أول بابا أميركي للفاتيكان.. هل يقف "بريفوست" في وجه ترامب ويعارض خططه؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم أنه أول بابا أميركي، وسعى الرئيس دونالد ترامب لإظهار حفاوته بتنصيبه للفاتيكان، فإن التوقعات تشير إلى أن الكاردينال روبرت بريفوست، أو البابا ليو الرابع عشر، قد يكون غصة في حلق الإدارة الأميركية.

إذ تتوقع العديد من التقارير الأميركية أن يواصل البابا الجديد خطى القديم الراحل فرانسيس، في قضايا خلافية مع ترامب، مثل المهاجرين وحقوق الإنسان والشذوذ. 

فقد انتقد البابا الجديد، في سنوات سابقة، الرئيس الأميركي الذي يعد من "البروتستانت الإنجيليين" وسياساته المتعلقة بالهجرة وطرد اللاجئين.

كما أن بريفوست، انتقد تصريحات جيه دي فانس نائب الرئيس ترامب، بشأن إعطاء الأولوية للأميركيين على حساب بقية العالم، واصفًا إياها بأنها "خاطئة".

و"البروتستانت الإنجيليين" يعادون الكاثوليك، الذين يقدر عددهم بـ 20 بالمئة من الأميركيين، بينما أغلبية المسيحيين في أميركا من التيار الإنجيلي، وفق مركز "بيو" للأبحاث الدينية.

وبانتخاب البابا الجديد سيُصبح هناك الآن أميركيان يتمتعان بنفوذ هائل على الساحة العالمية، أحدهما سياسي والآخر روحي، وسيكون من المستحيل تجاهل المقارنات الضمنية والخلافات المحتملة بين ترامب والبابا ليو.

اختاروه لمعاندة ترامب!

رغم أن البابا الجديد يحمل الجنسية الأميركية، فإنه "بيروفي" الأصل ومولود في أميركا اللاتينية، لذا يجري تصنيفه بصفته من "العالم الجنوبي"، مثل البابا الراحل فرانسيس (الأرجنتيني)، ويختلف في سياسته مع أميركا والغرب عموما.

وسبق أن شهدت فترة حبرية البابا فرانسيس، صراعات مع مجموعة كبيرة من الكرادلة الأوروبيين، خاصة أنه قادم مما يُسمى "العالم الجنوبي"، وقد عمل على تمزيق كتاب القواعد القديم غير المكتوب الذي جعل لأساقفة إيطاليا وأوروبا والولايات المتحدة نفوذا كبيرا.

واتخذ هؤلاء المعارضون للسياسات الدينية للبابا الراحل خطوات تحدوه بها، وعارضوا قراره السماح بالتناول للكاثوليك المطلقين والمتزوجين مرة أخرى (أي القبول بفكرة الطلاق المُحرم)، وهو ما يتوقع تكراره مع الجديد "بريفوست".

ونُشرت مذكرات، من كرادلة مجهولين، انتقدوا فيها البابا فرانسيس بشدة، حسبما أوضح تقرير  سابق لـ "الاستقلال".

وهو ما يطرح تساؤل: هل يتكرر الصراع بين "بريفوست" والكرادلة الغربيين المحافظين الرافضين للتسامح مع ما يتعارض مع الكاثوليكية، من وجهة نظرهم؟

ويتردد أن دعم الكرادلة القادمين من مراكز القوة المتنامية (الجنوب) في العالم الكاثوليكي  كان حاسمًا في المجمع الذي أدى إلى انتخابه.

إذ يؤيد البابا بريفوست اللاجئين ويدافع عن حقوق الإنسان والفقراء، وهو ما يتعارض مع أجندة ترامب، الذي يواصل عمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين من الولايات المتحدة.

وكان لافتا أن البابا الجديد تحدث باللغة الإسبانية والإيطالية بدلًا من الإنجليزية في أول كلمة له بعد تنصيبه.

ومعروف أن ترامب يمقت الذين يتحدثون الإسبانية، بصفتهم من المهاجرين، بحسب المؤرخ الكنسي ألبرتو ميلوني.

والبابا الجديد لديه حساب على موقع إكس تحت اسم "دربريفوست" منذ عام 2011، ونشر أكثر من 400 منشور، من بينها منشورات انتقد فيها سياسات ترامب. 

وفي خطابه الأول ندد "بريفوست" بـ"إهمال الرحمة، والانتهاكات المروعة للكرامة الإنسانية"، وهي إشارة لمن يعادون المهاجرين.

وقد أشار موقع "بوليتيكو" الأميركي في 10 مايو/أيار 2025، إلى أن المجمع البابوي تعمد اختيار قائد جديد للكنيسة، يتحدى أجندة ترامب، خاصة فيما يتعلق بالهجرة. 

وقال أحد الكرادلة لـ "بوليتيكو": إن رجال كنيسة الفاتيكان، كانوا "مترددين" في البداية بانتخاب بابا من الولايات المتحدة، "لكنهم استقروا في النهاية على شخص تصوروا أنه سيكون بمثابة ثقل موازن لترامب المتهور".

أما السبب فهو تعمد ترامب التدخل في اجتماع المجمع (الكونكلاف) ومطالبته بترشيح بابا أميركي ونشر صورة ساخرة له وهو في زي بابا الفاتيكان.

 لذا اختاروا الأميركي، ليس بسبب ضغوط ترامب ولكن لأنه معارض لخططه، بحسب الموقع الأميركي.

وأدرك التقدميون من الكرادلة أن روبرت بريفوست، المولود في شيكاغو وذو الأصول مختلطة، قادر على تقديم صوت بديل لترامب، حسبما قال الكاردينال لـ "بوليتيكو".

أضاف: "لم يكن هذا هو العامل المحرك وراء القرار، الذي كان مرتبطا بتقديرات داخلية، لكن وجود بابا أميركي قادر على توفير ثقل موازن لخطاب ترامب هو بمثابة هدية تكميلية لأن بريفوست يقف ضد كل ما يمثله الرئيس الأميركي تقريباً".

رؤية معاكسة

وعندما صعد البابا المنتخب إلى الشرفة المطلة على ساحة القديس بطرس، صُدم العالم، فمنذ زمن بعيد، كان من المسلّم به أن مجمع الكرادلة لن يختار أميركيا أبدا، وفق شبكة "سي إن إن" 9 مايو/أيار 2025.

ويُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها قوية عسكريا ودبلوماسيا، وحتى ثقافيا.

لكن فكرة سيطرة أحد مواطنيها على أحد أكثر مراكز السلطة الدينية نفوذا في العالم، وهي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وأتباعها، الذين يزيد عددهم حاليا على ثلاثة أمثال عدد سكان الولايات المتحدة، كانت مستبعدة تماما.

وبدورهم، لا يعد أنصار تيار ترامب (ماغا)، البابا الجديد ممثلا لـ "أميركا أولاً"، حتى ولو كان أميركيا؛ لأن آراءه تتعارض مع أفكار هذا التيار المهيمن على سياسة واشنطن الحالية.

وقد شرحت صحيفة "نيويورك تايمز" 9 مايو 2025، ذلك ضمنا بتأكيدها أن تركيز البابا ليو الرابع عشر على اللاجئين وخلفيته التعددية، قد يقدم وجهة نظر مختلفة للقيم الأميركية عن نهج الرئيس "أميركا أولاً".

وذهبت الصحيفة إلى حد وصف "البابا الأميركي" بأنه "سيبرز كبديل محتمل لترامب على الساحة العالمية"، بعدما شوه الرئيس صورة وسمعة بلاده في الخارج وغذى انعدام الثقة بين الحلفاء منذ فترة طويلة.

قالت: سيقدم البابا ليو الرابع عشر للعالم وجهة نظر مختلفة للقيم الأميركية عن نهج ترامب "أميركا أولا"، الذي نفذه من خلال التعريفات الجمركية الصارمة، والتأملات الإمبريالية، والتخفيضات الهائلة في المساعدات الخارجية.

أيضا هناك مؤشرات على أن البابا الأميركي يرفض بعض المواقف المتشددة لإدارة ترامب.

فقد أعاد حساب على مواقع التواصل الاجتماعي باسمه نشر رسائل تنتقد مواقف الرئيس بشأن قضايا مثل الهجرة، ومراقبة الأسلحة، وتغير المناخ. 

ومع ذلك، يقول محللون في الفاتيكان: إن البابا بريفوست أكثر تحفظا من سلفه، وفي حين يتوقعون منه أن يستمر في الدفاع عن المهاجرين والفقراء، فإن البعض لا يرجح أن يفعل ذلك بطريقة صريحة مثل البابا فرانسيس.

وقال جون بريفوست شقيق البابا لصحيفة نيويورك تايمز: إنه لا يعتقد أن شقيقه "سيتردد في التعبير عن خلافاته مع الرئيس"، خاصة في قضية الهجرة.

مناهض لترامب

ولكن ما هي السياسات التي سيعارض فيها البابا ليو الرابع عشر الرئيس الأميركي ترامب؟

يتوقع المراقبون أن يواصل "ليو" النهج الإنساني للبابوية والتسامح مع المجموعات التي اضطهدت تاريخيا، ومنهم المهاجرين، وهو ما يُغضب تيار "لنجعل أميركا عظيمة من جديد".

أيضا، على عكس الموقف الانعزالي للرئيس الأميركي، من المتوقع أن يواصل ليو الرابع عشر سياسة سلفه فرانسيس، المتمثلة في منح الكنائس المحلية في أماكن مثل إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية دورًا أكبر.

وفي الوقت الذي تعمل فيه إدارة ترامب على خفض المساعدات للمرضى، من خلال القضاء على برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في إفريقيا، يجعل رئيس الكنيسة الكاثوليكية الجديد خدمة الفقراء مهنته، ما يتعارض مع رؤية الرئيس.

وكان مما أثار قلق رجال الدين في روما في أحاديث ترامب، التأثير المدمر للسياسة الأميركية على الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة.

وانقسمت هذه الأخيرة في السنوات الأخيرة إلى فصائل متحاربة، متمردة، بين التقدميين المتشددين والمحافظين الموالين لحركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى".

وقد ادعى المحافظون أنهم يتعرضون لاضطهاد من قبل البابا الراحل فرانسيس، وتحدوا حكمه علنا، مما دفع البعض للتساؤل عما إذا كانت الكنيسة الأميركية ستقطع علاقتها بالكرسي الرسولي في نهاية المطاف بشكل حاسم.

وتشير التقديرات الكنسية إلى أن البابا الجديد سيواصل خطوات سلفه فيما يتعلق بقضايا عدة خاصة أنه محسوب على العالم الجنوبي بصفته من بيرو أصلا، وكان مسؤولا عن تعيين 80 بالمئة من الكرادلة في المجمع البابوي.

وهؤلاء سيدعمون خططه لصالح الاستمرارية، فيما يسمى "نهج الإصلاح" الذي أرساه البابا السابق.

بابا ماركسي!

وهاجم أنصار ترامب البابا الجديد بعنف ووصفوه بأنه "ماركسي"، مثلما قالوا عن نواب الكونغرس المعارضين للرئيس إنهم "يساريين".

فبعد صعود بريفوست، انتقدت لورا لومر، الناشطة السياسية الأميركية اليمينية المتطرفة ومستشارة ترامب، بشدة "البابا الماركسي"، كما وصفته. وادعت أنه مناهض للرئيس، ولشعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا".

قالت: إنه "مؤيد للحدود المفتوحة، وماركسي تمامًا مثل البابا فرانسيس"، مضيفة أن توليه رئاسة الفاتيكان "أمرٌ مُقزز"، وفق تعبيرها. 

و"لومر" ليست كاثوليكية، بل يهودية، وتنشر باستمرار منشورات معادية للإسلام والمهاجرين على منصات التواصل، وشنت هجمات عنصرية ضدهم.

أيضا قال ستيف بانون، كبير الإستراتيجيين في ولاية ترامب الأولى والكاثوليكي المحافظ المتشدد، إن انتخاب بريفوست كأول بابا مولود في الولايات المتحدة "كان تصويتًا ضد الرئيس".

وأضاف: "كان هذا أسوأ خيار لكاثوليكيي ماغا"، واصفًا انتخاب ليو الرابع عشر بأنه "تصويت ضد ترامب من قِبل العولميين في مجمع الكرادلة".

وتوقع بانون في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية "احتكاكًا" بين ترامب والبابا ليو الرابع عشر، مشيرًا إلى أن مثل هذه المواجهة قد تُشعل انقسامًا عميقًا داخل المجتمع الكاثوليكي الأميركي.

ويُشكل الكاثوليك حوالي 20 بالمئة من سكان الولايات المتحدة، ومع هذا لم يتولى منهم سوى رئيسين: جون إف كينيدي وجو بايدن، إضافة إلى نائب الرئيس الحالي جيه دي فانس.

وفي إشارة إلى انتقادات فرانسيس اللاذعة لسياسات الهجرة، قال بانون: "تذكروا، لم يكن الرئيس يخشى تحديه، لذا، إذا حاول هذا البابا التدخل في خطط ترامب للترحيل الجماعي، فسأكون مستعدا للقتال".

وعلى الرغم من أن معظم مؤيدي حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" ليسوا كاثوليك، فإنهم يتمتعون بنفوذ كبير في البيت الأبيض، وقد يُنذر انتقادهم للبابا الجديد بمواجهة مستقبلية بينه وبين ترامب. 

وقبل أن يصبح الكاردينال بريفوست بابا الفاتيكان، شارك حساب على وسائل التواصل باسمه في انتقادات لمواقف إدارة ترامب بشأن الهجرة.

وقبل أشهر من توليه منصب أول بابا أميركي، وجه الحساب انتقادات لجيه دي فانس، ونشر مقالا وصف فيه تفسير نائب الرئيس للعقيدة المسيحية بأنه "خاطئ".

وكانت المقالة، التي نشرت في The National Catholic Reporter، بمثابة دحض لتفسير فانس لتعاليم كاثوليكية استخدمها للدفاع عن سياسات الترحيل التي تنتهجها إدارة ترامب.

في أبريل/نيسان 2025، شارك الحساب تحت اسم الكاردينال بريفوست تعليقا من كاتب كاثوليكي تساءل عما إذا كان ترامب والرئيس السلفادوري نايب بوكيلي، قد رأيا "المعاناة" الناجمة عن سياسات الهجرة الخاصة بهما.