بعد إعلان ترامب.. كيف سيجرى رفع العقوبات الأميركية عن سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم بإعلانه من العاصمة السعودية، أنه سيرفع كل العقوبات المفروضة من بلاده على سوريا التي تتلمس إعادة الإعمار وتنشيط اقتصادها بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وقال ترامب خلال كلمة له في العاصمة السعودية بحضور الأمير محمد بن سلمان في 13 مايو/ أيار 2025: “سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سوريا من أجل توفير فرصة لهم للنمو”. مضيفا أن "العقوبات كانت قاسية وتسببت بشلل لكن الآن حان وقتهم للتألق".

رفع العقوبات عن سوريا

وعند إعلانه عن خطوة رفع العقوبات عن سوريا، قال ترامب إنه استمع إلى نداء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ووصف الرئيس السوري أحمد الشرع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن بلده بأنه قرار "تاريخي شجاع".

في اليوم التالي، توجه الشرع إلى الرياض، وعقد اجتماعا مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في الرياض، حضره ابن سلمان، وشارك فيه أردوغان عبر الهاتف.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" عن وزير المالية محمد برنية قوله: إن القرار "سيساعد سوريا في بناء مؤسساتها، وتوفير الخدمات الأساسية للشعب وسيخلق فرصا كبيرة لجذب الاستثمار وإعادة الثقة بمستقبل سوريا".

ورغم أن قرار ترامب فيه إشارة سياسية مهمة جدا لسوريا الجديدة الطامحة للنهوض مجددا بعد عقود من تدمير الاقتصاد منذ زمن حافظ الأسد (1971 - 2000)، إلا أن خبراء يرون أن الأثر المباشر الأكثر وضوحا سيكون تسهيل تحويل الأموال من دول الخليج، بالإضافة إلى المساعدات الإنمائية بشكل عام.

وفرضت غالبية العقوبات الأميركية على سوريا عقب اندلاع الثورة عام 2011 إثر قمع الأسد لها بالحديد والنار، والتي خلفت أكثر من نصف قتيل وتدمير واسع في المنازل والبنية التحتية بفعل القصف الجوي بشتى أنواع الأسلحة.

إلا أنه في 2020، فرضت واشنطن عقوبات جديدة بموجب قانون سمته "قيصر" استهدفت العديد من القريبين من بشار الأسد بينهم زوجته أسماء.

كما فرضت بموجب قانون "قيصر" عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة يتعامل مع نظام الأسد المخلوع، ونال القانون كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز، وحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار.

وسبق ذلك، فرض واشنطن ثلاثة برامج عقابية على سورياP في عام 1979، أي بعد 8 سنوات من تولي حافظ الأسد السلطة بانقلاب عسكري.

حين إذ صُنفت سوريا "دولة راعية للإرهاب" لتورط جيشها في الحرب الأهلية اللبنانية المجاورة ودعمه لقوى عسكرية هناك.

وفي عام 2003، وقَّع الرئيس جورج دبليو بوش، آنذاك، قانون محاسبة سوريا.

وركز التشريع آنذاك بشدة على دعم سوريا "لجماعات إرهابية مُصنّفة"، ووجودها العسكري في لبنان، وتطويرها لأسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى تهريب النفط ودعم "الجماعات المسلحة في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة".

واليوم مع رغبة سوريا في البدء بالتحرر من العقوبات وإعادة تنشيط القطاعات المتضررة وتسلم المساعدات المالية بشكل قانوني وتأمين وصول أموال المستثمرين بشكل آمن تطرح كثير من الأسئلة.

وبعد الإعلان، كان المسؤولون الأميركيون في حيرة من أمرهم حول الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأميركية حزما ومستويات من العقوبات، وأي منها سيتم تخفيفها ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية.

كما أن المسؤولين في الخارجية والخزانة الأميركية لا يزالون غير متأكدين من كيفية المضي قدما في رفع العقوبات.

فقد وضع ترامب المسؤولين الأميركيين المعنيين في حالة من الريبة بشأن الآليات والإجراءات المطلوبة لتفعيل قرار ترامب، وسط حديث كثير من المراقبين عن خطوات ضرورية ينبغي أن تتبعها المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة كي يصبح قرار ترامب نافذا.

مسألة إجراءات

لكن مع ذلك فإن هناك عقوبات ينص الدستور الأميركي أنها من صلاحيات الرئيس وترفع بشكل فورا من قبله، بينما هناك قسم آخر يتطلب بعض الإجراءات في الكونغرس.

ونقلت وكالة رويترز عن أربعة مسؤولين أميركيين مطلعين، في 15 مايو، قولهم: إن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة هرعوا في محاولة لاستيعاب كيفية إلغاء العقوبات، وبعضها مفروض منذ عقود.

وأوضح مسؤول أميركي كبير لرويترز أن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيه لمسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة للتحضير لإلغاء العقوبات، ولم ينبههم إلى أن هناك إعلانا وشيكا من الرئيس بهذا الشأن.

وهنا يرى أسامة القاضي- وهو خبير ومستشار اقتصادي سوري- أن "إجراءات رفع العقوبات الأميركية عن سوريا ليست معقدة؛ لأن ترامب رئيس قوي وحسم الأمر بين فريقين في حكومته حيث كان هناك قسم مع رفع العقوبات والآخر كان مع تأجيلها لكن ترامب حسم المسألة بقوله سنرفع كل العقوبات"

وأضاف القاضي لـ “الاستقلال”: "لقد بدأت الإجراءات الأميركية بالتحرك انطلاقا من وزارة الخزانة التي رفعت العقوبات عن سوريا". 

وأردف "خاصة أن ترامب يملك الأغلبية في مجلس الشيوخ ولا أحد يعترض على قرارته التي وصلت حد لإغلاق وزارت في الولايات المتحدة منذ تسلمه السلطة قبل أشهر علاوة على إقالة آلاف الموظفين بتوقيع واحد". 

ولفت القاضي إلى أن ما سيحصل هو أن "فريقا قانونيا أميركيا سيعمل مع ترامب لرفع العقوبات عن سوريا طالما كان هناك إرادة سياسية أميركية".

وذهب للقول: إن "مسألة العقوبات على سوريا تعد قد أزيلت وما تبقى هو الإجراءات المؤسساتية، ودلالة ذلك هو دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة الولايات المتحدة".

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا ما لدى ألبانيا وأرمينيا.

وأُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018؛ إذ يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكانها البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

وقالت الحكومة السورية الجديدة: إنها تتوقع استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.

ويتوقع الخبراء أن تسهم رفع العقوبات عن القطاع المصرفي، في انعكاس ذلك حياة المواطنين السوريين، لا سيما أن العقوبات الأميركية فصلت البنوك السورية عن النظام المصرفي العالمي "سويفت" "وبالتالي لم يكن من الممكن إجراء تحويلات مالية من وإلى سوريا.

نهج التدرج

ويتوقع كذلك أن تنعكس عودة التعاملات المالية مع الخارج، إيجابا على الليرة السورية التي فقدت تدريجيا نحو 90 بالمئة من قيمتها منذ عام 2011 وبعدما كان سعر صرف الدولار الواحد يناهز 50 ليرة سورية قبل 2011، يراوح حاليا بين 10 آلاف و12 ألف ليرة.

والآن تواجه الشركات حول العالم صعوبة في التصدير إلى سوريا، ويواجه السوريون صعوبة في استيراد مختلف أنواع البضائع، نظرا لحظر جميع المعاملات المالية تقريبا مع البلاد، ولهذا يتوقع أن يبدأ تأثير رفع العقوبات فور عودة البلاد إلى نظام "سويفت".

ولهذا فإن تدفق أكبر للدولار إلى سوريا من الدول، قد يساعد على دعم قيمة العملة المحلية على المدى المتوسط إلى الطويل.

وضمن هذا السياق، أكد الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي، أن “قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا فاجأ مسؤولي إدارته، كذلك البيروقراطية الأميركية، وسبق لترامب اتخاذ قرارات بشكل فجائي ومستقل عن إدارته خلال ولايته الرئاسية الأولى، وكان على المؤسسات الأميركية إما مسايرة قراراته أو فرملتها”.

وأضاف لـ“الاستقلال”: "لذلك أتوقع أن قرار ترامب سيأخذ وقتا ليترجم على شكل إجراءات ملموسة، وسيكون بالتدريج لعدة تقديرات":

أولا، وفق الدسوقي "حاجة المؤسسات الأميركية إلى وقت للتنسيق فيما بينها وتحديد خطة تنفيذية لقرار الرئيس ترامب برفع العقوبات عن سوريا".

 ثانيا، "وجود ممانعة لدى العديد من شخصيات إدارة الرئيس الأميركي وبعض حلفاء واشنطن لخطوة رفع العقوبات بشكل مباشر وكلي"، وفق الدسوقي.

وأردف "لذلك أتوقع أنها ستوظف نفوذها لاتخاذ خطوات من شأنها جعل رفع العقوبات بشكل تدريجي وربطه بإجراءات ملموسة من قبل القيادة السورية".

ثالثا، بحسب ما قال الدسوقي: "هنالك بعض العقوبات تحتاج إلى قرار من الكونغرس الأميركي، وهذا يتطلب عملية تستلزم وقتا لرفعها".

ولفت الدسوقي في البند الرابع إلى أنه "من تجارب أخرى يتضح أن قرار رفع العقوبات لا يكون مباشرا وبسرعة وإنما تأخذ وقتا".

وعلى سبيل المثال يشير الخبراء إلى أنه في حالة قانون "قيصر"، يمكن للرئيس الأميركي تعليق العقوبات، لكنه لا يستطيع فعليا إلغاءها من دون تصويت في الكونغرس.

وأمام ذلك، فقد رحَّب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن بالإعلان، قائلا: إن رفع العقوبات أمر ضروري للسماح بتقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وإنعاش الاقتصاد.

ومع ذلك، فإنَّه رغم أن وزارة الخزانة الأميركية أصدرت إعفاء لمدة ستة أشهر على جميع المعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الكوارث بسوريا عقب سقوط الأسد، فإن هذه الإجراءات كان لها تأثير محدود؛ لأن البنوك والشركات كانت مترددة في تحمل المخاطر، وهي الظاهرة المعروفة باسم الإفراط في الامتثال.

وتأمل سوريا أن تتمكن بعد رفع العقوبات، من الدفع قدما بعملية إعادة الإعمار التي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.