عبر تسلل بشري وبالمسيرات.. هكذا يتواصل تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن

مصعب المجبل | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

رغم سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يشرف على إنتاج وتهريب المخدرات للخارج إلا أن بقايا شبكاته ما تزال تنشط وتشكل تهديدا لدول جوار سوريا وعلى رأسها الأردن.

إذ لم يتوقف الجيش الأردني منذ الإطاحة بالأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، من الإعلان بشكل منتظم عن إحباط عمليات تهريب مخدرات عبر حدوده مع سوريا الممتدة على مسافة 375 كيلومترا.

تهريب مستمر

في 25 مايو/أيار 2025، أعلنت السلطات الأردنية إحباط محاولة تهريب 200 ألف حبة مخدرة عبر معبر جابر الحدودي مع سوريا، بواسطة إحدى مركبات الشحن.

وقالت السلطات: إنه تمت متابعة تلك المعلومات وتحديد المركبة والأشخاص الذين سيتسلمون المخدرات داخل الأردن، وتزامن ذلك مع إحباط الجيش الأردني محاولة تهريب مواد مخدرة بوساطة طائرتين مسيرتين جنوب البلاد؛ حيث جرى إسقاطهما.

وفي محاولة تظهر محاولات شبكات التهريب ابتكار مزيد من طرق التهريب، فقد أحبط الجيش الأردني، في 24 مايو/أيار 2025 محاولة غير تقليدية لتهريب مواد مخدرة عبر الحدود الشمالية الشرقية (في إشارة إلى الحدود مع سوريا والعراق)، بعدما استخدمت جهات مجهولة بالونات موجهة عن بُعد لإيصال شحنة من المواد المخدرة إلى داخل الأراضي الأردنية.

وهذه البالونات بحسب الجيش الأردني كانت مزوّدة بأجهزة توجيه عن بُعد، وكانت محمّلة بكميات من المواد المخدرة، وقد تم ضبطها وتحويلها إلى الجهات المختصة لمتابعة التحقيقات.

كما أحبط الجيش الأردني فجر 7 مايو/أيار 2025 محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية باتجاه الأراضي الأردنية.

وقال الجيش في بيان: إن مجموعة من المهربين تم رصدها أثناء محاولتها اجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة، وعلى إثر ذلك، استجابت دوريات رد الفعل السريع، وتم تطبيق قواعد الاشتباك، مما أجبر المهربين على التراجع إلى داخل الأراضي السورية.

وقبل ذلك بيوم أحبطت إدارة مكافحة المخدرات في محافظة درعا السورية الحدودية مع الأردن محاولة تهريب أكثر من 800 ألف حبة مخدرة، بعد عملية أسفرت عن مصادرة الكمية قبل وصولها إلى وجهتها.

كما أعلن الأردن في أبريل/نيسان 2025 إحباط محاولة تهريب "كميات كبيرة" من المخدرات آتية من الأراضي السورية.

وكذلك تمكن الجيش الأردني في 28 أبريل/نيسان 2025 من إحباط محاولة تهريب "كميات كبيرة" من المخدرات قادمة من الأراضي السورية، مؤكدا أن قواته اشتبكت مع مجموعة من المهربين وأصابت عددا منهم وفرّ آخرون إلى داخل العمق السوري.

وعثر الجيش الأردني وقتها على مئات الأكياس التي تمت مصادرتها والمعبأة بـ"مئات الآلاف" من حبوب الكبتاغون.

وسبق ذلك وتحديدا في 6 مارس/أذار 2025 اشتباك قوات حرس الحدود الأردنية مع مهربين مسلحين حاولوا التسلل من سوريا إلى المملكة، ما أدى إلى مقتل أربعة منهم وضبط "كمية كبيرة" من المخدرات والأسلحة الأوتوماتيكية، بينما تراجع الباقون إلى العمق السوري.

وبحسب الجيش الأردني فإن هؤلاء حاولوا استغلال "عدم الاستقرار الجوي وانتشار الضباب على الواجهة الحدودية".

"مخزون من الإنتاج"

الكبتاغون هو الاسم التجاري لمادة "فينثيلين"، وهي منبهة من عائلة الأمفيتامينات، جرى حظر بيعه في الصيدليات منذ 1986، وغالبا ما يتم تصنيعه في شكل أقراص بيضاء (كحبوب الدواء) تحتوي على مواد كيميائية تسبب تأثيرات قوية على الجهاز العصبي المركزي.

وحبوب الكبتاغون كانت تنتج على نطاق واسع خلال حكم نظام بشار الأسد بمساعدة من المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني حيث تحولت سوريا خلال العقد الأخير إلى أكبر مصدر لمخدر الكبتاغون في العالم.

وبحسب بيانات الحكومة البريطانية في عام 2023، تنتج سوريا قرابة 80 بالمئة من الإنتاج العالمي من الكبتاغون، مبينة أن ماهر الأسد شقيق بشار وكان يقود الفرقة الرابعة بالجيش، كان يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج، وقد بلغت القيمة المصدرة منه عام 2021 حوالي 5.7 مليارات دولار. 

وأمام ذلك، فإن الدولة السورية الجديدة منذ سقوط الأسد، شنت عمليات واسعة على مصانع إنتاج المخدرات المنتشرة في المحافظات السورية كافة وطاردت المهربين وألقت القبض على عشرات المتورطين عبر الرصد والتعقب.

وقد أعلنت وزارة الداخلية في 19 مايو/أيار 2025 ضبط أكثر من أربعة ملايين حبة من الكبتاغون في مدينة اللاذقية كانت مخبأة داخل معدات صناعية معدة للتهريب خارج البلاد.

وجاء ذلك بعد أقل من أسبوع على إعلان وزارة الداخلية السورية ضبط تسعة ملايين حبة كبتاغون كانت معدّة للتهريب إلى تركيا.

ومع ذلك تواصل شبكات التهريب بسوريا عملياتها باتجاه الأردن، التي تعد الوجهة الأبرز لكونها ملاصقة لدول الخليج.

وضمن هذا السياق،  قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبد الله الأسعد: إن "وجود مصانع وورش لإنتاج المخدرات في سوريا والتي تراكمت على مدى سنوات بإشراف نظام الأسد البائد يجعل من عمليات التهريب نشطة من قبل بقايا تلك الشبكات التي تهرب المخدرات إلى الأردن بطرق مختلفة، خاصة أن قرب حدود الأردن كان هناك 15 مصنعا لإنتاج المخدرات". 

وأضاف الأسعد لـ "الاستقلال" قائلا: "ما يحدث اليوم من عمليات تهريب نحو الأردن من سوريا هي بسبب وجود مخزون من الإنتاج السابق لدى المهربين، وربما ما تزال هناك عمليات إنتاج بصيغة أقل في الخفاء وخاصة مع سهولة الإنتاج وتوفر الأجهزة لدى هذه الشبكات العابرة للحدود". 

ولفت الأسعد إلى أن "كثيرا من أفراد شبكات التهريب هم الآن طلقاء في الأراضي السورية ولم يتم القبض عليهم باستثناء بعض الحالات ما يعني أن بقايا الشبكات موجودة في القرى والبلدات وخاصة الحدودية التي تنفذ عمليات تهريب بين الفينة والأخرى وتستخدم حتى الطائرات المسيرة لهذا الغرض".

واستدرك قائلا: "ما يعني أنه لا بد من تكثيف المراقبة الأمنية وملاحقة هؤلاء المهربين الذين أثبتت الوقائع أنه لا فرق لديهم بين بقاء الأسد أو رحليه، لأن هذه الشبكات هدفها هو الربح وجني الأموال الطائلة عبر هذه التجارة التي تؤمن لهم النقد الأجنبي من المستهلك أينما كان". 

ورأى الأسعد أن "هذه الأموال لتلك الشبكات تشكل في نهاية المطاف خطرا على سوريا الجديدة، لا سيما أن من يديرون هذه الشبكات موالون للأسد وكانوا تحت إشراف أجهزة مخابرات الأسد".

ويؤكد خبراء أن الحكومة السورية الجديدة تواجه شبكة تهريب مخدرات متجذرة بشكل كامل نظرا لتشابكها مع شبكات دولية أوسع.

لا سيما أن العديد من المختبرات الصغيرة عند الحدود اللبنانية تعمل، مما يغذي التجارة غير المشروعة.

"أولوية المكافحة"

ولهذا فإن الأردن الذي تضرر كثيرا خلال سنوات حكم الأسد من تهريب المخدرات وما يزال وفق المعطيات الحالية، ووصل به الحد إلى شن ضربات جوية على منازل مهربين عند طرف الحدود السورية بعد معلومات استخباراتية دقيقة.

فقد قصفت طائرات حربية أردنية، في 14 يناير/كانون الثاني 2025 منزلين في قرية الشعاب بمحافظة السويداء جنوبي سوريا، أحدهما يعود لشخص متهم بتجارة وتهريب المخدرات.

بالمقابل وفي إشارة "لأولوية مكافحة" تجارة وترويج المخدرات، كثفت السلطات الأردنية، ملاحقة المتعاملين في الداخل الأردني مع شبكات التهريب الخارجية.

إذ أعلنت السلطات الأمنية الأردنية نهاية أبريل 2025 اعتقال 44 "تاجرا ومهربا ومروجا خطيرا" للمخدرات في حملات مداهمة في مناطق مختلفة في المملكة، وعثر بحوزتهم على كميات كبيرة من المخدرات بعضها معدّ للتهريب إلى الخارج.

وأوقفت السلطات الأردنية عام 2024 أكثر من 38 ألف شخص في أكثر من 25 ألف قضية مرتبطة بالمخدرات، وضبطت كميات كبيرة منها 27 مليون حبة كبتاغون.

وبحسب السلطات، قتل ثمانية من عناصر إدارة مكافحة المخدرات خلال عمليات في العام 2024 خلال اشتباكات مع المهربين.

إن ملف مكافحة المخدرات كان من أبرز الملفات التي ناقشتها المملكة الأردنية مع القيادة السورية الجديدة، لا سيما أن الوزير الأردني أيمن الصفدي كان أول مسؤول عربي يزور دمشق في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024 عقب سقوط الأسد؛ حيث التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع حينها في القصر الجمهوري، وأكد بعدها استعداد بلاده للمساعدة في إعمار سوريا. 

إذ زار الصفدي دمشق أكثر من مرة منذ سقوط نظام الأسد، وآخرها في  20 مايو/أيار 2025 التقى خلالها نظيره السوري أسعد الشيباني.

وحينما التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بنظيره الأردني أيمن الصفدي بالعاصمة الأردنية عمان في يناير/كانون الثاني 2025 بحثا مسألة تهريب المخدرات.

وقال الصفدي حينها: إن الأردن مستعد للعمل مع الإدارة السورية الجديدة في "مواجهة" تهريب المخدرات والأسلحة عبر حدودهما المشتركة.

وحينما استقبل العاهل الأردني عبد الله الثاني، الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في 26 فبراير/شباط 2025 في العاصمة عمان، وبحثا أمن الحدود بين البلدين، والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، وتهيئة الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين، وفق ما أفاد به بيان للديوان الملكي.

وسبق ذلك زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى العاصمة عمّان في 7 يناير/كانون الثاني 2025؛ حيث بحث مع نظيره الأردني أيمن الصفدي موضوع الحدود بين البلدين، ومخاطر تهريب المخدرات والسلاح والإرهاب وتهديدات تنظيم الدولة.