رغم اهتمامه بقضية غزة.. ماذا وراء إبعاد العراق عن قمة الرياض؟

"حين تضع مصالح طهران فوق بغداد فلا تستغرب أن تُترك خارج الحسابات"
أثارت القمة العربية المصغرة التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض، في 21 فبراير/ شباط 2025، جدلا واسعا في العراق عن أسباب عدم دعوة الجانب العراقي للمشاركة فيها، على تقدير أنها بحثت قضية قطاع غزة، وهي تمثل إحدى القضايا الرئيسة التي تعنيه بالمنطقة.
ووجَّه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دعوة إلى قادة مصر والأردن، فضلا عن جميع دول مجلس التعاون الخليجي، الذين حضروا كلهم باستثناء سلطنة عُمان، لأسباب لم تتضح بعد، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس" في 21 فبراير عن مصدر سعودي (لم تسمه).

"لقاء أخوي"
القمة المصغرة في الرياض عُقدت تحت عنوان "لقاء أخوي ودي"، إذ كان الهدف منها أن تسعى هذه الدول المجتمعة إلى تقديم خطة مضادة لمقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن.
لكن لم يصدر عن المجتمعين بيان رسمي بشأن الاجتماع، وأكّد مصدر مقرَّب من الحكومة السعودية للوكالة الفرنسية أن القمة “انعقدت واختتمت بعد ظهر يوم الجمعة 21 فبراير”. مشيرا إلى "غياب" سلطنة عمان عنها.
وأفاد المصدر السعودي بأن القادة العرب بحثوا "خطة إعادة إعمار مضادة لخطة ترامب بشأن غزة". ولم تعلن مصر بعد رسميّا تفاصيل خطتها، لكن دبلوماسيا مصريا سابقا (لم تسمه) تحدّث عن خطة من "ثلاث مراحل تُنفّذ على فترة من ثلاث إلى خمس سنوات".
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، عن مصدر سعودي مسؤول (لم تسمه)، قوله: إن هذا اللقاء يأتي في سياق اللقاءات الودية بين قادة مجلس التعاون والأردن ومصر، في إطار العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمعهم.
وأشار المصدر إلى أنه "فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك وما يصدر من قرارات بشأنه، فإنه سيكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة القادمة التي ستنعقد في مصر" في 4 مارس 2025.
كذلك أعلنت الرئاسة المصرية في 21 فبراير أن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي غادر العاصمة الرياض بعد "مشاركته في اجتماع غير رسمي حول القضية الفلسطينية".
ونشرت قناة الإخبارية السعودية الحكومية صورة للمشاركين في القمة التي عقدت في الرياض، دون أن تحدد مكانها أو جدول أعمالها.
وظهر في الصورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد وشقيقه طحنون مستشار الأمن الوطني، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وأمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، والملك الأردني عبد الله الثاني وولي عهده حسين، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى رئيس وزراء البحرين سلمان بن حمد آل خليفة.
وقبيل الاجتماع، جرى الحديث عن خلافات قد تشوب القمة حول من سيحكم غزة ومسألة تمويل إعادة الإعمار في القطاع المدمّر جراء الحرب بين إسرائيل وحماس، لكنها اكتست أهمية لكونها تعكس إجماعا عربيا نادرا على رفض تهجير الفلسطينيين في لحظة يقدم ترامب طروحات كفيلة بخلط الأوراق في الشرق الأوسط.

“قراره مرهون”
لكن غياب العراق أثار جدلا في الوسط السياسي عن أسباب عدم توجيه دعوة إلى الحكومة العراقية للحضور إلى القمة المصغرة في الرياض؛ إذ سبق أن دُعي إلى مثل هذا الاجتماع في مدينة العقبة الأردنية، رئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي، في مارس/ آذار 2022.
وفي هذه النقطة تحديدا، زعم السياسي العراقي المقرب من الرياض عمر عبد الستار، خلال تدوينة على "إكس" في 20 فبراير، أن "محمد شياع السوداني يتصل بوزارة الخارجية السعودية ويطلب دعوته للقاء غدا (21 فبراير) ولكن الطلب رفض".
وأضاف عبد الستار، أن أسباب الرفض السعودي حضور السوداني لقمة الرياض يعود إلى أن "الحكومة العراقية والعراق الحالي يمثلان إدارة ثانوية تابعة لإيران، ولا تستطيع أي دولة التعامل معهم".
لكن لم يصدر أي تصريح رسمي عن الجانب العراقي أو حتى السعودي يعلق على الجدل بخصوص عدم توجيه دعوة إلى الحكومة العراقية للمشاركة في القمة العربية المصغرة في الرياض.
من جهته، غرّد رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في العراق، كامل الدليمي على منصة "إكس" في 21 فبراير، قائلا: إن "عزل العراق عربيا خاصة بالاجتماعات التي تناقش القضايا المصيرية المهمة يعد رسالة خاطئة يتحمل مسؤوليتها ساسة العراق وبعض قيادات الدولة العربية".
وفي السياق ذاته، خاطب البرلماني العراقي السابق، رحيم الدراجي، السياسيين العراقيين عبر "إكس" قائلا: "هذا ثمن لفقدانكم للقرار الوطني والسياسي، وثمن فقدان الولاء للعراق والعراقيين، وهذا ثمن تدفعونه باستحقاق؛ لأنكم تمثّلون حقبة الفساد والفشل كما قالت مرجعيتنا العليا في النجف".
من جانبه، قال المحلل السياسي، أمير الدعمي عبر "إكس" في 21 فبراير، إن "قمة مصغرة تضم دول مجلس التعاون العربي الخليجي والأردن ومصر. المنطقة على صفيح ساخن والعراق خارج نطاق الزمن وخارج حسابات المنطقة لسبب بسيط هو أننا لا نملك القرار السياسي الوطني بمعنى مصادرته بأجندات خارجية وتأثير خارجي".
وأشار إلى أن "غياب العراق الذي كان يقود، يعني أن القمة العربية بالعاصمة بغداد (في مايو 2025) لن تكون أكثر من اجتماع بروتوكولي لن تحضره الزعامات العربية، وأن الرسالة واضحة لمن غاب بأن قراركم ليس بأيديكم وأنكم تابعون لمن هم خارج الحدود".
وعلى الوتيرة ذاتها، كتب الإعلامي العراقي، علي الذبحاوي على "إكس" أن "اجتماعا تشاوريا لسبع دول عربية؛ وهي كل من مصر، والسعودية، والإمارات، وقطر، والكويت، والبحرين، والأردن، عدا العراق. صورة تبيّن الاستغناء عن الأخير عربيا وحتى دوليا، وأمرنا أصبح بيد الجارة رسميا"، في إشارة إلى إيران.
ومثل ذلك، كتب الإعلامي العراقي، قصي شفيق على "إكس" قائلا: "العراق الذي كان محور العرب، لكنه اليوم بسبب الجارة وقادة الوقت الحالي بعيد عن معادلة العرب والعالم".
وكتبت الناشطة السياسية العراقية، زينة المشهداني على "إكس" قائلة: "اجتماع عربي-خليجي في السعودية، والعراق خارج المعادلة، والسبب أن حكومةً رهنت قرارها لإيران فضاعت السيادة، فضاعت معها فرص العراق ليكون لاعبا إقليميا بدلا من تابع مهمّش".
وتابعت: “حين تضع مصالح طهران فوق بغداد، فلا تستغرب أن تُترك خارج الحسابات. العراق إلى أين؟”
"قضية مشتركة"
لكن في المقابل، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي، أن "الحديث كثيرٌ عن أن سبب عدم دعوة العراق إلى قمة الرياض يعود إلى ارتهان قراره للجانب الإيراني، لكن هذا الأمر غير جديد حتى يكون مدعاة لدعوته أو استبعاده من هذا الاجتماع".
وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال"، أن "الحكومات العراقية التي تشكلت بعد عام 2003 كلها قرارها مرتهن لإيران بالفعل، لكن باعتقادي أن السبب وراء عدم توجيه الدعوة للعراق كون ما تبحثه الدول المدعوة هو موضوع مشترك بالنسبة لها بشكل أو بآخر".
وبيّن الباحث أن "دول الخليج إما مُطبّعة مع إسرائيل ومعها الأردن ومصر أيضا، أو أنها طرف في مفاوضات وقف إطلاق النار الحاصل في غزة مثل دولة قطر وأيضا القاهرة، بالتالي العراق ليس له دور في هذا الوقت تحديدا وما يطرح من مواضيع فيها".
وأشار المهداوي إلى أن "العراق ليس الوحيد الذي لم توجه إليه الدعوة، وإنما جميع دول المغرب العربي أيضا لم يدعها أحد، ومنها الجزائر المناهضة للاحتلال الإسرائيلي كما هو حال العراق، بينما المغرب المطبّعة كذلك لم تكن من بين الدول المدعوة".
وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي هيثم الخزعلي: إن "غياب العراق عن قمة الرياض المصغرة يعود إلى أنه ليس معنيا بمقترح تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول أخرى".
ونقلت وكالة "المعلومة" العراقية عن الخزعلي في 22 فبراير، أن "العراق سبق أن أعلن عن موقفه الثابت برفض أي خطة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى أي دولة أخرى".
ولفت الخزعلي إلى أن "المؤتمر المصغر في الرياض كان مخصصا للدول المعنية بهذه القضية، مثل الأردن ومصر والسعودية، وهي الدول التي ناقشت هذه الخطط، كما أشار إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
وخلص المحلل السياسي العراقي إلى أن "العراق لم تتم دعوته لحضور القمة المصغرة؛ بسبب موقفه الواضح والثابت الرافض لمقترح التهجير".
وفي 19 فبراير، أعلنت وزارة الخارجية المصرية إرجاء موعد انعقاد القمة العربية الطارئة بشأن قطاع غزة التي كانت مقررة الأسبوع المقبل، إلى الرابع من مارس المقبل، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى "استكمال التحضير الموضوعي".
وتعتزم الدول العربية مناقشة خطة ما بعد الحرب لإعادة إعمار غزة، في مسعى على ما يبدو لطرح بديل لخطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير سكان القطاع وبسط السيطرة الأميركية عليه، وفقا لوكالة "رويترز".
ومنذ تسلمه رئاسة الولايات المتحدة في 20 يناير 2025، يروّج ترامب بشكل مستمر لمخطط تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض، وأثار موجة من الاستنكار على الصعيدين الدولي والإقليمي.
المصادر
- "لقاء أخوي" في الرياض حول مستقبل الفلسطينيين بدون حضورهم
- مراقب سياسي يبين سبب غياب العراق عن "قمة الرياض"
- "نقاشات سرية" في قمة السعودية بشأن غزة.. ودولة عربية لم تحضر
- اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي
- ابن سلمان يوجه دعوة لقادة دول عربية لاجتماع "غير رسمي" في الرياض
- بحضور سعودي.. لقاء يجمع الملك عبدالله ومحمد بن زايد والسيسي والكاظمي