كيف تنظر إيران إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا؟ كاتب تركي يجيب

القرار الأميركي برفع العقوبات عن سوريا أثار قلقا في إيران التي عدته خطوة لضمان أمن إسرائيل وتقويض نفوذها، وفق ما قال الكاتب التركي "سرحان أفاجان" في مقال نشره مركز إيرام.
وأردف أفاجان: عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعا مهما مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض يوم 14 مايو/أيار 2025، والذي بدوره شكّل تطورا بالغ الأهمية. وقد ازداد ثقل هذا اللقاء بعد أن أعلن ترامب، في اليوم السابق له وخلال المنتدى الاستثماري، قراره برفع العقوبات عن سوريا. وعلى إثر ذلك فقد استُقبل هذا القرار بترحيب واسع في سوريا؛ حيث خرج المواطنون إلى الشوارع احتفالا.
وصرّح الرئيس الشرع بأنهم باتوا يتوقعون استثمارات من السوريين في الخارج ومن الدول الداعمة لسوريا، ما من شأنه أن يدفع عجلة الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، وصف وزير الخارجية أسعد حسن شيباني القرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنه "بداية طريق إعادة إعمار سوريا".

أربع نقاط
واستدرك الكاتب التركي: يمكن إبراز أربع نقاط أساسية بشأن هذا القرار الذي يحمل أبعادا متعددة:
أولا، رأى ترامب في خطابه أن رفع العقوبات يشكّل الخطوة الأولى نحو إقامة علاقات طبيعية بين الولايات المتحدة وسوريا؛ حيث يمكن أن نفهم من هذا التصريح أن تطورات جديدة قد تطرأ في العلاقات الثنائية متجاوزة مجرد رفع العقوبات.
ومن المؤشرات المهمة على هذا التوجه تعيين توماس باراك، سفير الولايات المتحدة في أنقرة، كمبعوث خاص لسوريا في 23 مايو/أيار 2025. وقد رُبط هذا التعيين برغبة واشنطن في تطوير علاقاتها مع دمشق بشكل أكثر فعالية.
ثانيا، لم تكن العقوبات المفروضة على سوريا حكرا على الولايات المتحدة في السنوات الماضية، بل شملت أيضا دولا أوروبية عدة. وهو ما جعل العقوبات تشكّل ضغطا كبيرا على دمشق يتجاوز السياسات الأميركية وحدها.
في هذا السياق، أعلن الاتحاد الأوروبي في 24 فبراير/شباط 2025 رفع العقوبات، والتي كانت مفروضة إلى حدّ كبير منذ دخولها حيّز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2012. وعلى أثره اتخذت المملكة المتحدة خطوة مماثلة في 24 أبريل/نيسان.
أما النقطة الثالثة، فتتعلق بالتعقيد المتراكم في هيكل نظام العقوبات عبر السنوات. فعلى الرغم من أن العقوبات تضرّ بالدول المستهدفة، إلا أنها تفرض أعباء بيروقراطية وقانونية ومالية كبيرة على الدول المطبقة عليها أيضا.
إذ تعد إدارة العقوبات المتنوعة التي تفرضها عدة مؤسسات حكومية مهمة صعبة في كل الأحوال، ما يجعل من رفع العقوبات وسيلة لتخفيف عبء بيروقراطي كبير عن كاهل الدول المطبقة عليها.
وأخيرا، فإن البُعد الإقليمي للقرار، أي علاقته بأطراف خارج الدولتين، لا يقل أهمية؛ فقد أشار الرئيس الأميركي إلى أن اتخاذه للقرار كان بالتشاور مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ولفت الكاتب النظر إلى أن ردود فعل الدول العربية في المنطقة كانت إيجابية، ما يدلّ على أن تطوير العلاقات مع دول المنطقة ساعد في إنجاح الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى رفع العقوبات.
في المقابل، أثار هذا القرار أيضا صدى واسعا في إيران، التي تجرى حاليا مفاوضات مع الولايات المتحدة حول رفع العقوبات المفروضة عليها، والتي لم تغير بعد موقفها المعارض للحكومة السورية الجديدة.
موقف إيران
واستدرك الكاتب التركي: رغم صمت الجهات الرسمية في إيران بشأن قرار الولايات المتحدة برفع العقوبات عن سوريا، إلا أن وسائل الإعلام الإيرانية أبدت اهتماما لافتا بالموضوع، وغلبت على التغطيات والتحليلات نبرة سلبية وانتقادية.
فقد زعمت تقارير إعلامية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اشترط على الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي لا تزال إيران تُصرّ على تسميته بـ"الجولاني"، التعاونَ مع الولايات المتحدة مقابل رفع العقوبات، وأن أمن إسرائيل شكّل "نقطة البداية" في الاتفاق. بل وذهبت بعض التحليلات حدّ الادعاء بوجود "شراكة سرية" بين ترامب والشرع لنهب النفط السوري.
لكن أكثر المواقف استفزازا جاءت من وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا"، التي أعادت نشر مقال للخبير الأميركي مايكل روبين والذي نُشر في معهد "أميركان إنتربرايز" بعنوان: "رفع العقوبات عن سوريا هو تحقيق لحلم القاعدة".
في هذا المقال يُزعم أن شرعية الشرع غير قائمة، وأنه لا يسيطر سوى على 30-40% من الأراضي السورية، وأن قرار رفع العقوبات سيعزز من نشاط تنظيم القاعدة في المنطقة.
واللافت هنا أن "إرنا" تبنّت هذه المزاعم الاستفزازية دون الإشارة إلى نقاط أخرى وردت في المقال الأصلي، مثل التحذير من أن رفع العقوبات قد يُعرض أمن إسرائيل للخطر، أو أن قرار ترامب بلقاء الشرع، والتي كانت واشنطن قد رصدت جائزة لمن يأتي برأسه قبل أشهر، قد يبعث برسالة خاطئة إلى إيران والحوثيين في اليمن لتصعيد الإرهاب وزيادة قمع المعارضة.

نقاش داخلي
وأردف الكاتب: بعيدا عن هذا الخطاب الإعلامي المتحيز تبدو إيران اليوم بأمسّ الحاجة إلى التخلص من عبء العقوبات؛ إذ تخوض مفاوضات مع واشنطن تركز أولا وبشكل أساسي على رفع هذه العقوبات. لذلك فقد أثار قرار رفع العقوبات عن سوريا نقاشا داخليا أكثر واقعية في طهران، في ظل تراجع حاد في سوق العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم.
في هذا السياق، صدر في 18 مايو/أيار 2025 تقرير اقتصادي موسّع عن مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى الإيراني بعنوان: "مؤشرات قطاع التصدير وتقييم التجارة الخارجية لإيران".
وقد كشف التقرير تراجعا ملحوظا في أداء إيران التجاري، ليس فقط على مستوى النفط، بل شمل أيضا منتجات إستراتيجية تقليدية مثل التمور والسجاد والزعفران والفستق، التي فقدت موقعها في الأسواق الخارجية.
وأشار التقرير أيضا إلى أن عدد شركاء إيران التجاريين يتقلص، وأن العديد من صادراتها فقدت أسواقها أو فشلت في اختراق أسواق جديدة.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن العقوبات تؤثر سلبا على إيران في ثلاثة اتجاهات رئيسة:
- تُجبَر طهران على التعامل مع شركاء تجاريين لا يتمتعون بالكفاءة الاقتصادية العليا، بل فقط من تسمح بهم الظروف السياسية.
- أدت العقوبات إلى خسارة الأسواق التقليدية، وإن استعادةَ هذه الأسواق بعد رفع العقوبات ستكون عملية طويلة ومكلفة.
- أفقدت العقوبات سياسات التجارة طابعها الإستراتيجي الطويل الأمد، وحوّلتها إلى ردود فعل قصيرة المدى؛ حيث يتجلى ذلك في التغييرات المتكررة في قوانين التصدير والاستيراد.
وأضاف الكاتب: من التطورات الأخرى اللافتة كانت تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مؤتمر عُقد في 21 مايو/أيار 2025؛ حيث أكد أن العقوبات تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه إيران، وأوضح أن وزارته تبذل جهودا كبيرة لرفعها. وقال:
"كلما نجحنا في تحييد تأثير العقوبات، كلما فقد الفارضون للعقوبات أملهم، وهذا سيساعدنا في المفاوضات. لو كانوا واثقين من أن العقوبات ستجعلنا نستسلم، لما دخلوا في مفاوضات.".
وتابع الكاتب: رغم طابع التحدّي في هذه التصريحات، فإنّ الواقع الاقتصادي الإيراني يُظهر بوضوح أن العقوبات تُلحق أضراراً شديدة باقتصاد البلاد. ومن هنا، فإن إيران تجد نفسها مضطرة أكثر من أي وقت مضى للسعي إلى رفع العقوبات، خصوصا في القطاعات الحيوية.
وقد قدّمت الدبلوماسية الأميركية مع سوريا مثالا واقعيا على أن رفع العقوبات ممكن، ما يفسر أهمية هذا القرار من المنظور الإيراني. ففي الأيام القادمة، ستستمر إيران في مناقشة "النموذج السوري"، سواء من حيث المسار الفني لرفع العقوبات، أو انعكاساته الاقتصادية.
ورغم محاولات المسؤولين الإيرانيين التظاهر بعدم تأثير العقوبات على البلاد، إلا أن الواقع الاقتصادي يؤكد عكس ذلك؛ فالاقتصاد الإيراني يعاني بشدة من آثار هذه العقوبات، وأصبح التوجه نحو رفعها ليس مجرد خيار بل ضرورة حتمية لبقاء الاقتصاد واستقراره.