انهيار سلطة عباس في الضفة.. لماذا يقوض أمن إسرائيل ويزيد عزلتها؟

"انهيار السلطة الفلسطينية لن يسهم في تحسين الوضع الأمني الإسرائيلي"
في الآونة الأخيرة، تتصاعد الدعوات داخل الأوساط اليمينية الإسرائيلية لإسقاط السلطة الفلسطينية، في خطوة تهدد مسار التطبيع مع العالم العربي.
وحذر "معهد دراسات الأمن القومي" العبري، من أن انهيار السلطة الفلسطينية لن يسهم في تحسين الوضع الأمني، بل على العكس، سيزيده اضطرابا.
كما سيحمّل إسرائيل عبئا اقتصاديا ثقيلا يتمثل في تحمل مسؤولية تلبية الاحتياجات المعيشية للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية.
وستظهر إسرائيل بمظهر الدولة التي لا تحترم الاتفاقيات الموقعة، الأمر الذي يعزّز الانطباع الدولي عنها كـ"دولة ذات نظام فصل عنصري". وفق تقديره.
علاوة على ذلك، يرى المعهد أن انهيار السلطة التي يرأسها محمود عباس من شأنه أن يقوي حركة المقاومة الإسلامية حماس ومحور المقاومة، ويسرع في الوقت نفسه الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.
وهو ما يعني، بالنسبة لإسرائيل، تآكلا للإنجازات السياسية والمدنية، الإقليمية والدولية التي راكمتها على مدار عقود. بحسب تعبيره.

نقطة الصفر
ومع اتساع رقعة الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية، تتزايد الدعوات من قبل عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية إلى إسقاط السلطة.
وتأتي هذه الدعوات بالتوازي مع ضغوط متصاعدة من أطراف يمينية تدفع نحو ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل.
في هذا السياق، أشار المعهد إلى أن بعض الأطراف أعادت طرح فكرة "الإمارات الفلسطينية"، والتي تقضي بمنح الفلسطينيين سيطرة مدنية محدودة على المدن، بينما تُضم المناطق الريفية إلى إسرائيل.
وتابع: "هناك أيضا مقترح بديل يمنح الفلسطينيين إدارة مدنية مستقلة في مناطق (أ) و (ب) التي تشكل نحو 40 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وهو تصور يشبه إلى حد كبير فكرة الحكم الذاتي التي طرحتها حكومة بيغن ضمن اتفاقية السلام مع مصر".
ولفت إلى أنه "في جميع هذه السيناريوهات، كما هو الحال حاليا، تبقى المسؤولية الأمنية في الضفة الغربية بيد إسرائيل بالكامل".
ونوَّه إلى أن "جميع هذه البدائل تعني فعليا انهيار السلطة وإلغاء اتفاق المرحلة الانتقالية الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1995، والذي نص على الحكم الذاتي الفلسطيني كمرحلة تمهيدية نحو مفاوضات الحل النهائي".
وينظر المعهد لهذا التوجه بصفته "خطوة بعيدة المدى قد تعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى نقطة الصفر، وتعرض للخطر مسار الاعتراف الإقليمي بإسرائيل والتسليم بوجودها في العالم العربي".
وأكمل المعهد تحذيره قائلا: "إذا ما قررت الحكومة الإسرائيلية تبني أحد هذه المقترحات المطروحة من قبل الجهات اليمينية، فإنها قد تضع الدولة ومواطنيها أمام تحديات ومخاطر متعددة، تمس مصالحها الوطنية الحيوية في مجالات إستراتيجية".
وتحدث عن ظروف نشأة السلطة الفلسطينية والتحول الذي طرأ عليها خلال فترة محمود عباس.
وتأسَّست السلطة عقب توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، وجاءت نتيجة التحول العميق الذي أحدثته الانتفاضة الأولى (1987-1993) على المستويين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأضاف: "فإلى جانب التحدي الأمني الذي فرضته الانتفاضة بالضفة الغربية وقطاع غزة، بدأت قنوات التواصل بين جهات إسرائيلية وممثلين فلسطينيين، وعلى رأسهم منظمة التحرير".
ويعتقد أن "التحول الأبرز من جانب منظمة التحرير، التي كانت قيادتها آنذاك في تونس، تمثل في الاعتراف بإسرائيل".
ومع ذلك، يرى المعهد أن زعيم المنظمة الراحل ياسر عرفات، ورغم دخوله المسار السياسي مع إسرائيل، فقد ظل يفكر بعقلية ثورية، ولم يتخل عن خيار المقاومة المسلحة، وتحدث بلغة مزدوجة.
في المقابل، تحدث عن عهد محمود عباس كرئيس للسلطة قائلا: إنه اختلف مع عرفات طوال فترة رئاسته، بالتنسيق الأمني الكامل مع إسرائيل، والالتزام باتفاقيات أوسلو، واختيار المسار الدبلوماسي بدلا من "المقاومة العنيفة".
وأشار إلى أنه "على مدار السنوات، ترسَّخت السلطة في الوعي الجمعي للفلسطينيين، وحتى في نظر خصمها اللدود حركة حماس، كمؤسسة وطنية قائمة على أرض فلسطينية، تستند إلى اعتراف دولي واتفاقيات موقعة بدعم عالمي".
لذلك، يشكك المعهد في أن "تنهار السلطة من تلقاء نفسها، كما أن محاولات إضعافها لن تنال من مكانتها كرمز وطني".
"على النقيض، فإن إسقاطها من قبل إسرائيل بشكل أحادي سيضع الأخيرة في مواجهة جبهة عربية ودولية موحدة، ويعمق من عزلتها على الساحة العالمية، ويُسرع من وتيرة مقاطعتها في المنتديات الدولية والأسواق العالمية". وفق تقييمه.

صورة سلبية
واستعرض التداعيات السلبية على صورة إسرائيل في المحيطين الإقليمي والدولي، حال أقدمت على خطوات تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية.
ومن أبرز هذه النتائج، ترسيخ الانطباع بأن "إسرائيل دولة لا تسعى إلى السلام ولا تحترم الاتفاقيات التي وقّعتها".
وأردف: "فبعد أن مدَّت يدها للسلام حتى عام 2009، توقفت إسرائيل عن طرح أي مبادرات تعكس رغبة حقيقية في السلام، ورفضت جميع المحاولات للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين".
ويرى المعهد أن "إسقاط السلطة سيُضفي على هذه الصورة طابعا رسميا، ويحمّل إسرائيل المسؤولية عن فشل المسار السياسي مع الفلسطينيين، وعن تصعيد الصراع الإسرائيلي العربي، إضافة إلى انعكاساته السلبية على النظامين الإقليمي والدولي".
علاوة على ذلك، ستصور إسرائيل على أنها "تكرس واقع الدولة الواحدة؛ إذ ستفرض سيطرتها على نحو ثلاثة ملايين فلسطيني (باستثناء سكان قطاع غزة)، وتُدير نظامين قانونيين منفصلين، ما يعزز الاتهامات بأنها تمارس نظام فصل عنصري (أبارتهايد)".
على مستوى الداخل الفلسطيني، يقدر المعهد أنه سُينظر إلى إسرائيل بصفتها "دولة حسمت الصراع بين فتح وحماس لصالح الأخيرة".
وتابع: "فدعم إسرائيل للانقسام السياسي الفلسطيني، إلى جانب الانقسام الجغرافي، أسهم في تعزيز قوة حماس في قطاع غزة، وكان أحد العوامل التي أدت إلى هجوم الحركة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
واستطرد: "وفي حال انهيار السلطة، ستكون إسرائيل قد نصّبت حماس فعليا كممثل مهيمن، وربما وحيد، للشعب الفلسطيني".
الأخطر من ذلك، أن "انهيار السلطة سيُفسر على أنه انتصار لنهج المقاومة المسلحة الذي تتبناه حماس وجماعة الإخوان المسلمين، على حساب خيار التفاوض السياسي".
وحذر من أن "هذا التحول ستكون له آثار سلبية على الدول العربية التي تحارب الإسلام السياسي، كما سيؤدي إلى تطرف بعض الأقليات المسلمة، ويغذي موجات العداء لإسرائيل واليهود في الدول الغربية".
وأضاف: "كما سيؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى إحياء محور المقاومة الذي سعت إسرائيل لتفكيكه خلال الحرب الحالية".
فوفق وجهة نظره، قد تنظر إيران والجماعات المتحالفة معها إلى خطوة تل أبيب لإسقاط السلطة على أنها تعزيز لحججها في النقاشات العربية والإسلامية الداخلية، الداعية إلى القضاء على دولة إسرائيل.
أما عن فرص التطبيع مع المزيد من الدول العربية والإسلامية، فقال المعهد: "ستتخلى إسرائيل عن فرص تعزيز علاقاتها مع دول الخليج المعتدلة، وعن إمكانية توسيع اتفاقيات أبراهام في مقابل دفع العالم نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل أحادي، دون موافقة" تل أبيب.
على الصعيد الاقتصادي، يتوقع المعهد أن "تتوقف المساعدات الدولية التي تمول احتياجات الفلسطينيين في الضفة الغربية، مما سيُحمل إسرائيل كامل المسؤولية عن توفير كامل الخدمات المعيشية لسكان تلك المناطق".
انقلاب البنادق
وعلى المستوى الأمني، يحذر المعهد من أن إسرائيل "ستواجه تحديا أمنيا بالغ الخطورة إذا انهارت السلطة الفلسطينية".
وعزا ذلك إلى أن "التعاون الأمني بين الأجهزة الإسرائيلية ونظيرتها الفلسطينية قائم منذ سنوات طويلة، ويستمر بشكل فعال حتى في فترات الأزمات، بما في ذلك خلال الحرب المستمرة في قطاع غزة".
ووفقا له، "يستند هذا التعاون إلى اعتراف متبادل بالمصلحة المشتركة في ترسيخ الاستقرار الأمني في الضفة الغربية".
وأضاف: "وصف محمود عباس هذا التنسيق مرارا بأنه مقدس، رغم الانتقادات الشديدة التي وُجهت إليه بسبب تمسكه به، ورغم توسع إسرائيل في بناء المستوطنات، بما يخالف اتفاقيات أوسلو".
وتساءل المعهد: “هل فكر الداعون إلى إسقاط السلطة الفلسطينية في التداعيات الأمنية كافة المترتبة على غيابها؟”
كما تساءل: “كيف يمكن تفكيك جهاز أمني مخلص للسلطة، وملتزم بالاتفاقيات مع إسرائيل، ومتعاون معها ويحظى بتقدير من نظرائه الإسرائيليين؟”
في هذا السياق، يخشى المعهد من أن "الخطر الذي يطرحه اليمين، والمتمثل في انقلاب البنادق، أي توجيه أسلحة قوات أمن السلطة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين؛ قد يتحقق عمليا".
"وهو ما يعني انضمام وحدات فلسطينية مسلحة إلى العمل الإرهابي، علما أن من انخرطوا في الإرهاب حتى الآن من أفراد هذه الأجهزة لا يتعدون كونهم حالات فردية". وفق تعبيره.
ومع ذلك، يشدد المعهد على أن "الوحدات الأمنية ما زالت تحافظ على ولائها لعباس وعلى التزاماتها تجاه إسرائيل".
ولفت إلى “وجود تحد إضافي يتمثل في جمع الأسلحة من نحو 45 ألف عنصر أمني فلسطيني؛ حيث قد يبادر بعضهم إلى تسليم سلاحه لإسرائيل أو لطرف ثالث، لكن ماذا عن الذين سيرفضون؟”
وتطرق للحديث عن تأثير انهيار السلطة على أمن المستوطنات، فأشار إلى أن "العديد من المستوطنات تتوزع في عمق الأراضي الفلسطينية المأهولة في الضفة الغربية".
ونبه إلى أنه "في حال غياب جهة فلسطينية داخلية ضابطة، سيزداد التحدي الأمني في حماية هذه المستوطنات، وتأمين الطرق المؤدية إليها، والحدود مع الأردن، والمناطق الفاصلة مع الضفة الغربية".
فضلا عن ذلك، توقع المعهد أن تتصاعد دوافع الفلسطينيين لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
وقال: "أولئك الذين يحذرون من مخاطر تكرار سيناريو 7 أكتوبر من الضفة إلى داخل إسرائيل، هم أنفسهم من يحفزون الدافعية لمثل هذه العمليات.
وذلك "من خلال رفضهم الاعتراف بدور السلطة في منع بناء قوة لحماس في الضفة الغربية".
وإقليميا، يرى المعهد أن "انهيار السلطة يهدد استقرار الأردن الذي يشهد نشاطا متزايدا للإسلام السياسي الذي يتحدى النظام الهاشمي في مواجهة قمع إسرائيل للفلسطينيين".

انعكاسات داخلية
وتوقع أن تمتد الارتدادات السلبية إلى داخل المجتمع الإسرائيلي، قائلا: “سيواجه التماسك الوطني واختبار قدرة المجتمع المنقسم على الصمود تحديا كبيرا في حال حدوث تصعيد واسع في الضفة”.
وخاصة أن ذلك قد يرافقه تصعيد محتمل في شرق القدس وحول المسجد الأقصى، مبينا أن الخطر يزداد في ظل عزلة دولية متزايدة تواجهها إسرائيل بالفعل.
ورجح أن "يعمق هذا التصعيد الانقسام الداخلي ويثير جدلا أخلاقيا حول جدوى السيطرة على شعب آخر، مما ينعكس سلبا على القيم اليهودية وعلى صورة إسرائيل في الساحة الدولية".
أما عن التبعات الاقتصادية، فقدر أن "انهيار السلطة سيُلزم إسرائيل بتوفير فرص عمل وخدمات أساسية لمجتمع فلسطيني معاد، في مجالات مثل الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي والتدريب المهني والصرف الصحي".
وهو ما يعني أن "العبء الاقتصادي سيتفاقم على المواطنين الإسرائيليين، خاصة مع توقع امتناع المجتمع الدولي والإقليمي عن المشاركة في تحمل هذه المسؤولية".
وذكر أنه "وفقا لتقديرات خبراء اقتصاديين، فإن تكلفة هذا العبء قد تصل إلى نحو 8 مليارات شيكل سنويا (2.1 مليار دولار تقريبا)".
بالإضافة إلى ذلك، يقول المعهد: إن "من شأن تفكيك السلطة أن يُثير حالة من التوتر بين المواطنين العرب والفلسطينيين داخل إسرائيل، نتيجة تعاطفهم مع إخوتهم في الضفة الغربية".
“وهو ما قد ينذر بانتقال مظاهر الجريمة والعنف من الشارع العربي إلى الشارع اليهودي، مما يُهدد الاستقرار الداخلي”. وفق المعهد.
في المحصلة، يؤكد أن “الدعوات الصادرة عن أطراف يمينية في إسرائيل لإسقاط السلطة تمثل عمليا مطالبة بخطوة تعيد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عقودا إلى الوراء”.
كما أنها “تعزز عزل إسرائيل في الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي، دون أن تحقق أي تحسن في أمنها، بل على العكس، ستفاقم التهديدات”، وفق تقدير المعهد.