لهذا جدد ترامب اعترافه بسيادة إسرائيل المزعومة على الجولان المحتل

"اتفاقيات جنيف تحظر تغيير البنية السكانية للأراضي المحتلة"
يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ترسيخ مبدأ الاعتراف بالأوضاع المفروضة بالقوة في الأراضي المحتلة، وتحديدًا في سوريا، لتثار تساؤلات عن القيمة القانونية لمثل هذه الخطوات.
فخلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 29 سبتمبر/أيلول 2025، جدّد ترامب اعترافه بـ"سيادة إسرائيل" على هضبة الجولان السوري المحتل منذ عام 1967.

رد سوري
بعد تجديد ترامب اعترافه بالسيادة الإسرائيلية المزعومة على الجولان المحتل، أعادت وزارة الخارجية السورية في 29 سبتمبر 2025 نشر قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981.
وهذا القرار يخص رسالة الممثل الدائم للجمهورية العربية السورية المؤرخة في 14 ديسمبر/كانون الأول 1981 والمنشورة في الوثيقة (S/14791).
ويؤكد قرار مجلس الأمن الدولي أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وبذلك يعد قرار إسرائيل فرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية لاغيا وباطلا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي.
طلب القرار الأممي وقتها من تل أبيب أن تلغي خطوتها فورا، كما أعلن أن جميع أحكام اتفاقية جنيف لتاريخ 12 أغسطس/آب 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب ما زالت سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل منذ يونيو/حزيران 1967.
وفي 5 يونيو 1967، بدأت إسرائيل حربا ضد مصر وسوريا والأردن، واحتلت شرق القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وجزءا من مرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.
وتبعد هضبة الجولان الواقعة جنوب سوريا نحو 50 كيلومترا عن العاصمة دمشق، وتقدّر مساحتها بأكثر من 1860 كيلومترا مربعا.
وأقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 1981 قانون ضمّها إلى إسرائيل، لكن المجتمع الدولي لا يزال ينظر إلى المنطقة على أنها أراضٍ سورية محتلة.
وشرعت إسرائيل منذ ذلك الوقت في عمليات استيطان بتلك المنطقة، أما ما تبقى فيواجه هو الآخر خطر التهويد.
وكان عدد قرى الجولان 164 قرية، إضافة إلى 146 مزرعة، واحتلت منها إسرائيل 137 قرية و112 مزرعة.
ويعيش في الوقت الراهن نحو 27 ألف مستوطن إسرائيلي ضمن 35 مستوطنة في مرتفعات الجولان المحتلة، بالإضافة إلى 25 ألف سوري يعيشون في 5 قرى هي: "مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية، الغجر".
ومعظم السوريين هناك من طائفة الموحدين الدروز إلى جانب شركس وتركمان وبدو، بعدما كان يسكن بلدات الجولان قبل احتلاله نحو 138 ألف شخص فر غالبيتهم نحو الداخل السوري.
وأتاحت إسرائيل لمن بقي في الجولان خيار الحصول على الجنسية، غير أن غالبيتهم آثروا الإبقاء على الجنسية السورية.
وذلك مع الحصول في المقابل على صفة مقيم دائم تمكنهم من ممارسة أغلبية الحقوق الممنوحة للمواطن الإسرائيلي، باستثناء التصويت للكنيست وحمل جوازات سفر إسرائيلية.

خلط الأوراق
في 15 مارس/آذار 2019 وقع ترامب في أثناء ولايته الرئاسية الأولى إعلانا تعترف الولايات المتحدة بموجبه بسيادة إسرائيل "الكاملة" على مرتفعات الجولان، التي احتلتها عام 1967 وضمتها إليها في 1981، في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي.
ومنذ ذلك الحين أكد الخبراء القانونيون أن ترامب لا يملك الحق والأهلية القانونية لتشريع الاحتلال واغتصاب أراضي الغير بالقوة.
اللافت أن الاعتراف الأميركي بشأن الجولان المحتل مجددا، جاء في ظل استمرار المفاوضات بين سوريا وإسرائيل للتوصل لاتفاق أمني جديد أو معدل لبنود اتفاقية فض الاشتباك عند الحدود الموقعة بين نظام حافظ الأسد وتل أبيب عام 1974.
إذ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التوصل لاتفاق مع الحكومة السورية الجديدة "ممكن"، مشيرا إلى أن ذلك يشمل احترام سيادة سوريا وحماية الأقليات فيها وكذلك أمن إسرائيل، حسبما قال في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 سبتمبر 2025.
وقال نتنياهو: "انظروا إلى سوريا، كان السلام يبدو بينها وبين إسرائيل غير قابل للتصور لعقود.. حسنا لم يعد الأمر كذلك".
كذلك، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر نهاية يونيو 2025 أن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان شرط أساسي لتطبيع العلاقات مع سوريا.
وأوضح عبر قناة “آي نيوز 24” أن: “اعتراف سوريا بسيادة إسرائيل على الجولان شرط لأي اتفاق مستقبلي مع الرئيس السوري أحمد الشرع”.
وبعد إسقاط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي باستدعاء الفرقة 98 ولواءي المظليين والكوماندوز إلى الحدود مع سوريا.
كما أوضحت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن الجيش يواصل حفر خندق عميق على طول الحدود وخط وقف إطلاق النار مع سوريا.
وما يزال الاحتلال يوسع توغلاته في جنوب سوريا بعد إنهائه اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 من طرف واحد.
ويرمي الاحتلال من تلك الخروقات إلى تحقيق ضغط أكبر على قيادة دمشق لتقديم تنازلات بشأن الجولان المحتل.
ففي 16 سبتمبر 2025 نقلت وكالة “رويترز” البريطانية عن مسؤول إسرائيلي قوله: إن إسرائيل طرحت اقتراحا على المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس براك، مفاده التنازل عن الجولان مقابل انسحاب تل أبيب من جنوبي البلاد.
وعرضت إسرائيل على الشرع التنازل عن الجولان، مقابل الانسحاب من المواقع التي احتلتها في جنوبي سوريا بعد سقوط الأسد.
ففي 16 سبتمبر 2025 نقلت وكالة “رويترز” البريطانية عن مسؤول إسرائيلي قوله: إن إسرائيل طرحت اقتراحا على المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس براك، مفاده التنازل عن الجولان مقابل انسحاب تل أبيب من جنوبي البلاد.
وبحسب “رويترز”، فإن هذا المقترح “غير قابل للتنفيذ”؛ لأن أي تنازل عن الجولان يعني نهاية حكم الشرع.
وقال المسؤول الإسرائيلي: إنه بعد جس نبض سوريا عبر الوسيط الأميركي، تبين أن هذا الاقتراح “غير قابل للتنفيذ”.

"اعتراف باطل"
وأمام ذلك، فإن المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع هضبة الجولان على أنها أرض سورية محتلة.
وضمن هذا السياق، أكد المحامي والخبير القانوني السوري عبد الناصر حوشان لـ "الاستقلال" أنه "لا قيمة قانونية لتجديد ترامب اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل".
وأضاف حوشان: "الجولان أرض سورية محتلة ولا يمكن لأي أحد أن يشرعن هذا الاحتلال المنصوص عليه في القوانين الدولية وفي الأمم المتحدة".
وأشار إلى أن "الجولان السوري الآن طبقا لأحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية أرض محتلة، وإن أي إعلان من الولايات المتحدة أو غيرها يخالف هذه الحقيقة باطل ولا يغيّر من وضعه القانوني شيئا".
واستدرك أن "ميثاق الأمم المتحدة يحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة ويؤكد حق الشعوب في تقرير المصير".
ولفت حوشان إلى أن "قرارات مجلس الأمن 242 و338 شددت على الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، فيما نص القرار 497 صراحة على بطلان ضم الجولان وعدّه لاغيا".
كما أن "اتفاقيات جنيف تحظر تغيير البنية السكانية للأراضي المحتلة، وهو ما تقوم به إسرائيل عبر الاستيطان".
وذهب للقول: إن “أي اعتراف أحادي الجانب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، لا أثر قانونيا أو سياسيا له وذلك لأنها أرض سورية محتلة”.
وبين أن "التحركات الأحادية محكوم عليها بالفشل، وحق الشعب السوري في استعادة أراضيه شرعي ومكفول ضمن القوانين الدولية".
ونوه حوشان إلى أن "المخاوف الأمنية التي تتذرع بها إسرائيل لا تبرر ضم الجولان، وكل محاولاتها لتحدي القانون الدولي من خلال تغيير الحقائق على الأرض عبر بناء المستوطنات، وطرد العرب السوريين من أراضيهم لن تغير من أن الهضبة ستبقى ملكا لسوريا دائما".
وفي مارس 2025 كشف تقرير أصدره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش عن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الإنسان في الجولان السوري، محذرا من تصعيد خطير في مشاريع الاستيطان ومصادرة الأراضي وتغيير الطابع الديمغرافي للمنطقة.
ورصد التقرير توسعا استيطانيا متسارعا، تمثل في الإعلان عن خطط لبناء 30 ألف وحدة سكنية ونقل 250 ألف مستوطن إلى الجولان خلال خمس سنوات، إضافة إلى إنشاء مستوطنات جديدة على أنقاض قرى سورية، منها مستوطنة "ترامب".
وأنشأت إسرائيل مستوطنة جديدة في الجولان أطلق عليها اسم "رامات ترامب"، وبنيت عام 2020؛ حيث تستقبل طلبات الإسكان الدائم من آلاف المستوطنين.
وأشار التقرير إلى أن السلطات الإسرائيلية تفرض نظاما صحيا غير عادل؛ حيث تُلزم السوريين بدفع أقساط تأمين مرتفعة مقابل خدمات محدودة، وسط تجاهل لمطالب إنشاء مراكز صحية ومشفى محلي في القرى المحتلة.
وفي قطاع التعليم، تحدث التقرير عن محاولات لطمس الهوية الثقافية من خلال فرض مناهج عبرية، وتقييد مشاركة المعلمين في فعاليات خارجية، ومنع الطلاب من الدراسة في الجامعات السورية أو العودة من الخارج ما لم يقبلوا بالجنسية الإسرائيلية.
وسبق أن صوتت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت نهاية عام 2021 لصالح خطة بقيمة 317 مليون دولار لمضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الجولان المحتل.
وتهدف الخطة إلى بناء 7300 وحدة سكنية للمستوطنين في المنطقة على مدى خمس سنوات خلال اجتماع عقد في تجمّع "ميفو حماة" الزراعي بالجولان.
المصادر
- الخارجية السورية ترد على ترمب بإعادة نشر قرار مجلس الأمن 497 بشأن الجولان
- مزرعة الرياح وتهويد الأرض.. تقرير أممي يوثق انتهاكات إسرائيل في الجولان المحتل
- بعد نقل السفارة للقدس.. ترامب يعترف بضم إسرائيل للجولان ويتجاهل الانتقادات
- Security Council Members Regret Decision by United States to Recognize Israel’s Sovereignty over Occupied Syrian Golan