تشييع وعزل.. خطة لتحويل حي "السيدة زينب" السوري إلى ضاحية إيرانية

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بالتوازي مع ضجيجها العسكري والاقتصادي في سوريا، تصر إيران على سلخ حي "السيدة زينب" جنوبي العاصمة دمشق عن محيطه وتحويله لعاصمة إدارية شيعية لها في هذا البلد الذي مزقته الحرب.

ولإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد من السقوط إثر ثورة شعبية كادت تطيح به، تدخلت إيران عسكريا بالبلاد في عام 2012، وكانت "السيدة زينب" هي العنوان الأبرز الذي استغلته للزج بالمليشيات الأجنبية للقتال تحت شعارات طائفية تخفي وراءها حلم الوصول إلى البحر المتوسط.

"لن تسبى زينب مرتين"، كان هذا الشعار كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.

حصن شيعي

وحاليا حي "السيدة زينب" جنوبي دمشق، تحول بعد عقد من الزمن لأضخم معقل محصن لمليشيات إيران في قلب العاصمة، حيث تقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط بالحرس الثوري.

وتؤشر الوقائع الميدانية إلى سعي طهران لعزل هذا الحي عن دمشق، وتحويله لبقعة جغرافية خاصة بها في سوريا ذات أيديولوجية واحدة.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عمدت إيران إلى تدعيم منطقة البحدلية التابعة لناحية ببيلا والملاصقة لحي السيدة زينب بعوائل عناصرها من المليشيات السورية الموالية لها وسهلت تمركزهم فيها.

كما سمحت بسكن هؤلاء في مخيم "قبر الست" وهو أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين القريب من حي السيدة زينب، الذي جرى تهجير معظم سكانه منذ عام 2011.

وأنشأت كذلك إيران عدة معسكرات تدريب في المزارع والبساتين المحيطة بحي "السيدة زينب" للعناصر المحلية التي انضمت للمليشيات الإيرانية، لخلق بقعة نفوذ ممتدة إلى مطار دمشق الدولي.

ولوحظ تكثيف تجار عقارات تابعين لإيران عمليات شراء عقارات وأراض زراعية في محيط حي السيدة زينب ضمن شريط عمراني محدد مسبقا يسمى "الطوق الأمني".

وبحسب موقع "صوت العاصمة" المعارض، فإن الحرس الثوري الإيراني نقل 11 عائلة شيعية من عائلات عناصره من الجنسيات الإيرانية والأفغانية وأخرى من الجنسية العراقية، من محيط مدينة تدمر بحمص إلى بلدة حجيرة وأسكنهم في منازل بالمنطقة الفاصلة بين حجيرة و"السيدة زينب" في الأسبوع الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2021.

ويأتي ذلك بعد أن بنت إيران حسينيتين شيعيتين داخل الأحياء السنية في بلدة حجيرة في ديسمبر 2019، وسبق ذلك افتتاح حسينية في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وترميم بناء آخر وتحويله إلى حسينية.

ويوجد في الحي "مقام السيدة زينب" الذي يبعد عن مركز العاصمة بضعة كيلومترات، وكانت تسكنه عوائل سنية، لم تكترث قبل عام 2011 إلى وصول وفود سياح شيعة بين الفينة والأخرى بقصد "التبرك" به.

لكن حي "السيدة زينب" غدا اليوم، وجهة للسياحة الدينية التي تشجع عليها إيران، وتجذب آلاف الزوار سنويا إليها من مواطنيها، والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان.

اهتمام رسمي 

ودأبت إيران على إقامة الطقوس أمام "مقام السيدة زينب" في يوم "عاشوراء" من كل عام، وهو ذكرى استشهاد الإمام الحسين حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في معركة كربلاء وهو ما يعتبره الشيعة يوم "عزاء وحزن".

واتخذت طهران من مسألة الدفاع عن "المقامات" حجة لجذب المليشيات الشيعية من كل أصقاع العالم إلى سوريا، إلى أن بلغ تعداد أفراد تلك المليشيات ما بين أجنبية ومحلية نحو مئة ألف، ينتشرون في دمشق وريفها ودير الزور وحلب وحمص وحماة والجنوب السوري.

وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، أصدر مرسوما عام 2016 عين بموجبه أبو الفضل الطباطبائي الاشكذري، ممثلا عنه في سوريا، خلفا لآية الله سيد مجتبى حسيني الذي عين ممثلا للولي الفقيه في العراق.

ومن المثير للانتباه أن المسؤولين الإيرانيين الكبار الذي زاروا دمشق خلال العقد الأخير، كانوا يتوجهون فور نزولهم في مطار دمشق الدولي لزيارة "مقام السيدة زينب" الذي يبعد عنه بضعة كيلومترات قبل لقائهم بشار الأسد أو مسؤولي النظام.

وإليه توجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فور وصوله إلى مطار دمشق في 3 سبتمبر 2018 مع مساعد وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد آنذاك، وعقب ذلك توجه إلى لقاء بشار الأسد في قصره.

كما أن الرئيس الحالي لإيران إبراهيم رئيسي، زار مقام السيدة زينب في 29 يناير/ كانون الثاني 2018، بصفته "متولي شؤون الروضة الرضوية" في مدينة مشهد الإيرانية.

واطلع حينها على الخطوات المنجزة لإعادة إعمار المقام من قبل لجنة إيرانية مختصة بإعمار العتبات المقدسة، وفق وكالة فارس الإيرانية.

وفي نوفمبر 2018، أنشأت إيران مضيف "مرقد السيدة زينب"، وهو عبارة عن 3 طوابق بمساحة 2300 متر مربع، حيث خصص الطابق السفلي كمخزن للمواد الغذائية، والطابق الأرضي للمطبخ والطابق العلوي مضيف.

كما أن قائد "فيلق القدس" السابق، قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020، كان دائم التردد على زيارة مقام "السيدة زينب".

وذلك في رسالة من سليماني رجل إيران الأول ومهندس تدخلاتها الخارجية والمؤسس لأذرعها المليشياوية على أهمية المنطقة بالنسبة لطهران.

ولم يتوان كذلك قادة مليشيا إيران وخاصة من الجنسية العراقية في حضور المناسبات الشيعية الدينية التي تقام في منطقة "السيدة زينب"، والمشاركة في طقوس اللطم.

ومن أبرزهم قائد مليشيا لواء الإمام الحسين العراقي "أسعد البهادلي"، وقائد لواء "ذو الفقار" العراقي "أبو شهد الناصري"، وزعيم مليشيا "النجباء" في العراق أكرم الكعبي.

خطوات العزل

توجه إيران لنزع هوية أحد أحياء دمشق لم يكن ليمر لولا وجود الضوء الأخضر من النظام السوري، لخلق حاضنة اجتماعية شيعية في سوريا.

وهذا كله ضمن الهدف الأكبر المتمثل بمشروع "الطوق الأمني" لمحيط دمشق، الذي أشرف على تنفيذه الحرس الثوري الإيراني منذ مطلع عام 2017.

ويبدأ "الطوق" المزعوم من مخيم اليرموك مرورا بأحياء ملاصقة له وهي ببيلا، ويلدا، وبيت سحم، والسيدة زينب، وحجيرة، وصولا إلى مطار دمشق الدولي، بما يضمن عملية تغيير ديموغرافي تخنق العاصمة وتؤثر عليها اجتماعيا واقتصاديا.

ويلاحظ تغير أسماء الشوارع المؤدية إلى مقام السيدة زينب، حيث أطلقت إيران أسماء ذات طابع شيعي مثل "دوار الشهداء"، و"الحوارء"، و"الفاطمية"، ناهيك عن اللافتات المكتوبة باللغة الفارسية.

كما جرى في الحي بناء مستشفى خاص محصن بجدران مضادة للانفجار، لعلاج قادة الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريا، وقادة باقي المليشيات من الجنسيات الأخرى.

ويؤكد مدير تحرير شبكة "صوت العاصمة" المعارضة، أحمد عبيد أن "إيران اتبعت عدة نقاط لعزل السيدة زينب وتحويلها لضاحية جنوبية ثانية، بدأت بالتمركز داخل المنطقة، واقتطاع أجزاء من المنطقة وخاصة الواقعة بمحيطها مثل حجيرة وطريق يلدا، فضلا عن وضع حواجز تابعة لمليشياتها على الطرق المؤدية إلى السيدة زينب".

وأضاف مدير الشبكة المختصة بأخبار العاصمة وريفها لـ "الاستقلال" أن "إيران تابعت أعمالها باقتطاع أراض ومساحات أخرى وسط السيدة زينب بحجة توسيع المقام، ونقلت عشرات العائلات الشيعية إلى المنطقة".

ولفت عبيد إلى أن "النقطة الأبرز والأهم لدى إيران قبل عزل السيدة زينب عن دمشق هي السيطرة المطلقة على المنطقة، وإبعاد السكان الأصليين عنها".

وحدد عبيد عدة نقاط رئيسة تتبعها إيران في عزل حي السيدة زينب، وأبرزها: "إقامة الحواجز والتحكم بها، ومنع دخول الأشخاص إلا وفق شروط معينة، إضافة إلى التحكم الكامل بالملف الأمني للمنطقة، وهو السبب الرئيس للخلاف الذي أدى لاشتباكات مع الأمن العسكري والفرقة الرابعة عام 2021".

ومضى يقول: "حاليا السيطرة على السيدة زينب تعود لإيران، وهي صاحبة القرار فيها، ولا تسعى لعزل المنطقة إداريا فقط، إنما لجعلها تجمعا شيعيا يمنع الدخول إليه إلا بإذنها".

هدية الأسد

ومنذ عام 1970 حتى 2011 بقي حي السيدة زينب بعيدا عن المذهب الشيعي حتى مع وجود المقام الذي يمثل رمزية كبيرة لعموم الشيعة في العالم.

إلا أنه نهاية عام 2012 بدأت طهران بتجميع مقاتلين من جنوب العراق للزج بهم في المعارك إلى جانب النظام السوري، وبعد أشهر أصبحت تشكيلات عراقية تعلن بشكل علني توجهها إلى سوريا مثل "لواء ذو الفقار".

 كما أن حاجة رأس النظام السوري بشار الأسد، لإيران لإنقاذه من السقوط، جعل من طهران تتمدد أكثر في البلاد، ليس عسكريا، بل ثقافيا ودينيا، بحيث حققت على مدى العشر سنوات الماضية ما لم تحققه زمن الأسد الأب.

ولهذا بدأت إيران بتوسيع طقوسها الشيعية في العاصمة دمشق التي تطلق العروض والطقوس والمواكب من حي السيدة زينب خاصة مع حلول ذكرى "عاشوراء"، من كل عام، إلى أن تخترق قلب العاصمة عند سوق الحميدية الشهير وصولا إلى مقام "السيدة رقية" في حي العمارة الدمشقي، الذي يبعد نحو مئة متر عن الجامع الأموي الكبير.

وأمام هذا المد الشيعي، الذي يشرف عليه المركز الثقافي الإيراني وفروعه في المحافظات السورية، باتت دمشق تعرف بـ"العاصمة المحتلة" من إيران.

لا سيما ووكلاء إيران يواصلون شراء المنازل في مناطق حساسة وذات قيمة تاريخية فيها تأمينا لمستقبل نفوذها، وبما يضمن إحداث التغيير الديموغرافي الذي يريده النظام في سوريا.

إضافة إلى منح النظام السوري، الجنسية السورية لعشرات الآلاف من الإيرانيين، وفق ما أكدته دراسة لمركز "حرمون"، صدرت في 29 نيسان/ أبريل 2018، تحت عنوان "مؤسسات النفوذ الإيراني في سوريا وأساليب التشييع".

وربما حديث بشار الأسد المتكرر عن مصطلح "المجتمع الأكثر تجانسا"، الذي يزعم أنه تحقق في سوريا، يقصد به المليشيات الشيعية التي جنسها بطلب من طهران لقاء الدعم المقدم له في تثبيت حكمه.