرقام الصادرة عن مؤسسة رسمية ذات مصداقية عالية تضع علامات استفهام كبيرة حول دقة الخطاب الحكومي، حيث إن أغلب المعطيات التي تقدمها الحكومة بخصوص التشغيل والتنمية الاقتصادية تبدو بعيدة عن الواقع الملموس في مختلف القطاعات.

واسترسل، فالواقع الاجتماعي يكشف ارتفاع نسب البطالة وسط الشباب، خاصة خريجي الجامعات، إلى جانب استمرار معاناة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتراجع القدرة الشرائية للأسر.

ورأى الموقع أن "التناقض بين الأرقام الرسمية لبنك المغرب والتصريحات الحكومية يعكس غياب التنسيق وضعف الشفافية في معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية".

وأردف: "كما أنه يكشف عن أزمة ثقة بين المواطنين والفاعلين السياسيين، حيث يعيش المواطن المغربي وضعا يوميا يؤكد هشاشة سوق الشغل وصعوبة الاندماج الاجتماعي للشباب".

وذكر أن معالجة هذه الأزمة تتطلب رؤية واقعية تعتمد على أرقام دقيقة وتدابير ملموسة، بعيدا عن لغة التجميل السياسي.

وشدد أن "الشباب الذين يشكلون عماد المستقبل يعيشون فراغا خطيرا قد ينعكس على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد في السنوات المقبلة".

أما موقع "المساء24"، فأوضح في منشور بتاريخ 25 سبتمبر 2025، أن تقرير والي بنك المغرب كشف بشكل مباشر مكامن الضعف في الأداء الحكومي الذي يقوده أخنوش، مؤكدا أن الجواهري "رسم صورة قاتمة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة".

وأشار الموقع إلى أن الجواهري دق ناقوس الخطر مرارا بشأن استمرار الموجة التضخمية التي أنهكت القدرة الشرائية للمواطنين، منبها إلى أن الحلول الحكومية لم ترق إلى مستوى الأزمة.

وأبرز المصدر ذاته أن النمو الاقتصادي المسجل لا ينعكس بشكل كاف على سوق الشغل، وأن الاقتصاد الوطني ما يزال عاجزا عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب الوافدين إليه سنويا، مما يعمّق أزمة الثقة لديهم في المستقبل.

وأوضح الموقع أن والي بنك المغرب انتقد تأخير الحكومة في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن إصلاح التقاعد والمقاصة، قائلا إن هذا التأخر يرفع من التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لهذه الإصلاحات ويجعلها أكثر تعقيدا في المستقبل.

out-5.png

أما موقع "كفى بريس"، فأكد في تحليل بتاريخ 24 سبتمبر 2025، أن أرقام بنك المغرب "توحي بنهاية ولاية الحكومة الحالية تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة".

وشدد على أن أرقام الجواهري دالة على "الفجوة الكبيرة بين الواقع الذي يعاني منه المواطنون والخطاب الرسمي للحكومة الذي يتحدث عن تحقيق النمو والتنمية".

ويرى الموقع أن والي بنك المغرب ألقى بصخرة في بركة أرادت لها الحكومة أن تبقى راكدة، بركة الأرقام التي تقول كل شيء، وتفسر معنى النتائج الإيجابية التي تدعي الحكومة تحقيقها.

ويرى المصدر ذاته أن تصريح الجواهري "يمثل دعوة واضحة للحكومة لكي تتحلى بالشجاعة السياسية اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة، التي تبقى ضرورية للحفاظ على الاستقرار المالي للبلاد على المدى الطويل".

ووصف موقع "مغرب تايمز"، أن ما جاء به الجواهري يعكس المأزق السياسي العميق الذي تعيشه حكومة أخنوش.

وأضاف الموقع بتاريخ 25 سبتمبر 2025، أن هذا المأزق ليس بالضرورة بسبب غياب النتائج الرقمية أو فشلها في إنجاز بعض المشاريع المعلنة، بل لأنها لم تفلح في أداء الدور الأهم لأي سلطة تنفيذية: إقناع المجتمع بخياراتها والتواصل معه بفاعلية.

وذكر المصدر ذاته أن أخنوش القادم من عالم المال والأعمال، تعامل مع الحكومة وكأنها واحدة من شركاته، حيث تدار القرارات بمنطق المقاولة لا بمنطق السياسة.

ورأى أن "هذا التوجه انعكس على اختياراته في تعيين الوزراء، إذ إن أغلبهم جاؤوا من فضاءات الاقتصاد والتسيير دون رصيد سياسي أو تجربة نضالية، فكان من الطبيعي أن يظهروا كمديرين تنفيذيين أكثر منهم كفاعلين سياسيين".

وقال الموقع، إن "النتيجة واضحة؛ خطاب حكومي جاف، تقني، محصور في لغة الأرقام والنسب المئوية، يفتقد للحمولة السياسية التي تسمح بفتح حوار مع المواطنين؛ غياب النقاش العمومي وعدم القدرة على إدارة حوار سياسي شفاف جعل الهوة تتسع بين الحكومة والمجتمع، لتتحول الأزمات إلى احتجاجات في الشارع".

وشدد المصدر ذاته على أن من لا يملك، بعد سنوات من تسيير الشأن العام، القدرة على مخاطبة الرأي العام عبر الإعلام الوطني، والخضوع لمسؤولية المساءلة من طرف الصحافة، ولا يسعى لإقناع الناس بخياراته، فإنه في المكان الخطأ.

واسترسل، "هذا القصور لا يضر فقط بصورة الحكومة، بل يهدد علاقة الثقة بين المؤسسات والمواطنين، وهي الثمن الأغلى الذي سيدفعه الجميع".

مزايدات سياسية

أمام حدة النقد الذي تعرض له أخنوش بعد تقرير بنك المغرب، قال المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة السابق نزار خيرون، إن الذين يدمنون الدفاع عن حصيلة الحكومة ورئيسها ولا يقبلون أي انتقاد لها، هم اليوم في وضع لا يحسدون عليه.

وشدد خيرون لـ "الاستقلال" أن الأرقام المقدمة من والي بنك المغرب ضرب بكل أرقام أخنوش عرض الحائط، دون أن يمتلك أحد من أنصار رئيس الحكومة إمكانية الإدعاء بأن الجواهري يمارس المزايدات السياسية كما جرت عادتهم في اتهام كل معارض أو مخالف.

وفي هذا الصدد، أشار المتحدث ذاته إلى أن أخنوش خرج في لقاء إعلامي عبر القناتين الأولى والثانية قبل أيام، وفضلا أن الرأي العام لم يكترث لها، فقد تضمنت العديد من المغالطات، والتي ردت عليها المعارضة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية.

واسترسل، وعوض أن نرى ردا من الحكومة وأنصارها على الأرقام والحقائق المقدمة من حزب العدالة والتنمية، والتي نسفت كل ما ورد في الخروج الإعلامي لأخنوش، رأينا أنصاره يدعون أن تلك الردود مجرد مزايدات سياسية.

ورأى خيرون أن كل ما جاء على لسان الجواهري وأيضا تفاعلات الرأي العام معه، يؤكد أن الحكومة الحالية فاقدة للمصداقية وفاقدة لشرعية الإنجاز أيضا.

واسترسل، ولهذا فإنها تخلط الحابل بالنابل، وتخبط بشكل عشوائي وتتضارب في الأرقام، محاولة عبر رئيسها أن يتناسى أنه انتهى سياسيا لا سيما وهو يتعرض للضربة تلو الضربة، والتالية تكون أقوى من الأولى.

ولهذا، يقول خيرون، "نشاهد من يتحلق حوله في التجمعات يلقون كلمات موجهة له أساسا لا للمواطنين وليس دفاعا عن انجازات مفترضة في البرلمان والحكومة بل للمواساة وللرّبْتِ على كتف رئيسهم، ولمخاطبته: "نحن معك لا تخف أيها الرئيس"، علّهُ يستفيق من صدمة الضربات التي تلقاها..".

الجواهري-860x526.jpg

وخلص خيرون إلى أن أخنوش انتهى سياسيا، والانتخابات المقبلة ستكون المناسبة الرسمية للإعلان عن هذه النهاية، لاسيما وأن عموم المواطنين يشتكون مع حكومته، خاصة على المستوى تدهور القدرة الشرائية وارتفاع التضخم وتنامي الفساد وتراجع جودة الخدمات العمومية.

فيما تحدث الباحث الأكاديمي والناشط السياسي علي فاضلي، عن الأبعاد الخطيرة التي تشير إليها أرقام والي بنك المغرب، مقدرا أنها إعلان عن "دخول المغرب مرحلة شبيهة بمرحلة السكتة القلبية".

وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد أعلن في سنة 1995 من داخل قبة البرلمان أن المغرب يعيش مرحلة السكتة القلبية، واستشهد على ذلك بأرقام وإحصائيات كان قد تضمنها تقرير البنك الدولي حول المغرب.

وشمل تقرير البنك ما تعلق بالإدارة والقضاء وسير المؤسسات العمومية والتشريعات والمساطر، والمسؤولين والموظفين، وقال الحسن الثاني آنذاك قولته الشهيرة: "قرأت تقرير البنك الدولي فوجدت فيه أرقاما مفجعة تجعل كل ذي ضمير لا ينام".

وذكر فاضلي لـ"الاستقلال" أن "تقرير والي بنك المغرب هو جرس إنذار غاية في الخطورة، وهو إعلان رسمي عن فشل فاضح لحكومة رجال الأعمال والتقنوقراط التي تدير الشأن العام حاليا".

وشدد المتحدث ذاته على أن "ما ورد في التقرير وما يجري في المغرب من غضب شعبي متفاقم، في مناطق متعددة ولدى فئات واسعة، يستدعي جوابا سياسيا يعيد الثقة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة وعلى رأسها البرلمان وتبعا لذلك الحكومة".

وزاد، ذلك أن الجواب السياسي لا التقني هو المدخل الأول والمتاح للتفاعل مع الواقع المأزوم الحالي، والذي عنوانه العريض القائم أن حكومة أخنوش أصبحت تشكل خطرا على المغرب واستقراره المجتمعي والسياسي.