"إعادة خلط الأوراق".. هل يستفيد الإصلاحيون في إيران من سقوط الأسد؟

منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، جعل طهران “تقف عند مفترق طرق” قد يؤدي إلى تحول في تعاملها في ملف الدبلوماسية النووية وتحالفاتها الإقليمية.

وفي مقال نشرته مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية، قال مدير دراسات الديمقراطية والحكم في "جامعة جورج تاون" الأميركية، دانييل برومبرج، إن "سقوط رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد يكون أفضل تطورا لصالح الإصلاحيين في إيران".

ورأى أن "سقوط الأسد وما تبقى من نظامه -إلى جانب قرار موسكو بإلقاء حليفها الرئيس في الشرق الأوسط في مهب الريح- يمثل كارثة إستراتيجية بالنسبة لإيران".

استغلال الفرصة

وأوضح برومبرج أن "إستراتيجية إيران في المقاومة اعتمدت على تحالفها الوثيق مع نظام الأسد، وما يعمق مخاوفها هو احتمال أن يخلف الأسد حكاما تصفهم بـ(الإرهابيين)".

وأضاف أن "الصورة الراسخة عن هيمنة وشيكة لجيل جديد من المتشددين تبدو في الوقت الراهن قد تغيرت، فقد أضعف سقوط الأسد مكانة التيار المتشدد في إيران وفتح الباب أمام تجديد الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وهو نهج طالما دعا إليه الإصلاحيون".

واستطرد: "من المرجح أن يسعى الإصلاحيون لاستغلال هذه الفرصة لتعزيز موقعهم على الصعيدين الداخلي والخارجي".

وقال برومبرج: "كانت هناك دوما علاقة وثيقة بين النضال الشاق الذي يخوضه الإصلاحيون لوضع بصماتهم على النظام السياسي في إيران والقضية الحساسة المتمثلة في العلاقات بين واشنطن وطهران".

وأضاف: "رغم أن إطلاق تعميمات حول مجموعة معقدة ومتناحرة مثل الإصلاحيين ينطوي على مخاطر، إلا أنه يمكن القول إنهم لا يتشاركون الكراهية العميقة أو الخوف من القوة الثقافية والأيديولوجية الأميركية التي تُحرّك خصومهم المتشددين".

وتابع: "بل على العكس، استلهم كثير منهم الفكر السياسي الغربي، وبتناغم مع الطبيعة الانتقائية للتفكير السياسي في إيران، استمد الإصلاحيون أفكارهم من الماركسية، والليبرالية التقليدية، والوجودية، لصياغة رؤية للتغيير السياسي".

وقال برومبرج إن "هذا التغيير لا يكون عبر ثورات شعبية، بل من خلال عملية شاقة تعتمد على بناء التحالفات والدعوة إلى سياسة أكثر انفتاحا وتعددية".

وأردف: "رغم العراقيل الهائلة التي واجهتهم، بدءا بالمرشد الأعلى علي خامنئي وكبار قادة الحرس الثوري الإيراني، حاول الإصلاحيون تعزيز نفوذهم السياسي الداخلي من خلال الترويج للانفتاح الدولي على الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة".

وأوضح أن "الرئيس الأسبق محمد خاتمي، قد جسّد هذا التوجه بمفهوم (حوار الحضارات)، كخطوة إستراتيجية ضمن مشروع معقد على المستويين المحلي والعالمي".

ومنذ خاتمي وصولا إلى حسن روحاني، وحتى الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، تبنّى كل رئيس إصلاحي نسخة من هذا النهج، وعلاوة على ذلك، لعب وزير الخارجية السابق ونائب الرئيس الحالي، محمد جواد ظريف، دورا بارزا في دعم الرؤساء الثلاثة.

وبالنسبة لظريف وحلفائه في وزارة الخارجية، والجامعات، والنخب الفكرية الأوسع، كان إقرار الاتفاق النووي عام 2015 بمثابة نقطة محورية سياسية وإستراتيجية في صراعهم لتخفيف تأثير المتشددين وكسب موافقة المرشد الأعلى.

وبالنسبة للإصلاحيين، قدم الاتفاق نافذة زمنية تمتد من 10 إلى 15 عاما لإعادة هيكلة اقتصاد إيران، ومن ثم ربط البلاد بالساحة الدبلوماسية والاقتصادية العالمية، وهو ما كان يأمل الإصلاحيون أن يؤدي إلى تحولات جذرية، وفق برومبرج.

وقال الأكاديمي الأميركي: "لقد خاضت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما رهانا مشابها، فقط لتشهد انقلاب الطاولة عندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018".

وأضاف: "لم تكن استقالة ظريف المفاجئة من منصب وزير الخارجية في فبراير/شباط 2019 مجرد انعكاس لإحباطه من الانهيار الظاهري للاتفاق الذي ساعد في تأمينه فحسب، بل جاءت أيضا بعد اجتماع بين خامنئي والأسد استُبعد منه، وربما لم يُبلّغ عنه حتى".

وأشار برومبرج إلى أن "الرسالة كانت واضحة، حيث بدا أن الإصلاحيين لم يكن لهم دور في إستراتيجية (المقاومة) التي وضعها المتشددون في قلب السياسة الخارجية الإيرانية".

وتابع: "ومع انتخاب المتشدد إبراهيم رئيسي رئيسا في 2021، بدا كما لو أن المشروع الإصلاحي قد انهار تماما".

اختراقات دبلوماسية

لكن يعتقد برومبرج أن "رحيل الأسد قد يكون بمثابة طوق نجاة جديد للإصلاحيين في إيران، يمنحهم فرصة لإعادة تشكيل حضورهم السياسي".

وأضاف أن "هذه اللحظة بالنسبة لظريف ليست فقط مناسبة لقول: لقد قلت لكم ذلك، التي تعكس تحذيراته من قوة خصومه المتشددين، بل تمثل أيضا نوعا من العدالة الممزوجة بالمرارة".

وأوضح أن "إيران خسرت ركيزة أساسية في (محور المقاومة) بفقدانها أبرز حلفائها في دمشق، بينما وجد الحليف الثاني، حزب الله، نفسه مضطرا للقبول بوقف إطلاق النار مع إسرائيل بعد تلقيه ضربات متتالية".

ورأى أن "الضربة الأقسى كانت مقتل أمينه العام، حسن نصر الله، على يد إسرائيل في عملية اغتيال نفذت في 27 سبتمبر/أيلول 2024".

وقال برومبرج إنه "من الضروري أن نتذكر أن إستراتيجية المقاومة الإيرانية منذ بدايتها قامت على مزيج من استخدام القوة -أو التهديد بها- والدبلوماسية".

فرغم كراهيتهم للإصلاحيين، أدرك المتشددون -بحسب الأكاديمي الأميركي- حاجتهم إلى نفوذهم في الوصول لقادة العالم، إلى جانب خبرة وزارة الخارجية التي يهيمن عليها الإصلاحيون، وكان ظريف على دراية بهذا الواقع حين تراجع عن استقالته عام 2019.

وبالمثل، فإن استقالته في 12 أغسطس/آب 2024 من منصب نائب الرئيس للشؤون الإستراتيجية، بعد 11 يوما من انتخاب بزشكيان وعودته إلى المنصب بعد أسبوعين فقط، أرسلتا رسالة واضحة بأن للإصلاحيين "دورا محوريا لا يزال قائما على الصعيدين الداخلي والخارجي”.

أما عدم معارضة خامنئي لعودة ظريف، رغم أن المتشددين كانوا وراء خروجه المؤقت، فيشير إلى إدراك المرشد الأعلى أن تراجع قدرة إيران على استخدام القوة للدفاع عن أهم مصالحها -بقاء النظام- يجعل من الدبلوماسية أمرا لا غنى عنه، وفق الكاتب.

وقال برومبرج إن "ظريف أعاد التأكيد على أهمية الدبلوماسية في مقال نشره بمجلة فورين أفيرز في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث أوضح أن بزشكيان" يسعى إلى تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط… ويرغب أيضا في التواصل البنّاء مع الغرب". 

وأشار ظريف إلى أن "حكومة بزشكيان مستعدة لإدارة التوترات مع الولايات المتحدة"، آملا في مفاوضات متكافئة بشأن الاتفاق النووي، وربما أكثر من ذلك".

وأكد برومبرج أن “الإشارة إلى المستقبل تفتح بابا للتأمل العميق، فمع سقوط الأسد وانسحاب روسيا المُهين من سوريا، تجد السياسة الخارجية الإيرانية نفسها عند مفترق طرق حاسم”.

وكما أشار الكاتب، ديفيد سانغر، في صحيفة "نيويورك تايمز" أخيرا، فإن إيران أمام خيارين، إما المضي قدما في توسيع برنامجها النووي، وهو مسار محفوف بالمخاطر.

أو الانخراط في دبلوماسية جادة "تهدف إلى حماية إستراتيجية المقاومة، وإعادة تعريفها، وهي الإستراتيجية التي لطالما استندت إلى صيغة "لا حرب، لا سلام" التي بات من الصعب الحفاظ عليها في ظل الظروف الراهنة"، وفق تقييم برومبرج.

وأضاف: "من المبكر جدا التنبؤ بكيفية استجابة ترامب لأي مبادرة إيرانية، وهي المبادرة التي قد تكون قيد التنفيذ بالفعل، كما يوحي الاجتماع الذي جرى في 14 نوفمبر/تشرين الثاني بين إيلون ماسك وسفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرفاني".

وتابع: "جميع قادة الشرق الأوسط يراهنون على أن الرئيس المنتخب سيحقق اختراقات دبلوماسية فشل جو بايدن في تحقيقها".

واستدرك برومبرج: "مع ذلك، فإن التعامل مع طهران سيتطلب من ترامب قبول مبدأ الصفقة التفاوضية التي رفضها سابقا، والتي تقوم على تقليص أو إزالة العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي مقابل اتفاق جديد يفرض نظاما أشد للرقابة الدولية، لكنه يسمح لإيران بتخصيب محدود".