افتتحت سادس جامعاتها.. أسرار توسع إيران بقطاع التعليم في سوريا

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتشعب أدوات التغلغل الإيراني في سوريا كلما بقي الملف السياسي طي الجمود، في ظل تسليم نظام بشار الأسد مقدرات ومؤسسات بلده لأطماع طهران طويلة الأمد.

وإلى جانب إمساكها بالملف الأمني والاقتصادي والعسكري بسوريا، تولي إيران اهتماما كبيرا للتغلغل الثقافي، من بوابة المدارس الخاصة والجامعات الإيرانية التي تجتهد في زيادة فروعها في سوريا.

ومساعي هيمنة إيران على الأجيال الجديدة في سوريا، وضمان ولائها وتشبيكها مبكرا في الفضاء الإيراني، يأتي بتسهيل مباشر من رأس النظام بشار الأسد.

إذ فتح الأسد، لإيران التي تدخلت بمليشياتها الأجنبية لمنع سقوطه منذ عام 2012، الباب على مصراعيه، لتمددها ليس عسكريا بل ثقافيا ودينيا وتعليميا، لتحقق على مدى عقد ما لم تحققه زمن الأسد الأب.

 

ومن أحدث صور هذا التغلغل الثقافي، كشف رئيس جامعة "بيام نور" الإيرانية إبراهيم تقي زادة، لوكالة "إسنا" المحلية في 14 إبريل/ نيسان 2022، أنه جرى إنشاء مراكز للجامعة في سوريا ولبنان والعراق.

وأوضح تقي زادة، أن هناك أولويات وبرامج في مجال التعليم لعام 2022، منها توسيع مجالات الدراسة التطبيقية ومتعددة التخصصات في دورات الدراسات العليا، وإطلاق نظام فعال لعقد الامتحانات اللاورقية وعبر الإنترنت.

وبذلك أصبحت جامعة "بيام نور" التي تأسست عام 1988 وتعتمد على طريقة التعليم عن بعد وبدوام جزئي، سادس جامعة إيرانية لها فروع في سوريا، أربعة منها افتتحت بعد عام 2011.

الأزمة أعمق

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 أعلن وزير العلوم والأبحاث والتكنولوجيا في النظام السوري منصور غلامي، إنشاء فرع لـ"جامعة تربية مدرس" الإيرانية، بهدف "مساعدة الطلبة السوريين على إكمال تعليمهم الأكاديمي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه داخل بلادهم"، بدلا من السفر لإيران.

ومطلع عام 2018، أعلن عن تأسيس "كلية للمذاهب الإسلامية" في العاصمة دمشق، وفي 12 يونيو/ حزيران من نفس العام افتتحت الجامعة الإسلامية الحرة "آزاد إسلامي" الإيرانية فرعا لها في سوريا.

كما جرى افتتاح فرع لـ"جامعة المصطفى العالمية" الإيرانية في سوريا في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وهي مؤسسة تعليمية بحثية، ذات رؤية دينية، تمكنت من استحداث أكثر من 150 فرعا دراسيا لمراحل البكالوريوس، والماجستير والدكتوراه.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية أدرجت في ديسمبر/ كانون الأول 2020 "جامعة المصطفى الدولية" على لائحة العقوبات، مشيرة إلى أنها متورطة في تجنيد عناصر في صفوف "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، من أجل جمع معلومات استخباراتية وتنفيذ عمليات إرهابية.

وذكرت الوزارة أن الجامعة التي مركزها الرئيس في مدينة قم، قامت عبر فروعها الخارجية بـ"أدوار في تسهيل تجنيد أشخاص لصالح الحرس الثوري والميليشيات الأجنبية التي يقودها"، مبينة أن الجامعة قامت بإرسال مجندين إلى سوريا للقتال هناك.

أما الجامعة الإيرانية الوحيدة الموجودة قبل الثورة السورية، والتي تمكنت من فتح مكتب ارتباط ومتابعة مع جامعة تشرين السورية في اللاذقية، فهي جامعة "الفارابي للدراسات العليا" التي أقر محضر إنشائها في 8 مارس/ آذار 2009.

وبالفعل بعد عام افتتحت التخصصات التابعة لـ "الفارابي"، في الرياضيات التطبيقية وتقانة المعلومات والتمريض، حيث التزمت الجامعة آنذاك بقواعد الاعتماد المقررة من مجلس التعليم العالي في سوريا، وجرى اعتماد اللغة الإنجليزية للدراسة.

تفعيل الاتفاقيات

وسارت إيران نحو تفعيل اتفاقيات مع النظام السوري، في مجال التربية والتعليم العالي، وإبرام معاهدات ومذكرات بين الجامعات السورية، والإيرانية وذلك تحت ستار "زيادة البحث العلمي والتعاون من أجل تبادل الخبرات".

إذ نجحت إيران في توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة التربية في حكومة النظام السوري، خلال يناير/كانون الثاني 2020، تقضي بإشراف طهران على تعديل المناهج الدراسية السورية وطباعتها في إيران.

واقترح وزير التعليم والتربية الإيراني محسن حاجي ميرزائي، خلال زيارة للعاصمة دمشق عام 2020، على حكومة الأسد، جعل الفارسية لغة ثانية واختيارية في الثانويات السورية، كما عرض عليها إقامة دورات تأهيل للمعلمين السوريين في إيران.

وفي نوفمبر 2018، افتتح قسم اللغة الفارسية في جامعة تشرين في اللاذقية، لتصبح بذلك ثالث جامعة سورية، تدرس اللغة الفارسية كاختصاص مستقل، بعد جامعتي دمشق والبعث بحمص.

وسبق أن التقى وزير التعليم العالي والبحث العلمي التابع للنظام السوري، بسام إبراهيم في 10 نوفمبر 2021، في طهران رئيس جامعة طهران سيد محمد مقيمي وعمداء كليات الجامعة.

وحينها جرى بحث تعزيز "التعاون بين الجامعات السورية والإيرانية في مجال البحث والإنتاج والمشاريع العلمية والمعرفية وربطها بالمشاريع التنموية والصناعية والإنتاجية".

كما وقعت جامعة دمشق وجامعة مالك الأشتر التقنية في العاصمة الإيرانية طهران، خلال زيارة إبراهيم، مذكرة تفاهم في مجال الأبحاث والدراسات العليا.

على أن يكون بينهما تعاون كبير في مجال الصناعات والعلوم التقنية والميكانيك والروبوتك وعلوم الكمبيوتر.

ومما يدل على أن "التشيع" في سوريا، يسير برعاية النظام السوري، هو سماحه عام 2014 بافتتاح مدارس "شرعية شيعية" لتعليم مذهب الشيعة الاثني عشرية، بعدما كان تدريس المذهب السني هو السائد، وهو ما عدّ تحولا كبيرا في تعديل النظام التعليمي بسوريا.

ويرى مراقبون سوريون أن إيران لها باع في كسب الطلبة وتشكيل خلايا طلابية، لتنفيذ الكثير المهام في عدد من الدول.

وفي الحالة السورية هذا التوجه، هو من جملة الأهداف الإيرانية بسوريا، ولا سيما بعد منح الطلاب مساعدات لتعلم اللغة الفارسية وبعض المزايا كالسفر لإيران، وإدخالهم في أنشطة كثيرة تقام في إيران.

وأكثر من يستجيب لهذه المغريات الإيرانية، هم أبناء المليشيات السورية المحلية التي بنتها طهران منذ عام 2012، حتى بات مجموع عناصر تلك المليشيات يبلغون نحو مئة ألف يتوزعون في عدد من المحافظات.

إذ قدمت إيران منحا دراسية للطلاب للدراسة في جامعات إيران، وقد سافر الكثير من أبناء قادة مليشياتها المحليين إلى طهران وخاصة مما يُعرف بـ"لواء الباقر".

مشروع الولي الفقيه

وفيما مضى أكدت مجلة "فورين بوليسي"، أن إيران تسعى لتحويل سوريا إلى المذهب الشيعي، مشيرة في تقرير لها في مارس/آذار 2021، "أن إيران تحاول تقديم نفسها كقوة صالحة ومعتدلة وخيرة للحصول على تأييد السوريين السنة على المدى الطويل".

ومن ثم وفق المجلة "تحقيق إيران للهدف النهائي المتمثل في الحفاظ على مجال نفوذها وممارسة سيطرتها وهيمنتها من خلال وكلائها، مثلما هو الحال في لبنان والعراق".

وفي هذا الإطار، أكد المتحدث باسم المجلس الإسلامي السوري المعارض، مطيع البطين، لـ "الاستقلال"، أن اهتمام إيران بفتح جامعات بسوريا "يندرج تحت باب القوة الناعمة والتي تستخدمها منذ عقود في سوريا لتمرير مشروع الولي الفقيه".

وأضاف البطين، أن هناك أكثر من اختراق في الجانب التعليمي من قبل إيران بسوريا، لحد الاستشراس والتغلغل في سبيل الاستحواذ إلى أبعد حد على الملف التعليمي".

ومضى يقول: "من يسيطر على التعليم والتربية يسيطر على البلد ثقافيا ويغير هويته، سواء كانت هذه الجامعات مستقلة أو إنشاء فروع داخل الجامعات السورية أو التعاون معها".

وذهب المتحدث باسم المجلس الإسلامي السوري المعارض للقول: "ما تقوم به إيران يدل على مدى انخراط النظام الطائفي في سوريا، وتماهيه مع مخطط الولي الفقيه، عبر بيع المؤسسات السورية لإيران".

وأضاف: "مما يدل على أن تدخل إيران في سوريا لم يكن تدخلا عابرا عبر الزعم بالتوافق مع النظام السوري لمنع سقوطه، بل هناك مخطط إيراني بعيد المدى يهدف إلى الوجود والاستقرار".

ولفت البطين إلى أن "إيران تسعى لتغيير الهوية السورية وتتبيع سوريا لإيران وجعلها جزءا من مشروع الولي الفقيه".

ويخطط مشروع الولي الفقيه إلى نشر المذهب الشيعي في الدول العربية، والذي بدأ الترويج له عقب وصول المرجع الديني آية الله الخميني إلى الحكم عام 1979، من خلال العمل على تحويل الشيعة إلى أكثرية في الأمة الإسلامية.

وأعطى هذه المخطط زخمه، قبل 43 عاما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، التي حولتها من نظام ملكي تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم من الولايات المتحدة، إلى "جمهورية إسلامية" يقودها الخميني.

خلق ولاءات

ويربط الباحث السياسي السوري عباس شريفة في حديث لـ"الاستقلال"، محاولات إيران بتوسيع كيانها التعليمي في سوريا، بالخطوات الإيرانية المتلاحقة للإستراتيجية الشاملة في التغلغل في مفاصل المؤسسات السورية.

وأضاف: "وهذا يأتي بعد التغلغل الأمني والاقتصادي والعسكري من خلال المليشيات الموجودة على الأرض، فضلا عن التغلغل الديني لنشر التشيع".

وألمح شريفة إلى أن "الجسر الواصل بين التغلغل الثقافي الإيراني هو عبر افتتاح الجامعات والمدارس الخاصة، التي تستهدف الشباب المتعلم بشكل أساسي".

واعتبر الباحث عباس شريفة، أن ما يؤكد على الدور الإيراني بسوريا "هو زيارات علي مملوك لإيران وبعده بشار الأسد الأخيرة، ما يوضح أن طهران تعول على القوة الناعمة بسبب الاختلاف المذهبي بين الشعب السوري وإيران".

ومضى يقول: "لذلك طهران تحتاج لربط الشباب المتعلم بالجامعات الإيرانية حتى تخلق دائما ولاءات من خلال المتعلمين والطلاب الجامعيين الذين سيتسلمون مستقبلا مفاصل حساسة في الدولة وهذه جزء من المشروع طويل الأمد لها".

ورأى الباحث أن "إيران تريد الاستحواذ على التعليم في سوريا وتوجيهه، لكي تخلق طبقة شعبية موالية لها، من خلال تعويم فكرة القرب الثقافي والفكري".

يذكر أن وجود مقام "السيدة زينب" في العاصمة دمشق، كان العنوان الأبرز الذي استغلته طهران، للزج بالمليشيات الأجنبية للقتال تحت شعارات طائفية تخفي وراءها حلم الوصول إلى البحر المتوسط.

ورمت حينها بمغناطيس يحمل شعار "لن تسبى زينب مرتين"، لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.