محمد عبدالستار.. وزير أوقاف الأسد المتحكم "الحصري" بالشأن الديني في سوريا

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ تعيينه في منصب وزير أوقاف النظام السوري عام 2007، كان محمد عبد الستار السيد لسان هوى رئيس النظام، باستغلاله "الصفة الدينية" خارج ضوابطها، لدرجة أن اندلاع الثورة السورية عام 2011 كان بمثابة "الورقة الرابحة" لتنشيط وزارته "شبه المجمدة".

وفي كلمة شهيرة لـ"السيد"، ومن جامع المرابط بالعاصمة دمشق، قال مخاطبا رأس النظام بشار الأسد الذي كان يحضر احتفالية دينية: "بك انتصرت سوريا وبك انتصر الإسلام وبك انتصر الجيش والشعب يا سيادة الرئيس لأنك ثبت فثبتوا ولو ضيعت لضيعوا".

بهذه الكلمات شبه وزير الأوقاف الأسد بـ"خليفة المسلمين الثاني"، عمر بن الخطاب، وذلك حينما روى السيد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قصة انتصار المسلمين على "كسرى" ملك الفرس.

النشأة والتكوين

ولد محمد عبد الستار السيد في مدينة طرطوس عام 1958، من عائلة سنية، وهو حائز على إجازة في الاقتصاد والتجارة من جامعة دمشق عام 1983، وعلى شهادة الماجستير من "جامعة الدراسات الإسلامية"  (تابعة للأوقاف) عام 1997، وعلى شهادة الدكتوراه في اجتهاد الجماعة والمجامع الفقهية المعاصرة عام 2000 من جامعة الدراسات الإسلامية.

عمل السيد مديرا لأوقاف محافظة طرطوس ومفتيا للمحافظة من عام 1985 إلى 2002، وعقب ذلك عُين معاونا لوزير الأوقاف للشؤون الدينية بسوريا عام 2002، إلى أن عينه رئيس النظام وزيرا للأوقاف منذ عام 2007 بعد إعفاء الوزير محمد زياد الدين الأيوبي.

كان والده الشيخ عبد الستار السيد وزيرا للأوقاف والشؤون الدينية بسوريا منذ ستينيات القرن الماضي، وحينما تولى الرئيس السابق حافظ الأسد السلطة عام 1971 بموجب انقلاب عسكري أعاده لتسلم وزارة الأوقاف من عام (1971 - 1980).

ويترأس محمد السيد "جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية" بسوريا منذ عام 2011، وله مؤلفات، منها: التفسير الجامع للقرآن الكريم، القول الحق، دراسات في القرآن الكريم، الأسس العقائدية في مواجهة التكفير والتطرف.

نجح السيد في تطويع المؤسسة الدينية لصالح سياسة النظام، وانتزع صلاحيات واسعة أنيطت بوزارة الأوقاف حتى تحول إلى شخصية فريدة بين رجال الدين الذين هيمنوا على مفاصل الدولة بشكل غير مسبوق.

ويؤكد كثير من المراقبين للشأن الديني في سوريا أن السيد استطاع أن يبتلع منصب الإفتاء ويضمه لوزارته، والذي تجلى بشكل رسمي في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حينما أصدر الأسد مرسوما تشريعيا ألغى بموجبه منصب المفتي العام لسوريا ومهامه واختصاصه.

وبذلك أقال النظام المفتي أحمد حسون بشطب المادة "35" من قانون عام 2018 التي تحدد مهام واختصاص المفتي، وأسند المرسوم المذكور "إصدار الفتاوى" لـ"المجلس العلمي الفقهي" الجديد الذي وسع الأسد من صلاحياته وعين "السيد" رئيسا له مع معاونين و30 من كبار العلماء في سوريا "ممثلين عن المذاهب كافة".

وبدا جليا أن هناك صراعا خفيا بين السيد وحسون، تمكن في النهاية السيد من كسب الجولة والإطاحة بمنافسه حسون، الذي كان يعد الوحيد الذي يشاطر السيد قربا من الأسد.

وكانت الحرب بين حسون والسيد "مخفية"، لكنها خرجت للعلن حينما ردت وزارة الأوقاف وعبر "المجلس العلمي الفقهي" القديم التابع لها، على السقطة الكبيرة التي وقع فيها حسون حول تفسير آية قرآنية من سورة "التين"، والتي أدت لتسريع خطوة النظام بإلغاء منصب المفتي كما هو مخطط لها مسبقا من سعي النظام لتغيير الهوية الدينية كدعم لبقائه.

شطحات الوزير

ويجمع كثير من المراقبين أن توجيه انتقاد بشكل لاذع من وزارة الأوقاف لحسون كشف مدى عمق الخلاف مع السيد الذي استغل الموقف لتوجيه ضربة له كانت "القاضية" من منصب المفتي.

لكن السيد ليس بأحسن حالا من حسون في شطحاته وتوظيف الخطاب الديني في حرب الأسد ضد السوريين خلال العقد الأخير.

إذ دعا السيد في يوليو/تموز 2018 في تسجيل مصور إلى تفسير القرآن الكريم تفسيرا معاصرا وفق ما وصفه بـ"المرتكزات الفكرية لبشار الأسد في الإصلاح الديني".

ولاقى هذا الطرح سخرية كبيرة في الشارع السوري، الذي اعتبر أن نهج أوقاف الأسد يهدف لاستغلال الدين لصالح بقاء الأسد في السلطة وحرفه لدرجة جعله أشبه بمنهج "التربية القومية".

واعتماد رئيس النظام على وزارة الأوقاف ليس بجديد؛ بل إنه عهد ورثه من والده الذي سير الأوقاف لخدمته سياسيا، لتصبح في عهد الأسدين من الحقائب الوزارية في الحكومة التي يجري اختيار وزيرها بدقة وبمواصفات محددة، حسب التجارب السابقة.

وسار السيد في طريق تحويل المؤسسة الدينية في سوريا إلى مؤسسة جامعة لكل المذاهب الإسلامية، في دلالة واضحة على توليه خطة ممنهجة تقضي بإشراك المذاهب الأخرى، وفق الرؤية الإيرانية في بلد غالبيته من السنة.

ولذا أعلن السيد تأسيس كلية المذاهب الإسلامية بالعاصمة دمشق في 13 أبريل/نيسان 2018، وذلك بالتعاون مع المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الإيرانية.

وللمفارقة، فإن هذا المجمع العالمي هو هيئة علمية إيرانية أسسها المرشد السابق آية الله علي خامنئي عام 1990، وذلك تحت هدف تقريب الآراء المختلفة بين المذاهب الإسلامية.

دعم إيران

حاول السيد أن يشعب عمل وزارته انطلاقا من "فقه الواقع" عبر "المجلس العلمي الفقهي" الذي أسس عام 2018 ويتبع لوزارة الأوقاف ويضم كافة المذاهب الإسلامية.

واعترف السيد خلال تصريح له في 2 ديسمبر/كانون الأول 2019 أن قضايا المجلس تتناول "الإرهاب والتطرف وحرب الإنترنت والمواطنة وزرع الأعضاء والفساد والإصلاح الإداري والمالي".

وكذلك أعطي المجلس السلطة في محاربة ما يسمى بـ"الفكر التكفيري المتطرف، مثل الوهابية، وتنظيم الإخوان المسلمين، والحركات والتنظيمات المتطرفة الأخرى".

ويمكن لوزير الأوقاف تعيين أي شخص بمنصب ديني حتى لو لم يحمل الجنسية السورية، الأمر الذي قد يفتح الأبواب أمام توظيف شخصيات شيعية ضمن مناصب دينية بسوريا.

واعتبرت تلك الخطوة في سياق التمهيد الكبير أمام المد الثقافي والأيديولوجي الشيعي في سوريا، والتي سبقها فتح معاهد للغة الفارسية في سوريا، إضافة إلى افتتاح فروع للجامعات الإيرانية منذ عام 2012، ومن أشهرها فرع جامعة "آزار" التي فتحت في يناير/كانون الثاني 2018.

ولا سيما أن وزير أوقاف الأسد، السيد، ذهب إلى طهران مطلع مارس/آذار 2018، والتقى المرشد علي خامنئي، إلى جانب وفد اصطحبه معه إلى إيران.

ومنذ 29 يوليو/تموز 2018، عمد السيد إلى تقييد خطباء المساجد كافة وفرض الرقابة المستمرة عليهم وتوحيد الخطاب الديني، وتجنب أي أفكار تتوافق مع "ابن تيمية أو الفكر الوهابي".

ويوظف السيد منصبه في التقرب من الدول الحليفة للأسد أو التي تدور في فلك روسيا وإيران، ومنها حينما قدم هدية تذكارية لمفتي الشيشان، صلاح مجييف الذي زار سوريا أواخر أبريل/نيسان 2017 أثارت سخرية السوريين حينها.

وتضمنت الهدية، والتي هي مبخرة من رخام محفور، عبارة مكتوبة عليها، وهي "إهداء خاص.. نحنا البشر أجناس فضة وذهب ونحاس وأنت الوحيد اللي أغلى من الألماس".

كما ذهب "السيد" إلى القاهرة في 4 يوليو/تموز 2021 برفقة وفد ديني، في محاولة للتأكيد على مدى دور الوزارة في تثبيت أركان نظام الأسد داخليا وتلميعه خارجيا.

وأجرى السيد حينها لقاءات عديدة، أبرزها الاجتماع بمفتي مصر التابع لنظام السيسي شوقي علام، ورئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في البرلمان، علي جمعة، بحضور سفير نظام الأسد لدى القاهرة، بسام درويش.

منبر سياسي

اللافت أن حديث ومناقشات وزير أوقاف الأسد مع علام وجمعة تمحورت حول "دور المؤسسات الدينية في سوريا ومصر في مواجهة التطرف وتكثيف الجهود لحماية الشباب من تأثير الأفكار المنحرفة".

ووفق ما نقلت صفحة وزارة أوقاف الأسد، "الارتقاء بالخطاب الديني المعاصر ليكون ملائما لمتطلبات الواقع وملامسا لمشكلات المجتمع وتنقيته من الشوائب الإخوانية والتكفيرية الهدامة".

وكان السيد يحول خطب الجمعة خلال العقد الأخير في سوريا إلى منبر سياسي يعلق فيه على أحداث سياسية، ويكرر روايات النظام ويعلق مشاكل البلد الاقتصادية على الغرب والعقوبات.

ويرى السيد أنه "في دول المنطقة العربية توجد عقيدتان أساسيتان هما الإسلام والعروبة، وكل ما عداهما متفرق أو ضئيل"، وهذا ما قاله في 4 ديسمبر/كانون الأول 2020 خلال خطبة جمعة في جامع "خديجة الكبرى" بطرطوس.

ولا يتخلف السيد عن حضور صلاة العيد والمناسبات الدينية إلى جانب الأسد، وخاصة أنه سبق له أن وصف الأسد بأنه "محفز للهمم في الدين والثقافة والفكر ومولد للأفكار".

ويعد الفصل الأكثر إثارة في حياة السيد، هو تهيئته لابنه عبد الله الذي يتسلم حاليا مدير أوقاف طرطوس، حيث يتهم السيد بالسعي لتحويل وزارة الأوقاف إلى دار خلافة يقودها ابنه من بعده.

ويعمل السيد على تأهيل ابنه عبد الله بطرق ربما تضمن تقلده الوزارة، إذ تسلم رئاسة الفريق الديني الشبابي التابع لوزارة الأوقاف، وأضافه في عضوية "لجنة مناقشة الدستور" سعيا من أبيه لتأهيله سياسيا.