وزير العدل المغربي وسط العاصفة.. قصة حرب شعواء ضد الصحفي حميد المهداوي

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

وسط انتقادات حقوقية وسياسية واسعة، يواصل وزير العدل بالمغرب عبد اللطيف وهبي، تضييقه على الصحفيين ومتابعتهم بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر، ومن ذلك ما يتعرض له الصحفي المستقل حميد المهداوي.

حيث أعلن المهداوي، وهو مدير نشر موقع “بديل أنفو” المحلي، في 26 مايو/أيار 2025، عن تقديم وهبي ضده شكايتين جديدتين، تضاف إلى شكايات أخرى يتابع على إثرها قضائيا حاليا.

قيود بلا حدود

وذكر المهداوي أن وزير العدل بهذه الشكايات يمارس ضغطا على هيئة الحكم المعنية باستنطاقه بخصوص الحكم الابتدائي ضده والقاضي بتغريمه بـ 150 ألف دولار، وسنة ونصف حبسا نافذة، الصادر في نوفمبر/تشرين ثاني 2024.

وذكر المهداوي أن الشكايتين الجديدتين تأتيان بعد قرار صدر عن اللجنة المؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة، المعينة من حكومة عزيز أخنوش، والمتعلق بسحب بطاقة الصحافة المهنية منه، يوم 17 أبريل/نيسان 2025، بعلة استخدامه لعبارات وصفت من اللجنة بغير الأخلاقية.

وأضاف: وأيضا بعد قرار المحكمة الإدارية بالرباط، بتأييد قرار اللجنة المؤقتة بتاريخ 21 مايو 2025 دون أن تنظر المحكمة للوثائق التي قدمها على المدعي عليها، أي اللجنة.

وشدد المهداوي على أن ما يجرى في حقه يتم إلى جانب حملة مسعورة تخوضها ضده صفحات ومواقع مشبوهة وكأنه فاقد لحقوقه كمواطن مغربي، وفق تعبيره.

وسبق للمهداوي أن أعلن يوم 24 مايو 2025، دخوله في إضراب عن الطعام، دون تحديد مكان أو مدة الإضراب، مبررا قراره بتعرضه وأسرته لما وصفه بـ "ترهيب نفسي شديد" من مصادر مختلفة.

ويواجه المهداوي تهما تتعلق بـ"بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة ومن أجل التشهير بالأشخاص، والقذف، والسب العلني"، وفقا لفصول من القانون الجنائي، وذلك منذ فبراير/شباط 2024، في دعوى تقدم بها وهبي.

وتأتي هذه التفاعلات في خضم قرار محكمة الاستئناف بالرباط، في 26 مايو 2025، تأجيل النظر في قضية المهداوي إلى الثاني من يونيو/حزيران 2025.

ووفق موقع "بلبريس" المحلي، جاء هذا القرار الأخير استجابة لطلب تقدمت به هيئة دفاع الصحفي، التي عزت السبب إلى حالة الإرهاق التي يعاني منها موكلها، مما استدعى منحه مهلة إضافية.

وكشف الموقع أن المهداوي لم يتمكن من الوقوف خلال الدقائق الأخيرة من الجلسة، الأمر الذي دفع القاضي إلى تأجيلها بناء على طلب الدفاع.

وكانت المحكمة ذاتها قد أجلت محاكمة المهداوي مساء 19 مايو 2025 إلى جلسة  26 مايو لمناقشة الموضوع، وذلك بعد جلسة ماراثونية استمرت لعشر ساعات.

وقبل ذلك، شهدت القضية تأجيلا آخر يوم 12 مايو 2025، حيث أُرجئت الجلسة بسبب انضمام أعضاء جدد لهيئة الدفاع.

ويحظى المهداوي بمتابعة واسعة من لدن المواطنين لقناته على يوتيوب، ويحقق مشاهدات كبيرة، مستعملا لغة دارجة وعربية مبسطة، مع تركيزه على انتقاد حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، وكشف اختلالات تدبيرها للشأن العام.

سمعة متهاوية

في ظل هذه التطورات، عبر رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان نبيل الأندلوسي، عن تضامنه المبدئي مع الصحفي حميد المهداوي.

وتأسف الأندلوسي في حديثه لـ "الاستقلال"، للمسار الذي اختاره وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، لما يحمله من أضرار على سمعة البلاد حقوقيا، تقديرا لرمزية الوزارة التي يمثلها.

وأضاف، من حق وزير العدل أن يلجأ للقضاء، مثله مثل أي مواطن مغربي، لكن التعسف في استعمال الحق، والإشارات السياسية التي تعطيها متابعة صحفيين بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر، بل تكثيف المتابعات ضد صحفي بعينه، من طرف وزير، هو أمر مؤسف.

وتابع الأندلوسي: ما يجري يحمل رسالة سياسية سلبية، سواء كانت بقصد أو دونه، عنوانها البارز الانتقام وليس تحقيق العدالة.

وشدد رئيس منتدى الكرامة الحقوقي أن "التعسف في استعمال حق اللجوء إلى القضاء معاكس لروح المبادرة الملكية بالعفو عن عدد من الصحفيين، ولا يخدم بأي حال صورة المغرب الحقوقية".

وكان الملك محمد السادس قد أصدر عفوا عن عدد من الصحفيين بتاريخ 29 يوليو/تموز 2024، شمل توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي، وهي الخطوة التي لقيت إشادة واسعة من أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية بالبلاد.

ARticle-psd-copie-45.jpg

في تحليله لخلفيات هذه الحرب التي تشن على المهداوي، قال المحلل السياسي علي فاضلي، إن الأزمة الحقيقية لحميد المهداوي بدأت منذ انتقاله من الهجوم على حزب العدالة والتنمية إلى التقاطع معه و"الدفاع" عنه في مجموعة من القضايا والملفات والإشادة به.

وأضاف فاضلي لـ "الاستقلال"، وعبر استضافته لقيادات الحزب والتي توجت باستضافة الأمين العام عبد الإله بنكيران.

وأردف، لقد استضاف المهداوي غير ما مرة الحقوقي اليساري الاستئصالي عزيز غالي رغم مواقفه الراديكالية، كما استضاف غيره من المعارضين، لكن الأمر لم يثر حساسية كما يثيرها التلاقي بين العدالة والتنمية بنموذجه الإصلاحي مع إعلامي مشهور يتابع بشكل كبير.

وزاد، ذلك أن استضافة شخصيات راديكالية لا يثير حساسية بعض الأطراف، بل بالعكس، يخدم أطروحتها وتموقعها، وحتى بعض المواقع الإعلامية المحسوبة والتابعة لتلك الأطراف فهي نفسها تستضيف عزيز غالي وأمثاله، ولا مشكلة لها في ذلك.

وشدد فاضلي أن المشكلة الحقيقية لتلك الأطراف هو التلاقي بين حزب إصلاحي مثل العدالة والتنمية وإعلام منتشر وشعبي، لأن العدالة والتنمية يواجه تلك الأطراف ويناضل من داخل المؤسسات القائمة بل ويدافع بمبدئية عن ثوابت الوطن.

لهذا- يردف المحلل السياسي- "فقد استهدف كل منبر إعلامي يتقاطع مع العدالة والتنمية، لأن الهدف هو "حصار" الفكرة الإصلاحية التي تنطلق من ثوابت الوطن لكنها ضد الفساد ومع الإصلاح والديمقراطية والحرية".

ونبه المتحدث ذاته إلى أن "المهداوي الحالي غير المهداوي السابق، وقد راجع مجموعة من آرائه وأقر بأنه كان خاطئا في بعضها".

ورأى أن "قوة المهداوي أنه ينطلق من ثوابت الوطن، ولم ينجر للفخاخ التي تنصب إليه لدفعه لردود فعل انفعالية للوقوع في المحظور".

وشدد فاضلي أن "قيادة العدالة والتنمية مطلوب منها جعل قضية الاستهداف الذي يتعرض له المهداوي من أولوياتها، لأن الاستهداف هذه المرة يتعلق بشكل واضح بحرية التعبير وبتوظيف اللجنة المؤقتة لتدبير قطاع الصحافة لتصفية الحسابات السياسية.

وزاد، وأيضا يتعلق بتوظيف اللجنة لمحاصرة الرأي الذي ينتصر لثوابت الوطن والمطالب بالديمقراطية والإصلاح، وتوظيفها لترهيب الصحفيين في حرية العمل وحرية استضافة وتبني الآراء التي يعتنقونها وفي استضافة والدفاع عن الأحزاب الإصلاحية الديمقراطية.

تفاعلات واسعة

عدد كبير من الناشطين والمراقبين انتقدوا ما يتعرض له الصحفي المهداوي على يد وزير العدل، محذرين من تبعات الاستمرار في هذا النهج التضييقي على الصحافة الحرة والمستقلة.

وفي هذا الصدد، قالت المحامية ونائبة رئيس مجلس النواب السابق أمينة ماء العينين، “كل يوم استدعاء جديد في حق الصحفي حميد المهدوي، ما الذي يحدث بالضبط، وما هو حجم الخطر الذي يشكله، وما حجم تهم مخالفة القانون التي  توجه إليه؟”

وشددت ماء العينين في منشور عبر حسابها على فيسبوك، أنه لا يمكن القبول بإشاعة الشعور بالاستهداف والإمعان في الملاحقات الإدارية والقضائية لأي كان.

وأضافت، أما حينما يكون المعني بالأمر صحفيا، ويكون الموضوع له علاقة بقضايا الصحافة والرأي، فالحذر يجب أن يكون مضاعفا حفاظا على ضمانات القانون وعدم المس بحرية الرأي والتعبير. 

ورأت أن هذه الحرية تحتاج أخيرا لأكثر من تحصين حينما تنأى عن التشهير والتلفيق والسب والقذف الذي يعج به الكثير مما يعد مواقع صحفية ويعج به العديد من الصفحات بدون رقابة مهنية أو متابعات قانونية

من جانبه، قال رئيس جمعية مهندسي العدالة والتنمية، ونائب عمدة سلا السابق، عبد اللطيف سودو عن الملاحقة الجديدة من وهبي للمهداوي: "بئس السياسي وبئس الوزير.. أي عدل هذا؟.. لماذا ملاحقة الصحفيين؟"

أما رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة امحمد الهلالي، فتفاعل قائلا: “أين المثقفون والمفكرون مما تتعرض له حرية التعبير والصحافة من طرف السلطة التنفيذية بقيادة وزير العدل؟”

ونبه إلى أن ما يجرى يستدعي إصدار بيان لمثقفي المغرب ومفكريه ومناصري حرية التعبير للتنديد بالسلوك المشين للحكومة ولوزير العدل بها، والذي يترك شؤون العدالة تغرق ليتفرغ لشكايات ضد الصحافة الحرة وضد حرية التعبير، وتسخير دكاكين الدعاية والتشهير للتحريض ضد ممارسة حرية التعبير.

بدوره، ذكر الروائي والكاتب عبد العزيز العبدي، أنه لا يمكن إلا الاستغراب مما يقع مع، وفي، ومن خلال الصحفي حميد المهداوي.

وأردف في منشور عبر فيسبوك: "أيُّ عاقل، مهما كان مختلفا معه، لا يسعه إلا أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله…".

وشدد أنه، ومهما تكن الأحكام الصادرة بحقه، فهي في النهاية ليست سوى خسارات لهذا البلد المثخن بجراح الظلم والفساد… وزادوه على ذلك ملفاتِ حميد المهداوي".

تضامن واسع

خلقت هذه المتابعات والتضييقات التي يتعرض لها الصحفي حميد المهداوي حالة تضامن واسع عبر الجسم الحقوقي، ومن ذلك ما عبر عنه حسن اليوسفي، رئيس مركز عدالة لحقوق الإنسان.

حيث أكد اليوسفي لموقع "صوت المغرب"، في 26 مايو 2025، أن "المعركة التي يخوضها هي معركتنا جميعا، وذلك من أجل الدفاع عما تبقى من الصحافة الحرة في المغرب".

وتابع أن "المركز تابع بانشغال بالغ التطورات الخطيرة والمتسارعة التي عرفتها قضية المهداوي، خاصة بعد بلوغ الحملة التي تستهدفه مرحلة التشهير به وبأفراد أسرته".

ورأى أن "هذه الممارسات تقف وراءها جهات محددة بعينها، سعت إلى إسكات صوت صحفي حر بكل الوسائل، وهو ما أدى إلى تعريضه، رفقة أفراد من عائلته، لترهيب غير مسبوق".

وفي السياق ذاته، عبر اليوسفي عن "استغرابه من قرار اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، التي رفضت تجديد بطاقة الصحافة للمهداوي دون تقديم مسوغ قانوني واضح، رغم لجوئه إلى القضاء الإداري قصد الطعن في هذا القرار.

وأكد الفاعل الحقوقي أن "الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية كان ابتدائيا وقابلا للاستئناف والنقض، في إطار احترام مبدأ تعدد درجات التقاضي".

كما نبه المتحدث ذاته إلى "خطورة الحملة الإعلامية الجديدة التي انطلقت بالتزامن مع صدور الحكم، والتي روجت بشكل متعمد لمعلومة خاطئة مفادها أن القرار القضائي نهائي".

وشدد أن ذلك يدخل في إطار "سعي مكشوف لتضليل الرأي العام، ويعطي الانطباع بأن بعض الجهات أصبحت قادرة على صناعة القرارات السياسية والإدارية خارج إطار القانون والدستور".

هذا المد التراجعي في حرية الصحافة، وتنامي استهداف الصحفيين، جاء أيضا في آخر تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود، الصادر مستهل مايو 2025.

حيث ذكر التقرير أنه منذ فوز حزب التجمع الوطني للأحرار في الانتخابات التشريعية لعام 2021، كثّف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، المتابعات القضائية ضد الصحفيين المنتقدين لحكومته، مستغلا قوته المالية للتأثير في الخط التحريري لأبرز وسائل الإعلام، في حين تُفرض قيود مالية على المنابر التي تعارض الحكومة.

وأورد التقرير أن "تعددية وسائل الإعلام في المغرب لم تعد سوى واجهة شكلية، حيث لا تعكس تنوع الآراء السياسية في البلاد، وذلك في ظل الضغوط الكبيرة المفروضة على المنابر المستقلة، والتضييق المستمر على الحق في الوصول إلى المعلومة".

وكشف التقرير أن "التحالف بين المال والسلطة يُعيق قدرة الصحافة على تناول قضايا الفساد في تدبير الشأن العام، حيث باتت أي محاولة لكشف الفساد تنطوي على مخاطر قانونية ومالية جسيمة.

وأكدت المنظمة أنه "على الرغم من أن الإفراج الأخير عن عدد من الصحفيين منح بصيص أمل، إلا أن الصحفيين المنتقدين للحكومة باتوا هدفا متكررا للمتابعات القضائية، خصوصا مع اقتراب انتخابات 2026".

وتابعت: "حيث يستخدم رئيس الحكومة صلاحياته لتقييد حرية الصحافة، فضلا عن تكثيف وزير العدل عبد اللطيف وهبي الملاحقات القضائية ضد الصحفيين".

ومن الناحية القانونية، أكد التقرير أنه في الوقت الذي يضمن الدستور المغربي حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومة، كما يحظر الرقابة المسبقة، "إلا أن ذلك لا يُطبق بفعالية"، مضيفا "أنه رغم إلغاء قانون الصحافة للعقوبات السجنية، إلا أن القوانين الجنائية تُستخدم لملاحقة الصحفيين".

وخلص التقرير إلى أن "غياب الضمانات القانونية الكافية لحماية حرية التعبير والصحافة وضعف استقلالية القضاء، يدفعان الصحفيين إلى الرقابة الذاتية".