المليشيات الشيعية بالعراق.. لماذا رفضت حضور الشرع قمة بغداد وهددت باعتقاله؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في أبريل/ نيسان 2025 شكل القصر الرئاسي في دمشق خلفية لمشهد كان من الممكن أن يبدو قبل بضعة أشهر فقط خياليا ومستحيلا تماما. 

فأحمد الشرع، الذي قاتل سابقا ضد القوات الحكومية في بغداد في صفوف تنظيم القاعدة، جلس لإجراء محادثة بصفته الرئيس السوري مع رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي حميد الشاطري.

والأمر الأكثر غرابة، على حد وصف معهد "ميسغاف" العبري، هو أن الجانبين ناقشا قضايا التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وأمن الحدود بين البلدين.

ومن المرجح، أن أيا من هاتين الشخصيتين لم يعتقد أن مثل هذا الواقع سيتحقق على الإطلاق، وبالتأكيد كلاهما لم يعجبه هذا الواقع الجديد. 

ومع ذلك، فإن الوضع القائم "أجبر البلدين على التكيّف، وتغيير طريقة تفكيرهما، وفهم كيفية التعاون حتى لا يصل الجاران إلى صراعات غير ضرورية لكليهما"، كما رأى المعهد.

في المقابل، يبدو أن المليشيات العراقية الموالية لإيران، لا تزال مصممة على رفض كل أشكال التعاون بين بغداد ودمشق، حيث هددت باتخاذ خطوات عملية لمنع مشاركة الشرع في القمة العربية التي عقدت بالعراق في 17 مايو/ أيار 2025.

ومع إمكانية تفسير هذا العداء الشديد تجاهه لعوامل عدة، أبرزها دوره الرئيسي في إسقاط النظام السوري السابق؛ فإن المعهد العبري كشف عن دوافع أخرى خفية، تحرّك المليشيات العراقية ضد الشرع.

حرب قانونية وإعلامية

وصف المعهد العبري، في مطلع حديثه، حالة التغيير الجذري التي مرَّ بها الشرع خلال الفترة السابقة، بالقول: “في غضون أشهر قليلة، انتقل من إرهابي إلى رئيس دولة، بعد أن نجح بصعوبة بالغة في إدارة مدينة صغيرة في شمال سوريا وسط صراعات داخلية مع حلفائه”، وفق زعمه.

وأشار إلى أن "التحديات التي واجهها في ذلك الوقت لا تؤهله لهذا المنصب الجديد، حيث لم يسبق له أن تعامل مع إدارة بهذا الحجم".

وزعم أن "أحداث الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مذبحة العلويين والاشتباكات مع الدروز، تبين أن الشرع لم يغير جلده أيديولوجيا أو عمليا"، وفق وصفه.

وادعى أنه “في أعماقه، ربما لا يزال يفكر مثل الإرهابي، وغير قادر على التخلي عن عاداته القديمة، ولكنه في الوقت نفسه اضطر إلى العمل في بيئة معينة من القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية والاقتصاد والسياسة”، بحسب زعمه.

على الصعيد الإقليمي، أشار المعهد إلى أن "الشرع يُولي اهتماما كبيرا لعلاقاته مع العراق؛ حيث تجمع البلدينِ حدودٌ طويلة تمتد لنحو 600 كيلومتر، إلى جانب العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك التي تشغل قادة النظامين".

وأردف: "دفع السعي لتعزيز التقارب والتعاون، وإعادة دمج سوريا في الجامعة العربية؛ قادة العراق إلى اتخاذ قرار أخيرا بدعوة الشرع لحضور قمة جامعة الدول العربية".

ورأى أن "دعوة قادة الدول العربية الشرع -الذي كان سابقا عضوا في تنظيم القاعدة- لهذه القمة، تدل على الشرعية التي يكتسبها الرئيس السوري".

واستدرك: "لكن هذه الدعوة أثارت ردود فعل قوية وغاضبة واستفزت العديد من الأطراف داخل العراق.

فقد أعربت شخصيات سياسية وأعضاء مليشيات موالية لإيران عن استيائها الشديد من هذه الخطوة، معارضين الشرع بسبب ماضيه وأفعاله، مستذكرين دوره كعضو في تنظيم القاعدة في العراق".

وأردف: “بل وذهبوا إلى حد بدء إجراءات قانونية لاعتقاله إذا وطأت قدماه أرض العراق”.

فعلى سبيل المثال، دعا حزب الدعوة الإسلامي، الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، الحكومة إلى ضمان أن يكون لكل مشارك في القمة سجل جنائي نظيف، محليا ودوليا.

وأضاف الحزب أن "دماء العراقيين ليست رخيصة، ولن يُرحب في بغداد بمن دنس طهارتها أو ارتكب جرائم موثقة ضدها".

بدورها، أعلنت كتائب حزب الله العراقي، إحدى أقوى المليشيات في البلاد، أن "قمم الجامعة العربية عُقدت في السابق دون حضور رؤساء سوريا أو العراق أو ليبيا، ولن تتوقف بالتأكيد فقط لأن المجرم أبو محمد الجولاني (الشرع) لم يشارك"، وفق وصفها.

وتابع المعهد العبري: "عندما أدرك المعارضون للزيارة أن الاحتجاجات الشفوية لن تُجدي نفعا، تحولوا إلى خطوات عملية".

وأضاف: "هدد بعض حلفاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتنفيذ أمر الاعتقال الذي لا يزال ساريا بحق الشرع إذا دخل العراق".

واستطرد: "كما أعلن عدد من أعضاء البرلمان أنهم سيقدمون دعوى قضائية إلى المحكمة العراقية للمطالبة باعتقال الزعيم السوري، الذي قال أحدهم إنه قتل أخاه الأكبر شمالي بابل عام 2005". 

وأكمل: "من تلك الخطوات العملية أيضا، إرسال مسؤول عراقي بارز رسالة رسمية إلى النائب العام بالبلاد، يطالب فيها باتخاذ إجراءات قانونية ضد الشرع".

"في الوقت نفسه، وكجزء من حرب نفسية وإعلامية، نشرت جهات موالية لإيران في بغداد وثائق بعضها مكتوب تدين الشرع وتتعلق بماضيه، ويعود تاريخها إلى عشرين عاما"، كما ذكر المعهد.

ووفقا له، "من بين ما ورد فيها، الادعاء أنه استخدم عدة أسماء مستعارة على مر السنين، والحديث عن تفاصيل مزعومة حول أصله، بالإضافة إلى رواية عن اعتقاله وإطلاق سراحه من السجن في العراق".

أوضاع مضطربة

ورأى المعهد أن "الشخصية المركزية في خضم هذه العاصفة هو رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني".

فهو من "دعا الشرع لحضور القمة في بغداد، وقبل ذلك أجرى معه محادثة هاتفية، في بداية أبريل 2025، لكسر الجليد بينهما، بعد ما يقارب أربعة أشهر من تولي الأول للسلطة".

ووفقا لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء في بغداد، أعلن السوداني دعم العراق لـ “حق الشعب السوري في الاختيار”.

كما أكد على "ضرورة إشراك جميع التيارات في سوريا في العملية السياسية للوصول إلى مستقبل مستقر وآمن في البلاد".

وأضاف المعهد العبري: "لم ينته التقارب بين الزعيمين عند هذا الحد، فقد التقيا بعد أسبوعين في الدوحة بدعوة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وناقشا في لقاء ثلاثي التطورات في المنطقة، والوضع في سوريا، وضرورة حماية المدنيين والأماكن المقدسة هناك".

في أعقاب ذلك، وبعد انتشار خبر دعوة الشرع لبغداد، أوضح المعهد أن "المشاكل بدأت تتصاعد داخل التحالف السياسي الذي يقوده السوداني، حيث أصبحت الأجواء داخل الإطار التنسيقي، التحالف الرئيسي للقوى الشيعية، مضطربة بشكل خاص".

وأردف: "غادر نوري المالكي، أحد أبرز الشخصيات الشيعية ورئيس الوزراء السابق، اجتماعا مع السوداني تناول هذا الموضوع، بغضب واضح".

ودعا حزب المالكي الحكومة إلى إلغاء الدعوة، كما حذر قائد منظمة "عصائب أهل الحق"، وهي جماعة شيعية تشارك في السياسة، رئيس الوزراء من أنه لن يتسامح مع أي محاولة لمنع اعتقال الشرع.

علاوة على ذلك، "نجح أحد أعضاء البرلمان المرتبطين بالتيار الشيعي في اتخاذ خطوات داخل مجلس النواب، حيث حصل على دعم 58 نائبا لرسالة تطالب بإلغاء دعوة الشرع"، وفقا لما ذكره المعهد.

بالرغم من كل هذا، بيّن المعهد أن السوداني "ظل متمسكا بموقفه؛ حيث أكد على أهمية مشاركة سوريا وتمثيلها في قمة الجامعة العربية".

ورأى أن "وجود الرئيس السوري ضروري، بغض النظر عن العملية السياسية أو طبيعة التغيير (في هوية الرئيس)؛ لأنه يوفر فرصة لتقديم رؤية جديدة لسوريا للعالم العربي". 

واختتم السوداني تصريحاته بالتعهد بأن بلاده "لن تدخر جهدا لمساعدة سوريا واحترام خياراتها السيادية".

مع ذلك، "وعلى الرغم من أن التهديدات لم تدفع الشرع في البداية إلى إلغاء مشاركته في القمة؛ فقد قرر الرئيس السوري عدم الحضور.

وحضر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني القمة العربية بدورتها الـ34 ممثلا عن سوريا وألقى كلمة بلاده فيها، دون حضور الشرع.

وزعم المعهد أن خوف الشرع من أمر الاعتقال ضده قد يكون الدافع وراء هذا القرار.

حسابات سياسية

وعزا الكراهية الشديدة للشرع في العراق إلى سببين رئيسين؛ الأول يتعلق بـ "دوره في القتال ضد الحكومة العراقية التي تشكلت بعد الغزو الأميركي، عندما كان عضوا في تنظيم القاعدة".

وفي هذا السياق، لفت المعهد إلى أن نوري المالكي "برز هنا مرة أخرى كصوت للكثير من الشيعة؛ حيث وصف ما حدث في سوريا بالتمرد، وأن الذين استولوا على السلطة هناك كانوا في السابق سجناء في العراق، في إشارة واضحة إلى الشرع".

السبب الثاني يرتبط بأن "المليشيات الشيعية كانت تعد، حتى وقت قريب، جزءا فاعلا في محور المقاومة الشيعي ضد إسرائيل، بقيادة إيران، فقد كان نظام الأسد حجرا أساسيا في هذا المحور، ويُنظر إلى سقوطه كضربة قوية لطهران". 

وهو ما دفع هذه المليشيات لـ “الشعور بضرورة التمسك بالسياسة التي تمليها إيران، وتعارض فيها تطوير العلاقات مع النظام الجديد في دمشق”، كما أفاد المعهد.

واستطرد: "يمكن رؤية صدى هذا الموقف في تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي نفسه، الذي قال بعد أيام من سقوط الأسد: يجب على الشباب السوري أن يقاوموا بقوة أولئك الذين خططوا وتسببوا في هذا انعدام الأمن، وبعون الله سيتغلبون عليهم".

ويضيف سببا آخر: "ولا ننسى كذلك أن العديد من أعضاء المليشيات، وفقا لوثائق تمتلكها الحكومة السورية، قاتلوا إلى جانب قوات نظام الأسد خلال الحرب ضد المتمردين (الثوار) في سوريا".

"وما يجعل المشهد معقدا بصورة أكبر، أن الحكومة العراقية لا تستطيع تجاهل الاتهامات الموجهة ضد الشرع بسهولة، خاصة أن لديها ما تخسره سياسيا"، يقول المعهد.

وأكمل موضحا: "فبعد حوالي ستة أشهر، ستُجرى انتخابات برلمانية في العراق، وأي خطوة من الحزب الحاكم -المدعوم من الكتلة الشيعية- قد تكلفه غاليا، بل إن العلاقة بين البلدين قد تصبح واحدة من أكثر القضايا إثارة في الحملة الانتخابية".

مصالح مشتركة

في المقابل، لفت المعهد إلى أن العراق وسوريا "تجمعهما مصالح مشتركة عديدة في مجالات متنوعة، اقتصادية وسياسية وأمنية".

وقال: "على سبيل المثال، تحدثت تقارير أخيرا عن خطط لإعادة فتح معبر القائم الحدودي بين البلدين بعد القمة العربية، والذي كان في السابق مركزا رئيسا للتجارة ونقل الأفراد والبضائع".

“كما يدرس العراق إمكانية إعادة تأهيل خط أنابيب النفط الذي يمر عبر سوريا، ويمكن أن يشكل نقطة انطلاق لتصدير النفط إلى أوروبا، في خطوة تروج لها بالتعاون مع إيران وروسيا”.

من الناحية الأمنية، يرى المعهد أن "لبغداد مصلحة في التعاون مع دمشق في تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب والتهريب ومنع تدفق اللاجئين".

وتابع: "استقرار دمشق مهم جدا لبغداد، التي تخشى دائما من تسرب الاضطرابات والمسلحين إلى أراضيها، وهو سيناريو عكسي لما حدث في منتصف العقد الماضي عندما اخترق تنظيم الدولة الحدود من العراق إلى سوريا".

لهذا يُفسر المعهد سبب "إرسال العراق مؤخرا هدية تتمثل في 200 ألف طن من القمح إلى دمشق، والتي سيتم استخدامها لإطعام السكان المحليين ومنع الاحتجاجات".

وخلص إلى أن "القيادات العراقية، ورغم قلقها من النظام السوري الجديد، فقد دفعتها البراغماتية إلى محاولة بناء العلاقات بين الجانبين، لاسيما في مجال التعاون الأمني لمواجهة التهديدات المشتركة".

واستدل على ذلك بـ "كون ضباط المخابرات أول من التقوا بالشرع في القصر الرئاسي، وتناولت المحادثات مكافحة الإرهاب والمخدرات والتعامل مع الأقليات مثل الأكراد، وهي قضية تؤثر أيضا على المجتمعات الكردية في العراق".

على الصعيد السياسي أشار إلى أن سوريا "تشكل قناة محتملة للحوار بين العراق وتركيا، كما تسعى بغداد إلى علاقات أكثر دفئا مع دمشق كجزء من سياسة المصالحة الإقليمية التي انتهجتها في السنوات الأخيرة، وشهدت تحسين علاقاتها مع دول مثل السعودية والإمارات والأردن ومصر".

هوية جديدة 

في ظل هذه المعطيات، استنكر المعهد تصرفات المليشيات الشيعية العراقية قائلا: "ألا يعرفون هذه الحسابات والظروف الداخلية والإقليمية؟، ألا يشعرون بمسؤولية تجاه بلدهم، ولا يرغبون في دفعها قدما؟".

وتوصل إلى أن الأمر "قد يكون أكبر منهم، وأن هناك اعتبارات عديدة تدفعهم لهذا النهج".

وبالإشارة إلى إعلان المليشيات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 وقف هجماتها ضد إسرائيل، يذكر المعهد أنها “واجهت، منذ ذلك الحين، ضغوطا هائلة من الولايات المتحدة والحكومة لنزع سلاحها، والانفصال عن إيران، والتحول إلى الساحة السياسية”.

في الوقت نفسه، "تواجه إيران ضغوطا متزايدة بسبب دعمها للوكلاء في دول المنطقة، حتى إن ممثلها في لبنان أعلن أنه لن يعارض قرار الحكومة في بيروت بنزع سلاح حزب الله"، يقول المعهد.

وأكمل: "وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تتخلى طهران عن وكيلها الأكثر أهمية، حزب الله، فليس من المؤكد أنها قادرة على تبني نفس النهج تجاه الجماعات التي تدعمها في العراق".

وبحسب قوله، فإنه "في مثل هذا الوضع، يعتقد الباحثون أن قادة المليشيات الشيعية في بغداد يقفون في خضم رحلة -واعية أو غير واعية- للبحث عن هوية وهدف جديدين".

وأضاف: "قدّم التغيير في المشهد السياسي السوري فرصة لهم لإعادة صياغة أنفسهم، وتوجيه غضبهم وحاجتهم إلى هدف يرتبط ببلدهم، وإبعاد أتباعهم عن نهج إيران التي خذلتهم في الوقت الحالي".

ورأى أن "هذا يتماشى أيضا مع الجوانب الدينية؛ حيث يمكن لقادة المليشيات، من وجهة نظرهم، أن يسهموا في محاربة صعود نظام جهادي سني قد يقاتلهم كمؤمنين شيعة".

وهكذا، خلص المعهد إلى أن فصائل الحشد الشعبي في العراق "بدأت بتصوير نفسها كحامية حقيقية للبلاد ضد مقاتلي الجهاد السني في الدولة المجاورة".

وأوضح أن "هذه الخطوة ستتيح للمليشيات تبرير استمرار احتفاظها بالسلاح، وقد تعزز نفوذها السياسي في المستقبل، بل وربما تنقل إلى أيديها موارد وقوى بشرية ضرورية لبقائها".

واختتم قائلا: "بهذا نصل إلى مفارقة مثيرة، فالشرع الذي أطاح بالرجل الذي مثل المصالح الإيرانية في سوريا، أصبح هو من يمنح معنى لوجود المصالح الإيرانية في العراق المجاور".