النفط الروسي يهدد صفقة إف-35.. وتركيا أمام مفترق طرق

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

بهدف إقناعها بالتخلي عن شراء النفط الروسي، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية ضخمة على الهند وصلت إلى 50 بالمئة، 

إلا أن هذه المحاولات الأميركية مع الهند والصين كذلك باءت بالفشل، وهو ما جعل ترامب يوجه أنظاره نحو حلفائه في حلف الناتو، وتحديدا تركيا والمجر. 

في هذا السياق، رصدت صحيفة "فيدوموستي" الروسية كيف مارس ترامب ضغوطه على أنقرة وبودابست للتوقف عن شراء النفط الروسي، مقدما لتركيا تحديدا إغراءات ضخمة.

عرض أميركي 

واستهلت الصحيفة تقريرها مشيرة إلى تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر قناة "فوكس نيوز" الأميركية قبل لقائه مع ترامب، أشار خلالها إلى أن المباحثات ستتناول إمكانية تسليم الولايات المتحدة مقاتلات الجيل الخامس "إف-35" إلى أنقرة. 

وأكد أردوغان أن ترامب نفسه سبق أن أشار إلى أن "تركيا دفعت ثمن هذه المقاتلات لكنها لم تتسلمها بعد".

جدير بالذكر أن واشنطن استبعدت أنقرة من برنامج توريد طائرات "إف-35" خلال الولاية الأولى لترامب عام 2019، وذلك بسبب شرائها منظومات الدفاع الجوي الروسية S-400، وقد استند هذا القرار إلى قانون مكافحة أعداء أميركا عبر العقوبات المعروف باسم CAATSA. 

وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2025، أفادت وكالة "بلومبيرغ" بأن أنقرة تعتزم المطالبة بتعديل القانون لإخراجها من دائرة العقوبات المتعلقة بالطائرات. 

في المقابل، عرضت تركيا على الولايات المتحدة "شراء مئات الطائرات المدنية من شركة (بوينغ) والمقاتلات من شركة (لوكهيد مارتن) مع إمكانية توطين جزء من الإنتاج داخل تركيا"، وفق ما أوردته الصحيفة.

أما ترامب نفسه، فقد كتب في حسابه على "تروث سوشال"، في 19 سبتمبر 2025، أن جدول المباحثات مع أنقرة سيتضمن "صفقة كبرى" لشراء طائرات بوينغ، بالإضافة إلى مشروع تحديث أسطول المقاتلات التركية "إف-16"، ومواصلة المفاوضات حول "إف-35".

يُذكر أن أنقرة "تسعى جاهدة لتحديث أسطولها الجوي القديم من خلال استكشاف خيارات بديلة، بما في ذلك تعزيز التعاون مع أوروبا، حيث وقعت وزارة الدفاع التركية، في يوليو/ تموز 2025، مذكرة تفاهم مع المملكة المتحدة بشأن التعاون في تطوير مقاتلات (يوروفايتر تايفون)".

وفي سياق متصل، أوضح ترامب في تصريحات أدلى بها ليلة 26 سبتمبر 2025، قبل لقائه مع أردوغان في نيويورك، أنه "يود من الرئيس التركي التوقف عن شراء النفط الروسي". 

وأضاف أن المحادثات ستتطرق إلى إمكانية توريد أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" الأميركية، إلى جانب برنامج "إف-35". 

وخلال اللقاء بين الرئيسين، قال ترامب: "يمكننا تحقيق ذلك، لكن الأمر يعتمد على ما إذا كان هو (أردوغان) سيقدم شيئا لنا في المقابل". 

فيما أوضحت الصحيفة أن "أردوغان عاد إلى تركيا صباح 26 سبتمبر 2025، معربا عن رضاه على الاستقبال الحار الذي حظيت به الوفود التركية في البيت الأبيض، لكنه امتنع عن التعليق على مسألة (مبادلة) النفط الروسي بمقاتلات (إف-35)".

ورصدت "فيدوموستي" تفاوتا في تصريحات ترامب قبيل لقائه بأردوغان، ففي البداية قال للصحفيين: إن أردوغان "سيوقف ذلك"، لكنه عاد لاحقا ليقول: "سيفعل ذلك إذا طلبت منه".

غير مجدية

واستطلعت الصحيفة رأي الخبير في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، إيغور يوشكوف، الذي يرى أن "إعادة تركيا إلى برنامج (إف-35) لن تكون مجدية مقارنة بالمكاسب التي تحققها أنقرة من واردات النفط الروسي".

وقال يوشكوف: "من الممكن أن تُستبعد تركيا مجددا من البرنامج، بينما الأرباح الناتجة عن إعادة بيع النفط الروسي تبقى ثابتة".

"ويُقدر حجم صادرات النفط الروسي إلى تركيا بين 300 و400 ألف برميل يوميا، وهو رقم كبير، لكنه قابل لإعادة التوجيه نحو أسواق بديلة"، بحسب المحلل في مجموعة "فينام" المالية، سيرغي كاوفمان.

وأضاف للصحيفة: "يبلغ إجمالي واردات تركيا نحو 600 ألف برميل يوميا؛ حيث تعد من أكبر المشترين للمنتجات النفطية الروسية".

وبحسب يوشكوف، "تؤكد أنقرة أنها لا تعيد بيع المنتجات النفطية الروسية إلى أوروبا، بل تستخدمها لتلبية احتياجاتها الداخلية، بينما تصدر الوقود الذي تنتجه محليا".

ويعتقد أن "الضغط الأميركي كان سيكون أكثر منطقية لو استهدف وقف شراء الغاز الروسي بدلا من النفط".

وتابع: "فالولايات المتحدة تخطط لمضاعفة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، وهي بالفعل أكبر مصدر عالمي له".

في الوقت ذاته، شدد يوشكوف على أن "تركيا تدرك تماما أن الغاز الأميركي لا يمكن أن ينافس الروسي إلا إذا كان أرخص ثمنا".

وأردف: "منطق تدفقات الغاز الطبيعي المسال هو أنه يذهب عادة إلى أسواق ترتفع فيها الأسعار، ولا مصلحة لأنقرة في زيادة الأسعار".

إقصاء المنافسين

وبالتوازي مع ضغوطه على تركيا، كثف ترامب ضغوطه على المجر، حيث صرح، في 23 سبتمبر 2025، بأنه سيقنع بودابست بالتخلي عن النفط الروسي.

فخلال مناقشة الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا، وجه ترامب عبر منصة "تروث سوشيال"، في 13 سبتمبر 2025، انتقادات للدول الأوروبية لاستمرارها في شراء النفط والغاز الروسيين.

وأكد أنه "لن يفرض عقوبات إضافية على موسكو إلا عندما يوقف الأوروبيون استيرادهم للنفط الروسي"، وأن "رسوما جمركية تتراوح بين 50 و100 بالمئة ستُفرض على الهند والصين، اللتين تواصلان شراء النفط الروسي".

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة "فرضت بالفعل رسوما (عقابية) على الهند في 7 أغسطس/ آب 2025، دخلت حيز التنفيذ في 27 منه، بينما لم تتخذ إدارة ترامب قرارا مماثلا تجاه الصين".

من جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي في يوليو 2025، ضمن الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات، عزمه على وقف استيراد النفط والمنتجات النفطية الروسية بحلول مطلع عام 2026، لكنه لم يفرض أي رسوم على الهند أو الصين.

وفي ذات السياق، أشارت الصحيفة إلى أن "المجر كانت قد تعهدت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد هذا القرار منذ 11 سبتمبر 2025".

ووفقا للمحلل كاوفمان، فإن "الهند والصين مهتمتان بالنفط الخام الروسي، لأنهما تفضلان تكريره داخل مصافيهما لتحقيق هامش ربح أكبر من خلال استخدامه محليا أو إعادة بيعه، بدلا من شراء المنتجات البترولية الجاهزة من روسيا".

وذكرت الصحيفة أنه "في مواجهة انتقادات ترامب، أوضحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن الاتحاد قلص بالفعل استهلاكه من النفط الروسي بنسبة 80 بالمئة".

وأشارت كالاس إلى أن استكمال التخفيض يتوقف على إقناع كل من المجر وسلوفاكيا بالتخلي المبكر عن موارد الطاقة الروسية، قبل 2027، وهو الموعد المحدد في إستراتيجية الاتحاد.

ويرى الباحث في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، بافل كوشكين، أن "ترامب ينتهج سياسة تهدف إلى إقصاء منافسي أميركا من أسواق الطاقة، بما في ذلك روسيا".

ورجح أن "ترامب، إلى جانب محاولاته لخنق الاقتصاد الروسي، يسعى أيضا لتهيئة الظروف المثلى لصادرات الطاقة الأميركية إلى أوروبا، في تكرار لسياسة الديمقراطيين خلال عهد الرئيس السابق جو بايدن".

بينما رأى الخبير يوشكوف أن "هجمات ترامب اللفظية على مشتري النفط الروسي قد تحمل رسالة سياسية لموسكو، فحواها أن واشنطن قادرة على إضعاف موقفها التفاوضي بشأن أوكرانيا".

معضلة المجر

في الوقت ذاته، أشارت الصحيفة إلى أن المجر "بدأت بزيادة مشترياتها من الطاقة من مصادر غير روسية".

ففي 9 سبتمبر 2025، أعلن وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو -المعروف بتصريحاته المتكررة حول استحالة التخلي عن الطاقة الروسية- أن بودابست وقعت اتفاقا لمدة عشر سنوات مع شركة (شيل) البريطانية لتوريد ملياري متر مكعب من الغاز سنوي.

لكنه شدد على أن هذا الاتفاق "لا يعد بديلا عن الإمدادات الروسية".

في غضون ذلك، أبرز التقرير تصريح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في 26 سبتمبر، بأن اقتصاد بلاده "سيشل تماما" إذا توقفت عن شراء النفط الروسي عبر خط أنابيب "دروجبا"، الذي يُستثنى من العقوبات الأوروبية.

ونوه التقرير إلى أن "هذا الخط سبق أن أُغلق عام 2024 بقرار من أوكرانيا بذريعة العقوبات على شركة (لوك أويل) الروسية، كما تعرض في أغسطس 2025 لهجوم بطائرات مسيرة أوكرانية أدى إلى توقفه أسبوعا كاملا".

وتابع: "وفي ليلة 26 سبتمبر 2025، أجرى أوربان مكالمة هاتفية مع ترامب، انتهت باعتراف الرئيس الأميركي بأن المجر، شأنها شأن سلوفاكيا، لا تستطيع فعليا وقف شراء النفط الروسي، نظرا لعدم امتلاكهما منفذا بحريا، ما يصعب استيراد النفط من مصادر بديلة". 

وأوضح التقرير أنه "رغم هذا التفاهم، يرى يوشكوف أن المجر لا تزال تواجه تهديدا بـ(جبهة ثانية) من الضغوط والتهديدات الأوروبية".

ويضيف: "ضعف اقتصاد سلوفاكيا والمجر، وخطر توقف إمدادات الخام الروسي الرخيص، يدفعهما إلى المقاومة بهدف الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة".

وبحسب المحلل السياسي كاوفمان، "يقدر حجم الإمدادات الروسية إلى المجر بنحو 100 ألف برميل يوميا، وتعتمد البلاد على النفط الروسي بنسبة تفوق 80 بالمئة".

وأشار إلى أن "ما يبقي دولا مثل تركيا والمجر وسلوفاكيا مرتبطة بالنفط الروسي ليس غياب البدائل، بل العوامل الاقتصادية، وعلى رأسها الخصم الممنوح على خام الأورال الذي يتراوح في الأشهر الأخيرة بين 11 و14 دولارا للبرميل، ما يمنح هذه الدول هامش ربح مرتفع في عمليات التكرير".

وأردف: "قد يتحول سوق النفط العالمي إلى حالة فائض في العرض على المستوى المحلي نتيجة قرارات منظمة (أوبك+)، حيث تقوم دول الاتفاقية بزيادة إنتاجها تدريجيا".

ولفت كاوفمان إلى أنه "في هذه الحالة، سيكون من الممكن العثور على بدائل للنفط الروسي".

واستدرك: "لكن بالنسبة للمجر وسلوفاكيا، فالأمر أكثر تعقيدا، إذ سيتعين عليهما استيراد النفط عبر أراضي كرواتيا".

واستطرد: "وهذا ما اقترحه الاتحاد الأوروبي على البلدين خلال فترات توقف خط أنابيب (دروجبا) بسبب الإجراءات الأوكرانية، ورغم أن هذا الحل ممكن، إلا أنه أكثر تكلفة".

الجزرة الروسية 

في المحصلة، لا تتوقع الصحيفة أن "تتخلى تركيا أو المجر أو سلوفاكيا عن النفط الروسي في المستقبل القريب، فقد شدد ممثلو هذه الدول مرارا على تمسكهم بمصادر الطاقة الروسية".

وعزا كوشكين ذلك إلى "عدم امتلاك ترامب (جزرة) مساوية للإغراءات التي تقدمها موسكو لهذه الدول".

وأضاف أن "أي تغيير جذري في موقف هذه الدول لا يمكن أن يحدث بكبسة زر، لأنه سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية وداخلية خطيرة".

وذهب بعض الخبراء إلى أن "الضغوط الأميركية المتقلبة على أنقرة وبودابست وبراتيسلافا قد لا تتعدى كونها مناورة انتخابية يستخدمها في الانتخابات القادمة".

بل وبحسب الصحيفة، "من الممكن أن يكون الهدف من هذه التصريحات هو السخرية من أوروبا واتهامها بالنفاق، كما ظهر في منشور ترامب على (تروث سوشيال) في 13 سبتمبر 2025".

وقال ترامب: "أنا جاهز لفرض عقوبات كبيرة على روسيا عندما توافق جميع دول الناتو وتبدأ في فعل الشيء نفسه، وعندما تتوقف جميع دول الحلف عن شراء النفط من روسيا".

ورجح كوشكين أن "ما يجري قد يكون مجرد انعكاس لطبيعة ترامب المندفعة والعنيدة، بعد أن تعهد سابقا بالتعامل مع روسيا (من موقع القوة)، وهو ما يجعله مترددا في التراجع عن وعوده خوفا من الظهور بمظهر الضعيف".