"يوروفيجن" نموذجا.. كيف غيرت إبادة غزة موقف الدول الأوروبية تجاه إسرائيل؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تشهد العلاقات “التقليدية القوية” بين الكيان الإسرائيلي والقارة الأوروبية تراجعا ملحوظا، تجلى في مواقف رمزية كمقاطعة مغنية إسرائيلية خلال مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” في مايو/ أيار 2025.

وفي السياق، يتناول موقع "الصين.كوم" التحول المتسارع في المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل عقب إبادتها المتواصلة ضد غزة منذ نهاية 2023، مسلطا الضوء على التغيرات العميقة في المستويين الرسمي والشعبي داخل أوروبا. 

وهذا التحول يعكس اضطرابا أوسع في الموقف الأوروبي، تغذيه التدهورات الإنسانية في غزة وتنامي التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية. 

ومن جهة أخرى، يستعرض الموقع الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي بشأن هذا الملف، محللا تأثيرها على قدرة القارة في صياغة موقف موحد، في ظل صراع بين قوى تسعى لإعادة تشكيل السياسات الأوروبية على أساس "قيم جديدة".

اضطراب واسع

يبدأ الموقع الصيني تقريره بالإشارة إلى أن العلاقة بين أوروبا وإسرائيل كانت "وثيقة للغاية" في وقت من الأوقات.

حيث كانت الدول الأوروبية تميل عادة إلى "مراعاة" إسرائيل في القضايا الإقليمية أو الدولية المتعلقة بها. 

ولكن منذ اندلاع جولة جديدة من الصراع بين إسرائيل وفلسطين في عام 2023، بدأ الموقف الأوروبي، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، يشهد تغيرا تدريجيا تجاه إسرائيل. 

وبحسب الموقع، يمكن رؤية هذا التغيير بوضوح من خلال "الحادثة" التي وقعت أخيرا خلال مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" التي أُقيمت في بازل، سويسرا.

ففي هذه المسابقة التي انتهت أخيرا، تعرض المغني الإسرائيلي رافائيل لمضايقات متكررة أثناء أدائه، حيث طالب بعض الحضور بشدة باستبعاده من المنافسة.

ويوضح أن "مشاهد الاحتجاجات والصيحات الاستهجانية والهتافات المؤيدة لفلسطين من جانب الجماهير في المدرجات بُثت عبر التلفزيون والإنترنت، لتصل إلى مئات الملايين من المشاهدين حول العالم".

كما يبرز أن "هذه الحادثة تشير إلى أن موقف أوروبا من إسرائيل لم يعد كما كان في السابق، بل دخل مرحلة من التوتر والتناقض الشديد".

تغير ملحوظ

وفي هذا السياق، يسلط الموقع الضوء على أن "بعض الدول الأوروبية، مع تدهور الأوضاع في غزة، بدأت تتخلى عن موقفها (الشفاف) السابق بشأن القضية الفلسطينية-الإسرائيلية، معلنة بوضوح تعاطفها أو دعمها فلسطين".

ففي 16 من مايو/ أيار 2025، أصدرت سبع دول أوروبية، من بينها النرويج وإسبانيا وإيرلندا، بيانا مشتركا أدانت فيه بشدة ما وصفته بأنه "كارثة إنسانية" تسببت فيها إسرائيل في قطاع غزة. 

وقبل ذلك، يذكر الموقع أن "دولا أوروبية رئيسة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بدافع "الصوابية السياسي" ومراعاة المصالح الوطنية والإقليمية، كانت قد أظهرت دعما واضحا لحق إسرائيل في الرد". 

إلا أن هذه المواقف الرسمية بدأت أخيرا تشهد "تحولا جذريا".

وفي 20 من شهر مايو/ أيار 2025، عبر رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، خلال كلمة ألقاها أمام البرلمان، عن "صدمة كل من قادة بريطانيا وفرنسا وكندا إزاء التوسع العسكري الإسرائيلي الأخير في قطاع غزة".

وفي اليوم نفسه، صرحت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بأن "الاتحاد سيعيد النظر في اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل".

ومع تزايد الأصوات المنددة بإسرائيل على المستويين الرسمي والشعبي في أوروبا، يقول الموقع: إن "التناقضات الداخلية في المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل باتت أكثر وضوحا".

مشيرا إلى أن هذه الحادثة التي وقعت خلال مسابقة "يوروفيجن" لم تكن سوى "رأس جبل الجليد" لهذه الانقسامات. 

إذ صرح وزير الداخلية الألماني دوبلينت، في 20 مايو/ أيار 2025، أن "عدد الجرائم ذات الدوافع السياسية في ألمانيا ارتفع بسرعة على خلفية تداخل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مع الانتخابات الألمانية".

مشيرا إلى أن "نسبة كبيرة من هذه الجرائم ارتكبت بدوافع (معاداة للسامية) أو من قبل اليمين المتطرف".

وفي السياق ذاته، ينقل الموقع عن كالاس قولها: إن "الاتحاد الأوروبي ناقش فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين في الضفة الغربية". إلا أن دولة واحدة منعت تمرير هذه الخطوة".

أربعة عوامل

وفي هذا الصدد، ينوه التقرير أن القوى الداعمة لإسرائيل لا تزال تتمتع بنفوذ سياسي واجتماعي قوي، رغم علو الأصوات المنتقدة لإسرائيل داخل أوروبا.

وأضاف: "كما أن الدول التي كانت تدعم إسرائيل بثبات في السابق، مثل بريطانيا وفرنسا، رغم تغير مواقفها المعلنة، إلا أن مدى استعدادها لإحداث تغيير جذري في علاقتها مع إسرائيل أو الاعتراف الفعلي بالحقوق الفلسطينية المشروعة لا يزال محل شك".

ولكن بشكل عام، يبرز الموقع أن "التناقضات بين مختلف مكونات المجتمعات الأوروبية، وكذلك بين الدول الأوروبية نفسها، قد تفاقمت مع تصاعد الأزمة في غزة". 

ويبدو أن "الاتحاد الأوروبي، الذي يدعي أنه يتحدث بصوت واحد في القضايا الكبرى المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن، لا يزال غير قادر على بلورة موقف موحد بشأن القضية الفلسطينية-الإسرائيلية".

"وهو ما يكشف عن عمق الانقسامات في المصالح والرؤى داخل أوروبا"، على حد قول الموقع الصيني.

ومن ناحية أخرى، يتحدث عن أن "الاتحاد السياسي يشكل حجر الأساس في استقرار عملية التكامل الأوروبي".

لافتا إلى أن "المساواة بين الدول تُعد مطلبا جوهريا للدول الأوروبية الساعية لتحقيق هذا الاتحاد". 

ومع ذلك، يشير إلى أن "المركزية العالية في هيكل الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الدور المحوري للمحور الفرنسي-الألماني، جعلت بعض الدول المتوسطة والصغيرة تشعر بأنها تفتقر إلى الصوت أو التأثير في صنع القرار".

وفي هذا السياق، يذهب الموقع إلى أن "بروز الأصوات التي تدعو إلى التعاطف مع فلسطين أو الاعتراف بها يعكس طموحا سياسيا قويا لدى دول مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج لتشكيل تحالف يستند إلى قيم جديدة".

مشيرا إلى أن "هذه الدول، في الوقت الذي تدافع فيه عن مبادئ القانون الدولي، تؤكد على ضرورة التحرر من القيود التاريخية".

كما تسعى لـ "اعتماد نهج تصاعدي من القاعدة إلى القمة لتغيير سياسة أوروبا تجاه الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل مجتمع القيم الأوروبي". 

ومن هذا المنظور، يقول الموقع: إن "التوجهات السياسية في أوروبا تشهد تحولا، وقد ينعكس ذلك على التيارات الفكرية السائدة في المجتمع الأوروبي".

"لكن في المقابل، فإن الاعتماد الطويل على المسارات السياسية التقليدية التي تشكلت بفعل الزخم التاريخي، من الصعب تغييره في وقت قصير"، حسب التقرير. 

ولذلك، يرجح الموقع أن "يستمر الموقف الأوروبي المضطرب تجاه إسرائيل لفترة طويلة".

ويلفت إلى أن موقف أوروبا تجاه إسرائيل سيتأثر بعدة عوامل رئيسة.

ويتمثل العامل الأول في "ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتقديم تنازلات في القضية الفلسطينية استجابة لمطالب أوروبا".

بينما يتمثل العامل الثاني في "ما إذا كانت القوى المؤيدة لإسرائيل والداعمة لفلسطين داخل أوروبا قادرة على تحقيق توازن في المصالح وتنسيق مواقفها".

أما فيما يخص العامل الثالث، فيقول التقرير إنه "يتأثر بمدى قدرة الدول الأوروبية على إدارة الانقسامات الاجتماعية والتوترات العرقية والدينية بشكل فعال، خاصة تحقيق التعايش والاحترام المتبادل بين المجتمعات اليهودية والمسلمة".

وأخيرا، يحدد الموقع العامل الأخير قائلا إنه "يرتبط بمدى قدرة أوروبا على التخلص من التبعية الخارجية والسير نحو الاستقلال الإستراتيجي في إعادة بناء علاقاتها مع إسرائيل".

ويؤكد أنه "من الواضح أن (الصراع حول السياسات) و(الصراع حول الخطاب) بشأن القضية الفلسطينية-الإسرائيلية سيستمران لفترة طويلة".

"وهو ما سيخضع الحكمة السياسية لقادة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي لاختبارات مستمرة"، بحسب ما اختتم به الموقع تقريره.