"فصل المشايخ".. كيف يستغل حزب الله "المجلس الشيعي" بلبنان لإسكات معارضيه؟

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم أقدمية وجود "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في لبنان، قبل ظهور الثنائي الشيعي "حزب الله" و"حركة أمل"، إلا أن المجلس بات أداة طيعة بيد الثنائي؛ للتصدي لأي مُعمم يعارض سياساته بهذا البلد.

وأثار المجلس، وهو أول مركز رسمي للشيعة في لبنان منذ تأسيسه عام 1969، الجدل في الشارع الشيعي، بعدما أصدرت "هيئة التبليغ الديني" التابعة له قرارا نزعت فيه "الأهلية" عن 15 من مشايخ الطائفة الشيعية في 17 أغسطس/آب 2023.

فصل سياسي

وشمل القرار فصل بعض المشايخ الذين يتميزون بمواقف سياسية متباينة أو مناهضة لمواقف "حزب الله" الذي يقوده حسن نصر الله و"حركة أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب الحالي، نبيه بري.

ووصف بيان الفصل هؤلاء بأنهم "غير مؤهلين للتصدي لمهام العالم الديني من التوجيه والإرشاد والمعاملات المرتبطة بالأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية؛ إما للانحراف العقائدي، أو للانحراف السلوكي، أو للجهل بالمعارف الدينية وادعاء الانتماء للحوزة العلمية".

وعلى رأس هؤلاء المفصولين، الشيخ ياسر عودة، الذي يتعرض لضغوطات وهجوم ممنهج من الثنائي بسبب مواقفه الدينية التحررية وانتقاده ممارسات السياسيين الشيعة قبل غيرهم.

خاصة أن فصل الشيخ عودة مطلب صريح لحزب الله، كون محاضراته تسبب صداعا للخطاب الجهادي الشيعي المزعوم الذي يمثله الحزب والذي يروج له من أجل إلهاء الناس عن مطالبهم الوطنية والمعيشية الملحة، وفق معارضيه.

ورأى موقع "جنوبية" اللبناني في 17 أغسطس 2023 أن قرار المجلس الإسلامي الشيعي، الذي يوازي أهمية "دار الفتوى" لدى السنة بلبنان، بأنه "فصل جديد من فصول الخضوع لرغبة حزب الله بصفته الحاكم بأمر الطائفة الشيعية بهذا البلد الذي يهيمن عليه بقوة السلاح الإيراني".

إلا أن "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، تراجع عن قراره أمام الضغط الشعبي الذي شن هجوما لاذعا عليه عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ورأى في بيان جديد أن "البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني لا يعبر عن المجلس"، وأنه "لم يطّلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب، بغض النظر عن مضمونه، وانظر إليه على أنه لم يصدر".

وخلال لقاء تلفزيوني في 17 أغسطس 2023، قال الشيخ ياسر عودة، إن "أحد المفتين أبلغه أن نبيه بري غير راض عن القرار الصادر بحقي، وقام بالاتصال بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لإصلاح ما قاموا به حسبما سمعت".

وقام عودة بخلع عمامته خلال مقابلة مع قناة "الجديد" المحلية، متسائلا: "إذا تخلصوا من عمامة ياسر عودة هل يتخلصوا من ياسر عودة؟.. لذلك لم يستطيعوا أن يلغوا فكري وسأبقى أجهر بالحق ما دمت حيا ولن يسكتني سوى الموت".

ولفت إلى أنه "عندما يقول كلمة حق يتهم بأنه عدو لأهل البيت وأنه من قتلة الحسين وأنه عدو الإسلام"، في إشارة إلى حزب الله.

المجلس كأداة

وينظر كثير من شيعة لبنان إلى "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" على أنه أداة بيد الثنائي الشيعي، ولا سيما أن نواب حزب الله وأمل في البرلمان هم من أعضاء الهيئة العامة في المجلس، ولهذا فإن أي قرار يصدر عنه يكون بموافقتهم.

وانتشر أخيرا تسجيل مصور لعودة يقول فيه: "كل من يدعي أنه حسيني ويدافع بكلمة واحدة عن أي نائب أو وزير أو زعيم في لبنان والعراق هو كاذب فاسد وشريك معه وسيحاسبه الله، وسيكون الحسين عدوه يوم القيامة؛ لأنه يستعمل اسمه وشعاراته وثورته لأجل أن يضحك على المستضعفين ويستغل المحبين إلى جنبه لأجل مشاريعه".

وحينما عرض على عودة المقطع المذكور خلال المقابلة مع قناة "الجديد" رأى  أنه من الممكن أن يكون مضمونه "القشة التي قصمت ظهر البعير لكون قلوبهم مليانة تجاهي"، في إشارة إلى من دفعوا لوضع اسمه على لائحة الفصل من المجلس.

وعندما جاء الزعيم الشيعي اللبناني المغيب الإمام موسى الصدر إلى لبنان عام 1957 ليستقر فيه نهائيا، وجد أن لكل طائفة مجلسا عمل على إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ليكون مسؤولا عن رعاية وحماية أبناء هذه الطائفة.

وأقر مجلس النواب اقتراح إنشائه في 16 مايو/أيار 1967، وفي 23 مايو 1969، انتخبت الهيئة العامة للمجلس، الإمام موسى الصدر، أول رئيس للمجلس.

وأعلن حينها عن برنامج عمله الذي تضمن "تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، والقيام بدور إسلامي كامل فكرا وعملا وجهادا، وعدم التفرقة بين المسلمين والسعي إلى التوحيد الكامل، والتعاون مع الطوائف كافة لحفظ وحدة لبنان".

وتحمل الطائفة الشيعية في لبنان الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي مسؤولية اختفاء الإمام الصدر الذي شوهد للمرة الأخيرة بليبيا في 31 أغسطس/آب 1978 بعدما وصلها بدعوة رسمية قبلها بأيام مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين.

وفي العام 1994، انتخب الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيسا للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كما انتخب الشيخ عبد الأمير قبلان بالإجماع نائبا، وعلى إثر إصابة الإمام شمس الدين بمرض عضال ودخوله إلى المستشفى في العام 2000، تولى المفتي قبلان مهام رئاسة المجلس قبل وفاته عام 2021.

وفي الوقت الراهن، يتولى الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المهام.

تخبط وفساد

ويرى الكثير من المراقبين أن محاولة عزل عدد من المشايخ يكشف "تخبط واهتراء" المجلس الشيعي ولا سيما أن القرار بدا أنه "مسيس".

وقال موقع "جنوبية" إن المثير في هذا البيان أنه وإن شمل بعض منتحلي صفة رجل دين ومنهم من صدر بحقهم مذكرات توقيف جنائية، إلا أنه شمل أيضا "رجال دين محترمين في بيئتهم اتضح ان استهدافهم جاء لأسباب سياسية، أو نتيجة صراع مشيخي على السلطة داخل اروقة المجلس الشيعي وعلى رأسهم ياسر عودة".

ووصف الموقع القرار بأنه صادر عن محكمة التفتيش الشيعية المسماة هيئة التبليغ في المجلس، التي يديرها فعليا نائب مديرها الشيخ علي بحسون بسبب مرض مديرها العام الشيخ عبد الحليم شرارة وقعوده في منزله.

واستغرب العاملون في المجلس توقيع الشيخ شرارة "البيان الإقصائي"، فكيف وقع وهو في منزله خارج مقر المجلس الشيعي؟، وفق جنوبية.

وأرجع موقع "جنوبية" المناهض لحزب الله تنصل الخطيب من قرار الفصل، إلى ترجمة واضحة لصراع حاد بين حزب الله وحركة أمل التي تأسست عام 1974 من جهة على النفوذ داخل المجلس وعدم الاتفاق على خليفة للراحل الشيخ عبد الأمير قبلان ومن جهة ثانية ترجمة لصراع نفوذ ومصالح وتضاربها داخل أروقة المجلس ومؤسساته وأوقافه.

وضمن هذا السياق، أشار عودة خلال مقابلته مع "الجديد" إلى أن "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مثله مثل مؤسسات الدولة اللبنانية ينخره الفساد"، وتحدث عن وجود "سرقة لأموال الوقف وبيع أموال الوقف إلى الحسينيات والمساجد، ووجود عمليات استيراد باسم المجلس، ووجود عملية محاصصة داخله".

وشدد على أن "المجلس يعد واجهة الطائفة الشيعية ولذلك المفروض أن تنعكس أخلاقه على كل الطائفة وهذا شيء مفقود"، وفق قوله.

وترى مصادر متابعة للوضع الشيعي أن هناك من أراد تهريب قرار كهذا بفصل عدد من المشايخ المعارضين للثنائي الشيعي، في ظل انشغال لبنان بملفات عديدة ومنها الانقسام الكبير حول حزب الله وسلاحه والغضب المسيحي المتفاقم من حادثة بلدة الكحالة، وذلك لـ"إبادة" أي صوت معارض داخل البيئة الدينية الشيعية.

وفي 9 أغسطس/ آب 2023، قتل اثنان أحدهما عنصر من حزب الله والآخر من سكان قرية الكحالة الواقعة قرب بيروت عقب تبادل لإطلاق النار إثر انقلاب شاحنة تابعة "للحزب" تحمل أسلحة وذخيرة قادمة من سوريا، أثناء مرورها بالكحالة.

وعقب الحادثة، تعالت الدعوات مجددا الداعية لحصر السلاح بالقوة العسكرية والأمنية الرسمية اللبنانية، وإنهاء ظاهرة السلاح الذي يحوزه حزب الله منذ عقود والذي يفرض به هيمنته على المشهد السياسي.

وطالب البطريرك الماروني بشارة الراعي في "عظة الأحد" جميع مكونات لبنان والأحزاب، بـ"الانتظام تحت لواء الدولة بشأن استخدام السلاح"، مؤكدا أنه "لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وجيش وسلطة"، في إشارة إلى ترسانة حزب الله الضخمة.

كما قال رئيس حزب الكتائب اللبنانية، النائب سامي الجميل، أحد خصوم حزب الله، خلال تصريحات صحفية في 10 أغسطس 2023، إن "الدولة بأكملها تحت سيطرة حزب الله"، مضيفا "سلاح حزب الله يقتل اللبنانيين لا يحميهم".

وترجع فكرة إنشاء حزب الله في لبنان لعام 1982 حيث أشرف على تأهيله الحرس الثوري الإيراني، وزودته طهران منذ ذلك الوقت بالسلاح والمال، حتى بات كيانا مستقلا.

ويعد حزب الله حاليا صورة أكبر لتوسع النفوذ الإيراني في لبنان، بينما تنظر الولايات المتحدة إلى الجيش اللبناني كقوة يجب أن تبقى مكافئة أو أقوى من حزب الله الذي يبلغ عدد مقاتليه 100 ألف في لبنان، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش.

وسبق لحسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو/ حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".

لعبة حزب الله

وأمام ذلك، فإن صدور القرار وإلغائه بحق مشايخ المجلس هدفه إيصال رسالة واضحة من الثنائي الشيعي أن "المعارضة ممنوعة ومن يعارض يبعد ومن ثم يلاحق قضائيا وشعبيا وسياسيا وربما أمنيا"، وفق موقع "جنوبية".

ويعاني موظفو المجلس الشيعي في القطاعين العام والخاص من أزمة مادية خانقة، بعد أن تدنت قيمة رواتبهم إلى حوالي 50 دولار شهريا، في ظل أزمة اقتصادية خانقة مستمرة منذ عام 2019 بات غالبية السكان يعيشون تحت خط الفقر، مع فقدان قدرتهم الشرائية، ما جعلهم عاجزين حتى عن توفير احتياجاتهم الرئيسة.

ويتهم حزب الله باستخدام المجلس الشيعي الأعلى كمنصة لتغطية سياساته ومعاركه في الداخل اللبناني، وكذلك كرس جمعيات المجلس الخيرية لجمع الأموال لصالحه، فضلا عن تمرير مساعدات من خلاله تحت حجة إعادة الإعمار عقب حرب "تموز 2006" بين حزب الله وإسرائيل.

ولهذا يحاول حزب الله غربلة المجلس الشيعي الأعلى من الأصوات التي تنتقد سياساته، وجعله ذا لون واحد موال له، ولا سيما أن هناك من يرفض أخذ الحزب للطائفة الشيعية كرهينة لتمرير مشاريعه الإيرانية.

ويتهم "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في لبنان بعجز إدارته عن القيام بأي جهد إغاثي يعين فقراء الطائفة الشيعية في الأزمة الحادة الاقتصادية الأخيرة.

كما يتساءل الجمهور الشيعي عن عائدات الجامعة الإسلامية التي بناها الإمام الراحل، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وعن العائدات المالية التي يتقاضاها المجلس الشيعي من مستشفى الزهراء التابعة له والمخصصة لرواتب القطاع الخاص.

فضلا عن المساعدة الشهرية النقدية التي لم تنقطع من المرجع الأعلى للشيعة في العراق، علي السيستاني، والتي يتسلمها المجلس عبر ممثله في لبنان، مدير مكتبه حامد الخفاف.

ومن المآخذة الكبيرة على المجلس، هو أن حزب الله لم يتردد يوما في رفع شعار "أميركا الشيطان الأكبر"، ويصفها بـ"العدو الأكبر" للشعب اللبناني، واتهام كل من يعارضه من الشيعة بـأنه من "شيعة السفارة"، إلا أن اللافت أن سفيرة واشنطن لدى بيروت، دورثي شيا، سجلت لها 6 زيارات إلى "المجلس" في الضاحية الجنوبية خلال عام 2021.

وبحسب تقرير لموقع "جنوبية" نشره في 16 فبراير/شباط 20212، قال فيه إن "شيا تفاجأت خلال اللقاء الأول بتقديم الشيخ الخطيب الشكر لأميركا على مساعدتها لجيش لبنان، ومطالبتها بتقديم المساعدة لمؤسسات الدولة، ولم يتردد في التلميح إلى أن المجلس الشيعي هو أحد مؤسسات الدولة ويعاني من ضائقة مالية صعبة بسبب الأزمة الاقتصادية".

وتقدم واشنطن الدعم والتدريب لضباط الجيش اللبناني في الولايات المتحدة، كما تمده بالعديد من الأسلحة والمعدات.

وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2023، أطلق الجيش اللبناني والسفارة الأميركية ببيروت وبالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج دعم عناصر الجيش والأمن الداخلي في لبنان، عبر تخصيص 72 مليون دولار كمساعدة مؤقتة لعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي.

وتعد الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة للجيش اللبناني، بما يزيد على 2.5 مليار دولار من المساعدات منذ 2006؛ وفق ما قالت السفيرة شيا عام 2021، وذلك في إطار سعيها لتعزيز قدراته في مواجهة النفوذ العسكري المتصاعد لـ"حزب الله"، وأيضا التهديدات القادمة من سوريا.