الاختبار الانتخابي الأول لـ"حزب الله" وحركة أمل بعد مواجهة إسرائيل.. كيف مر؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، أثبت الثنائي الشيعي في لبنان، "حزب الله" و"حركة أمل" أنهما ما يزالان يمتلكان تأثيرا كبيرا على القاعدة الشعبية الشيعية لدعمهما في أي استحقاق انتخابي.

فقد شكلت الانتخابات البلدية والاختيارية من 4 - 24 مايو/أيار 2025، محطة جلية على عودة انتخاب مرشحي الثنائي في الانتخابات المحلية هذه التي جاءت في مرحلة جديدة يعيشها لبنان.

إذ شهد حزب الله تراجعا في نفوذه العسكري نتيجة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وما خلفته الحرب من دمار واسع في قرى وبلدات الجنوب اللبناني، وكلفة بشرية عالية من القتلى والجرحى من الحاضنة الشيعية.

الاختبار الأول

وقد سجلت المعركة الانتخابية البلدية والاختيارية هذه معدلا قياسيا في التزكية، حيث فازت 109 بلديات بالتزكية من أصل 272 ما أدى إلى تراجع نسب الاقتراع في البلدات ذات الغالبية الشيعية.

وقال موقع "جنوبية" المحلي، إن "الثنائي الشيعي فاز بالضغوط والتزكية بحيث أراد الثنائي إظهار استفتاء لاستمرار تفوقه الأحادي بلا أي منافسات دفاعا عن صورته وللإيحاء بأنه لم يتأثر شعبيا بتداعيات الحرب الأخيرة مع إسرائيل وتداعياتها شيعيا".

وأضاف الموقع في 25 مايو/ أيار 2025 أنه في قرى جنوب لبنان استطاع "الثنائي الاستئثار بغالبية المقاعد البلدية من خلال السياسة التي اعتمدها بممارسة الضغوط القصوى للتزكية وفي تركيب اللوائح".

لقد أنجز هذا الاستحقاق على كامل الأراضي اللبنانية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، على الرغم من خرق الاحتلال الإسرائيلي وقف إطلاق النار المبرم بين لبنان وإسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. 

إلا أن هذه الانتخابات البلدية عدتها أغلب القوى والأحزاب بأنها بالون اختبار لمدى الشعبية في ظل حجم الخسائر الاقتصادية التي لحقت بالبلد منذ اندلاع المعارك بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

بينما أرد حزب الله إجراء أول اختبار سياسي وشعبي له بعدما تراجع نفوذه السياسي والعسكري في لبنان، وأصبحت قرى وبلدات حاضنته الشعبية في الجنوب شبه مدمرة فضلا عن نزوح كبير لسكانها.

بالمقابل، نجحت الحكومة اللبنانية الجديدة في إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في خمس محافظات على مدى ثلاثة أيام آحاد من شهر مايو 2025 خصوصا على المستوى اللوجستي.

وبذلك باتت البلديات تنتظر من الحكومة تأمين الموازنات اللازمة للبلديات الفائزة من أجل القيام بمهمة ووظيفة الخدمات والإنماء المطلوب خاصة في القرى والبلدات التي تعرضت لدمار كبير جراء القصف الإسرائيلي الأخيرة وضرب البنية التحتية لها.

ومن هنا سيتمكن الثنائي الشيعي من تحقيق ما يتمناه أهالي الجنوب في إعادتهم إلى بلدانهم وتأمين الخدمات المطلوبة لهم. 

"لعبة التحالف"

وتفاعلا مع الحدث، قال الكاتب والمحلل السياسي وائل نجم، لـ "الاستقلال": إن الثنائي الشيعي حافظ على التقدم في الانتخابات البلدية بلبنان، لأن أغلب البلدات الشيعية جرى فيها تزكية".

وأضاف نجم قائلا: إن "فوز الثنائي الشيعي في الانتخابات البلدية يعود للتحالف القوي بين حزب الله وحركة أمل".

ولفت نجم إلى أن "الشعور العام بالاستهداف لدى البيئة الشيعية ظهر في نتائج الانتخابات بالمحافظة على المشهد الانتخابي في الجنوب كما في الدورات السابقة".

ونوه نجم إلى أن "الأولوية لدى البيئة الشيعية في هذه المرحلة هي إعادة الإعمار لمنازلهم وإعادتهم إليها في أقرب وقت".

وسبق أن حمل خصوم حزب الله الأخير كلفة الدمار الحاصل في البنية التحتية لجنوب لبنان.

إلا أن هذا الملف ما زال عالقا على المستوى الرسمي اللبناني، ولم يشهد أي تطورات ملموسة على أرض الواقع.

ومع ذلك، لم يعد خافيا على أحد ربط الدول المانحة والقادرة على تقديم العون المالي للبنان بنزع سلاح "حزب الله".

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها نشر في 28 مايو 2025 عن أشخاص مطلعين على تفكير حزب الله بأن الأخير يحاول كسب نقاط سياسية محلية من خلال كسب الوقت، في ظل سعي البلاد للحصول على تمويل لإعادة الإعمار من الدول الغربية ودول أخرى تعارض حزب الله وتضع شروطا على تقديم المساعدات المالية.

وقالت رندا سليم، الباحثة في معهد السياسة الخارجية بجامعة جونز هوبكنز للصحيفة الأميركية "ما لم يكن حزب الله مستعدا لنزع سلاحه بنفسه، فلا أتوقع أن تتخذ الحكومة اللبنانية قرارًا بنزع سلاحه بالقوة. بدلا من ذلك، عليهم أن يجعلوا من عدم رغبة حزب الله في نزع سلاحه أمرا لا يُطاق ومكلفا سياسيا عليه، وذلك بربط إعادة إعمار المناطق ذات الأغلبية الشيعية بنزع سلاحه".

وقدر البنك الدولي، كلفة إعادة الإعمار والتعافي في لبنان عقب الحرب الأخيرة بنحو 11 مليار دولار، حسبما قال في تقرير له نشر في 7 مارس/آذار 2025.

وأوضح البنك الدولي في التقرير أن قطاع الإسكان في لبنان هو "الأكثر تضررا، إذ تُقدر الأضرار فيه بنحو 4,6 مليارات دولار"، مضيفا أن قطاعات البنية التحتية، المتضررة بشدة بحاجة لمليار دولار.

وتشكل إعادة الإعمار إحدى أبرز التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية. وتعوّل بيروت على دعم خارجي وخصوصا من دول الخليج للحصول على مساعدات لتمويل إعادة الإعمار والتعافي من الانهيار الاقتصادي.

وحصلت بيروت على موافقة مبدئية لرفع قيمة القرض المقدم من البنك الدولي لإعادة الإعمار من 250 مليون دولار الى 400 مليون دولار، وفق ما أفاد ياسين جابر وزير المالية اللبناني في 24 أبريل 2025.

وتعهّد العراق خلال القمة العربية في بغداد في 17 مايو 2025، تقديم 20 مليون دولار في إطار جهود لإعادة إعمار لبنان. 

إن الثنائي الشيعي الذي يتعرض لضغوط كبيرة في الداخل اللبناني، يرى في نتائج الانتخابات البلدية مقدمة تحضيرية لإعادة الزخم من جديد قبيل الانتخابات البرلمانية لعام 2026.

"غياب البديل السياسي"

وضمن هذا السياق، رأى الكاتب اللبناني مروان الأمين أن الانتخابات البلدية جاءت كي تشكل مؤشرا أوليا مهما للقوى السياسية قبل الانتخابات النيابية، إلا أنها لا تعكس بدقة التوازنات الفعلية، خصوصا في البيئات السنية والمسيحية والدرزية.. أما في البيئة الشيعية، فالوضع يختلف كليا، حيث يحمل هذا المؤشر دلالات أكثر وضوحا، نظرا لثبات المشهد السياسي ووضوح الاصطفافات داخل هذه الساحة.

وأرجع الأمين في مقال له تحت عنوان "الانتخابات البلديّة ومؤشراتها شيعيّاً" احتفاظ الثنائي الشيعي بنتائج قوية في الانتخابات البلدية، لعوامل أولها "(عامل الدم والشهادة) والوفاء لحسن نصرالله التي شكلت محورا أساسيا في خطاب التعبئة الذي اعتمده حزب الله خلال الانتخابات".

وأشار الأمين إلى أن "هذا البعد الذي يحاكي الغريزة والعاطفة كان له الدور الأبرز للجمهور الذي لم يختر الخدمات المحلية التي عادة ما تطرح في الاستحقاقات البلدية على الرغم من فشل الحزب فشلا ذريعا في معظم البلدات والقرى".

وقُتِل في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل قرابة 80 بالمئة من قيادات حزب الله عبر عمليات اغتيال مباشرة من قبل إسرائيل في أماكن وجودهم بلبنان، وعلى رأسهم الأمينان العامان السابقان حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، جراء ضربات متفرقة في ضاحية بيروت الجنوبية.

ولفت الأمين إلى أن "حزب الله يستند إلى إرث متين من الأيديولوجيا الدينية المسلحة، بني على مدى أربعة عقود، والمدعومة بشبكة واسعة من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والمالية، ترصد لها موازنات بمليارات الدولارات. هذا النموذج ما زال قائما رغم الهزيمة العسكرية والانتكاسة السياسية اللتين مني بهما أخيرا".

ورأى الأمين في مقاله أنه "على الرغم من تراجع فعالية دور حزب الله العسكري في مواجهة إسرائيل، إلا أنه لا يزال يحتفظ بحضور أمني وسياسي قوي داخل لبنان. هذا النفوذ المتغلغل في مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والخدماتية في مناطق نفوذه ينعكس بشكل مباشر على تفاصيل الحياة اليومية للناخبين الشيعة، ويعزز شعورهم المستمر بسيطرته".

ولفت الأمين إلى أنه "رغم حالة الغضب الشعبي من جراء تعثر انطلاق عملية إعادة الإعمار، إلا أن أحد الأسباب التي تسهم في إبقاء هذا الغضب محصورا وغير معبر عنه في الإعلام أو صناديق الاقتراع، يعود إلى الأمل الذي ما زال يراود الناس بإمكانية تعويضهم لاحقا، ما يدفعهم إلى تجنب الخروج عن ولاء حزب الله".

وذهب الأمين للقول "إن غياب بديل سياسي فعال داخل البيئة الشيعية، حيث تفتقر المعارضة إلى القدرة التنظيمية والمناخ الآمن للتحرك. فكل محاولة للخروج عن سلطة حزب الله تواجه بالنبذ الاجتماعي والتضييق الاقتصادي واتهامات بالتخوين والعمالة، ما يعقد مهمة بلورة بديل جدي، ويرسخ هيمنة الثنائي الشيعي على التمثيل السياسي في الطائفة.

ويرى كثير من المراقبين اللبنانيين، أنه من حيث المعارضة، والتي يمكنها استغلال تراجع نفوذ حزب الله وأن تُشكل البديل الفعلي "للثنائي الشيعي" في الاستحقاقات الانتخابية مازالت غير قادرة على وضع برنامج عملي لكسب ولاء الطائفة الشيعية.

إذ يقول هؤلاء إن مدن الجنوب اللبناني التي أنهكها الحرب بقيت متروكة لمصير مجهول، "في ظل غياب المرجعية الوطنية التي تسعى لطمأنة الجنوبيين وحمايتهم"، كما يقول الكاتب اللبناني حسن عطايا.

ورأى عطايا في مقال له نشر في 27 مايو 2025 بأن "ممارسات الثنائي الشيعي خلال فترة التحضير لانتخابات السلطات المحلية من بلديات ومخاتير فقد استعمل الثنائي ومن أعلى مستوياته إلى أدناها، كل أشكال الترهيب والترغيب لدفع الجنوبيين إلى الانسحاب من السباق الانتخابي حتى تفوز لوائحهم بالتزكية".

وذهب عطايا للقول: "إن ما قام به الثنائي الشيعي في الانتخابات البلدية ما هي إلا جولة تدريبية تحضيرا للانتخابات النيابية القادمة، وجس نبض العهد الجديد وما يطرحه من حصر السلاح والحياد وبسط سلطة الدولة على كامل ترابها الوطني".