كسرت جمود سنوات.. ماذا بعد انتزاع المعارضة السورية مناطق من قبضة الأسد؟

"العملية كانت مفاجئة ومربكة للنظام حيث لوحظ انهيار خطوط دفاعه الأولى بسرعة"
تمكنت فصائل المعارضة السورية خلال يوم واحد من إحداث تغيير كبير في معادلة السيطرة العسكرية على الأرض، بعد تحقيق "تقدم إستراتيجي ميداني جديد" على حساب قوات نظام بشار الأسد ومليشياته.
وبصورة مباغتة، أطلقت فصائل المعارضة السورية، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان" باتجاه قرى وبلدات خاضعة لسيطرة قوات الأسد.
"ردع العدوان"
وتمكنت فصائل المعارضة السورية، من السيطرة على أكثر من 34 قرية ونقطة في ريفي حلب الغربي وإدلب الشرقي، إثر اشتباكات مع قوات النظام السوري ومليشياته.
واستطاعت الفصائل السيطرة على "الفوج 46"، أحد أكبر القطع العسكرية في ريف حلب الغربي التابعة لقوات الأسد، وكان تحت سيطرة المعارضة حتى فبراير/ شباط 2020.
وبلغت مساحة المنطقة التي سيطرت عليها فصائل المعارضة، أكثر من 300 كيلومتر مربع بريفي حلب وإدلب.
وسمح هذا التقدم الميداني لفصائل المعارضة بالتمركز عسكريا على بعد 5 كلم من مدينة حلب الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري.
وخلال الاشتباكات تمكنت فصائل المعارضة من قتل وأسر العشرات من قوات النظام، فضلا عن الاستيلاء على أسلحة ثقيلة ومركبات عسكرية وعدد من الدبابات التابعة له، وفق ما أظهرت تسجيلات مصورة.
وأكدت إدارة العمليات العسكرية لعملية "ردع العدوان"، خلال بيان على تلغرام في 27 نوفمبر، أن المناطق التي تمت السيطرة عليها، خلال العملية، تمهد الطريق لعودة أكثر من 100 ألف مهجر إلى منازلهم وأراضيهم، مما يسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية في شمال غربي سوريا.

ويعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري)، 5 ملايين نازح، يتوزعون على ريف حلب ومدينة إدلب وريفها.
وشكلت عملية “ردع العدوان”، أول اختراق لخطوط التماس بين المعارضة وقوات الأسد منذ اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/ آذار 2020.
كما شاهد السوريون من جديد صور رأس النظام وهي تداس بأقدام الثوار داخل بعض النقاط العسكرية في البلدات التي استعادوا السيطرة عليها.
اللافت أن عملية "ردع العدوان" جاءت في "توقيت حساس" بالنسبة لإيران ومليشياتها، على الرغم من تعزيزات عسكرية لقوات الأسد في الآونة الأخيرة على خطوط التماس مع فصائل المعارضة.
إذ يدرك النظام السوري أن فقدانه مناطق ذات مواقع إستراتيجية، لصالح المعارضة يعد ورقة رابحة على طاولة المفاوضات السياسية التي يعطلها.
وبدا واضحا بحسب الخريطة العسكرية الجديدة اقتراب فصائل المعارضة من جديد لقطع الطريق الدولي حلب - دمشق (M5)، الذي تمكن النظام السوري من تأمينه مطلع عام 2020.
وفي حال تمكن الفصائل من قطع (M5) فإن ذلك يشكل ضربة "للمعادلة الاقتصادية" التي يبحث نظام الأسد عن تدويرها دون تشغيل الطريق الدولي الآخر حلب- اللاذقية (m4) والذي ما تزال تمسك المعارضة السورية بجزء منه.
رسالة العملية
وضمن هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر، لـ"الاستقلال": "إن ردع العدوان هي عملية هجومية ناجحة خطط لها وحضر بشكل عسكري جيد ولم يأت هذا الأمر صدفة أو حدث خلال أيام بل هو نتاج عمل أشهر".
وأضاف الأسمر: “العملية كانت مفاجئة ومربكة للنظام السوري، ولذلك لاحظنا انهيار خطوط دفاعه الأولى بسرعة وبشكل لافت وبالعمل العسكري وتكتيكات القتال”.
وأشار الخبير العسكري، إلى أن "النظام السوري تفاجأ بعدد المحاور واتساع جبهة الهجوم التي تقدر بـ 30 كيلومترا".
ولفت الأسمر، إلى أن هذا "التقدم سيغير بالتأكيد من خارطة السيطرة على الأراضي السورية، وبالتالي سيكون هناك تغيّر في المواقف السياسية من أصحاب النفوذ وأقصد هنا تركيا وروسيا وإيران، خاصة أن تمت السيطرة على مدينة حلب".
وذهب للقول: "العملية هي رسالة للنظام ومليشياته الإيرانية وحزب الله وأيضا المجتمع الدولي بأن الفصائل لا تزال تستطيع تغيير المعادلات ولن ترضى بحكم الأسد أو تعويم نظامه".
واستدرك: “فصائل المعارضة لعبت على الرضا والقبول الدولي لتقليص نفوذ مليشيات إيران وحزب الله في المنطقة”.
ولهذا بادرت بشن عملية ردع العدوان على تقدير أن إسرائيل وصولا لواشنطن والمجتمع الدولي لا يريدون لطهران ومليشياتها الوجود على الأراضي السورية، وفق تعبيره.

وبشأن غياب الطيران الروسي عن المعركة قال الأسمر: "أتصور أنه أردا أن يوجه رسائل لإيران ونظام الأسد بأنه لولا دعم موسكو الجوي لما استطاعوا الاحتفاظ بأي شبر من الأرض".
وختم بالقول: "روسيا تريد إظهار علو كعبها في سوريا.. وهذا ما يتيح لها مستقبلا التحكم في القرارات السياسية والعسكرية على حساب النظام وإيران".
وتوعدت الفصائل العسكرية التي أطلقت عملية "ردع العدوان" بتوسيع عمليتها بالشمال السوري.
وقال القائد العسكري “أبو الزبير الشامي” في 28 نوفمبر “اليوم نعيش مرحلة جديدة من مراحل ثورتنا المباركة بعد إطلاق إدارة العمليات العسكرية معركة ردع العدوان (…) ما يراه عدونا ما هو إلا البداية”.
وطالب "أبو الزبير" عناصر النظام بالانشقاق أو الفرار من نقاطهم إذا أرادوا ألا يقتلوا خلال العمليات.
وأشار القيادي إلى أن المعركة أطلقت ردا على استهداف قوات النظام المدنيين في شمال غربي سوريا.
"المعركة الكبرى"
وأعادت عملية "ردع العدوان"، التذكير بخرق قوات النظام السوري اتفاق عام 2020 وتقدمه على مناطق المعارضة.
ويمنع التقدم إلى تلك المناطق بموجب اتفاق سوتشي الموقع بين أنقرة وموسكو في سبتمبر/أيلول 2018 لا سيما في الجزء الشرقي من إدلب.
لهذا فإن عملية "ردع العدوان" ينظر إليها كثير من الخبراء العسكريين على “أنها مرتبطة بعدة عوامل ومتغيرات على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
لا سيما أن النظام لا يزال يطمح في إعادة احتلال المناطق المحررة، ونسف أي تفاهمات روسية تركية شمال غربي سوريا طالما تعيد إليه السيطرة على مناطق المعارضة.
وضمن هذه الجزئية قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد إن "غاية محاور التحرك لفصائل المعارضة السورية فيما بعد هو الوصول إلى مدينة حلب وتحريرها من قبضة الأسد".
وأردف لـ"الاستقلال": “المواقع التي سيطرت عليها فصائل المعارضة ارتكازية وأثبتت هشاشة نقاط استناد قوات الأسد عليها”.
ونوه الأسعد إلى أن "هناك اتجاها من الفصائل للتقدم نحو ريف إدلب الشرقي وسيتم محاصرتها والسيطرة على قرى وبلدات هناك لا سيما بلدتي نبل والزهراء اللتين تشكلان معقلا للمليشيات الإيرانية".

ويتفق الأسعد مع من يرى أن "هذه المعركة تختلف عن كل المعارك إذ إنها تأتي في ظل موقف دولي متغير، وفيها رسالة إلى إيران بالدرجة الأولى بأن الفصائل في الشمال السوري قادرة على تغيير المعادلة العسكرية بسوريا لصالحها".
وأردف: “من الملاحظ أن الطيران الروسي يشترك بخجل في المعركة، لأنه أيضا يخشى من تأزم الوضع عنده في روسيا لكون الصواريخ الأوكرانية باتت ترهقه”.
لكنه لفت إلى أنه "في حال اشترك في تغطية المعارك بسوريا فسيشتد عليه الخناق بأوكرانيا".
ومن جهة أخرى، فإن تقدم المعارضة السورية والسيطرة على قرى ومدن واقعة على الطريق الدولي حلب - دمشق (M5) يفتح الباب مجددا، لإعادة تطبيق اتفاق إدلب لوقف إطلاق النار عام 2020.
والذي قضى بإنشاء ممر آمن بطول ستة كيلومترات إلى الشمال والجنوب من الطريق الدولي (M4)، وتسيير دوريات تركية - روسية على امتداده وهو ما لم ينفذ.
وفتح طريق (M4) هي قضية بين روسيا وتركيا كونه مشمولا في الاتفاق الموقع في 5 مارس 2020 بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وبما أن استئناف الحركة التجارية على الطرق الدولية يشكل ورقة ضاغطة على طاولة المفاوضات السورية من ناحية نفوذ السيطرة عليها فإن تركيا تبدو "مرتاحة" للعملية الأخيرة.
فقد قالت مصادر أمنية تركية، إن فصائل المعارضة السورية تهدف من خلال العمليات العسكرية التي شنتها في ريفي حلب وإدلب لوقف هجمات النظام ضد السكان، واستعادة حدود منطقة "خفض التصعيد"، التي اتُفق عليها عام 2019 بين روسيا وتركيا وإيران.
ونقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 28 نوفمبر 2024، عن مصدر أمني تركي كبير (لم يسمه)، قوله إن تركيا حاولت منع الهجوم لتجنب المزيد من التصعيد في التوترات في المنطقة، خاصة في ظل الحروب التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان.
ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لاستخدام القنوات التي أنشأها اتفاق "خفض التصعيد" لعام 2019 من أجل وقف الضربات الجوية الروسية والأسدية على محافظة إدلب، لم تسفر عن نتائج.
ووفق المصدر، "ما كان مخططا لها في البداية أن تكون عملية محدودة، توسعت مع بدء قوات النظام بالفرار من مواقعها".
المصادر
- اليوم الثاني من "ردع العدوان".. المعارضة تواصل تقدمها وتقترب من حلب وسراقب
- الفصائل العسكرية تتوعد بتوسيع عمليتها بالشمال السوري
- سوريا.. المعارضة تسيطر على 5 قرى شرق مدينة إدلب
- "ردع العدوان".. تحرير "جمعيات المناهل والرضوان وأولي الألباب" غربي حلب
- Turkey says Syrian rebel assault near Aleppo is a 'limited operation'