أطراف ليبيا المتصارعة.. كيف تتسابق على نيل رضا واشنطن عبر ملف المهاجرين؟

خالد كريزم | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتسابق الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة لنيل الشرعية من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر اللعب على وتر أحد أبرز الملفات التي تشغل إدارته: قضية الهجرة.

ومع بداية الولاية الثانية لترامب، بدأت إدارته في تبنّي نهج أكثر تشددا تجاه الهجرة، تجلى في الإعلان عن تنفيذ عمليات ترحيل جماعية تستهدف ملايين المهاجرين غير النظاميين.

وفي سياق موازٍ، تدرس الإدارة الأميركية فرض حظر سفر شامل على مواطني 43 دولة، من بينها دول عربية، وفق ما كشفت وكالة رويترز البريطانية في 15 مارس/آذار 2025.

ليبيا خيار

وفي خضمّ هذه السياسة، تبحث الإدارة الأميركية عن دول يمكنها استقبال هؤلاء المُرحّلين، ويبدو أنها وجدت ضالتها في ليبيا، الدولة الغارقة في الانقسام السياسي، والتي يسعى كل طرف من أطرافها إلى كسب رضا البيت الأبيض أملا في تعزيز شرعيته السياسية المنتهية.

وتخطط إدارة ترامب لنقل مجموعة من المهاجرين إلى ليبيا على متن طائرة عسكرية أميركية، في تصعيد حاد آخر في برنامج الترحيل الذي أثار طعونا قانونية واسعة النطاق وجدلا سياسيا حادا، وفق تقارير غربية.

ولم تتضح جنسيات المهاجرين على الفور، لكن رحلة جوية متجهة إلى ليبيا تقل المرحلين قد تغادر قريبا، وفقا لمسؤولين تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخوَّلين بمناقشة العملية.

وكان قرار إرسال المرحلين إلى ليبيا لافتا للنظر، فالبلاد تعاني من صراعات، وقد وصفت جماعات حقوق الإنسان الظروف في مراكز احتجاز المهاجرين بأنها "مروعة" و"مؤسفة".

وتأتي عملية ليبيا في إطار جهود إدارة ترامب ليس فقط لردع المهاجرين عن محاولة دخول البلاد بشكل غير قانوني.

 بل أيضًا لتوجيه رسالة قوية إلى المقيمين فيها بشكل غير قانوني بأنه يمكن ترحيلهم إلى دول قد يواجهون فيها ظروفًا قاسية، وفق ما قالت الصحيفة الأميركية في 6 مايو/أيار 2025.

وتحدثت وكالة رويترز في 8 مايو عن احتمال وجود رحلة ترحيل أميركية إلى ليبيا يجرى التخطيط لها بحذر شديد، وأنه لا يزال من الممكن عرقلتها بسبب عقبات لوجستية أو قانونية أو دبلوماسية.

وحسب الوكالة، فمن غير الواضح حتى الآن “ما إذا كانت إدارة ترامب أبرمت اتفاقا مع السلطات الليبية لاستقبال المهاجرين المرحلين”.

كما من غير الواضح، نوع الإجراءات القانونية الواجبة التي قد يجرى اتخاذها قبل أي عمليات ترحيل إلى ليبيا.

وبدورها، تحدثت شبكة “سي إن إن” الأميركية، في الأول من مايو، عن “مناقشة إدارة ترامب مع ليبيا ورواندا إمكان إرسال المهاجرين إليها ممن لديهم سجلات جنائية في الولايات المتحدة”.

ويأتي اختيار ليبيا وجهة محتملة بعد أن أثارت الإدارة الأميركية ضجةً سابقا بترحيلها مجموعةً من الفنزويليين إلى السلفادور وعدد آخر إلى كوستاريكا.

تسابق ليبي؟

ولم يأت طرح ليبيا كخيار من فراغ، بل في ظل تسابق الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة والتي فقدت شرعيتها جميعها على نيل رضا ومباركة الإدارة الأميركية.

ولا تزال البلاد مُنقسمة بعد سنواتٍ من الحرب التي أعقبت الإطاحة بالديكتاتور معمر القذافي عام 2011.

واليوم تحكم حكومة معترف بها من قِبل الأمم المتحدة في طرابلس غرب ليبيا، بينما تُسيطر أخرى في بنغازي، بقيادة أمير الحرب خليفة حفتر، على شرقها.

وبشأن المحادثات المحتملة مع ليبيا لقبول المرحلين، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية قولها : “نحن نعمل عالميًا لتطبيق سياسات إدارة ترامب المتعلقة بالهجرة”.

وقال مسؤول أميركي: إن التخطيط الأولي للإدارة الأميركية تضمن ترحيل أشخاص من عدة دول لديهم سجلات إجرامية إلى الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، بعد أن قال مسؤولون ليبيون كبار إنهم منفتحون على قبول المهاجرين.

وأوضحت الصحيفة في 8 مايو: "تواصل مسؤولون ليبيون مع مسؤولي إدارة ترامب في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، عارضين قبول المُرحّلين مقابل الدعم السياسي للحكومة الهشة في طرابلس، المُهددة بالضغوط الاقتصادية والمليشيات المُتناحرة"، وفقًا لمسؤول ليبي رفيع المستوى".

ومما يعزز الشكوك، أن طرفي الصراع فعلا كل ما يمكن خلال السنوات السابقة من أجل نيل الشرعية من الإدارة الأميركية.

وشمل ذلك تسابق تلك الأطراف على إقامة علاقات مع إسرائيل كبوابة عبور نحو الإدارة الأميركية.

وعقدت وزيرة الخارجية الليبية السابقة نجلاء المنقوش اجتماعا في روما مع نظيرها الإسرائيلي الأسبق إيلي كوهين، وهو ما دفع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة لإيقافها عن العمل وإحالتها للتحقيق في 27 أغسطس/آب 2023.

ولكن قالت المنقوش في مقابلة مطلع يناير/كانون الثاني 2025، إن اللقاء جاء بتكليف من الدبيبة نفسه، ما يعني أن الأخير قدمها كبش فداء بعد مظاهرات واسعة في ليبيا رافضة للخطوة.

ولم يكن المنافس الرئيس حفتر بعيدا عن نفس الخطوة، ففي سرية تامة، حطت طائرة تابعة له في مطار "بن غوريون" بتل أبيب، منتصف يناير/ كانون الثاني 2022، إلا أن صحفا عبرية كشفت عن "الزيارة الخفية".

ففي 15 يناير 2022، كشف المراسل العسكري لقناة "كان" العبرية الرسمية، إيتاي بلومنتال على "إكس، أن طائرة حفتر الخاصة (بي فور-آر إم إيه) حطت في مطار بن غوريون، عقب توقف دبلوماسي في قبرص"، مع إرفاقه صورتين لشركة "فلايت رادار" المتخصصة في متابعة حركة الطيران العالمية.

وأكدت وسائل إعلام عبرية أن هذه كانت المرة الثانية التي تحط فيها طائرة له في المطار خلال أقل من 3 أشهر بعد أخرى هبطت في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في المطار نفسه، وكان على متنها نجله صدام.

وكان الهدف من الزيارة وفق صحيفة "هآرتس" العبرية "السعي إلى إقامة علاقات دبلوماسية من أجل الحصول على مساعدة عسكرية إسرائيلية مباشرة في الصراع" الدائر على السلطة، مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مستقبلية معها.

نفي مشترك

وردا على التقارير الغربية، نفت حكومة الدبيبة بشكل قاطع “وجود أي اتفاق أو تنسيق معها بشأن استقبال مهاجرين مرحلين من أميركا”.

وسخر الدبيبة من تقارير في 7 مايو، تحدثت عن وصول مهاجرين من الولايات المتحدة إلى مدينة مصراتة التي ينحدر منها رئيس حكومة الوحدة الليبية.

وحطَّت طائرة في صباح نفس اليوم في مصراتة من طراز "سي-130″، وكانت تقل وفدا عسكريا إيطاليا رفيعا يضم رئيس لجنة العلاقات الليبية الإيطالية ومدير إدارة التدريب في زيارة رسمية إلى كلية الدفاع الجوي بالمدينة، ما أثار أحاديث عن إمكانية نقلها مهاجرين.

وقال الدبيبة ساخرا على منصتي إكس وفيسبوك “صور حصرية للمهاجرين الواصلين إلى ليبيا عبر الطائرة العسكرية”، مرفقا تغريدته بصورتين لقادة عسكريين ليبيين مع نظرائهم الإيطاليين في مصراتة.

وأضاف "مثلما قالت الصفحات الصفراء"، وختم بقوله: "وإن لم تصدق فاحسبها على الذكاء الاصطناعي".

وقالت الحكومة في بيان: إن بعض الجهات الموازية التي لا تخضع للشرعية "قد تكون طرفا في تفاهمات لا تمثل الدولة الليبية ولا تلزمها قانونا أو سياسيا".

وأكَّدت رفضها استخدام الأراضي الليبية كمقصد لترحيل المهاجرين دون علمها أو موافقتها، وتتمسك بحقها في حماية السيادة الوطنية.

وأشار البيان هنا إلى الشرق الليبي الذي يحكمه اللواء الانقلابي خليفة حفتر ومن خلفه برلمان طبرق والحكومة الموازية برئاسة أسامة حماد.

وبدورها، أكَّدت وزارة الخارجية بحكومة أسامة حماد “رفضها القاطع” لأي اتفاقات أو تفاهمات بشأن توطين مهاجرين من أي جنسية سواء كانت إفريقية أو أوروبية أو أميركية.

وللولايات المتحدة علاقات رسمية فقط مع حكومة طرابلس، لكن صدام نجل حفتر، زار واشنطن نهاية أبريل/نيسان 2025 والتقى بعدد من مسؤولي إدارة ترامب، بصفته “مبعوث القائد العام للجيش الوطني الليبي”.

وقالت السفارة الأميركية في ليبيا: إن صدام حفتر التقى في 28 أبريل مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي، بحضور تيم ليندركينغ نائب مساعد وزير الخارجية، والسفير ريتشارد نورلاند المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا.

وذكرت أنه وصل إلى واشنطن على رأس، وفد وأن الاجتماع انتهى إلى الاتفاق على أن "ليبيا آمنة وموحدة ومزدهرة، بمؤسسات تكنوقراطية قوية، بما في ذلك المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي، ستكون أكثر قدرة على التعامل مع الولايات المتحدة والشركات الأميركية". 

وجاء الحديث عن اختيار ليبيا وجهة للمرحلين في إطار اهتمام أميركي متزايد بملفات هذا البلد في الآونة الأخيرة، خاصة الأمنية والعسكرية.

وأجرت السفينة الأميركية "يو إس ماونت وينتي" زيارة إلى طرابلس وبنغازي، نهاية أبريل، وكان على متنها قائد الأسطول السادس للبحرية الأميركية جيه تي أندرسون بصحبة مسؤولين أميركيين آخرين التقوا نظراءهم العسكريين والسياسيين الليبيين.

مركز احتجاز

ومن اللافت أن خطوة الإدارة الأميركية تأتي على الرغم من تحذيرات وزارة الخارجية من السفر إلى ليبيا "بسبب الجريمة والإرهاب والألغام الأرضية غير المنفجرة والاضطرابات المدنية والاختطاف والصراع المسلح".

وتُعدّ ليبيا نقطة عبور رئيسة للمهاجرين المتجهين إلى أوروبا، ولذلك فهي تدير العديد من مراكز احتجاز اللاجئين والمهاجرين. 

ووصفت منظمة العفو الدولية هذه المواقع بأنها "مروعة" و"جحيم" في تقرير صدر عام 2021، وجد أدلة على "عنف جنسي ضد الرجال والنساء والأطفال". 

ويقول مشروع الاحتجاز العالمي إن المهاجرين المحتجزين في ليبيا يتعرضون "لسوء معاملة بدنية وتعذيب"، والعمل القسري، وحتى العبودية.

في تقريرها السنوي حول ممارسات حقوق الإنسان عام 2024، أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى ظروف "قاسية ومهددة للحياة" في مراكز الاحتجاز الليبية.

كما وجدت أن المهاجرين في تلك المراكز، بمن فيهم الأطفال، "لا يستطيعون الوصول إلى محاكم الهجرة أو اتباع الإجراءات القانونية الواجبة".

وتقول جماعات حقوق الإنسان: إن الحكومات الأوروبية متواطئة في هذه المعاملة من خلال تعاونها مع ليبيا لاعتراض المهاجرين المتجهين إلى القارة الأوروبية وإرسالهم إلى مراكز الاحتجاز.

وفي السنوات الأخيرة، موّل الاتحاد الأوروبي الجهود الليبية لاعتراض المهاجرين ومنعهم من الوصول إلى الشواطئ الجنوبية لأوروبا.

وقال فريدريك ويهري، الخبير في شؤون ليبيا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي لنيويورك تايمز: "لقد زرت سجون المهاجرين هذه، وهي ليست مكانا مناسبا لهم. إنها ببساطة مكان مروع للتخلص من أي شخص ضعيف".

وبعد انتشار الأنباء الأخيرة، قالت “هيومن رايتس ووتش”: إن على الولايات المتحدة عدم نقل المهاجرين قسرا إلى ليبيا؛ حيث ظروف الاحتجاز لاإنسانية، والتعذيب وسوء المعاملة والاعتداء الجنسي وعمليات القتل غير المشروعة موثقة جيدا.

وأوضحت أن ملفات محكمة فيدرالية أميركية أظهرت أن المسؤولين في إدارة ترامب أعطوا المُحتجزين في مركز في تكساس إخطارا شفهيا بطردهم إلى ليبيا، وفي حالة واحدة على الأقل، أُعطوا أوراقا للتوقيع عليها، وكان بينهم مواطنون من الفليبين وفيتنام ولاوس والمكسيك.

وقالت الباحثة البارزة في هيومن رايتس ووتش حنان صلاح، والتي وثّقت الانتهاكات في مراكز الاحتجاز الليبية: "لا يزال هناك اكتظاظ شديد وضرب وتعذيب وسوء معاملة ممنهجان".

وأوضحت في 9 مايو 2025: “لا يُعقل أن تُجبَر دولة مُمزقة مثل ليبيا على استقبال المزيد من المُحتجزين، مع تاريخها المُوثق جيدا الذي يشمل ظروف احتجاز مُروعة على يد جماعات مُسلحة غير خاضعة للمساءلة”.

وأكَّدت أن "معاملة ليبيا للمهاجرين بالغة السوء، ومراكز الاحتجاز غير إنسانية، وليس لدى اللاجئين أي مكان يلجؤون إليه طلبا للحماية".

وشددت على أن “طرد أشخاص إلى دول معروفة بظروف الاحتجاز المروعة يُظهر تجاهل إدارة ترامب التام للإجراءات القانونية الواجبة”.

وواصلت أن “عمليات الطرد الجماعي بإجراءات موجزة من الولايات المتحدة تنتهك القانون الدولي”.

وذكرت أنه “لا يوجد في القانون الليبي أي نص يسمح باحتجاز مواطن من دولة ثالثة رُحِّل من الولايات المتحدة، كما أن احتجاز المهاجرين في ليبيا تعسفي وينتهك حقوق الإجراءات القانونية الواجبة لعدم وجود سبيل انتصاف أو حق استئناف”.