زيارة رئيسي إلى دمشق.. كيف فضحت تغلغل إيران العسكري في سوريا؟

رغم أن تغلغل طهران العسكري والثقافي في سوريا لم يعد أمرا خفيا، إلا أن زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى العاصمة دمشق، فضحت حجم نفوذ طهران المتنامي فيه.
وشكل اصطفاف إيران إلى جانب رأس النظام السوري بشار الأسد، لقمع الثورة عام 2011، الباب الواسع لبدء طهران تنفيذ مشروعها وحلمها في الوصول إلى مياه البحر المتوسط وربط إيران وسوريا ولبنان بريا عبر المليشيات.
رسائل رئيسي
وعلى رأس وفد رفيع سياسي واقتصادي، وصل رئيسي في 3 مايو/أيار 2023 إلى مطار دمشق الدولي، في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس إيراني لهذا البلد منذ عام 2010، حيث كان في استقباله وزير الاقتصاد في حكومة النظام محمد سامر خليل.
وضم الوفد الإيراني كلا من وزراء الخارجية، والطرق وبناء المدن، والدفاع، والنفط والاتصالات، حيث استقبل الأسد لاحقا الرئيس رئيسي في القصر بالعاصمة دمشق.
اللافت أن رئيسي أراد منذ اللحظة الأولى لوصوله أرض مطار دمشق، أن يظهر لوسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية مدى الحضور الإيراني في سوريا ولا سيما في عاصمة الأمويين دمشق.
ونشرت وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية، تسجيلات مصورة لاستقبال حشد من المليشيات الإيرانية بلباس مدني أمام مطار دمشق للرئيس الإيراني، قبل أن ينزل الأخير من سيارته ويسمح الحرس الشخصي له لهؤلاء بالاقتراب منه والسلام عليه.
وما كان غير مألوف هو إطلاق هؤلاء الذين رفعوا صور علمي إيران والنظام السوري وصور رئيسي دون رفع صور الأسد، هتافات بجمل طائفية تمثلت بقولهم "يا علي يا علي يا علي"، والتي كانت عناصر المليشيات الإيرانية يرددونها خلال الاشتباكات في المعارك مع المعارضة السورية سابقا.
استقبال الشعب السوري للرئيس الإيراني من أمام مطار دمشق الدولي
— وكالة تسنيم الدولية للأنباء (@Tasnim_Arabic) May 3, 2023
#سوريا #ايران #شراكة_الحياة #معا_كنا_وسنبقى #الضيف_العزيز #رييسي #رئيس_الجمهورية #بشار_الأسد #الرئيس_الايراني #القلوب_الطيبة
#صباح_الخير #دمشق pic.twitter.com/lLufr4n1w8
ومما دل خلال زيارة الرئيس الإيراني لدمشق، على حجم النفوذ العسكري والأمني لطهران في سوريا، هو إشراف قوات إيرانية خاصة على حماية رئيسي خلال تنقله في العاصمة، في غياب شبه تام لأجهزة الدولة المناط بها مثل هذه المهام في البرتوكولات الدبلوماسية.
وأحاط عناصر مقنعون ويلبسون زيا أسود بمحيط سيارة الرئيس الإيراني في دمشق.
كما أظهرت صور انتشار ضباط وعناصر من "الحرس الثوري"، والمليشيات الإيرانية الأجنبية وهم يصطفون عند مدخل حي "السيدة زينب" جنوبي العاصمة دمشق الذي سلخته طهران عن محيطه وحولته إلى عاصمة إدارية شيعية لها بدعوى "حماية" مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.
وحاليا حي "السيدة زينب"، تحول بعد عقد من الزمن لأضخم معقل محصن لمليشيات إيران في قلب العاصمة، حيث تقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط بالحرس الثوري.
وأنشأت كذلك إيران عدة معسكرات تدريب في المزارع والبساتين المحيطة بحي "السيدة زينب" للعناصر المحلية التي انضمت للمليشيات الإيرانية، لخلق بقعة نفوذ ممتدة إلى مطار دمشق الدولي.
ولإنقاذ رئيس النظام السوري من السقوط إثر ثورة شعبية كادت تطيح به، تدخلت إيران عسكريا بالبلاد عام 2012، وكانت "السيدة زينب" هي العنوان الأبرز الذي استغلته للزج بالمليشيات الأجنبية للقتال تحت شعارات طائفية تخفي وراءها حلم الوصول إلى البحر المتوسط.
"لن تسبى زينب مرتين"، كان هذا الشعار كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام "السيدة زينب".
النفوذ العسكري
وتسعى إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لا سيما أنها تمتلك نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا عام 2012 لوأد الثورة الشعبية التي تفجرت في مارس/آذار 2011.
وفي حي السيدة زينب بدا بشكل جلي، حجم النفوذ العسكري الإيراني على مرمى حجر من العاصمة دمشق.
وجرى نشر صور زعيم "حزب الله" حسن نصر الله، وقائد "فيلق القدس" السابق، قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020، على الطريق الواصل من مطار دمشق إلى حي "السيدة زينب".
كما كان في استقبال رئيسي عناصر المليشيات وقادة مجموعات إيران على الأرض السورية في حي "السيدة زينب"، وهذا ما ينفي تصريحات المسؤولين الإيرانيين المتكررة، بالقول إن الوجود يقتصر على "مستشارين عسكريين" فقط.
وبدا واضحا كذلك، أن مراسم استقبال رئيسي، كانت على الطريقة الإيرانية وبإشراف وتنفيذ من طهران وليس من قبل النظام السوري.
احتفاء عارم بالرئيس الإيراني السيد #إبراهيم_رئيسي في مقام السيدة زينب في ريف #دمشق #سوريا_وإيران_حلف_الاستراتيجيا #إيران #سوريا pic.twitter.com/MMsYW7Qslg
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) May 3, 2023
وتولت فرق "إزار" اللبنانية المختصة بالأناشيد الشيعية، أداء أغنية باللغتين العربية والفارسية ترحيبا بالرئيس الإيراني لدى زيارة مقام "السيدة زينب".
وزار الرئيس الإيراني مقام "السيدة زينب" والدعاء أمامه، حيث أظهره تسجيل مصور وهو يجهش بالبكاء.
قبل أن يعود رئيسي ويقيم صلاة في المكان ذاته، كان هو الإمام فيها، ووقف خلفه قادة المليشيات الإيرانية، ووفده المرافق، وكذلك وزير أوقاف الأسد محمد عبد الستار السيد الذي يعد لسان هوى الأسد والمتحكم "الحصري" بالشأن الديني في سوريا.
وفي كلمة أمام رئيسي في "مقام السيدة زينب"، قال السيد: "نحن نقاوم معكم وفيكم وبكم، وقد اختلط الدم الإيراني بدم المقاومة من حزب الله وجنود الجيش العربي السوري".
وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2018، زار رئيسي مقام السيدة زينب بصفته "متولي شؤون الروضة الرضوية" في مدينة مشهد الإيرانية.
واطلع حينها على الخطوات المنجزة لإعادة إعمار المقام من قبل لجنة إيرانية مختصة بإعمار العتبات المقدسة، وفق وكالة "فارس" الإيرانية.
رسائل سياسية
ومما بدا لافتا خلال زيارة الرئيس الإيراني، هو قيام وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد وعدد من المسؤولين، بزيارة رئيسي في مقر إقامته بدمشق والتي ظهر فيها العلم الإيراني وحيدا.
وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية، أن المقداد عرض لرئيسي "موقف سوريا من مختلف التطورات السياسية في المنطقة والعالم، وخاصة الحراك الدبلوماسي الأخير، بما في ذلك نتائج زياراته الأخيرة إلى عدد من الدول العربية"، مضيفة أن المقداد أكد "تمسك سوريا بموقفها الداعي لإنهاء الوجود العسكري التركي غير الشرعي على الأراضي السورية".
كما قام وفد من "كبار علماء دمشق بقيادة وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد" بزيارة الرئيس الإيراني في مقر إقامته، وفق صحيفة "الوطن".
يذكر أن الأسد ناقش مع الرئيس الإيراني "الخطوات الاقتصادية التي سيتم العمل فيها خلال المرحلة المقبلة في مجال محطات الكهرباء والطاقة والسياحة والمشاريع الاستثمارية المشتركة، وتسريع الإجراءات الثنائية المطلوبة لتأسيس مصرف مشترك بهدف تسهيل التبادل التجاري".
وعشية وصوله إلى طهران، تحدث الرئيس الإيراني في 5 مايو/أيار 2023 عن نتائج زيارته إلى دمشق التي استمرت يومين، بأنها "نقطة تحول في توسع العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية" بين طهران والنظام السوري.
وقال رئيسي إن "وثائق التعاون التي وقعت بين البلدين، تضمنت مساهمة إيران في تحسين القطاع الزراعي السوري وقطاعي الصناعة والطاقة، وتسهيل السياحة والسفر لمواطني البلدين".
القوة على البقاء
جاءت زيارة رئيسي إلى دمشق في خضم تقارب بين الرياض وطهران اللتين أعلنتا في مارس/ آذار 2023، استئناف علاقاتهما بعد قطيعة لسنوات، وفي ظل موجة تطبيع جديدة للعلاقات بين نظام الأسد والدول العربية، وفي مقدمتها السعودية.
وفي السياق، رأى المحلل الشؤون العسكرية والأمنية في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، نوار شعبان، خلال تصريحات تلفزيونية في 4 مايو 2023، أن زيارة الرئيس الإيراني لسوريا هدفها "توجيه رسالة واضحة حول قوة إيران في سوريا وقدرتها على البقاء والاستثمار أكثر في سوريا رغم محاولات التطبيع العربي مع نظام الأسد".
وكان النظام السوري، منح الجنسية السورية لعشرات الآلاف من الإيرانيين، وفق ما أكدته دراسة لمركز "حرمون"، صدرت في 29 نيسان/ أبريل 2018، تحت عنوان "مؤسسات النفوذ الإيراني في سوريا وأساليب التشييع".
وربما حديث الأسد المتكرر عن مصطلح "المجتمع الأكثر تجانسا"، الذي يزعم أنه تحقق في سوريا، يقصد به المليشيات الشيعية التي جنسها بطلب من طهران لقاء الدعم المقدم له في تثبيت حكمه.
اهلا سيادتكم ... حلت بشائركم
— وكالة تسنيم الدولية للأنباء (@Tasnim_Arabic) May 4, 2023
من سوريا ألف تحية... أهلا أهلا
بهذا النشيد استقبل الشباب السوري الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي يوم الأمس في حرم السيدة زينب عليها السلام بدمشق #رئيسي #الرئيس_الايراني #ايران #سوريا #الحوار_الوطني_الجنوبي #الاتحاد_التعاون #بوتين #موسكو pic.twitter.com/sEO3x9r4VI
وأكدت مجلة "فورين بوليسي"، أن إيران تسعى لتحويل سوريا إلى "المذهب الشيعي"، مشيرة عبر تقرير لها في مارس/آذار 2021، أن طهران "تحاول تقديم نفسها كقوة صالحة ومعتدلة وخيرة للحصول على تأييد السوريين السنة على المدى الطويل".
وفي تأكيد على أن "التشيع" في سوريا يسير برعاية نظام الأسد، هو سماحه عام 2014 بافتتاح مدارس "شرعية شيعية" لتعليم مذهب الشيعة الاثني عشرية، بعدما كان تدريس المذهب السني هو السائد، وهو ما عدّ تحولا كبيرا في تعديل النظام التعليمي بسوريا.
وإلى جانب إمساكها بالملف الأمني والاقتصادي والعسكري بسوريا، تولي إيران اهتماما كبيرا للتغلغل الثقافي، وقد سهل رأس النظام بشكل مباشر التمدد الإيراني، سواء من بوابة المدارس الخاصة والجامعات الإيرانية التي تجتهد في زيادة فروعها في سوريا.
يذكر أن رأس النظام السوري زار طهران مرتين بشكل معلن، الأولى في فبراير/ شباط 2019، والثانية في مايو/ أيار 2022، والتقى خلالها رئيسي والمرشد علي خامنئي.